خبير أفريقي: سهام "بيئيّة" مغرضة تستهدف غاز موزمبيق
ثروات الغاز كفيلة بتحقيق تحوّل اقتصادي في البلاد
حازم العمدة
- منظمة "أصدقاء الأرض" تعترض على تمويل بريطاني وتتوعد بتصعيد قانوني
- الحق في الحصول على طاقة الوقود الأحفوري.. حلال للغرب.. حرام على أفريقيا
- مشروع أول محطة تسييل برية يخلق عشرات الآلاف من فرص العمل
- "توتال": محطة الغاز المسال تضخ 50 مليار في خزينة موزمبيق على مدى 25 عاما
"بمشروع غاز طبيعي مسال عملاق، تستطيع موزمبيق التحوّل من دولة فقيرة، تحاصرها الأزمات الاقتصادية، وتعاني في جميع المجالات، إلى دولة قادرة على الإبحار بسفينتها الاقتصادية وسط أمواج هائجة، لكن ذلك مرهون بعدم تدخّل نشطاء البيئة الغربيّين ومن يقفون وراءهم لمصالح خاصّة، لا تصبّ -قطعًا- في مصلحة موزمبيق، وإن كان ذلك يأتي تحت مبرّر مكافحة التغيّر المناخي، وكأن افريقيا وحدها، هي المسؤولة عن أزمات المناخ الدولية.. وهي الوحيدة التي ينبغي أن نفرض عليها هذه الرؤية".
بهذه الكلمات التي تحمل بين طيّاتها مرارة شديدة، خلص الرئيس التنفيذي لغرفة الطاقة الأفريقيّة "إن جيه أيوك" -وهي مؤسّسة بارزة معنيّة بشؤون الطاقة الأفريقيّة- إلى التناقض بين ما تنادي به حركات حقوقية، مثل "حياة السود مهمّة"، وبين استهداف ثروات الطاقة في القارّة السوداء.
تكلفة المشروع تصل إلى 25 مليار دولار، ما يعادل أكثر من ضعف الناتج المحلّي الإجمالي
ويرى أيوك، في مقال بثّه الموقع الإلكتروني للغرفة، أن ثروات الطاقة الأفريقيّة، قادرة إلى الانتقال بشعوبها من أوضاع مأساوية، من غياب البُنية التحتيّة والخدمات الأساسية، كمياه الشرب النظيفة والكهرباء والسكن الآدمي والحقّ في التعليم، مرورًا بالبطالة والأزمات الاقتصادية التقليدية، إلى دولة تمتلك طموحات وآفاقًا أوسع لنهضة شعبها، أو -على الأقلّ- الانتقال بهم من حياة أشبه بالقرون الوسطى إلى العصر الحالي.
نصّ المقال
عندما أعلنت شركة الطاقة الأميركية أناداركو بتروليوم، العام الماضي، أنّها ستُشيد محطّة للغاز الطبيعي المسال في موزمبيق، بتكلفة تُقدَّر بنحو 20 مليار دولار، بثّت هذه الأخبار السعادة، وأحيت الآمال في قلب كلّ مواطن موزمبيقي.
ستوفّر أوّل محطّة برّية للغاز المسال في موزمبيق، عشرات الآلاف من الوظائف، وتسهم في نموّ اقتصادي مستدام طويل الأجل، من شأنه أن يؤثّر في ملايين الأشخاص.
ومنذ ذلك الحين، جرى الإعلان عن مشروعين إضافيّين للغاز الطبيعي المسال، هما مشروع كورال فلينغ بتكلفة 4.7 مليار دولار، الذي طرحته شركتا إكسون موبيل وإيني، ومشروع روفوما الذي تصل تكلفته إلى 30 مليار دولار، وتسعى لتنفيذه شركات إكسون موبيل، وإيني، ومؤسّسة البترول الوطنية الصينية.
وبالرغم من تأجيل المشروعين بسبب جائحة كورونا (كوفيد-19)، فإن مشروع محطّة الغاز الطبيعي المسال الأصلي يمضي قُدمًا.
استحوذت شركة الطاقة الفرنسية العملاقة "توتال" على المشروع، ووضعت اللمسات الأخيرة على أوجه تمويله، في يوليو/تمّوز، حتّى في مواجهة الهجمات الإرهابية الأخيرة في مقاطعة كابو ديلغادو، شمال موزمبيق، حيث سيجري إنشاء محطّة توتال للغاز الطبيعي المسال.
