مخزونات النفط العائمة تعرقل جهود أوبك.. وواردات الصين سلاح ذو حدّين
بكّين تحتاج 45 يومًا للتخلّص من فائض التخزين العائم
وحدة أبحاث الطاقة
يدلّ انخفاض هوامش ربح المصافي -خاصّةً الآسيويّة- على مشكلات في نموّ الطلب على المنتجات النفطية، وتعثّر نموّ الطلب العالمي على النفط. لكن يبدو أن شراء الصين للنفط أصبح سلاحًا ذا حدّين. فشراء الصين لكمّيات كبيرة من النفط في أثناء انهيار أسعار النفط، كان بمثابة عوامل مساعدة لجهود أوبك+، ولكنّه الآن أصبح مشكلة، لأن استيراد الصين للنفط شيء، واستهلاكها للنفط شيء آخر.
حاولت المصافي الصينية والحكومة الصينية الاستفادة من انهيار أسعار النفط، فزادت وارداتها بهدف تخزين النفط الرخيص لدى القطاع الخاصّ من جهة، وتخزينه في المخزون الحكومي الإستراتيجي من جهة أخرى، حيث تحاول الحكومة بناء مخزون إستراتيجي ضخم، لمجابهة أيّ عجز ينتج عن إغلاق مضيق ملقا.
نتج عن هذا النموّ في الواردات الصينية تفاؤل كبير في الأسواق، بانتعاش الطلب العالمي على النفط، خاصّةً أن بعضهم استنتج أن بقيّة العالم سيحذو حذو الصين في الانفتاح الاقتصادي بعد التعافي من فيروس كورونا. ولكن يبدو الآن أن هذا التفاؤل في غير محلّه، حيث انخفض نموّ استهلاك النفط داخل الصين، وانخفضت أسعار النفط، وقامت أرامكو اليوم بتخفيض أسعارها الرسمية إلى آسيا والمناطق الأخرى.
والذي لم ينتبه له المتفائلون وقتها أن زيادة الواردات وقت انهيار الأسعار يعني انخفاضها فيما بعد، نتيجة التخزين، وأن ارتفاع المخزون سيخفض الأسعار، وأن امتلاء المخزون مع انخفاض نموّ الطلب على النفط سيؤدّي إلى زيادة المخزون العائم، بشكل كبير.
الصين مشكلة حقيقية في أسواق النفط
يبيّن الرسم البياني -أدناه- العلاقة بين الزيادة في الواردات، عندما انهارت الأسعار وارتفاع المخزون العائم في الصين. عندها قامت الصين بتخزين النفط تجاريًا وإستراتيجيًا، ولكن مع ضعف نموّ الطلب، امتلأ المخزون، الأمر الذي بدأ برفع مستويات المخزون العائم. ويُعرَّف المخزون العائم بأنّه أيّ نفط في سفينة مرّ على انتظارها لإفراغ حمولتها، 7 أيّام.
يرى محللو شركة إتش إف آي الاستشارية أن أوبك أمام مشكلة كبيرة، بسبب ارتفاع المخزون العائم في الصين. فكلّما استغرقت الصين وقتًا أطول لاستيعاب كلّ هذه الكمّيات من الخام، سيظلّ الطلب على البراميل الآجلة ضعيفًا، الأمر الذي يمنع أسعار النفط من الارتفاع. ويرون أنّه لابدّ من تخفيض التخمة في الصين عاجلًا أو آجلًا، حتّى لو أخذنا بالفكرة القائلة، إن استمرار ضعف الأسعار، في 2020، سيعطي زخمًا أكبر لها، في 2021، خاصّةً مع انخفاض إنتاج النفط الصخري الأميركي.
إذن متى تنتهي تلك التخمة الصينية؟
أفضل مؤشّر هو صادرات النفط الخام العالمية إلى الصين، ومعظم الارتفاع في هذا الإطار، جاء في شهري أبريل/نيسان ومايو/أيّار، عندما قامت المصافي الصينية باستيراد كمّيات كبيرة من النفط، للاستفادة من الأسعار المنخفضة. ولو نظرنا إلى جداول الصادرات والتحميل، وحسبنا وقت الشحن من الدول المنتجة إلى الصين، يتبيّن أن الصين لا تستطيع استيعاب المخزون العائم بسرعة.
إلّا أن الأمر أسوأ من ذلك بسبب ضعف هوامش ربح المصافي الصينية. وليس هناك حوافز لاستخدام البراميل الرخيصة التي استوردوها في السابق. ويستنتج محلّلو شركة إتش إف آي أن تخفيض المخزون العائم يستغرق من 40 إلى 45 يومًا. وإذا صحّت هذه التوقّعات، فإن الصين سترفع وارداتها مرّة أخرى، في شهر ديسمبر/كانون الأوّل المقبل، وقد ترفع أرامكو أسعارها الرسمية وقتها.
لكن ماذا عن "الأشباح " المحمّلة بالنفط؟
يرى د.أنس الحجي، خبير أسواق النفط ومستشار التحرير في منصّة "الطاقة"، أن البيانات في الرسم البياني أعلاه، وهي التي اعتمد عليها محللو إتش إف آي من شركة كبلر لمراقبة الشحن، أقلّ من الحقيقة، وأن المخزون العائم أكبر ممّا ذُكر بعدّة ملايين من البراميل، بسبب التجارة السرّية بين الصين وإيران.
يقول الحجي لـ"الطاقة": "هناك سفن لم تحسبها شركات مراقبة الشحن، بسبب إطفاء السفن لأجهزة التتبّع والرادار، ونقل النفط من سفينة إلى سفينة، وأحيانًا أكثر من مرّة، وتغيير اسم وأعلام السفن، وتحميل السفن في موانئ دول مجاورة".
وأضاف: "بالنسبة للعالم، هذه أشباح محمّلة بالنفط لا يراها إلّا من يعرفها ويتابعها بالأقمار الصناعية، أو من خلال معلومات على الأرض، لهذا فإن أوبك+ أمام مشكلة كبيرة الآن". موضّحًا: "تبنّت الصين، في العام الماضي، برنامجًا لاستيراد النفط الإيراني عبر عمليات معقّدة لتفادي العقوبات الأميركية، وخصّصت 20 مليار دولار نقدًا لهذا المشروع".
الخلاصة
أصبح المخزون العائم عائقًا كبيرًا في وجه أوبك+ حاليًا، وما لم تنخفض الصادرات إلى الصين في وقت يرتفع فيه الاستهلاك، أو يجرِ بيع جزء من هذه الكمّيات لدول أخرى، فإن أسعار النفط ستعاني من مستويات منخفضة، لفترة أطول ممّا كان متوقّعًا في السابق.