التقاريرتقارير الطاقة المتجددةرئيسيةسلايدر الرئيسيةطاقة متجددة

دراسة أميركية: الطاقة المتجددة عدو البيئة

تصنيع بطارية سيارة كهربائية واحدة يحتاج طاقة تعادل 100 برميل نفط

حازم العمدة

اقرأ في هذا المقال

  • أكثر من 10 ملايين طن من البطاريات تتحول لنفايات في 2030
  • الألواح الشمسية البالية تمثل ضعف النفايات العالمية الحالية عام 2050
  • أي توسع في الطاقة المتجددة سيخلق زيادة غير مسبوقة في التعدين والتلوث
  • المعدات "الخضراء" تتطلب 10 أضعاف المواد المستخرجة لإنتاج نفس كمية الطاقة التي تولدها المصادر التقليدية

"الطاقة المتجددة هي الحل".. شعار يرفعه نشطاء البيئة على وجه البسيطة.. فلا تكاد تمر بكوكب الأرض نائبة أو كارثة طبيعية، إلا وتجد جماعات البيئة حاضرة بقوة، وتكيل الاتهامات لمصادر الطاقة التقليدية -والدول التي تعتمد عليها- باعتبارها المسؤول الأول عن الكوارث البيئية كالاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان الجليد وتداعياتها البيئية المدمرة كالجفاف والفيضانات وغيرها.

ومن ثم يصنف نشطاء وجماعات البيئة مصادر الطاقة إلى نوعين، الأول: مصادر صديقة للبيئة وإن اختفلت أوصافها (خضراء أو نظيفة، أو متجددة)، والثانية: مصادر عدو للبيئة، وتسميها بأسمائها الحقيقة لوصمها بكل هذه الاتهامات (الفحم والنفط وغيرهما من المصادر التقليدية).

وإذا اتفقنا تماما مع هؤلاء النشطاء في أن التلوث هو سبب كل هذه الكوارث، فهل الطاقة المتجددة هي في الأصل متجددة؟ هل تبقى متجددة للأبد؟ هل ينتهي التلوث وكوارث الكوكب البيئية لو افترضنا أن العالم تحول إلى الطاقة الخضراء بنسبة 100%؟ بل: هل العالم قادر -بالفعل- على الاستغناء عن الطاقة التقليدية والوصول إلى عصر الطاقة النظيفة، مثلما حدث مع الثورة الرقمية وتكنولوجيا المعلومات؟ هل الطريق مفروشة بالورود للوصول إلى هذا الهدف؟ وأخيرا -وليس آخراً- هل بإمكان الجميع تحمّل الفاتورة أو التكلفة المالية لهذا الحلم في كل مراحله، والتي لن تتوقف فقط عند حد تصنيع السيارة الكهربائية، أو بناء مزرعة الرياح، أو الألواح الشمسية وإن كانت هذه المرحلة فقط تكلف الكثير والكثير من الأموال؟

كل هذه الأسئلة التي ربما لم تدر في أذهان الكثيرين، تحاول الإجابة عليها دراسةٌ أجراها معهد مانهاتن تحت عنوان (المناجم والمعادن والطاقة الخضراء: دراسة واقعية)، والتي رفضت التعامل مع الأزمة من منظور عاطفي فقط.

تقول الدراسة التي أعدها الباحث مارك بي. ميلز: "مع تحويل صانعي السياسات في مختلف أرجاء العالم تركيزهم من تحدي فيروس كورونا المستجد إلى التعافي الاقتصادي، يعود الحديث والمناقشات مجدداً حول خطط البنية التحتية، بما في ذلك الخطط المتعلقة بالطاقة. ويضاعف المدافعون عن الطاقة الخضراء الضغوط لمواصلة -أو حتى زيادة- استخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية، دون أي تفكير جاد في الآثار البيئية الواسعة وسلسلة التوريد للطاقة المتجددة".

وفي هذا السياق، يقول ميلز: "في اقتصادات الطاقة المتجددة، يعتقد العديد من المتحمسين حدوث أشياء غير ممكنة أو حتى صعبة للغاية على أرض الواقع، ظناً منهم أن التكنولوجيا الفائقة في مجال الطاقة، يمكنها أن تعكس وتيرة التقنيات الرقمية نفسها.. وهذا غير ممكن".

