هل يعيد كورونا صياغة عقود الغاز المسال عالميًا؟
يفرض تغييرات دائمة في هيكل الاتّفاقيات وبنود العقود
حازم العمدة
- تأثير الجائحة على العقود الآسيوية سيكون كبيرا ودائما
- بنود إلغاء الشحنات الأميركية ستصبح شائعة في العقود العالمية
- فتح العقود والسماح بإعادة التفاوض يشجع المشترين على إبرام عقود طويلة الأجل
من المتوقّع أن تؤدّي اضطرابات سوق الغاز الطبيعي المسال الناجمة عن جائحة فيروس كورونا (كوفيد- 19)، هذا العام، إلى بعض التغييرات الدائمة في هيكل اتّفاقيات وعقود البيع والشراء، تحسّبًا لأيّ ظروف مماثلة في المستقبل.. هذا ما خلصت إليه الباحثة في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، أغنيسكا أسون، في كلمة بمؤتمر نظّمته وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس".
ستكون هذه التغييرات جزءًا من الأجيال الجديدة من الاتّفاقيات والعقود التي يجري توقيعها في خضمّ سوق الغاز الطبيعي المسال، التي تشهد تحوّلًا سريعًا وظهور سوق فورية وقصيرة الأجل، وتسليع الغاز الطبيعي المسال.
والتسليع هو عملية تحويل منتج أو خدمة ذات خصائص مميّزة وفريدة، وله علامة تجارية، إلى سلعة عادية وأساسية قابلة للتبادل بسلع مماثلة من الفئة نفسها، وبسعر في متناول أيدي المستهلكين.
يحدث التسليع، عندما يتمكّن المستهلكون من شراء نفس المنتج من شركات صغيرة أو كبيرة مختلفة، حيث يكون السعر هو العامل المميّز والوحيد في المنتجات، وبما أنّه لا يوجد فارق كبير في الجودة أو المنتج، فلا يمكن للشركة رفع السعر بسبب منافسة الشركات الأخرى.
ستشمل التغييرات الرئيسة في تعاقد الغاز الطبيعي المسال -وفق أغنيسكا أسون- اعتمادًا أوسع نطاقًا لبنود إلغاء الشحنات التي كانت تقتصر في السابق على عقود الغاز الأميركي المسال، والقدرة على إعادة فتح شروط العقد لإعادة التفاوض من أجل تسهيل توقيع المزيد من اتّفاقيات طويلة الأجل، حسبما قالت أسون في المؤتمر، الذي عُقد أمس الثلاثاء، في إطار أسبوع الطاقة الدولي في سنغافورة.
في ظلّ اضطرابات السوق، شهدت الأشهر القليلة الماضية إخطارات بإعلان حالة "القوّة القاهرة"، وطلبات لتأجيل وإلغاء الشحنات جراء تداعيات جائحة كورونا، ما كشف نقاط ضعف آليّات التعاقد الحاليّة.
والقوّة القاهرة في القانون والاقتصاد هي أحد بنود العقود، الذي يعفي كلا الطرفين المتعاقدين من التزاماتهما عند حدوث ظروف قاهرة خارجة عن إرادتهما، مثل الحرب أو الثورة أو إضراب العمّال، أو جريمة أو كوارث طبيعية كـزلزال أو فيضان. وقد يمنع أحد تلك الأحداث طرفًا من التعاقد -أو الطرفين معًا- من تنفيذ التزاماتهما طبقًا للعقد.
قالت أغنيسكا أسون: "على أساس الدروس المستفادة، من المرجّح إيلاء مزيد من الاهتمام، والتدقيق في مفاوضات العقود المستقبلية بالنسبة للشروط التشغيلية التي تسمح بالتعديلات، استجابةً على وجه التحديد لاضطرابات السوق".
وأردفت: "سيكون لكوفيد-19 تأثير في عقود الغاز المسال في آسيا.. من المحتمل أن يكون تأثيرًا كبيرًا ودائمًا".
