سلايدر الرئيسيةالمقالاترئيسيةكهرباءمقالات الكهرباءمقالات النفطنفط

مقال - كيف أدّى سوء إدارة قطاع الطاقة في لبنان إلى توقف محطتي كهرباء؟

نُعام ريدان

اقرأ في هذا المقال

  • سوء إدارة قطاع الطاقة اللبناني وراء توقف محطة كهرباء الزهراني
  • القائمون على قطاع الكهرباء أرادوا استبدال غاز النفط المستعمل عادة في الزهراني ودير عمار بنوع آخر
  • الشعب اللبناني يعاني من ساعات تقنين حادّة تؤثّر في حياته اليومية
  • الرئيس أعلن الاتفاق مع العراق على استيراد نفط خام..كيف ذلك ولا توجد مصافٍ في لبنان؟

توقفت محطة الزهراني للكهرباء في لبنان عن العمل يوم 28 مارس/آذار الماضي، ما أدّى إلى زيادة التقنين الكهربائي في ظل أزمة مالية غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

تعدّدت التقارير حول الأسباب التي أدّت إلى توقف هذه المحطة الواقعة جنوب العاصمة بيروت، لكن السبب الرئيس -بناءً على المعلومات المتوافرة وأداء القائمين على هذا القطاع- هو سوء إدارة قطاع الطاقة في لبنان منذ نهاية الحرب اللبنانية (1990) وانعدام الشفافية.

غاز النفط (الديزل) كان متوفرًا لكن المحطة توقفت.. فماذا حدث بالضبط؟

المشكلة في معمل الزهراني بدأت بعد جدل حول شحنة غاز النفط (نوع من أنواع الديزل أو المازوت، ويعرف أحيانًا بأنه الديزل الأحمر) على متن ناقلة النفط Histria Perla التي وصلت إلى مرسى الزهراني بتاريخ 4 مارس/آذار.

ويشير بيان صادر عن مؤسسة كهرباء لبنان في الشهر الماضي إلى أنه جرى توريد هذه الشحنة بواسطة المديرية العامة للنفط التابعة لوزارة الطاقة والمياه، بموجب عقد شراء فوري.

بحسب موقع MarineTraffic لتتبّع حركة السفن، انطلقت الناقلة من مرفأ أغيوي ثيودوروي اليوناني بتاريخ 2 مارس/آذار، وكانت سابقًا في الصخيرة في تونس قبل الوصول إلى اليونان.

وتشير شركة كبلر المختصة التي تنشر بيانات حول تجارة النفط، إلى أن Histria Perla حُمِّلت بشحنة غاز النفط من الصخيرة في 18 فبراير/شباط، ثم انطلقت بعدها إلى اليونان لتحميل شحنة إضافية من مصفاة Motor Oil Hellas Corinth في 28 من الشهر نفسه، لكن عندما وصلت الباخرة إلى الزهراني بداية الشهر الماضي لم تستطع تفريغ هذه الشحنة بسبب جدل حول مواصفات غاز النفط المحمّل على متنها، وإمكان اسعماله في توربينات الزهراني المصممة من قبل شركة سيمنس الألمانية.

ما هي المشكلة بمواصفات الشحنة؟

في بيان لها صادر بتاريخ 28 مارس/آذار، ذكرت مؤسسة كهرباء لبنان أن "المواصفات الواردة في دفتر شروط توريد مادة غاز النفط منقولة من كتيب الإرشادات للشركة الصانعة سيمنس".

وأوضحت أن مواصفات الشحنة لاتتطابق مع المواصفات المطلوبة وفقًا لتقرير مختبرات شركة "Bureau Veritas"، ومقرّها دبي في الإمارات العربية المتحدة، والمتعاقدة مع وزارة الطاقة والمياه، المديرية العامّة للنفط، والتي حلّلت عينات من الشحنة.

