التقاريرتقارير النفطرئيسيةعاجلنفط

من الأسلحة إلى النفط والتعدين.. طموحات روسيّة للسيطرة على إفريقيا

موسكو تسعى لتوفير منافع اقتصادية للقارّة السمراء

محمد فرج

تسعى روسيا لتعزيز وجودها في إفريقيا، خلال الفترة المقبلة، ليس لأسباب اقتصادية فحسب، بل سياسية وإستراتيجية أيضًا، إذ تعدّ موسكو القارّة السمراء شريكًا محتملًا ورئيسًا في نظام عالمي متعدّد الأقطاب، مستقبلًا.

تولّى فلاديمير بوتين الرئاسة الروسيّة عام 2000، مع الاهتمام باستعادة النفوذ الجيوسياسي، وبناء رؤية "روسيا العظيمة" مرّة أخرى، ووجّهت موسكو بوصلتها نحو إفريقيا، على أمل تحقيق حلمها من بوّابة التجارة والأعمال، بعد أن وسّعت نفوذها في الشرق الأوسط، تجاريًا وسياسيًا وعسكريًا.

في عام 2014، واجهت روسيا العديد من التحدّيات، لسعيها إلى السيطرة على مقاليد الأمور.. أوّلًا، جاء انخفاض أسعار النفط، الذي وصل، بحلول ديسمبر/كانون الأوّل 2014، إلى أدنى مستوى له عند 62 دولارًا، وتراجع أكثر خلال العام التالي، ليصل إلى 31 دولارًا، في يناير/كانون الثاني 2016.

ثانيًا، أدّى ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم، في عام 2014، إلى فرض عقوبات عليها من قبل الاتّحاد الأوروبّي والولايات المتّحدة. ومنعت المصارف الحكومية الروسيّة من الحصول على قروض دولية، وحظرت تجارة الأسلحة مع الاتّحاد الأوروبّي، وأوقفت صادرات النفط والتكنولوجيا المرتبطة بها من روسيا.

كما فُرِضت عقوبات على الأفراد الذين يديرون شركات الطاقة والمعادن الرائدة في روسيا، وصدرت بشأنهم قرارات حظر السفر وتجميد الأصول.

شركاء التنمية

أنشأت روسيا شبكة من الشركاء بإفريقيا، في زمن مكافحة الفصل العنصري والمستعمرات، وبدت القارّة السمراء متقبّلة لإعادة بناء التحالفات الأيديولوجية التي من شأنها أن تسمح بالوصول إلى الموارد الطبيعية والمكاسب الماليّة.

ويُصرّ رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا -وهو أيضًا الزعيم الحالي للاتّحاد الإفريقي- على أن روسيا تتعامل مع القارّة "من أجل المنفعة المتبادلة"، وأن استثماراتها تعدّ تغييرًا عن القوى الاستعمارية الاستخراجية والاستغلالية للغرب.

بعد وقت قصير من قمّة (روسيا وإفريقيا لعام 2019) في مقاطعة سوتشي، كتب رامافوسا رسالة، جاء فيها: "نحن ندرك أكثر من أيّ وقت مضى، تاريخنا الاستعماري، حيث كانت اقتصادات أوروبّا قادرة على التصنيع والتطوير من خلال استخراج الموارد من إفريقيا، مع ترك المستعمرات متخلّفة طوال الوقت".

وأكّد حرص الصين وروسيا ودول منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وغيرها من الاقتصادات الكبيرة، على إقامة علاقات اقتصادية أكبر مع البلدان الإفريقيّة، لأنّها تريد تسخير مناخ الإصلاح الحالي وتعميق الحكم الرشيد واستقرار الاقتصاد وانفتاح الاقتصادات عبر القارّة، من أجل المنفعة المتبادلة.

يُفَسَّر تأثير روسيا في الغالب من حيث التدخّلات في مجال الطاقة، خاصّةً الطاقة النووية، إلى جانب الأمن ومبيعات الأسلحة، ولا شكّ أن موسكو تدرك أن عليها توفير منافع اقتصادية للمنطقة الإفريقيّة، لضمان نفوذها حقًّا.

التأثير الإستراتيجي في إفريقيا

ترى روسيا أن الدول الغربية هي الاستعمار الذي يستغلّ البلدان الإفريقيّة، وبسطوا سلطة استعمارهم من خلال تعزيز الديمقراطية، وفرض شروط صارمة على التعاون والتجارة.

وقد استحوذ إيليا روجاتشيف، السفير الروسي الحالي لدى جنوب إفريقيا، على هذا الشعور بشكل جيّد، في خطاب قبل قمّة سوتشي: "لم يكن لروسيا والاتّحاد السوفيتي وجود ضارّ في القارة الإفريقيّة.. لقد دعمنا دائمًا الشعوب والأمم الإفريقيّة".

