كيف تستفيد إيطاليا من أزمة كورونا وتتحوّل لاقتصاد أخضر؟
248 مليار دولار من صندوق التعافي
ترجمة: سالي إسماعيل
- إيطاليا تمتلك الآن فرصة بناء اقتصاد أقوى وتصبح دولة خضراء في مرحلة ما بعد الوباء
- نجاح إيطاليا يعتمد على كيفية استخدام الحزمة المالية من صندوق التعافي الجديد للوباء
- إنفاق إيطاليا 80% من أموال الاتحاد الأوروبي على خفض الانبعاثات سيعزز الاقتصاد بنحو الثلث
- انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في إيطاليا من المرجح أن تتراجع بنحو 7.5% في 2020
في وقت تعاني فيه إيطاليا من تبعات الموجة الثانية لوباء كورونا (كوفيد-19)، فإن صندوق التعافي الأوروبّي الجديد قد يمنح روما فرصة ذهبية للخروج من تلك الأزمة الصحّية، عبر بناء اقتصاد أخضر أكثر مرونة وخالٍ من الكربون.
وقبل الحديث عن الاقتصاد الأخضر، فإن إيطاليا كانت أوّل دولة أوروبّية تنفّذ تدابير الإغلاق ذات الصلة بالفيروس عند تفشّيه، في بداية هذا العام، ومن ثمّ تمكّنت من إدارة أشهر الصيف بشكل جيّد نسبيًا، لكنّها تشهد الآن تأثيرات الموجة الثانية، بشكل مشابه لتلك التي تحدث في دول أوروبّية أخرى، ولا يمكن التخلّي عن توخّي الحذر، كما يشير تقرير نشره موقع "بروجكيت سينديكيت" لوزير العمل الإيطالي السابق، إنريكو جيوفانيني.
ويبذل الإيطاليّون قصارى جهدهم للتعامل مع هذه الأزمة المميتة، حيث يرتدون الأقنعة في كلّ مكان، ويحترمون القيود في الغالب.
ومن ثمّ، من غير الممكن أن يترك الإيطاليّون مثل هذه التضحيات أن تذهب هباءً، من خلال العودة للوضع الطبيعي الذي كانوا عليه قبل الوباء، كما يقول جيوفانيتي.
ويوجد لدى إيطاليا الآن فرصة لبناء اقتصاد أقوى وأكثر مرونة، وأن تصبح دولة خضراء في مرحلة ما بعد الوباء، مدعومة بزيادة فرص العمل وتحسين الصحّة العامّة.
- إجراءات أوروبّا لمواجهة كورونا تهدّد انتعاش الطلب على الوقود
- كيف خفضت الطاقة المتجدّدة الانبعاثات في أستراليا رغم كورونا؟
وفي الوقت الذي تستعدّ فيه إيطاليا لتولّي رئاسة مجموعة الدول العشرين والمشاركة في تنظيم مؤتمر الأمم المتّحدة للتغيّر المناخي، المعروف باسم "سي أو بي 26"، المزمع انعقاده في غلاسكو في المملكة المتّحدة، العام المقبل، يمكنها الاستمرار في تقديم نموذج عالمي من خلال التأكيد على صحّة ومستوى معيشة شعوبها.
نجاح إيطاليا في تحقيق هدف خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون يعتمد على كيفية استخدام أموال صندوق التعافي
ومن المقرّر أن يعتمد نجاح إيطاليا في تحقيق هذا الهدف على الكيفية التي ستستخدم بها الحزمة الماليّة من صندوق التعافي الجديد للوباء والتابع للاتّحاد الأوروبّي، والبالغ قيمتها 209 مليارات يورو (248 مليار دولار)، حسبما نقلته "بروجكيت سينديكيت".