نظرة واقعية

تتحول هذه الورقة البحثية إلى واقع مختلف، وهو أن جميع آلات الطاقة ومعداتها تعتمد على مواد مستخرجة من الأرض، ومن ثَم لا يوجد نظام متجدد تماما للطاقة، في الواقع؛ لأن جميع الآلات تتطلب تعدينًا ومعالجةً مستمرة لملايين الأطنان من المواد الأولية، وكذلك التخلص من الآلات والمعدات وأجزاء الطاقة المتجددة التي ينتهي عمرها الافتراضي.

بالمقارنة مع مصادر الطاقة التقليدية -من نفط وخلافه- تحتاج الآلات الخضراء -في المتوسط​- إلى زيادة بمقدار 10 أضعاف في كميات المواد المستخرجة والمعالجة لإنتاج الكمية نفسها من الطاقة، بحسب الدراسة.

وهذا يعني أن أي توسع كبير في المستوى المتواضع للطاقة الخضراء اليوم -أقل من 4٪ من إجمالي استهلاك البلاد (مقابل 56٪ من النفط والغاز)- سيُحدث زيادة غير مسبوقة في التعدين العالمي للمعادن المطلوبة.

مزرعة رياح واحدة بقدرة 100 ميغاواط تحتاج 30 ألف طن حديد و50 ألف طن خرسانة و900 طن بلاستيك غير قابل للتدوير

وبناء على ذلك، سيؤدى تسارع وتيرة التعدين، إلى تفاقم التلوث وغيره من التحديات البيئية الحالية، وكذلك تحديات العمالة في الأسواق الناشئة (حيث توجد الكثير من المناجم)، ويزيد بشكل كبير من واردات الولايات المتحدة وتعرض سلسلة إمدادات الطاقة الأميركية للتأثر.

وفي هذا الصدد، تقول الدراسة الأميركية: "في عام 1990، كانت الولايات المتحدة المنتج الأول للمعادن في العالم، لكنها تراجعت حاليا إلى المركز السابع، وبالرغم من أن الدولة لديها احتياطيات ضخمة من المعادن تقدر بتريليونات الدولارات، فإنها تعتمد الآن بنسبة 100٪ على الواردات لحوالي 17 من المعادن الرئيسية، بينما تستورد أكثر من 50% من الاحتياجات المحلية لـ 29 نوعاً آخر من المعادن".

فى المتوسط، يتطلب بناء توربينات الرياح والألواح الشمسية، وبطاريات تشغيل المركبات الكهربائية، أكثر من 10 أضعاف كمية المواد، مقارنة بالآلات التي تستخدم الهيدروكربونات لتوفير كمية الطاقة نفسها للمجتمع.

ألف بطارية هاتف

تحتوي السيارة الكهربائية الواحدة على بطارية تعادل أكثر من ألف بطارية هاتف ذكي، وتحتوي العنفات الموجودة في توربينة رياح واحدة على بلاستيك أكثر من 5 ملايين هاتف ذكي، والمصفوفة الشمسية التي يمكنها تشغيل مركز بيانات واحد تستخدم زجاجًا أكثر من 50 مليون هاتف.

في السياق ذاته، تقول دراسة معهد مانهاتن: إن استبدال الطاقة الناتجة من توربين واحد يعمل بالغاز الطبيعي بقدرة 100 ميغاواط، وهو نفسه بحجم منزل سكني (ينتج ما يكفي من الكهرباء لـ 75 ألف منزل)، يتطلب 20 توربينًا بالنسبة لطاقة الرياح على الأقل، كل واحد منها بحجم نصب واشنطن التذكاري، أو ما يعادل 10 أميال مربعة من الأرض.

نظام تخزين المزرعة يتطلب استخدام ما يعادل 10 آلاف طن من بطاريات فئة تسلا

استبدال الهيدروكربونات بآلات صديقة للبيئة في ظل الخطط الحالية -بغض النظر عن تطلعات التوسع الأكبر بكثير- سيزيد بشكل كبير من تعدين مختلف المعادن المهمة، وغيرها من المواد التي تدخل في هذه الصناعة في جميع أنحاء العالم.

ويتطلب بناء مزرعة رياح واحدة بقدرة 100 ميغاواط حوالي 30 ألف طن من خام الحديد، و50 ألف طن من الخرسانة، بالإضافة إلى 900 طن من البلاستيك غير القابل لإعادة التدوير للعنفات الضخمة. ومع آلات الطاقة الشمسية، تكون حمولة الأسمنت والفولاذ والزجاج أكبر بنسبة 150٪ من طاقة الرياح بالنسبة لنفس ناتج الطاقة.