المشكلة التقنية لم توَضّح بشكل كافٍ في بيان مؤسسة كهرباء لبنان، لكن البيان أشار إلى جدل حول طريقة اختبار تُعرف بـ"ASTM D381"، والتي بدورها تدل على إمكان أن يكون جزء من المشكلة متعلقًا بالمحتوى الصمغي، الذي قد يؤثّر في عمل المولدات وعمرها، فالمحروقات قد تحتوي على مواد ملوثة، ولهذا الأمر يجب الكشف على مواصفات الشحنات قبل استعمالها في معامل الكهرباء.

يقول مصدر متابع لهذا الموضوع، إن القائمين على قطاع الكهرباء أرادوا استبدال غاز النفط المستعمل عادة في الزهراني ودير عمار بنوع آخر (وهو الموجود على متن Histria Perla)، لكن بما أن سيمنس هي المصممة للتوربينات، جرى التواصل مع الشركة الألمانية للاستفسار عمّا إذا هناك إمكان لاستبدال الوقود، رغم معرفتهم بأن هذا الامر قد يؤدي إلى مشكلات تقنية، وهنا تبرز الفوضى بإدارة قطاع الطاقة في لبنان.

قطاع الطاقة

في الأشهر الماضية من هذه السنة أُجريَت بعض أعمال الصيانة بمحطتي دير عمار والزهراني بجزء من المساعدة التي كانت شركة سيمنس قد قررت تقديمها للبنان بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/اغسطس 2020.

وبحسب المصدر، فالمساعدة تتضمن تحديث محطتي الكهرباء في الزهراني ودير عمار، دون أيّ تكلفة على لبنان، إلى جانب إجراء الصيانة اللازمة.

عملية التحديث لم تتمّ بعد، وسوف تستغرق بعض الوقت، كما إن الصيانة لم تكتمل، وكان يجب الشروع بهذا العرض السنة الماضية، علمًا بأن الشركة الألمانية قدّمت هذا العرض في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وبعد تعديله بناءً على طلب الدولة اللبنانية.

فالعرض الأوّلي تضمَّن تقديم الشركة مولّدين كهربائيين، دون أيّ مقابل، لكن المشكلة كانت في تأمين مادة الديزل لتشغيلهما والتي كانت مكلفة بحسب وزارة الطاقة، فجرى تعديل عرض المساعدة.. لكن ما نفع إجراء صيانة لمعملي الزهراني ودير عمار إذا كانت هناك سياسات غير واضحة لناحية نوعية الوقود الذي قد يُستعمل في المستقبل، والذي قد يؤثّر في عمل المولدات؟ فالهدف يجب أن يكون المحافظة قدر المستطاع على عمر التوربينات، وليس استعمال نوعية وقود تقوم بتقصير عمرها، الأمر الذي يترتب عليه تكاليف إضافية في ظل أزمة مالية خانقة.

هذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها لبنان جدلًا حول مواصفات المواد النفطية المستوردة وتأثيرها في عمل معامل الكهرباء..

ففي قضية مغايرة، وخلال السنة الآنفة، كُشِف عن عمليات تلاعب بمواصفات مواد نفطية دخلت لبنان في السنوات السابقة، وتورّط بعض موظفي المختبرات -التي تقوم بفحص عينات من الشحنات النفطية- مقابل رشاوى ومنافع مادّية.

هذه القضية عُرفت آنذاك بـ"ملف الوقود المغشوش" أي الوقود غير المطابق للمواصفات (مثلًا من ناحية الكثافة ونسبة الترسبات) الذي أدّى إلى أضرار وأعطال في معامل الكهرباء، من بينها محطتا الذوق والجية للمولدات الحرارية العكسية اللتان تعتمدان على النفط الثقيل وقودًا.

قطاع الطاقة

بالعودة إلى الناقلة Histria Perla، ففي الوقت الذي كانت فيه راسية مقابل محطة الزهراني إلى حين إيجاد حلّ لشحنتها، كانت المحطة بانتظار شحنة غاز نفط أخرى قادمة من ميناء عبدالله في الكويت، على متن الناقلة Al Soor II، لكن بعد توقّف الملاحة الشهر الماضي في قناة السويس بسبب حادثة " إيفر جيفن"، تأخرت الباخرة في الوصول إلى محطة الزهراني، ما أدّى إلى توقّف المعمل -ولاحقًا دير عمار- عن العمل.

المعملان يستعملان مادة غاز النفط أو الديزل الأحمر لإنتاج الكهرباء، علمًا بأنه بإمكانهما العمل على الغاز الطبيعي حسب التصميم، لكن الغاز غير موجود والبنية التحتية أيضًا غائبة، بالرغم من كل الدراسات التي أُعدّت حول كيفية إصلاح قطاع الطاقة عبر السنوات الماضية.

وصلت الناقلة النفطية Al Soor II إلى الزهراني بتاريخ 2 أبريل/نيسان، بعد عودة حركة الملاحة إلى طبيعتها في قناة السويس، وتمكّنت من تفريغ حمولتها قبل التوجّه شمالًا بتاريخ 5 من هذا الشهر لتفريغ الجزء المتبقي من غاز النفط في محطة دير عمار، لكن لا تزال ناقلة النفط Histria Perla راسية مقابل محطة الزهراني لأكثر من شهر، ما يشير إلى أن موضوع مواصفات الشحنة لم يُحسم بعد.

يأتي ذلك في الوقت الذي يعاني فيه الشعب اللبناني من ساعات تقنين حادّة تؤثّر في حياته اليومية، حتى المولدات الخاصة لا تستطيع سدّ كل العجز الناجم عن انقطاع الكهرباء من المحطات التي تديرها الدولة اللبنانية.

استمرار السياسات الخاطئة في إدارة قطاع الطاقة

يقول البنك الدولي في تقرير صادر السنة الماضية، إن قطاع الطاقة في لبنان لطالما كان في "قلب التحديات الاقتصادية والمالية التي يواجهها البلد التي تُثقل العجز المالي والتجاري المرتفع، ما يستلزم دعمًا ماديًا كبيرًا من قبل الحكومة بسبب التعرفة المتدنية والتكاليف غير الفعالة.

هذا الواقع لا يزال مستمرًا، ووزارة الطاقة نفسها اعترفت بهذا الامر فيما يعرف بورقة سياسة قطاع الكهرباء (2019) التي بقيت حبرًا على ورق بسبب غياب الإرادة الجادة لإصلاح قطاع طاقة بات رهين سياسات قديمة وفاشلة.

فبحسب وزارة الطاقة، بلغ العجز المالي لمؤسّسة كهرباء لبنان في عام 2018 أكثر من 1.8 مليار دولار لأسباب عدّة، أهمّها "تثبيت معدّل التعرفة على معدّل أقلّ من كلفة الإنتاج، استخدام مولدات قديمة ذات كفاءة متدنية وكلفة تشغيلية مرتفعة"، بالإضافة إلى هدر فني يصل إلى 16%، وغير فني يصل إلى 21%.

وبالرغم من الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد حاليًا، لا يزال قطاع الطاقة بحاجة إلى موارد مالية طائلة لاستيراد المشتقات النفطية التي يعتمد لبنان عليها لتشغيل محطات الكهرباء، وبالتحديد زيت الوقود والديزل.

قطاع الطاقة

حتى في موضوع زيت الوقود الثقيل، فان الدولة اللبنانية لا تزال ترغب في استيراد شحنات من العراق، بالرغم من أن زيت الوقود العراقي غير مناسب لمحطات الذوق والجيه اللتان تستعملان هذا النوع من المحروقات.

