مقال - التمويل عنصر حاسم في تحوّل قطاع الطاقة
ضرورة وضع إطار تشريعي مع إصلاحات هيكلية
مايكل بوكر*
إن طموحات الأهداف المناخية الحالية مازالت قاصرة على المستوى العالمي، كما إنها لا تأخذ في اعتبارها ارتفاع استهلاك الطاقة بوصفه نتيجة لتوفير إمدادات الطاقة للقطاعات الاقتصادية المختلفة من مصادر متجدّدة.
فبينما يمثّل توفير امدادات الطاقة الكهربائية فرصة حيوية لتحقيق النموّ الاقتصادي، إلّا أنّ التحوّل الكبير الذي تشهده القطاعات الصناعية من ناحية الطلب، وكذلك الجوانب المتعلّقة بتوليد نقل وتوزيع الكهرباء، سيحتاج إلى توجيه ودعم حكومي مستقبلًا.
إنّ الاقتصاد العالمي يواجه حالة من الركود الكبير نتيجة الآثار السلبية الواسعة لتفشّي وباء كورونا المستجدّ على المستوى العالمي. فالبشر في جميع أنحاء العالم مرّوا بتغيّرات عميقة في حياتهم، نتيجة هذا الوباء، بما في ذلك حدوث: الركود الاقتصادي والبطالة والتغيّر المناخي.
يشير البنك الدولي إلى أن تفشّي وباء كورونا المستجدّ كان السبب الرئيس وراء أسوأ موجة للركود العالمي، منذ عقود.
وكان ردّ الفعل العالمي تجاه هذا الوباء قويًّا، حيث خُصِّصَ نحو 20% من اجمالي الناتج العالمي بشكل برامج للحوافز والمساعدات الاقتصادية والمالية، بهدف مساعدة الاقتصاد العالمي والقطاعات الصناعية المختلفة على الصمود أمام آثار الوباء العالمي الآخذ في الانتشار.
الحاجة لحوافز اقتصادية
إننا بصفتنا دولًا وشركات وبشرًا، في حاجة ملحّة للتصميم الدقيق لبرامج الحوافز الاقتصادية العالمية، واستخدامها بكلّ كفاءة في دفع عجلة التحوّل بقطاع الطاقة، كما يجب علينا خلق عالم جديد يصبح فيه الاقتصاد القائم على إعادة تدوير الموارد، ونظم الطاقة والصناعات الخالية من الانبعاثات الكربونية، من المعايير والممارسات اليومية المعتادة.
ولكن قد يبدو هذا الأمر شاقًا إذا ما أخذنا في الحسبان التكاليف الهائلة والتغيّرات الكبيرة المطلوبة، بل أن هذا الأمر مليء بالتحدّيات المرتبطة بالتخصيص الكفء لرؤوس الأموال، وتحقيق التوازن بين المخاطر والعوائد، والاعتماد على تطبيقات تكنولوجية جديدة.
وعلى الرغم من كلّ ذلك، إلّا أن هذا التغيير سيكون مثمرًا وله آثار بيئية واجتماعية إيجابية عميقة، ولكنّه يقترن بضرورة تطبيق معايير الحوكمة وتنفيذ برامج طموحة للحوافز الاقتصادية وضخّ استثمارات مربحة في الطاقة من جانب القطاع الخاصّ.
وفي هذا الإطار، يُعدّ التمويل من العوامل التي لا غنى عنها لإتمام التحوّل في قطاع الطاقة، كما إنه يمثّل التحدّي الأكبر للعديد من المشروعات، خاصّةً تلك التي تعتمد على تكنولوجيا ثورية جديدة، أو في الدول التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي، أو في المناطق التي تعاني من الضعف الاقتصادي، أو حتّى في الدول التي تعاني من وطأة الديون السيادية.
لقد أصبحت حكومات الدول المتقدّمة، بالإضافة لبعض حكومات الدول النامية، أكثر رغبة ووعيًا بالحاجة الماسّة للتخلّص من الانبعاثات الكربونية، ووضع إطار تشريعي وإصلاحات هيكلية لقطاع الطاقة.
وبالطبع توجد بعض الجهود في مجال الطاقة الخضراء هنا وهناك، مع ازدياد عدد الدول الراغبة بصدق وجدّية في تنفيذ برامج الطاقة المتجدّدة على نطاق واسع، وتطبيق إستراتيجيات وطنية للتخلّص من الانبعاثات الكربونية.
من ناحية أخرى، يعيد المستثمرون المؤسّسون تقييم إستراتيجيتهم الاستثمارية، وإعادة توجيه وتخصيص أموالهم للاستثمار في المشروعات المحايدة كربونيًا، أو الهادفة للتخلّص من الانبعاثات الكربونية، بدلًا من توجيهها إلى المشروعات والاستثمارات الكثيفة في الانبعاثات الكربونية.
لقد كان شهر سبتمبر/أيلول الماضي، من الشهور الفارقة بكلّ المقاييس، ليس فقط لأنه الشهر الذي حصل فيه انفصال سيمنس للطاقة عن الشركة الأمّ، وادراجها في بورصة فرانكفورت للأوراق المالية بصفة شركة مستقلّة تركّز على تحقيق التحوّل في قطاع الطاقة، ولكن أيضًا لأنّ ألمانيا أصدرت خلاله سنداتها السيادية الخضراء بقيمة 7.7 مليار دولار، ودخلت مصر أيضًا سوق السندات الخضراء، حيث أصدرت سندات بقيمة 750 مليون دولار، كما تمكّنت شركة الكهرباء السعودية المملوكة للحكومة من جمع 1.3 مليار دولار من الصكوك الخضراء الأولى من نوعها في المملكة.
*نائب الرئيس للقطاع المالي بمنطقة الشرق الأوسط في سيمنس للطاقة