وبالنسبة لنظام تخزين يكفي لمزرعة رياح بقدرة 100 ميغاواط المذكورة أعلاه، فإنه يتطلب استخدام ما لا يقل عن 10 آلاف طن من بطاريات فئة تسلا.

على سبيل المثال، تتطلب بطارية سيارة كهربائية واحدة تزن 1000 رطل استخراج ومعالجة حوالي 500 ألف رطل من المواد.

وتزن بطارية الليثيوم في السيارة حوالي 1000 رطل. وبالرغم من أن هناك بعض الاختلافات في الحجم، فإن البطارية عادة ما تحتوي على حوالي 25 رطلاً من الليثيوم، و30 رطلاً من الكوبالت، و60 رطلاً من النيكل، و110 أرطال من مادة الغرافيت، و90 رطلاً من النحاس، و400 رطل من الفولاذ والألومنيوم ومكونات بلاستيكية مختلفة.

إنتاج بطارية ليثيوم تزن 1000 رطل يتطلب تعدين 90 ألف رطل من الخام

وإجمالاً، يتطلب الحصول على هذه العناصر الخمسة فقط لإنتاج بطارية سيارة كهربائية تبلغ 1000 رطل تعدين حوالي 90 ألف رطل من الخام، وهي -أيضاً- عملية شاقة ومضنية.

وبحساب متوسط ​​عمر البطارية، فإن كل ميل من قيادة سيارة كهربائية "يستهلك" خمسة أرطال من المواد الموجودة في باطن الأرض، بينما يستهلك محرك الاحتراق الداخلي حوالي 0.2 رطل من السوائل لكل ميل.

وفي هذا السياق، تلفت الدراسة إلى أن العالم حاليًا يقوم بتعدين حوالي 7 آلاف طن سنويًا من مادة النيوديميوم -على سبيل المثال- وهي إحدى العناصر الرئيسية العديدة المستخدمة في تصنيع الأنظمة الكهربائية لتوربينات الرياح.

ومن ثم، فإن سيناريوهات الطاقة النظيفة الحالية، وفقا لما يتصوره البنك الدولي وآخرون، تتطلب زيادة تترواح بين 1000٪ و4000٪ في إمدادات النيوديميوم في العقود العديدة المقبلة.

كل ميل من قيادة سيارة كهربائية "يستهلك" 5 أرطال من المواد ومحرك البنزين حوالي 0.2 رطل من السوائل.

وبالرغم من أن هناك افتراضات أساسية مختلفة مستخدمة في التحليلات العديدة للمتطلبات المعدنية للطاقة الخضراء، فإن جميعها توصل إلى النطاق نفسه من الاستنتاجات.

على سبيل المثال: يجب أن يزيد تعدين الإنديوم، المستخدم في تصنيع أشباه الموصلات الشمسية المولدة للكهرباء، بنسبة تصل إلى 8000٪.

ويجب أن ينمو تعدين الكوبالت للبطاريات بنسبة تتراوح بين 300٪ و 800٪. كما ينبغي زيادة إنتاج الليثيوم المستخدم في السيارات الكهربائية بأكثر من 2000٪.

وحلل معهد بجامعة سيدني للتكنولوجيا بأستراليا العام الماضي 14 معدنًا ضروريًا لبناء آلات التكنولوجيا النظيفة، وخلص إلى أن توريد عناصر -مثل النيكل والديسبروسيوم والتيلوريوم- يحتاج إلى زيادة تتراوح بين 200٪ و600٪.

ومع ذلك، يحذر البنك الدولي، من أن الآثار المادية لمستقبل التكنولوجيا النظيفة تخلق "مجموعة جديدة من التحديات للتنمية المستدامة للمعادن والموارد، مثل صعوبة الحصول على بعض المعادن لأسباب فنية متأصلة في الجيوفيزياء".

الطاقة التقليدية

حتى إذا اجتازت الصناعة كل هذه التحديات، فإنه في نهاية المطاف لا يمكن الاستغناء عن الطاقة التقليدية؛ إذ تؤكد الدراسة على أن هناك حاجة إلى النفط والغاز الطبيعي والفحم لإنتاج الخرسانة والصلب والبلاستيك والمعادن النقية المستخدمة في بناء آلات صديقة للبيئة.

الغاز الطبيعي يمثل 70٪ من الطاقة المستخدمة لتصنيع زجاج الألواح الشمسية

وتشير تقديرات الدراسة إلى أنه يتعين استخدام طاقة تعادل 100 برميل من النفط في عمليات تصنيع بطارية واحدة يمكنها تخزين ما يعادل برميلاً واحداً فقط من النفط، وما يقرب من نصف هذه الطاقة في شكل كهرباء وغاز طبيعي، والنصف الآخر نفط.