فزيت الوقود العراقي، وكما أوضحت في مقال لي نشرته في فبراير/شباط الماضي، يحتوي على نسبة عالية من الكبريت (نحو 4%) ما يجعله غير صالح للاستعمال في لبنان، فوزارة الطاقة قالت في السابق: إن نسبة الكبريت المعتمد في لبنان هي 1%.

فإذا قامت حقًا وزارة الطاقة باستيراد زيت الوقود العراقي، فهذا سيؤدي إلى مشكلات بيئية وصحية وتقنية إضافية، خصوصًا إذا استعمل لفترة طويلة في المحطات القديمة التي تعاني أصلًا من أزمات تقنية، أو حتى المحطات الجديدة كالجيه والذوق للمحركات الحرارية العكسية، فمعمل الذوق القديم مثلا موجود في ذوق ميكايل، وهي منطقة سكنية لطالما عانت من الدخان الملوث المنبعث منه.

بالإضافة إلى ذلك، فان ما جرى نشره الأسبوع الماضي، عن اتفاق بين بيروت وبغداد -خلال زيارة وزير الصحة العراقي حسن التميمي للعاصمة اللبنانية- يفتقر إلى التفاصيل ويطرح أسئلة جديدة، فرئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون قال: إن الحكومة العراقية وافقت على "طلب لبنان تزويده بالنفط الخام مقابل الخدمات الطبية".

هنا تكمن المشكلة: منذ السنة الماضية الكلام كان عن استيراد مادة زيت الوقود من العراق وليس النفط الخام الذي يحتاج إلى مصافي لتكريره لإنتاج مشتقات نفطية مثل الديزل، وزيت الوقود يستخرج من النفط الخام، كما إن ‎وزارة النفط في بغداد أكدت في سؤال عن هذا الموضوع أن الاتفاق يتضمن "فقط زيت الوقود."

لا يوجد في لبنان مصافٍ لتكرير النفط الخام، مصفاة طرابلس القديمة متوقفة عن العمل منذ 1992، ولا يمكن الكلام عن استخدامها دون إجراء دراسة لمعرفة ما إذا كان هناك إمكان لتجديدها وتقييم الجدوى التقنية والاقتصادية.

الطاقة التكريرية للمصفاة قبل توقّفها عن العمل كانت نحو 20 ألف برميل يوميًا، وهي كمية لا يمكن أن تسدّ حاجة البلاد من المشتقات النفطية في الزمن الحاضر.

والأمر أكثر تعقيدًا بالنسبة لمصفاة الزهراني التي توقفت عن العمل في نهاية الثمانينيات، وكانت طاقتها التكريرية نحو 17 ألف برميل يوميًا، لا يمكن أبدًا استعمال هذه المصفاة التي لا يزال يأكلها الصدأ.

أمّا بالنسبة للعراق، فمن الأفضل مثلًا بيع كميات كبيرة من زيت الوقود الذي يمكن استخراج مشتقات نفطية منه ذات قيمة أعلى مثل البنزين -لمصافي معقّدة- بدل تقديمه للبنان مقابل "خدمات طبية" غير واضحة، وخصوصًا في ظل المشكلات التي يعاني منها القطاع الصحي اللبناني منذ انفجار مرفأ بيروت.

كل هذه المعطيات تشير إلى فوضى عارمة، وسوء إدارة لا تزال تعتري قطاع الطاقة في لبنان، فالمشكلة ليست فقط في كيفية استقدام المشتقات النفطية واحترام المواصفات التي يجب اتّباعها في محطات الكهرباء، بل أيضًا في عملية نشر معلومات إمّا مغلوطة أو غير واضحة حول قطاع الطاقة، وهذا القطاع أنهك خزينة الدولة، وحياة الشعب اللبناني الذي يحصل على كهرباء الدولة لبضع ساعات فقط قبل انقطاعها لتحلّ مكانها العتمة القاتمة، خصوصًا إذا كانت المولدات الخاصة غير متوافرة بسبب كلفتها الباهظة.

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق