"رؤية 2030 السعوديّة" تطلّ على العالم بأكبر مصنع هيدروجين
تغيير كبير في سياسات الطاقة
زاد الاهتمام، الفترة الأخيرة، بمصادر تنويع الطاقة عالميًا، ورفع نسبة الطاقة المتجدّدة في المزيج النهائي للطاقة، المستخدم في كلّ دولة، غير أن السعودية قلبت أسواق الطاقة مؤخّرًا، بإعلانها إنشاء أكبر مصنع أخضر للهيدروجين والأمونيا في العالم، في إطار رؤية المملكة 2030.
وبذلك تتفوّق المملكة على كلّ خطط تنويع الطاقة حول العالم، لتصير مصدَرًا للطاقة المتجدّدة، مثلما هي المصدَر الرئيس للنفط في العالم.
ورؤية المملكة 2030، تستهدف الانتقال باقتصاد السعودية من حالته الراهنة بكلّ امتداداته المالية والاجتماعية والتنموية كافّةً، التي تعتمد بدرجة كبيرة على إيرادات النفط، إلى نمط اقتصادي وتنموي يستند إلى الاستقلال التامّ عن الاعتماد على النفط، والاعتماد الأكبر على إنتاج مكوّنات الاقتصاد الوطني، وفي مقدّمتها الإنسان، فضلًا عن توظيف عائدات تلك المسارات الإنتاجية باتّجاه تعزيز قدرة الاقتصاد والمجتمع، والدفع بها إلى مستويات أفضل ممّا يقوم عليه الوضع الراهن، وبما يحفّز منشآت القطاع الخاصّ على زيادة مساهمتها اقتصاديًا وتنمويًا واجتماعيًا.
وانخفاض تكاليف الطاقة المتجدّدة في منطقة الخليج -نظرًا لامتلاكها وفرة من الأراضي والشمس والرياح- يمنحها المكوّنات الرئيسة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، لذلك خطت السعودية خطوة جديدة في مشروع "نيوم" الأكثر طموحًا دوليًا، بإنشاء أكبر مشروع في العالم لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
- “نيوم” السعوديّة تدخل قطاع الهيدروجين العالمي
- وزير الطاقة السعودي: مشروع نيوم يوفّر العديد من فرص العمل
أعلنت شركة "نيوم" السعودية، في 7 يوليو/تمّوز الماضي، توقيع اتّفاقية شراكة مع شركتي "إير بروداكتس" و"أكوا باور" بقيمة 5 مليارات دولار، لبناء منشأة في منطقة نيوم لإنتاج الهيدروجين بطريقة صديقة للبيئة، وتصديره إلى السوق العالمية.
يستهدف المشروع توفير حلول مستدامة لقطاع النقل العالمي، ولمواجهة تحدّيات التغيّر المناخي، من خلال حلول عملية لتخفيض الانبعاثات الكربونية.
الهيدروجين
يجري إنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال عملية فصل جزيئات الهيدروجين عن الأكسجين الموجودة في الماء، عبر عملية التحليل الكهربائي التي تتطلّب طاقة كهربائية عالية، تأتي من مصادر نظيفة ومتجدّدة، وذلك بطريقة صديقة للبيئة.
ويُنتَج الهيدروجين الأخضر من خلال عملية صناعية (التحليل الكهربائي)، حيث تُستخدَم الكهرباء القادمة من مصادر متجدّدة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، لفصل جزيئات الأكسجين عن الهيدروجين الموجود في المياه، ومن ثمّ استخدام الهيدروجين الناتج عن تلك العملية مباشرة.
وسيُنتج المشروع 650 مليون طنّ يوميًا من الهيدروجين الأخضر، ومن المتوقّع أن يكون جاهزًا في بداية عام 2025.
ولدى نيوم السعوديّة، إمكانات عالية من الطاقة المتجدّدة في المنطقة، لهذا يمكن إنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة منخفضة.
وبالإمكان نقل الهيدروجين للمسافات القصيرة، من خلال شاحنات خاصّة، لكن بالنسبة للمسافات البعيدة ستكون السفن والأنابيب هي الحلّ، ونظرًا لعدم وجود سفن خاصّة الآن لنقل الهيدروجين، سيُصدَّر عبر تحويله إلى مادّة الأمونيا التي يسهل نقلها على سفن معدّة لذلك.
جدوى المشروع
نظرًا لحجم المشروع واستثماراته، فقد لفت الأنظار العالمية تجاه السعوديّة، ما جعل جان فرانسوا من المجلس الأطلسي، وسامر موسيس من "إس آند بي غلوبال بلاتس" منصّة لنشر البيانات والمؤشّرات السعريّة لأسواق الطاقة والموادّ الأوّلية، يراجعان جدوى المشروع في دراسة، جاء فيها: "إن توليد 4 غيغاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية المطلوبة في موقع واحد، يمثّل تحدّيًا هائلًا لأيّ شخص، وقد يعوق التمويل والشراكات ووقت التسليم تلك الأعمال، لكن سجلّ إنجازات شركة أكوا باور السعوديّة -المشتركة في المشروع- يُظهر أنّها تمتلك مجموعة كاملة من المحطّات (الفحم والغاز والطاقة الشمسية وطاقة الرياح) تنتج 6 ملايين متر مكعّب يوميًا من قدرة تحلية المياه، وأكثر من 34 غيغاواط من قدرة توليد الطاقة".
وأضافت الدراسة، أنّه "حال إنجاز المشروع، يشير ذلك إلى تحوّل كبير في سياسة الطاقة للمملكة العربية السعودية".
نيوم
أطلقت نيوم مشروع إنتاج الهيدروجين لتطوير مجتمع خالٍ من الكربون، والوصول إلى الحياد الكربوني -وفق الدراسة- وهي الرؤية التي يطمح إليها خادم الحرمين الشريفين، ووليّ العهد السعودي، لتحقيق الريادة في إنتاج الهيدروجين الأخضر والوقود الأخضر عالميًا.
يوفّر المشروع الوقود النظيف للعديد من السيّارات والشاحنات والحافلات والسفن، ويعمل مصدرًا للطاقة النظيفة المطبّقة على نطاق واسع، ليحدّ بذلك من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، بمعدّل يقارب الثلاثة ملايين طنّ سنويًا.
ونيوم هي المدينة الجديدة التي خطّط لها وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث وُصفت بأنّها مدينة المستقبل، التي تديرها الروبوتات، وستكون "خضراء" بالكامل، وملاذًا للصناعات عالية التقنية.
تهدف المدينة إلى دفع المملكة العربية السعودية إلى مستقبل خالٍ من الكربون، وفق الدراسة.
ومن المقرّر أن يساعد مشروع "نيوم" على تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، ودعم الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادره بعيدًا عن النفط، كما سيساعد المملكة على التصدّي للتغيّر المناخي، وتحدّيات المناخ العالمية، من خلال خفض الانبعاثات الكربونية.
تحوّل في سياسة الطاقة السعودية
يؤكّد مشروع إنتاج الهيدروجين من المملكة -وفق الدراسة- جدّية السعودية في التعامل مع قضيّة تنويع مصادر الطاقة، وعدم الاعتماد على النفط بصفته مصدرًا رئيسًا للإيرادات، خاصّةً أن المملكة أكبر مُصدّر للنفط في العالم.
ويشير هذا النهج الجديد لإنتاج الطاقة، إلى تحوّل كبير في سياسة الطاقة من قبل السعودية، لكن خلال تلك الفترة، ستستمرّ المملكة في الاعتماد على الصادرات القائمة على الكربون.