- توتال توقّع اتّفاقية أمنيّة مع موزمبيق لحماية مشروع غاز من الإرهاب
-
متشدّدون إسلاميون يسيطرون على ميناء بالقرب من محطة الغاز الطبيعي العملاقة في موزمبيق
-
“كنز علي بابا” في موزمبيق.. بين أطماع المستثمرين وصرخات الحقوقيّين
ما يثير الإحباط، أنّه رغم هذه التحدّيات التي يجري تذليلها لإنجاز المشروع، نُفاجأ بأن منظّمة أصدقاء الأرض (فريندس أوف إيرث) -ومقرّها المملكة المتّحدة- تنتهج إجراءات قد تعرّض الانتهاء من المشروع في الوقت المناسب، للخطر، وكلّ ذلك تحت مبرّر مكافحة تغيّر المناخ.
وقالت المنظّمة، إنّها ستقدّم طعنًا قانونيًا ضدّ قرار المملكة المتّحدة بتقديم مليار دولار لتمويل مشروع الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق.
"لا تعبأ هذه المنظّمة بأهمّية المشروع للأفارقة.. لا تعبأ بقدرة موزمبيق على النموّ وتنويع الاقتصاد عبر مشروع ضخم من هذا القبيل".
لا تبالي (فريندس أوف إيرث) بأن مشروعات مثل هذه، هي فقط ما تحتاجه موزمبيق للتغلّب على فقر الطاقة، أو أن حكومة موزمبيق قد استثمرت الكثير من الوقت والموارد في جعل مشروع الغاز الطبيعي المسال هذا ممكنًا.
ليست المرّة الأولى
هذه ليست المرّة الأولى التي تحاول فيها منظّمة بيئيّة متشدّدة وغير مطّلعة، التدخّل في صناعة الطاقة داخل أفريقيا، بطرق لا تساعد المواطنين الفقراء، لكنّها تخدم مصلحتها الخاصّة.
فتحتَ ضغط من الجماعات البيئيّة، كانت المنظّمات الدولية -بما في ذلك البنك الدولي، والمستثمرون من القطاع الخاصّ- يوقفون دعمهم لإنتاج الوقود الأحفوري الأفريقي.. عانى الكثير من الفقراء من هذا التعنّت، وسيعاني مئات الملايين إذا عدلنا عن هذا الاتّجاه.
والمفارقة الغريبة، أنّه في الوقت الذي يتحدّث فيه معظم العالم عن الحاجة إلى احترام وجهات نظر السود وتطلّعاتهم وحقوقهم، يبدو أن الجماعات البيئيّة لا تتورّع عن رفض -بل وقمع- الأصوات الأفريقيّة، لاسيّما في صناعة حيوية كالطاقة.
كما قلت في السابق، أتّفق على أن تغيّر المناخ يجب أن يؤخذ على محمل الجدّ، وأدرك المخاطر التي يشكّلها على أفريقيا، لكن المثير للسخرية أن تحاول المنظّمات غير الأفريقيّة أن تملي على دول القارّة كيفية مواجهة هذه المخاطر.
ويبدو أن الرسالة في هذه الحالة "أنّهم يعرفون أفضل منّا".. هذه الفكرة إهانة، ومن غير المقبول إطلاقًا التدخّل في جهود دولة أفريقيّة لبناء اقتصادها، لمجرّد أن الوقود الأحفوري جزء من هذه الجهود.
فرصة ضائعة.. حقًا؟
الحقيقة أن وكالة تمويل الصادرات البريطانيّة هي واحدة من بين 8 وكالات ائتمان تصدير تقدم التمويل لمشروع توتال للغاز الطبيعي المسال في موزمبيق، الذي يتضمّن بناء محطّة تسييل من خطَّي إنتاج بطاقة 12.9 مليون طنّ سنويًا.
مشروع تطوير قطاع الغاز يشمل محطّة تسييل بطاقة محتملة تبلغ 12.9 مليون طنّ سنويًا
يشمل التزام المليار دولار المقدّم من الوكالة البريطانيّة، تخصيص 300 مليون دولار بشكل قروض للشركات البريطانيّة العاملة في مشروع الغاز، وضمان قروض من المصارف التجارية، تصل قيمتها إلى 850 مليون دولار.
