تباطؤ وتيرة إلغاء شحنات الغاز الأميركي المسال
وسط توقّعات بارتفاع أسعاره أواخر الخريف
حازم العمدة
- إلغاء 26 شحنة غاز مسال فقط تحميل سبتمبر مع ارتفاع طفيف بأسعار شمال آسيا
- انخفاض معدّلات تشغيل محطّات التسييل الستّ الرئيسة على الخليج الأميركي والمحيط الأطلسي
- إجمالي الإلغاءات منذ أبريل بلغ 157 شحنة
وسط توقّعات بتحسّن وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، أواخر الخريف وأوائل الشتاء، تراجع معدّل إلغاء شحنات الغاز الأميركي المسال تحميل سبتمبر/أيلول، مقارنةً بشهري يوليو/تمّوز وأغسطس/آب.
وبالرغم من أن الغاز الأميركي هو الأرخص عالميًا الآن، فإن الفروقات السعريّة البسيطة، وتكلفة الشحن، تجعل التجّار ينصرفون بعيدًا، ويفضّلون دفع رسوم الإلغاء، لتجنّب خسائر أكبر، لو استمرّوا في صفقاتهم مع الجانب الأميركي.
ألغيت 26 شحنة غاز مسال -على الأقل-، كان من المقرّر تحميلها من محطّات التصدير الأميركية، حسبما أفادت مصادر في السوق لوكالة (أرغوس ميديا) المعنيّة بالطاقة وأسعارها.
وقالت المصادر، إن نحو 15 من طلبات الإلغاء في سبتمبر/أيلول، مرتبطة بمحطّات تديرها شركة مرتبطة بشركة تشينيير إنرجي- أكبر مصدّر للغاز الأميركي- في لويزيانا وتكساس.
كما ألغيت سبع شحنات، على الأقلّ- تحميل سبتمبر/أيلول- من محطّة فريبورت للغاز المسال في تكساس.
أسعار آسيا
يأتي ذلك، بينما ارتفعت أسعار المسال في شمال آسيا- وهي سوق رئيسة للغاز الأميركي- بنحو (2 سنت) لكلّ مليون وحدة حراريّة بريطانيّة، أمس الثلاثاء، ليصل متوسّط سعر شحنات تسليم سبتمبر/أيلول إلى 2.483 دولارًا، لكلّ مليون وحدة حراريّة بريطانيّة.
وجرى تقييم أسعار الغاز في النصف الأوّل من سبتمبر، عند 2.375 دولارًا لكلّ مليون وحدة حراريّة بريطانيّة، والنصف الثاني من الشهر ذاته عند 2.591 دولارًا لكلّ مليون وحدة حراريّة، مع اتّساع نطاق ما تُعرف بوضعيّة كونتانغو إلى 21.6 سنتًا لكلّ مليون وحدة بريطانيّة، مقارنةً ب 17.5 سنتًا في 20 يوليو/تمّوز.
ويعني مصطلح (وضعيّة كونتانغو) الحالة التي يكون فيها السعر الآجل أعلى من السعر الفوري المتوقّع للعقد عند الاستحقاق.
وفي هذا السياق، تتوقّع المصادر أن تكون معظم طلبات إلغاء الشحنات الأخيرة مرتبطة بالتحميل في النصف الأوّل من سبتمبر/أيلول.
157 شحنة
ويلقى باللوم على انخفاض الأسعار عالميًا وانهيار الطلب، جراء تفشّي فيروس كورونا، في عمليات إلغاء شحنات الغاز الأميركي المسال، التي بدأت في أبريل/نيسان، والتي يبلغ إجماليها حتّى الآن 157 عملية على الأقلّ، وفقًا لحسابات وكالة ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس.
وبطبيعة الحال، أدّى ذلك إلى انخفاض حادّ في تشغيل محطّات التسييل الرئيسة الستّ الواقعة على الخليج الأميركي والمحيط الأطلسي.
ووفقًا لحسابات بلاتس، شهدت الولايات المتّحدة نحو 40 حالة إلغاء في أغسطس/آب، و 45 في يوليو/تمّوز، و 44 في يونيو/حزيران، واثنين في أبريل/نيسان.
واستنادًا إلى معدّل التشغيل -حتّى الآن- في يوليو/أيلول، فإن أرقام هذا الشهر هي الأعلى من الشهور السابقة.
وبالرغم من أن المصدّرين الأميركيين يحظون بحماية كبيرة من خلال الرسوم الثابتة التي يتلقّونها عند إلغاء العملاء لشحناتهم، فإن الإلغاءات تجبرهم على خفض الإنتاج. فقد أظهرت بيانات (بلاتس أناليتيكس) أن معدّل تشغيل واستخدام محطّات التسييل الرئيسة الستّ في الولايات المتّحدة، كان قريبًا من 40 ٪ في 22 يونيو/حزيران، بناءً على عمليات تسليم الغازات.
وتعني التحميلات الأقلّ من محطّات الغاز الطبيعي المسال الأميركية، أن هذه المحطّات ستضطرّ لتخفيض كمّيات الغاز التي تتسلّمها.
ولا يتوقّف التأثير والضرر عند هذا الحدّ، بل يمتدّ ليشمل مشغّلي خطوط الأنابيب بين الولايات، وحفّارات الغاز الصخري في البلاد، وأصحاب الناقلات.
تأجيل قرارات الاستثمار
ومع تراجع أسعار الغاز، أرجأ مطوّرو محطّات التسييل الأميركية الجديدة قرارات الاستثمار النهائية، حتّى عام 2021، أو توقّفوا عن تقديم جداول زمنية محدّثة.
في فريبورت، لم يكن هناك تدفّق غاز ملحوظ إلى المحطّة الواقعة جنوب هيوستن، لليوم الخامس عشر على التوالي، في 21 يوليو/تمّوز.
ورفضت هيذر براون -المتحدّثة باسم فريبورت- التعليق على معدّلات تشغيل المحطّة أو شحنات العملاء.
ومع ذلك، تشير تقديرات وتوقّعات إلى أن النشاط التجاري للغاز المسال سيرتفع بحلول أواخر الخريف وبداية فصل الشتاء، خاصّةً بالنسبة لعمليات التسليم الأميركية إلى أوروبّا، وهي سوق رئيسة للغاز الأميركي، حسبما أفادت أرغوس ميديا.
وفي نهاية المطاف، تتطلّب موجة الإنتاج الأميركي نموّ الطلب الآسيوي، وإلّا قد تجد أسواق الغاز الأوروبّية نفسها غارقة في الغاز الأميركي المسال مرّة أخرى هذا الشتاء، ومن ثمّ ستعاني تخمة في الإمدادات، وفقًا لوكالة ستاندرد آند بورز غلوبال بلاتس.
في هذه الأثناء، قد يكون هناك تخزين عائم كبير، خلال الأشهر القليلة المقبلة، في محاولة لاستغلال وضعية كونتانغو، ومن ثمّ شراء الغاز المسال بأفضل الأسعار.
وبالرغم من أحدث عمليات الإلغاء، فإن السوق مازالت تشهد عروضًا متاحة لإمداد أوروبّا بالغاز في نوفمبر/تشرين الثاني، وفقًا لمتعهّد في لندن.
وأشار المصدر إلى أن منطقة البحر المتوسّط هي المكان الوحيد الذي ستذهب إليه هذه الشحنات، حيث من المتوقّع أن ينشأ طلب متزايد بين الحين والآخر.
الانتعاش الاقتصادي
وفي هذا السياق، قال إي. سكوت كريسمان -خبير السوق ومسؤول تسوّق الغاز المسال السابق بشركة سيمبرا إنرجي-: "السؤال الأكبر هو، ما هو احتمال انتعاش النشاط الاقتصادي؟ وهذا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتعافي كلّ دولة على حدة، من آثار كوفيد-19".
وأردف قائلًا: "أعتقد أن ذلك يعتمد أيضًا على كلّ من المراكز التجارية التي يمتلكها كلٌّ من المتعهّدين، من حيث الوصول إلى الأسواق، والطلب على الغاز".
ولا تزال أسعار الغاز الطبيعي المسال في سوقي التصدير الرئيسين للولايات المتّحدة ، آسيا وأوروبّا، ضعيفة.
وكانت الأسعار في آسيا قد ارتفعت بشكل طفيف في يونيو/حزيران، من أدنى المستويات القياسية في نهاية أبريل/نيسان، حيث بلغ السعر 2.15 دولارًا لكلّ مليون وحدة حراريّة بريطانيّة.
وفي غضون ذلك، أظهرت الأسعار في أوروبّا بعض الانتعاش، خاصّةً في جنوب غرب أوروبّا، حيث بلغ متوسّط الأسعار 2.055 دولارًا في 22 يونيو/حزيران.
