وكالة الطاقة: فرصة أخيرة للدول المعتمدة على النفط.. و4 أسباب لضرورة الحياد الكربوني
بيرول: الطلب العالمي على الخام قد يصل لـ100 مليون برميل يوميًا
سالي إسماعيل
- انخفاض الانبعاثات العالمية 7% هذا العام يعوض الزيادة المسجلة في السنوات الـ10 الماضية
- الطلب على النفط لن يبلغ ذروته دون اتخاذ الحكومات تدابير سريعة للسيارات الكهربائية والبتروكيماويات
- يوجد عددًا هائلاً من شركات النفط حول العالم لم تلتزم بعد بتخفيض الكربون
- الصين والهند وإندونيسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا أصبحوا جزءًا من عائلة وكالة الطاقة
تسبّبت الأزمة التي خلّفها تفشّي وباء كورونا عالميًا، في إحداث موجة شديدة من الاضطرابات داخل أسواق النفط، وسط الحاجة الملحّة للتحوّل نحو "الحياد الكربوني".
في هذا الإطار، يتحدّث المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية "فاتح بيرول"، عن قضايا انبعاثات الكربون العالمية واتّفاقية باريس للمناخ، إضافةً إلى الوضع في سوق النفط والأسعار، فضلًا عن بلوغ الطلب ذروته، وذلك في حوار أجراه معه محرّر الطاقة في صحيفة فايننشال تايمز "ديفيد شيبارد".
ويُشير مصطلح "الحياد الكربوني" إلى تحقيق معادلة صافي صفر انبعاثات، ما يعني تنفيذ إجراءات مضادّة لأيّة انبعاثات ناجمة عن حرق الوقود الأحفوري، كزراعة الأشجار، التي تمتصّ ثاني أكسيد الكربون.
انبعاثات الكربون
يقول "بيرول": إن العام الجاري شهد انخفاضًا كبيرًا في انبعاثات الكربون العالمية، حيث إن الانخفاض البالغة نسبته 7% يعوّض الزيادة في الانبعاثات العالمية، في السنوات الـ10 الماضية.
لكن السؤال هنا يكمن فيما إذا كان انخفاض الانبعاثات ناجمًا عن الأزمة الاقتصادية والتأثيرات الصحّية لوباء (كوفيد-19)، وإذا كنا سنشهد زيادة في الانبعاثات مع تعافي الاقتصاد، حسب صحيفة "فايننشال تايمز".
ويتطرّق مدير وكالة الطاقة للأزمة الماليّة عام 2009، حيث شهد العالم انخفاضًا في الانبعاثات حينذاك، لكن مع تعافي الاقتصاد العالمي، في 2010، كانت هناك زيادة هائلة في نموّ الانبعاثات العالمية، متسائلًا: "هل سنرى هذا مرّة أخرى، أم لا؟، وفي الوقت نفسه، يوجد عدد هائل من شركات النفط حول العالم التي لم تلتزم بعد بتخفيض ثاني أكسيد الكربون.
وفيما يتعلّق بالحدّ من ارتفاع درجات الحرارة بموجب اتّفاقية باريس للمناخ، يعتقد "بيرول" أن العام الجاري يتّسم بالقتامة الشديدة، لكنّه، في الوقت نفسه، أكثر ثقة من أيّ وقت مضى في التحوّلات لمجال الطاقة النظيفة وتغيّر المناخ، مع حقيقة أن الحكومات تجلس على "مقعد القيادة".
وحدّد مدير وكالة الطاقة 4 أسباب في هذا الشأن، أوّلها يكمن بالانخفاض الشديد في تكاليف الرياح الشمسية، ما يجعل الطاقة الشمسية أرخص مصدر لتوليد الكهرباء في بقاع كثيرة حول العالم.
أمّا السبب الآخر، فيتمثّل في أن العديد من تقنيات الطاقة النظيفة يتطلّب قدرًا كبيرًا من الاستثمارات مقدّمًا، وهو الأمر الذي تعزّزه معدّلات الفائدة المنخفضة للغاية، في عدد من دول العالم.
ويتجسّد السبب الثالث في أن المزيد من الحكومات والمزيد من شركات الطاقة وعمالقة التكنولوجيا تنخرط في هذا الأمر، بالإضافة لتكثيف جهودهم.
بينما يتمثّل السبب الأخير في الابتكار، حيث تزداد وتيرة الابتكار قوّةً، خاصّةً في مجالات الهيدروجين، وكذلك احتجاز وتخزين ثاني أكسيد الكربون.
يكتسب احتجاز وتخزين الكربون زخمًا في الوقت الحالي، بينما يتمتّع الهيدروجين بدعم عالمي غير مسبوق من الحكومات
ومن أجل الوصول إلى الهدف العالمي بشأن "الحياد الكربوني"، بحلول عام 2050، يجب أن يأتي نصف تخفيضات الانبعاثات من تقنيات غير متاحة تجاريًا بعد، كاحتجاز وتخزين الكربون، وكذلك الهيدروجين، وفق ما قاله "بيرول".