وإذا صُنعت البطاريات في آسيا (حيث تُصنع 60٪ من بطاريات العالم الآن)، فإن أكثر من 60٪ من الكهرباء اللازمة للقيام بذلك تعمل بالفحم، وهي عمليات لن تكون صديقة للبيئية بأي حال من الأحوال.

وهذا يعني أنه بالنسبة للمستقبل المنظور، فإن زيادة إنتاج الآلات الخضراء ستؤدي حتما إلى زيادة كبيرة في الطاقة المجسدة (وهو مصطلح فني يعني كل الطاقة المستخدمة في صناعة المنتج أو الخدمة).

تعد الطاقة المجسدة بالضرورة جزءًا من بناء آلات الرياح والطاقة الشمسية، خاصة وأن كميات كبيرة من الخرسانة والصلب والزجاج مطلوبة. وتحتوي هذه المواد السلعية على طاقة مجسدة منخفضة نسبيًا لكل رطل، ولكن عدد الأرطال المستخدمة ضخم. ويمثل الغاز الطبيعي أكثر من 70٪ من الطاقة المستخدمة في تصنيع الزجاج -على سبيل المثال-، ويشكل الزجاج حوالي 20٪ من الأطنان اللازمة لبناء مصفوفات الطاقة الشمسية.

وبالنسبة لتوربينات الرياح، يُستخدم النفط والغاز الطبيعي في تصنيع العنفات، ويستخدم الفحم في صناعة الفولاذ والخرسانة.

إنتاج خرسانة وصلب لتوربينات توفر نصف كهرباء العالم تتطلب ملياري طن فحم و1.5 مليار برميل نفط لصنع العنفات.

وإذا افترضنا أن توربينات الرياح ستزود نصف الكهرباء في العالم -كما تقول الدراسة- فإنه ينبغي استهلاك ما يقرب من ملياري طن من الفحم لإنتاج الخرسانة والصلب، إلى جانب 1.5 مليار برميل من النفط لصنع العنفات.

أحد عوامل الطاقة الإضافية الغائب عن تحليلات الطاقة المجسدة لآلات التكنولوجيا النظيفة هو كيفية تسليم هذه المواد؛ إذ يُنقل أكثر من 75٪ من إجمالي النفط و 100٪ من الغاز الطبيعي إلى الأسواق عبر خطوط الأنابيب، وتُحمل النسبة المتبقية على متن سفن. ومن هنا، تبين أن خطوط الأنابيب هي أكثر الوسائل كفاءة في استخدام الطاقة في العالم لنقل طن من المواد.

ومع ذلك، فإن جميع المواد المستخدمة في بناء الآلات الخضراء -تقريبًا- هي مواد صلبة، وستُنقل حصة كبيرة جدًا بواسطة الشاحنات. ويستلزم استخدام الشاحنات بدلاً من خطوط الأنابيب زيادة قدرها 1000٪ لكل طن/ميل في نقل مواد الطاقة.

النفايات

ولو تجاوزنا كل هذه التحديات، فإننا سنصطدم بعقبة كؤود لن تُرضي -أيضاً- نشطاء البيئة. فبحلول عام 2050، وفي ظل الخطط الحالية، ستشكل كمية الألواح الشمسية البالية -ومعظمها غير قابل لإعادة التدوير- ضعف حجم جميع النفايات البلاستيكية العالمية اليوم، بالإضافة إلى أكثر من 3 ملايين طن سنويًا من المواد البلاستيكية غير القابلة لإعادة التدوير من عنفات الرياح. وفي عام 2030، ستصبح أكثر من 10 ملايين طن من بطاريات السيارات الكهربائية مجرد نفايات.

وتشير تقديرات الدراسة إلى أن نفايات البطاريات السنوية في الصين وحدها ستصل بالفعل إلى 500 ألف طن عام 2020. وسوف تتجاوز مليوني طن سنويًا بحلول عام 2030. وحاليًا، يُعاد تدوير أقل من 5٪ فقط من هذه البطاريات.

في الإطار ذاته، تقول الدراسة إنه إذا افترضنا انتهاء العمر الافتراضي لنحو 20 توربيناً تشكّل مزرعة رياح صغيرة واحدة بقدرة 100 ميغاواط، فإن إيقاف تشغيلها والتخلص منها سيكلف البيئة أربعة أضعاف النفايات البلاستيكية غير القابلة لإعادة التدوير.

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق