مستقبل مشرق ينتظر الليثيوم بحلول عام 2030
مع التعافي من كورونا وزيادة إنتاج السيّارات الكهربائية
حازم العمدة
بينما يكافح منتجو عنصر الليثيوم- وهو أحد مكوّنات البطّاريات التي تمدّ الأجهزة بالطاقة- انخفاض مستويات الطلب، لاسيّما في ظلّ التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19، تبدو التوقّعات بعد 10 سنوات أكثر إشراقًا، خاصّةً مع النموّ المتوقّع في استخدام السيّارات الكهربائية، وظهور تطبيقات جديدة تمامًا، كإنتاج طائرة تعمل بالطاقة الكهربائية.
وفي ضوء التراجع الحالي في الطلب على الليثيوم، قرّر مطوّرو مصفاة الليثيوم الجديدة -التي ستُبنى في غرب أستراليا- توظيف 300 موظّف فقط، وليس 500 كما كان مُخطّطًا في البداية.
ليس هذا فحسب، بل قرّرت شركة التعدين الأميركية، ألبيمارل -التي تمتلك 49% من منجم غرينبوشيز لليثيوم في غرب أستراليا- تأجيل بدء البناء حتّى العام المقبل، وستنتج المصفاة 50 ألف طنّ سنويًا من هيدروكسيد الليثيوم.
جائحة كورونا
الواقع أن جائحة فيروس كورونا المستجدّ (كوفيد -19)، جاءت في توقيت سيّئ بالنسبة لإنتاج الليثيوم عالميًا.
في السياق ذاته، تقول شركة روسكيل الناشطة في مجال تحليل الصناعة البريطانيّة، إن ظروف السوق الحاليّة لعنصر الليثيوم تقوّض ربحية كبرى الشركات المنتجة لمعدن الإسبودومين، مشيرةً إلى أن ضعف طاقة التشغيل تؤثّر -نهاية المطاف- في تكلفة الإنتاج.
والإسبودومين معدن يتألّف من إينوسيليكات الليثيوم والألومنيوم، ومصدر لإنتاج الليثيوم، ويوجد في الطبيعة على شكل بلّورات عديمة اللون أو صفراء أو قرمزيّة.
خلال الربع الأوّل من العام الجاري، كانت هوامش الأرباح مقارنةً بتكلفة الإنتاج، منخفضة للغاية، بالنسبة لأكثر من 50% من الإمدادات.
وجاءت جائحة (كوفيد-19) لتُفاقم الأزمة، وتسدّد ضربة لسوق الليثيوم، ففي تقرير نصف سنوي حتّى 30 يونيو/حزيران الماضي، أكّدت شركة إنتاج الليثيوم العملاقة "جلاكسي ريزورسيز" Galaxy Resources ASX: GXY أن "التأثير الكامل لفيروس كورونا على عملياتها ومشاريعها ومبيعاتها لا يزال غير مؤكّد، حيث تراقب المجموعة الوضع عن كثب".
وأضافت: "مع تزايد الضغط على أسعار الليثيوم، يقوم المنتجون والمطوّرون بإبطاء أو إيقاف المناجم الجديدة ومشاريع التوسعة".
وقلّصت الشركة خططها التشغيلية لهذا العام، حتّى تصبح توقّعات السوق أكثر وضوحًا، موضّحةً أن "مخزونات الموادّ الخام للّيثيوم والموادّ الكيميائية، لا تزال تتجاوز المستويات الطبيعية".
كما أظهر منتج آخر للإسبودومين في غرب أستراليا، وهي شركة (Pilbara Minerals ASX: PLS)، تضرّره بشدّة جراء اضطرابات السوق الأخيرة بسبب كورونا.
وبالنسبة للنتائج الماليّة لعام 2020، أرجعت الشركة صافي الخسارة البالغة 99.3 مليون دولار إلى "ظروف السوق المضطربة في الصين، وضعف الطلب على موادّ الليثيوم الخام، وانخفاض أسعار تركيز الإسبودومين".
ورغم قتامة الصورة التي عكستها السطور السابقة للوضع الراهن، فإن تقرير شركة غالاكسي يتوقّع مستقبلًا مشرقًا، يتجاوز كلّ هذه العقبات والتحدّيات.
السيّارات الكهربائية
من المتوقّع أن تعزّز وتيرة إنتاج السيّارات الكهربائية المتسارعة، الطلب على الليثيوم بشكل كبير، بحلول عام 2030.
وفي هذا الإطار، تسعى إعانات الاتّحاد الأوروبّي للمركبات الكهربائية، وكذلك الحوافز الألمانية والفرنسية، إلى زيادة مبيعات السيّارات التي تعمل ببطّاريات الليثيوم.