دروس كورونا
في وقت سابق من هذا العام، عندما تسبّبت الموجات الأولى من كورونا في عمليات الإغلاق في الصين والهند، أجبر انخفاض مفاجئ قياسي في الطلب على الغاز الطبيعي المشترين الرئيسيّين، مثل أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في الصين (سينوك) و(بترونت) الهندية، على إعلان حالة القوّة القاهرة على الشحنات، التي لم تُقبَل من قبل معظم المورّدين.
في الأشهر التالية، توقّفت أسعار الغاز الطبيعي المسال الفورية عند أقلّ من 3 دولارات لكلّ مليون وحدة حراريّة بريطانيّة. ليس هذا فحسب، بل انخفضت إلى أقلّ من 2 دولارًا في منتصف الصيف، ما أدّى إلى استجابة من منتجي الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتّحدة، الذين شهدوا إلغاء عشرات الشحنات من الغاز المسال، حتّى موسم الخريف.
ترتبط حقوق الإلغاء المنصوص عليها في بنود الإلغاء عادةً بعقود الغاز الأميركي المسال .
- صناعة الغاز المسال الأميركية.. 6 مؤثرات وراء خسائر تتجاوز 10 مليارات دولار
-
“غلوبال داتا”: لا نموَّ قريبًا في صادرات الغاز الأميركي المسال
ومع ذلك، فهي مجدية في بعض السياقات الأخرى- كما ترى أسون- التي تتوقّع اهتمامًا متزايدًا، وربّما زيادة في تنفيذ خيارات الإلغاء في سياقات أخرى في المستقبل.
في السياق ذاته، تقول أسون، إن مشتري الغاز الطبيعي المسال الآسيويّين سيقلّدون بشكل متزايد آليّات السوق الأوروبّية، وسيكون هناك قدر متزايد من التأثير عبر الأحواض بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ في تطوّر بنود العقود والاتّفاقيات.
على سبيل المثال، سمحت بنود مراجعة الأسعار الآسيوية تقليديًا بمراجعات الأسعار في فترات زمنية محدّدة بدقّة، مثل كل ّخمس أو 10 سنوات، ولكن سيجري تفعيلها بشكل متزايد من خلال فكرة "تغيّر الظروف" - وهي معروفة جيّدًا في مراجعات الأسعار الأوروبّية، ولكن الآن فقط يجري إدخالها في العقود الآسيوية، بحسب أسون.
العقود طويلة الأجل
أدّت جائحة كورونا إلى تفاقم مشكلة زيادة وتخمة المعروض في سوق الغاز الطبيعي المسال، بسبب توقيع عدد قليل من العقود طويلة الأجل، هذا العام، ممّا يجعل من الصعب على مشروعات التنقيب والإنتاج والتصدير الوصول إلى قرارات الاستثمار النهائي.
على سبيل المثال، كان عام 2019، قياسيًا في التوصّل إلى قرارات الاستثمار النهائي، حيث جرت الموافقة على 71 مليون طنّ من سعة التسييل الجديدة، وكان من المتوقّع أن تصل سعة التسييل، في عام 2020، إلى 100 مليون طنّ قبل كورونا، ولكن ذلك لم يتحقّق حتّى الآن.
ربّما تكون صرامة العقود طويلة الأجل، التي لا تسمح بإعادة فتح العقود، لإعادة التفاوض على الأسعار وغيرها، أحد الأسباب الرئيسة لعدم رغبة بعض المشاركين في السوق بالالتزام بعقود طويلة الأجل، بحسب أسون.
في بيئة من المرجّح أن تفقد فيها العقود طويلة الأجل وجودها، لصالح البدائل قصيرة الأجل في سوق شديدة التنافسية، فإن المزيد من المرونة في السماح بإعادة التفاوض سيساعد البائعين في الحصول على المزيد من المشترين والعقود.