وفي حين اكتساب احتجاز وتخزين الكربون زخمًا في الوقت الحالي، فإن الهيدروجين يتمتّع بدعم عالمي غير مسبوق من الحكومات كافّةً.
ويقول "بيرول"، إن العديد من الحكومات والشركات تسهم في دفع هذه التقنيات، ليس لأنّها تريد أن تكون جزءًا من الحلّ بشكل أساس، لكنّها تريد كذلك أن تكون رائدة صناعية في مجال تكنولوجيا الطاقة النظيفة في المستقبل.
- 9 دروس من توقّعات “وكالة الطاقة” حتّى عام 2040
-
دراسة أستراليّة تشكّك في “مصداقية” توقّعات وكالة الطاقة الدولية
وردًّا على تساؤل للمحرّر "شيبارد" حول العلاقة بين ذروة الطلب والأزمة، يوضّح مدير وكالة الطاقة أن ذروة الطلب على النفط، في المدى القصير والمتوسّط، لن تكون نتيجة لما نشهده من تغيّرات سلوكية سببها الوباء.
ويضيف: "إذا لم تتّخذ الحكومات تدابير قويّة بسرعة كبيرة، خاصّةً في مجالي السيّارات الكهربائية وصناعة البتروكيماويات، لا أتوقّع أن يبلغ الطلب على النفط ذروته".
وحال تعافي الاقتصاد العالمي بسرعة، يمكن أن يصل الطلب العالمي على الخام إلى 100 مليون برميل يوميًا، بل ويتجاوز مستويات الطلب في الفترة السابقة لوقوع الأزمة، حسبما ذكر "بيرول".
الأسعار والدول الأفقر
وفيما يتعلّق بما يجب أن تفعله الدول الأفقر في منظّمة الدول المصدّرة للنفط "أوبك" والمنتجين الآخرين للخام وسط الانهيار الحادّ في الأسعار وبلوغ ذروة الطلب، يرى "بيرول" أن تاريخ صناعة النفط سجّل شهر أبريل/نيسان الماضي، بأنّه "أبريل الأسود"، وسط تحوّل الأسعار للنطاق السالب.
ويعتقد مدير وكالة الطاقة، أن الأمر بات ملحًّا بالنسبة لهذه الدول التي تعتمد بشدّة على النفط، وربّما تكون كذلك فرصتها الأخيرة للخروج من هذا النطاق، وتنويع اقتصاداتها، بعيدًا عن النفط والغاز.
ويشير إلى نماذج نشهدها اليوم، وتأثّرت بالفعل بانهيار أسعار النفط، مثل العراق ونيجيريا وليبيا وفنزويلا وغيرها، لدرجة أن بعض البلدان التي تتمتّع بوضع مالي أقوى، تمرّ أيضًا بأوقات صعبة للغاية.
- الأسعار واللقاح.. سوق النفط تترقّب “بصيص أمل” لتجاوز أزمة كورونا
- اقتصاد نيجيريا يقع فريسة بين أسعار النفط وتداعيات كورونا
يشرح "بيرول" أن وكالة الدولية تأسّست بصفتها "مناهضة لأوبك"، لكن الوضع تغيّر كثيرًا الآن، وهو ما جاء تعليقًا على ضرورة تغيير الدول المتقدّمة الكبرى طريقة تفكيرها بشأن أسعار النفط، وعدم افتراض أن السعر الأقلّ هو الأفضل دائمًا، بالنظر للحاجة إلى تمويل عمليات التحوّل نحو طاقة نظيفة.
ويضيف أن الوكالة في الماضي كانت تُعدّ بمثابة نادي طاقة الأثرياء، لكن في السنوات الـ 5 الماضية أصبحت الصين والهند وإندونيسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا جزءًا من عائلة الوكالة الدولية.
وصول سعر النفط إلى 10 دولارات للبرميل لم يكن أفضل شيء، سواء للاقتصاد العالمي أو الدول المتقدّمة أو النامية
ويسلّط "بيرول" الضوء على شعار وكالة الطاقة في الماضي، الذي كان يكمن في "كلّما انخفضت أسعار النفط، كان ذلك أفضل"، قائلًا، إنّه لا يتّفق مع ذلك، وعندما وصل سعر النفط إلى 10 دولارات للبرميل، لم يكن أفضل شيء بالنسبة للاقتصاد العالمي والدول المتقدّمة أو النامية.
وتابع، حسب حواره مع صحيفة "فايننشال تايمز": "السعر المعقول سيكون أفضل بكثير"، مؤكّدًا أن النفط لا يزال السلعة الأكثر إستراتيجية في العالم، وأن انهيار أسواق النفط سيكون ذا تداعيات كبرى على الاستقرار المالي في العالم.