وتحتوي إفريقيا على نسبة كبيرة من احتياطي النفط العالمي، والذي تبلغ نسبته قرابة 12%، إلى جانب جزء مهمّ من احتياطي الغاز الطبيعي العالمي، والذي تبلغ نسبته نحو 10%، ومن المتوقّع تزايد هذه النسبة مستقبلًا، نظرًا للكمّيات الضخمة التي اكتُشِفت في أنحاء متعدّدة من القارّة، وتتنافس الآن أهمّ الشركات على استخراجها بأحدث الطرق التكنولوجية الحديثة.

كما تحتوي القارّة السمراء أيضًا على كمّيات ضخمة من المعادن، والتي تُقدَّر بالآتي: قرابة 80% من إنتاج البلاتين في العالم، و40% من إنتاج الماس العالمي، و25% من إنتاج الذهب العالمي، و27% من إنتاج الكوبالت، وقرابة 9% من الحديد، ويتراوح احتياطها من الحديد والمنجنيز والفوسفات من 15% إلى 30% من إجمالي الاحتياطي العالمي من هذه المعادن.

اتّفاقيات متعددة بقطاع الطاقة

شركات الطاقة الحكومية الروسيّة "غازبروم"، "لوك أويل"، و"روسنفت"، تجعل موسكو واحدة من أكبر منتجي ومصدّري الهيدروكربونات في العالم.

وتدير شركة "لوك أويل" مشاريع الغاز والنفط، وتنشط في الكاميرون ومصر وغانا وخليج غينيا ونيجيريا، وتضخّ ما لا يقلّ عن مليار دولار في تلك المشاريع، وتعمل غازبروم في الجزائر وليبيا، حيث اكتُشفت ثلاثة حقول للغاز.

في عام 2009، أنشأت شركة غازبروم، وشركة البترول الوطنية النيجيريّة، شركة نيجاز المحدودة للطاقة، وقد استحوذت "روسنفت" على حصّة 30% من حصص حقل "ظهر" للغاز البحري في مصر، وتخطّط للمشاركة في نحو 20 مشروعًا مع مجموعة أورانتو للطاقة البترولية النيجيريّة.

أبرمت شركة جيولوجية روسية، وغينيا الاستوائية، اتّفاقًا للتنقيب عن احتياطيات النفط والغاز والمعادن في غينيا، وهو أحد الصفقات التي أبرمتها القمّة الروسيّة الإفريقيّة، لعام 2019، في سوتشي.

ويعتقد الناشطون والمحلّلون السياسيون في غينيا، أن تلك الصفقة لا تؤدّي إلّا إلى تعميق التمسّك بروسيا على كلٍّ من السياسة الغينيّة وصناعتها الاستخراجية، التي تكسب 33% من الإيرادات الوطنيّة للبلاد، وتملك شركات التعدين الروسيّة أيضًا عددًا قليلًا من مناجم البوكسيت، ومنجم ذهب في غينيا.

ويُزعَم أن هذه الاستثمارات استُخدمت للتلاعب بالسياسييّن الغينيّين في محاولة لتليين قوانين التعدين التي جرى إصلاحها، والتي دعت إلى زيادة الضرائب لحماية البيئة والمجتمعات المحلّية.

كما مُنحت الشركات الروسيّة تمديدات عقودها لمدّة 25 عامًا، مع عدم وجود شروط سابقة. وجاءت هذه الميزة بعد أن أيّد السفير الروسي في غينيا علنًا إجراء تغيير في الدستور، مكّن رئيس البلاد من الترشّح لولاية ثالثة.

استبدال حقوق التعدين بمقابل أمني لا مالي

على غرار الصين، قد تُستبدَل حقوق التعدين الروسيّة بشيء آخر غير التمويل. وفي جمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا والسودان، تُمنح حقوق المعادن لروسيا بجزء صغير من قيمتها، مقابل التدريب على الأمن والأسلحة.

وفي مقابل حقوق تعدين الماس والذهب، نشرت روسيا ما يقرب من 1000 مدرّب عسكري في جمهورية إفريقيا الوسطى -التي تعاني من العنف- في عام 2018. وقام الجيش الروسي بتسليم أسلحة خفيفة وقاذفات صواريخ ومدفعية، وقدّم التدريب لجيش جمهورية إفريقيا الوسطى والحرس الرئاسي. وأُرسِلَت نداءات متكرّرة إلى موسكو لتحسين الأمن في البلدان التي دمّرتها هجمات تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، وأبرزها من بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر.

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق