خط أنابيب الغاز الروسي يزيد التوتر بين أميركا وأوروبا
مشروع "نورد ستريم 2" اكتمل بنسبة 94% لكن واشنطن تريد تجميد وضعه
ترجمة: محمد زقدان
هذه الأيام، يمكن رؤية سفينة "أكاديميك تشيرسكي" العملاقة المخصصة لمد أنابيب الغاز، قبالة ساحل بحر البلطيق في ألمانيا، إذ تقول مواقع التتبع البحرية، إنه يبدو أنها تنتظر فرصة استكمال الامدادات النهائية لخط أنابيب ضخم تحت البحر سينقل الغاز الطبيعي مباشرة إلى ألمانيا من روسيا.
ومع ذلك، تحاول إدارة الرئيس دونالد ترمب تجميد مشروع خط الأنابيب، المعروف باسم "نورد ستريم 2"، على الوضع الحالي الذي وصل إليه. وفى الأسبوع الماضي تحركت وزارة الخارجية الأميركية لفرض عقوبات محتملة على المستثمرين وجهات الأعمال المشاركة في المشروع، وتوسيع العقوبات القائمة.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للصحفيين، منتصف الشهر الجاري، إن المستثمرين الأوروبيين في مشروع خط أنابيب "نورد ستريم 2"وفرع لخط أنابيب "ترك ستريم" قد يتعرضون لخطر عقوبات بموجب قانون أمريكي صدر في عام 2017. وسينقل خطا الأنابيب الغاز من روسيا إلى أوروبا وتركيا.
وتابع بومبيو "هذا تحذير واضح إلى الشركات التي تساعد وتشجع مشاريع لنفوذ خبيث لروسيا بأنه لن يكون هناك تسامح معها. إما أن تخرجوا الآن أو تواجهوا خطر العواقب".
ولدى الولايات المتحدة تخمة من الغاز الطبيعي وتحاول تصدير الغاز المسال إلى أوروبا. وتدعم أيضا مساعي لأوروبا لتنويع وارداتها من الغاز الطبيعي المسال من مصادر أخرى، بما في ذلك النرويج.
وجلب التهديد الصادر من واشنطن إدانة سريعة من الزعماء الأوربيين، الذي وصفوه بأنه تدخل في حقهم السيادي في وضع سياسة الطاقة، لكن هذه التهديدات قد تضغط أيضا على بعض شركات الطاقة الأوروبية، بما في ذلك رويال داتش شل التي تدعم خط أنابيب نورد ستريم 2.
ويوصف المشروع بأنه تم استكماله بنسبة 94 %. وبينما يثق الداعمون له أنه سيجري الانتهاء منه، فإن التهديد بفرض عقوبات (من قبل أميركا) جعل من غير الواضع متى ستحدث تلك الخطوة (الانتهاء من المشروع).
وأصبح خط الأنابيب، التي تم بناؤه من قبل شركة مملوكة لجازبروم، عملاق الغاز الروسي، يمثل بؤرة قلق على نحو خاص في واشنطن، خوفا من تترجم هيمنة روسيا على إمدادات الطاقة لأوروبا، إلى نفوذ سياسي لموسكو. هذه المخاوف ليست جديدة، حيث أن الغاز الطبيعي سواء خلال فترة الاتحاد السوفيتي أو بعد زواله، كان لورسيا أهمية حاسمة في تشغيل الاقتصاد الأوروبي لعقود.
وفى الآونة الأخيرة، وعلى الرغم من أن تبني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نهجا عدوانيا فيما يتعلق بسياسية بلاده الخارجية، زاد من المخاوف بشأن طموحاته، وامتلاك الولايات المتحدة لإمدادات كافية من الغاز من التكسير والتنقيب الصخري، فهناك شك واسع في أن واشنطن ربما تتذرع بمخاوف جيوسياسية لدعم الصادرات الأمريكية من الغاز الطبيعي المسال.
وفى هذا الصدد، وصف "روبرت ماكنالي"، رئيس مجموعة رابيدان، وهي شركة لأبحاث السوق، سياسة واشنطن بقوله "نريدهم أن يشتروا منا، وليس من الروس".
ويساعد السيناتور "تيد كروز"، وهو جمهوري، عن ولاية تكساس، حالياً في رعاية تشريع لفرض عقوبات أكثر صرامة، ووصف خط الأنابيب بأنه " تهديد خطير لأمن أميركا القومي".
ويقول بعض المحللين إن الولايات المتحدة يمكنها استخدام العقوبات لاستهداف خمس شركات أوروبية تقدم الدعم المالي لما يصل إلى نصف تكلفة نوردستريم البالغة 11 مليار دولار، وهم شركة "شل"، أكبر شركة نفط في أوروبا، و"يونبر" الألمانية، و "أو.إم .في" النمساوية، وانجي الفرنسي، و"ونتر شل الألمانية".
من ناحية أخري، يرى البعض أن هذه الشركات ليس لها داع أن تشعر بالقلق من التهديد الأميركي بسبب اقتراب انتهاء المشروع والوفاء بأغلب الاتزامات المالية.
ومع ذلك، فإن المسؤولين الأوروبيين، وقادة الأعمال يشعرون بقلق إزاء ما يقولون إنه تدخل لواشنطن في الشؤون الأوروبية.
وقال وزير الخارجية الألماني هيكو ماس "إن الإدارة الأميركية لا تحترم حق أوروبا وسيادتها لكي تقرر بنفسها من أين وكيف نحصل على مصدر طاقتنا".
وقال جوزيب بوريل، مسؤول الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إنه يشعر بقلق عميق إزاء الاستخدام المتزايد للعقوبات، أو التهديد بفرض عقوبات، من قبل الولايات المتحدة الأميركية ضد الشركات والمصالح الأوروبية".
وقال ممثلو الأعمال الألمان أيضا إن النزاع يهدد العلاقات الاقتصادية عبر المحيط الأطلسي، المتوترة بالفعل خلال فترة إدارة ترامب.
وقال "مايكل هارمز" المدير التنفيذي للجنة الشرقية للاقتصاد الألماني، وهي مجموعة صناعية تروج للتجارة مع روسيا: ستكون سابقة خطيرة للغاية أن تتمكن دولة ثالثة من فرض قواعدها على السيادة الأوربية وسيادة القانون في القارة العجوز.
وبينما تميل دول مثل ألمانيا وفرنسا إلى تجاهل المخاوف من الاعتماد المفرط على الطاقة الروسية، قامت دول أخرى، مثل بولندا وليثوانيا، ببناء منشآتها الخاصة بالغاز الطبيعي المسال لضمان استقلال مصادرها للطاقة عن روسيا. وتدرس ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، بناء هذه المرافق، على الرغم من أن محللين يقولون إن الدول المجاورة لديها الكثير من القدرات التي يمكن أن تستخدمها ألمانيا.
وكان بناء "نورد ستريم 2" - الذي من المقرر أن يضاعف تقريبا كمية الغاز التي يمكن لروسيا تزويدها لألمانيا عن طريق خط الأنابيب- يسير بوتيرة سريعة حتى ديسمبر/ كانون الأول عندما دفع التلويح بفرض عقوبات أميركية ضد المقاولين، شركة Allseas (سويسرية- هولندية) إلى مد وقف الأنابيب. وتتلقى ألمانيا بالفعل الغاز الروسي من خلال خط أنابيب تم الانتهاء منه في عام 2012.
وقال متحدث باسم "نورد ستريم" في رسالة بريد إلكتروني يوم الخميس: نحن مضطرون للبحث عن حلول جديدة لـ 6% المتبقية من خط أنابيبنا، نبحث عن خيارات وسنعلن عن خططنا في الوقت المناسب".
ويقول محللون إن غازبروم تعمل خطة لإنجاز العمل المتبقي، والذي يقع في الغالب في المياه الدنماركية، عبر سفنها الخاصة. ويبدو أن المشروع كان لديه طريقا واضحا عندما قالت وكالة دانماركية في 6 يوليو/تموز أنها ستسمح للشركة بالمضي قدما مع سفن أخري.
وهذا الأسبوع واصل بومبيو ممارسة ضغوط في القضية، خلال رحلة أوروبية تضمنت توقفا في الدنمارك، ولكن يبدو أنه لم يجد تجاوبا. إذ بدى وزير الخارجية الدنماركي جيبي كوفود مستبعدا لعرقلة خط الأنابيب.
ونقلت وكالة بلومبرغ عن كوفود قوله إن "خط الأنابيب يمر عبر المنقطة الاقتصادية في الدنمارك، وهنا تنطبق القواعد الدولية ونحن نلتزم بها.
ولايزال بإمكان واشنطن التسبب في مزيد من التأخير ورفع تكاليف شركة غازبروم، لكن معظم المحللين يتوقعون اكتمال خط الانابيب لأنه قريب جدا من خط النهاية ولأن غازبروم بحاجة الانتهاء منه لجلب الغاز من الحقول الجديدة التي تقوم بتطويرها إلى السوق.
كما سيسمح خط الأنابيب نظريا لغاز شركة غازبروم بتجنب المرور عبر أوكرانيا إلى حد كبير، وهو هدف قديم، على الرغم من الشركة الروسية، وافقت في نهاية العام الماضي على مواصلة شحن كميات كبيرة من الوقود عبر أوكرانيا لمدة خمس سنوات أخري.
وقالت جين رانجيل، محللة في شركة انرجي اسبكتس للأبحاث: لن يتخلوا (غازبروم) لأنهم وضعوا الكثير فيه".
في الوقت الحالي فإن سوق الغاز الأوروبية التي تتنافس عليها الولايات المتحدة وروسيا ليست جذابة على الاطلاق. وانخفضت الأسعار بنحو 75% خلال العامين الماضيين، بسبب زيادة الامدادات الجديدة من الولايات المتحدة وأماكن أخري، وغرق الأسواق بالغاز.
وفى الآونة الأخيرة، انخفض الطلب حيث أدت عمليات الإغلاق لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) إلى خفض احتياجات الطاقة، كما أن الضغوط المتزايدة للحد من انبعاثات الكربون في القارة العجوز تثير تساؤلات حول الطلب المستقبلي على الغاز.
وفى هذا الإطار، قال خبير الطاقة ثين جوستافسون: أنه في حين أن واشنطن تشعر بالقلق بشأن غازبروم في أوروبا، فقد بدأت الشركة الروسية فعليا في تحويل بوصلتها إلى الأسواق الآسيوية الأسرع نموا.
وأضاف "جوستافسون": يدرك الروس أن السوق الأوروبية -خلال عقد اخر أو نحو ذلك- ستبدأ في الركود والتراجع.. لقد بدأوا (الروس) في تغيير إستراتيجيتهم للتعامل مع ذلك.
* المصدر "نيويورك تايمز"