ومن ثمّ، فإن قيمة الشحن الفوري لساحل الخليج الأميركي شهدت أيضًا بعض التعافي خلال الشهر الماضي، حيث ارتفع مؤشّر بلاتس غلف كوست إلى 1.575 دولارًا لكلّ مليون وحدة حراريّة بريطانيّة في 22 يونيو/حزيران من 1.125 دولارًا في 22 مايو/أيّار.
وبالإضافة إلى انخفاض أسعار NYMEX Henry Hub في الشهر الأوّل، ساعد ذلك في تقليل الفرق بين تكلفة الغاز التي يواجهها المتعهّدون، وبين قيمة الشحنة في السوق الفورية.
اقتصاديات الشحن
منذ نهاية مارس/آذار، كانت هناك فروقات سعريّة واسعة تصل إلى 70 سنتًا لكلّ مليون وحدة حراريّة بريطانيّة، ما يعني أن اقتصاديات التصدير سلبية للغاية.
ولكن، في الآونة الأخيرة، انخفض هذا الفارق إلى مستوى سنت واحد لكلّ مليون وحدة حراريّة بريطانيّة، في 18 يونيو/حزيران، ما يشير إلى أنّه قد يلوح في الأفق بعض التعافي للصادرات الأميركية.
وقبل الموعد النهائي لإخطار المتعهّدين محطّات التسييل الأميركية بإلغاء شحنات أغسطس/آب ، كان من المعتقد أن العدد الإجمالي يمكن أن يكون أقلّ من كمّيات التحميل في يوليو/حزيران ، نظرًا لتحسّن إيرادات البيع في ضوء تكلفة الشحن، مقارنةً بمايو/ أيّار.
ولكن في ظلّ انخفاض الفروق السعرية في سوق الغاز، فإن أيّ إنتاج للغاز خارج الولايات المتّحدة، سيتّجه إلى الأسواق الآسيوية، لأن تكلفة الشحن ستكون هي العامل الأساس في الأمر.
صناعة الغاز
لا يتوقّع قطاع الغاز أيّ تغيّر في الآفاق القويّة بعيدة المدى للطلب، بعد أزمة كوفيد-19، لكنّه يتوقّع نقصًا في الإمدادات خلال السنوات الأربع المقبلة، بسبب تأجيل مشروعات للغاز، جراء إجراءات العزل العامّ التي تهدف لمواجهة الجائحة، وانهيار أسعار النفط.
وقال منتجون ومشترون للغاز ومطوّرون في مجال الغاز الطبيعي المسال ومقاول كبير، إن الوقود سيكون مطلوبًا على المدى البعيد، لدعم طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ويحلّ محلّ توليد الطاقة باستخدام الفحم وإنتاج الهيدروجين عالميًا.
وقال ناثان فاي -رئيس مجلس إدارة شركة إكسون موبيل في أستراليا- خلال مؤتمر سنوي أسترالي للطاقة لكريدي سويس: "نرى الحاجة لاستثمار كبير في مشروعات جديدة وتسييل جديد".
لكن منتجين كبارًا قالوا، إن حالة عدم اليقين المستمرّة بعد انهيار في أسعار الغاز الطبيعي المسال إلى مستويات متدنّية قياسية هذا العام، دون الدولارين لكلّ مليون وحدة حراريّة بريطانيّة، يعني أن مشروعات الغاز المسال الأقلّ تكلفة فقط ستمضي قدمًا.
وتقرّر تأجيل مشروعات لأكثر من 140 مليون طنّ على مستوى العالم. وفي أستراليا وبابوا غينيا الجديدة وحدهما، هناك خمسة مشروعات معلّقة.
وقالت تشيودا اليابانية -وهي مقاول كبير في مشروعات الغاز الطبيعي المسال-، إن العمل توقّف بشكل كبير، وإنّه يتعيّن أن يحدث استقرار بالسوق أوّلًا، قبل أن يمضي المطوّرون قدمًا في مشروعاتهم.
وقال آندرو تان -رئيس تشيودا أوشينيا-: "حتّى أكون صادقًا تمامًا، أقول، إنّنا لا نرى أيّ مؤشّرات واعدة حاليًا". وترى رويال داتش شل مخاوف في المدى القصير، تضغط على قرارات الجميع، بخصوص المشروعات الجديدة.
وقال توني نونان -رئيس شل في أستراليا-: "أنا واثق بأن جميع الشركات والمشغّلين والمنتجين في أنحاء العالم، سيركّزون على التساؤل الخاصّ بالقدرة على تحمّل التكاليف فقط، بسبب الضبابية التي يرونها في الأسواق الكلّية".