وبالنسبة للأهمّية الإستراتيجية للمشروع، أكّد وزير الدولة البريطاني للتجارة العالمية، غراهام ستيوارت، أن "توتال للغاز الطبيعي المسال" يمكن أن يُحدث تحوّلًا كبيرًا في موزمبيق، ويخلق 2000 وظيفة في المملكة المتّحدة أيضًا.
لكن منظّمة "أصدقاء الأرض" قالت، إنّها ستسعى إلى مراجعة قضائية لقرار حكومة بريطانيّة للمساعدة في تمويل مشروع، يرون أنّه من شأنه أن "يؤدّي إلى تفاقم حالة الطوارئ المناخية"، على حدّ تعبير مدير المنظّمة، جيمي بيترز، الذي أبدى خيبة أمله في رسالة إلى حكومة المملكة المتّحدة.
يقول بيترز، إن قرار التمويل الصادر عن الوكالة يمثّل "فرصة ضائعة" للمملكة المتّحدة، لتصبح رائدة المناخ العالمي.
وسؤالي هنا للسيّد بيترز، هو: ماذا عن فرص موزمبيق؟ ماذا عن مساعدة الناس على تحسين حياتهم وكسب العيش الكريم؟ وماذا عن الحقّ في الحصول على مصدر موثوق للطاقة؟ إنّني أتحدّث عن فرصة لدفع متوسّط العمر المتوقّع في موزمبيق إلى ما يزيد عن 59 عامًا، حيث يبلغ الآن.
مشروع الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق قادر على جعل هذه الأشياء ممكنة، وفقدان هذه الفرصة سيكون مدمّرًا.
ما ستكسبه موزمبيق؟
لا يمكنني المبالغة في الآثار بعيدة المدى، والإمكانات التي يمثّلها مشروع توتال للغاز الطبيعي المسال في موزمبيق، للشركات والمجتمعات المحلّية والأفراد.
تشير تقديرات توتال إلى أن محطّتها ستجلب قرابة 50 مليار دولار من العائدات لحكومة موزمبيق خلال أوّل 25 عامًا من التشغيل. ويمكن أن تُوجّه هذه الإيرادات نحو البُنية التحتيّة والبرامج التعليمية وتنويع الاقتصاد، والبلاد في أمسّ الحاجة إليه.
- اليابان تستثمر 14 مليار دولار في تطوير الغاز الطبيعي المسال بموزمبيق
-
الصين تبسط نفوذها على أفريقيا.. و5 دول تحصد نصيب الأسد من التمويل
وهنا تجدر الإشارة إلى أن استثمار توتال، البالغ 25 مليار دولار، في محطّة للغاز الطبيعي، يمثّل أكثر من ضعف الناتج المحلّي الإجمالي الحالي لموزمبيق.
لن يخلق المشروع عشرات الآلاف من الوظائف المحلّية فحسب، بل ستوفّر أيضًا فرصًا تدريبية للسكّان المحلّيين، وسيجري التعاقد مع شركات محلّية لتوفير السلع والخدمات.
سيستمرّ هذا النمط بمجرّد تشغيل المصنع. يمكن أن يتدرّب السكّان المحلّيون على مجموعة واسعة من المناصب وتولّيها، بما في ذلك الأدوار المهنية والقيادية.
بمرور الوقت، ستجري تنمية الخبراء المتخصّصين الذين يمكنهم مشاركة معارفهم في موزمبيق، ومع الشركات الأفريقيّة الأخرى.
ومرّة أخرى، سيلجأ المشروع إلى الشركات المحلّية لتقديم المنتجات والخدمات.
حلّ مشكلة الطاقة في موزمبيق
بالإضافة إلى هذه الفرص الاقتصادية بعيدة المدى، سيوفّر الغاز الطبيعي المسال المنتج في المحطّة طاقة يمكن تحمّلها لمواطني موزمبيق.
هناك حاجة ملحّة، حيث يحصل 29% -فقط- من السكّان على الكهرباء، في الوقت الحالي، فضلًا عن العقبات والتحدّيات التي تواجه الرعاية الطبّية والتعليم، والنموّ الاقتصادي المستدام، وهذا لن يتأتّى إلّا بتطوير صناعة الغاز.
29 % فقط من شعب موزمبيق يحصل على الكهرباء.. والغاز الطبيعي هو الحلّ
في وقت سابق من هذا العام، أشدتُ بحكومة موزمبيق، لتفاوضها من أجل أن يذهب جزء من إنتاج الغاز الطبيعي المسال إلى السوق المحلّية، ما يعني إمكان استخدامه لتوليد الطاقة.
ومنذ ذلك الحين، ضمنت الحكومة تمويلًا لمحطّة طاقة تعمل بالغاز بقدرة 400 ميغاواط، وخطّ نقل إلى مابوتو، عاصمة البلاد، ممّا سيؤدّي إلى تعزيز الاعتماد على الطاقة هناك بشكل كبير.
وبهذه السياسة، أرست موزمبيق أيضًا الأساس لتحقيق الدخل والتنويع الاقتصادي.
في موزمبيق، سيكون الغاز الطبيعي المسال متاحًا بصفته موادّ وسيطة لمصانع الأسمدة والبتروكيماويات، ويمكن تصديرها عن طريق خطوط الأنابيب إلى الشركات المجاورة.
وهذا بدوره يمكن أن يساعد موزمبيق في بناء المزيد من البُنية التحتيّة والمساهمة في زيادة الرخاء على نطاق واسع.
موزمبيق تعمل من أجل هذا
أودّ أيضًا أن أشير إلى الفكر والإعداد اللذين وضعتهما حكومة موزمبيق لجعل مشروعات الغاز الطبيعي مفيدة للبلد عمومًا، منذ اكتشاف ما يقرب من 180 تريليون قدم مكعّبة من احتياطيات الغاز الطبيعي هناك، في عام 2010.
استعانت شركة النفط الوطنية الموزمبيقية (إي إن إتش) بمؤسّسة (وود ماكنزي) العالمية لأبحاث واستشارات الطاقة، لمساعدتها في الاستعداد لمسؤولية إدارة وبيع الجزء المقابل من الموارد. منذ ذلك الحين ، شكّلت (إي إن إتش) تحالفًا مع شركة فيتول لتجارة النفط والغاز الدولية.
كما سعت الحكومة للحصول على دعم منتجي الطاقة الأكثر خبرة والشركاء الدوليّين، ففي وقت سابق من هذا العام، التقى الرئيس فيليب نيوسي، وليّ العهد النرويجي هاكون، ووقّع اتّفاقية لدعم إدارة موارد الغاز الطبيعي.
موزمبيق تهدف إلى توجيه إيرادات الغاز نحو البُنية التحتيّة والبرامج التعليمية وتنويع الاقتصاد
وحتّى قبل ذلك، أرست موزمبيق الأساس لصناعة النفط والغاز الناجحة مع قانون النفط الجديد، لعام 2014.
ومع تطبيق هذا التشريع، أكملت البلاد جولة مناقصة ناجحة لمربّعات التنقيب عن النفط والغاز.. هذه الجهود -إلى جانب المفاوضات الدقيقة مع شركات النفط الدولية- هي التي أوصلت موزمبيق إلى ما هي عليه اليوم: على أعتاب أن تصبح منتجًا رئيسيا للغاز الطبيعي المسال.
وهذه الجهود هي التي ستجعل صناعة الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق ناجحة، ليس فقط من حيث الإيرادات الحكومية، ولكن أيضًا في تحسين حياة الناس العاديّين.
الشعب أولًا
لا تطلب موزمبيق المساعدة لانتشال شعبها من براثن الفقر.. إنّها تحاول الاستفادة من مواردها الطبيعية الخاصّة. الحكومة لا تحاول جني ربح سريع، إنها تعمل على إرساء أساس للنموّ طويل المدى.
وتعدّ جهود مشروعات لشركات -على سبيل المثال- إكسون موبيل وتوتال، أكثر من مجرّد فرصة لشركات الطاقة العالمية، أو حتّى حكومة موزمبيق، فلديها القدرة على تحسين حياة الملايين من الناس العاديّين.
أدرك الحاجة إلى حماية كوكبنا ومكافحة تغيّر المناخ، لكن التدخّل في تمويل مشروعات الوقود الأحفوري في أفريقيا ليس هو المسار الصحيح.
يجب ألّا نتجاهل قيمة مثل هذه المشروعات، أو قدرتها على إجراء تغييرات ذات مغزى للأفضل، في موزمبيق، ويجب ألّا نضع المُثُل البيئيّة قبل الاحتياجات الملحّة، التي تواجه الناس في الوقت الحالي.