طفرة خفض الانبعاثات
يقدّر تقرير حديث أعدّه أكثر من 30 خبيرًا من الاقتصاديّين والمحلّلين الإيطاليّين، بتنسيق مع شركة استشارات الطاقة "أر إيه إف-إيه"، أنّه إذا أنفقت روما 80% من أموال الاتّحاد الأوروبّي على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فيمكن أن يرتفع الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد بنحو الثلث، بحلول عام 2030، مقارنةً بما سيكون عليه دون هذه الأموال.
وعلاوة على ذلك، من المرجّح ارتفاع معدّل التوظيف لأولئك الذين في سنّ العمل من 57%، اليوم، إلى 68%، بحلول عام 2030، الأمر الذي من شأنه أن يفيد الشباب بشكل خاصّ.
وبدلًا من ذلك، يمكن أن تصبح أموال التعافي لإيطاليا عالقة في عمليات صنع القرار العملاقة والمشتّتة التي عاقت التحوّل نحو اقتصاد منخفض الكربون طيلة سنوات، حسب "بروجكيت سينديكيت".
وحال حدوث ذلك، ستواجه إيطاليا عقدًا آخر، وربّما أكثر من النموّ الباهت للناتج المحلّي الإجمالي، إضافة إلى تفاقم المخاطر المتعلّقة بتغيّر المناخ والتعرّض للفيروسات.
وفي الواقع، يجب أن يكون الاختيار بدهيًا، حيث إن الاقتصاد الإيطالي قد ينكمش بنسبة 9%، هذا العام، مع انخفاض الاستثمارات إلى 16% من الناتج المحلّي الإجمالي -من 18.4%، عام 2019- الأمر الذي يضرّ بالوظائف والدخل ويزيد من عدم المساواة ويدفع الناس للادّخار بدلًا من الإنفاق.
وفي الوقت نفسه، من المتوقّع أن تنخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في إيطاليا بنحو 7.5%، في عام 2020، ممّا يحدّد قاعدة أساسية يمكننا من خلالها مواصلة تقليص وتيرة التلوّث بدلًا من العودة لمستويات ما قبل الوباء.
ويرغب الإيطاليّون في ملاحقة مستقبل أخضر وصحّي بصورة أكبر حتّى من نظرائهم في الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة وهولندا وفرنسا وبولندا، وفقًا لمسح حديث أجرته مبادرة "مور إن كومن".
77 % يدعمون الصفقة الخضراء الأوروبّية، لكن ثلثي الإيطاليّين يستبعدون قيام الحكومة بما يلزم لمحاربة تغيّر المناخ
وعبّر 77% من الإيطاليّين الذين شملهم الاستطلاع، عن دعمهم لـ"الصفقة الخضراء" الأوروبّية التي تتضمّن استثمارات حكومية واسعة النطاق لجعل الاقتصاد صديقًا أكثر للبيئة.
بينما اتّفق 81% على أن الانخفاض في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في أثناء عمليات الإغلاق المرتبطة بمحاولات السيطرة على الوباء، تُظهر أنّه يمكننا تقليل التأثير على البيئة إذا كنا نريد ذلك حقًا، لكن ما يقرب من ثلثي الإيطاليّين قالوا، إن الحكومة لا تفعل ما يكفي لمحاربة التغيّر المناخي، بحسب الدراسة.
لذا سيتطلّب تحقيق مستقبل مستدام تغييرات جوهرية في سياسات الاقتصاد الإيطالي وتنفيذها، مدعومة بإجماع كبير على أن عمليات التخلّص من الكربون بشكل سريع وعميق تسير جنبًا إلى جنب مع النموّ والصحّة والاستقرار والمرونة.
ويعكس عدم القدرة على إقرار المشاريع الخضراء وتطويرها، حتّى الآن، الافتقار إلى رؤية وإستراتيجية سياسية متّسقة.
ولكن كما أظهرت محاولات مواجهة الوباء، يمكن للإيطاليّين التكاتف بشكل ناجح لمحاربة تهديد مشترك، وفق ما نقله موقع "بروجكيت سينديكيت".