وتستهدف الصين تنامي سوق مركبات الطاقة المتجدّدة (الكهربائية)، بنسبة 25%، بحلول عام 2025.
من جانبها، تتوقّع لجنة النحاس المملوكة للدولة في تشيلي ( CoChilco)، تعافي الطلب على الليثيوم، خلال السنوات القليلة المقبلة، بحيث يقفز الطلب، عام 2030، إلى 450%، مقارنةً بالسوق الحاليّة.
وسوف يعود الكثير من ذلك التنامي إلى المركبات الكهربائية، بحسب اللجنة.
وتقول Cochilco: إن المركبات الكهربائية تمثّل الآن 24% من استخدامات الليثيوم، موضّحةً أنّه، بحلول عام 2030، ستستخدم المركبات الكهربائية 79% من إجمالي إنتاج الليثيوم، على أن تُستخدم النسبة المتبقّية في الإلكترونيات وتخزين الطاقة وغيرها من الأدوات والآلات، مثل الدرّاجات الإلكترونية.
وتفيد تقارير بأن أحد أسباب ارتفاع المخزونات الحاليّة هو أن المستهلكين يشترون كمّيات أصغر في كلّ مرّة، للتغلّب على أزمة التخزين.
الطائرات الكهربائية
من الجوانب الإيجابية أيضًا، التي تبعث على التفاؤل بشأن سوق الليثيوم، أنّه، بحلول عام 2030، وبغضّ النظر عن مبيعات السيّارات الكهربائية الهائلة، ستكون هناك تطبيقات جديدة للّيثيوم.
إحدى هذه التطبيقات، طائرات الركّاب الكهربائية، حيث شهد معرض باريس الجوّي، 2019، إطلاق أوّل طائرة ركّاب تجاريّة تعمل بالكهرباء بالكامل في العالم.
وكشفت شركة إسرائيلية، عن نموذج أوّلي، يمكنه حمل تسعة ركّاب، لمسافة تصل إلى 1040 كيلومترًا، بسرعة 440 كيلومترًا في الساعة، من المتوقّع أن تدخل الخدمة عام 2022.
بيد أن هناك تحدّيًا آخر، وقضيّة حاسمة، تتمثّل في الحصول على طائرة بوينغ 777، أو إيرباص A380، قادرة على التحليق آلاف الكيلومترات من المحيط، وعلى متنها مئات الأشخاص، وأمتعتهم، ناهيك عن مسألة عائدات الشحن المهمّة للغاية.
البطّاريات الموجودة ثقيلة جدًا، بحيث لا يمكنها أن تكون المصدر الوحيد للطاقة على طريق جوّي طويل، أو حتّى قصير. ستحتاج مثل هذه الطائرة إلى حمل آلاف الكيلوغرامات من البطّاريات (ومن ثمّ عدد أقلّ بكثير من الركّاب، وشحن أقلّ بكثير).
لكن هناك جهود مضنية تقوم بها مراكز الأبحاث والشركات المختلفة، للتوصّل إلى بطّارية ليثيوم كبريت جديدة وخفيفة الوزن، مع زيادة كثافة الطاقة التي يزعم مطوّروها أنّها ستسمح برحلات تجارية تعمل بالطاقة الكهربائية.
سلاسل التوريد
يعدّ تأمين المنتجات غير الصينية، أمرًا حيويًا لسلاسل التوريد الغربية، حيث شدّدت شركة Piedmont Lithium ASX: PLL على ضرورة تأمين سلسلة إمدادات خارج الصين، وشرعت في القيام بذلك، وستصبح واحدة من شركات تعدين الإسبودومين الوحيدة ومنتجي هيدروكسيد الليثيوم غير المعتمدة على الصين، في أيّ جزء من عملياتها.
وفي يونيو/حزيران، أكملت الشركة دراسة نطاق محدّثة لمشروعها المتكامل من التعدين إلى الهيدروكسيد، في ولاية نورث كارولينا الأميركية.
تخطّط بيدمونت -المُدرجة في بورصة ناسداك- لإنتاج 22 ألفًا و700 طنّ سنويًا من هيدروكسيد الليثيوم، للإسهام في سلاسل إمداد السيّارات الكهربائية والبطّاريات في الولايات المتّحدة والعالم.
وهيدروكسيد الليثيوم مطلوب في بطّاريات النيكل المستخدمة في المركبات طويلة المدى، ومن المتوقّع حدوث عجز فيه، بدءًا من عام 2023.
في الوقت الحاضر، يجري إنتاج معظم هيدروكسيد الليثيوم في العالم، في الصين.
تستهدف بيدمونت شركات تصنيع السيّارات ومصنّعي المعدّات الأصلية الذين يبحثون عن سلاسل توريد محلّية.