قواعد اللعبة
من أجل بناء اقتصاد أخضر أكثر مرونة، ينبغي تنفيذ استثمارات سليمة، مع إعطاء الأولوية للمشاريع الخالية من الكربون ومنخفضة المخاطر، والتي تضمن على المدى الطويل توفير فرص العمل إضافة إلى الحفاظ على الصحّة وتحقيق المساواة.
ومن شأن مصادر الطاقة المتجدّدة وأنظمة كفاءة الطاقة ومحطّات شحن السيّارات الكهربائية ونماذج النقل النظيفة أن تعمل على تحقيق هذه الأهداف.
- مشروع ياباني جديد للحدّ من الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني
- “إنيل” الإيطاليّة ترفع هدفها لخفض الانبعاثات حتّى عام 2030
ويمكن للهيدروجين الأخضر المصنوع من الطاقة المتجدّدة، أن يغيّر قواعد اللعبة في القطاعات التي تكون فيها تكلفة خفض الانبعاثات مرتفعة، مثل الصلب ونقل البضائع لمسافات طويلة.
الوقود الأحفوري
تنفق إيطاليا 19 مليار يورو سنويًا على دعم الوقود الأحفوري، كما إنّها أنفقت صافي 44 مليار يورو سنويًا في المتوسّط لواردات الوقود الأحفوري، على مدى العقد الماضي.
وفي عام 2018، جرى تخصيص أكثر من نصف القروض المقدّمة من المصارف الإيطاليّة -14% من إجمالي أصول المصارف الإيطاليّة- في قطاعات عالية الكربون نسبة لأهميتها الاقتصادية، وفقًا للبنك المركزي في إيطاليا.
ومع العملية الجارية بالفعل فيما يتعلّق بالتحوّل نحو استثمارات منخفضة الكربون، والتزام المؤسّسات الماليّة والشركات في أنحاء العالم كافّةً بالتخلّص من الكربون وإنهاء الاستثمارات في الوقود الأحفوري، فإن هذه المصارف تخاطر بالتعرّض لأصول منخفضة القيمة، ما لم يساعد صنّاع السياسة الإيطاليّون في تسريع هذا التحوّل.
الحياة الخضراء الجميلة
سيعمل التحوّل الأخضر الأسرع على إنقاذ الأرواح كذلك، حيث تقدّر وكالة البيئة الأوروبّية أن نحو 76 ألف إيطالي ماتوا مبكّرًا في عام 2016، نتيجة لتلوّث الهواء، وهو أحد أعلى المعدّلات في أوروبّا الغربية.
وبدايةً من عام 2020، كانت 5 مدن في شمال إيطاليا من بين العشر الأوائل في أوروبّا من حيث متوسّط التكاليف الصحّية الناجمة عن تلوّث الهواء، بما في ذلك الوفاة المبكّرة والرعاية الطبّية وأيّام العمل المهدرة نتيجة للإجازات المرضية، وفقًا لدراسة جديدة.
وتشير الأبحاث الحديثة إلى أن الأشخاص المعرّضين لتلوّث الهواء أكثر عرضة لخطر المعاناة من أسوأ آثار أمراض الجهاز التنفّسي مثل "كوفيد-19".
وعلاوة على ذلك، من المرجّح أن تتأثّر منطقة البحر الأبيض المتوسّط -بما في ذلك إيطاليا- أكثر من أماكن أخرى من أوروبّا بظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.
وبعد الضربة الاقتصادية التي تسبّب فيها الوباء، لا تستطيع إيطاليا الاستمرار في ضخّ الأموال العامّة في الصناعات الملوّثة.
وعوضًا عن ذلك، يجب أن نعيد توجيه رأس المال هذا لخلق وظائف عالية الجودة في القطاعات المستدامة خاصّةً للشباب والنساء والمجموعات الأكثر تضرّرًا اقتصاديًا من الأزمة.
ومن خلال توجيه قوّتها وابتكاراتها في الاتّجاه الصحيح، يمكن لإيطاليا تأمين "الحياة الخضراء الجميلة".