أذربيجان وأرمينيا.. الصراع المنسي الذي يهدّد أسواق الطاقة
تداعيات تصاعد النزاع بين البلدين لن يقتصر على أوروبّا
محمد زقدان
عاد أحد الصراعات المنسيّة في العالم، خلال الأسبوع الماضي، لتصدُّر عناوين الأخبار وشاشات التلفزة، وذلك مع تجدّد الصراع العسكري بين أذربيجان وأرمينيا، والذي سبق بالفعل أن انخرط فيه البلدان، في مواجهة عسكرية امتدّت لعقود.
وتعدّ "ناغورني-قره باغ"- منطقة أذربيجانية احتلّتها أرمينيا، أحد العوامل الأساسية للصراع الحالي، لكن التنافس المتزايد بين روسيا وتركيا يلعب دورًا أيضًا بسبب الموقع الاستراتيجي للمنطقة. فهي نقطة التقاء بين الإمبراطورية العثمانية والفارسية والروسية، تاريخيا، ومصدر النفط والغاز المتجه إلى أوروبا وتركيا.
وفي الوقت الذي تحظى فيه أذربيجان ذات الغالبية الشيعية بدعم من تركيا ذات الغالبية السنية، تقف إيران ذات الغالبية الشيعية إلى جانب أرمينيا ذات الغالبية المسيحية منذ بداية استقلالها، وذلك بسبب مخاوف تتعلق بالتركيبة العرقية للسكان في إيران، وخشية طهران أن تتحوّل أذربيجان المزدهرة لمصدر جذب للسكّان الإيرانيّين من ذوي الأصول العرقية الأذربيجانية، الذين يشكّلون ثلث البلاد، أو محرك لهم داخل إيران.
وفي أحدث جولة من هذا الصراع المتجدد، قُتل 16 جنديًّا من الجانبين، حمّلت كل دولة منافستها مسؤولية اندلاع القتال مجدّدًا، مؤكّدةً محاولة قوّات الخصم دخول أراضيها والتسلّل إليها.
ونقلت تقارير عن مصادر عسكرية، أن الصراع جرى فيه استخدام القوّات العسكرية والطائرات دون طيّارين، على نطاق واسع.
وبينما يحظى الصراع العسكري باهتمام اقليمي كبير، فإن هناك قضيّة أخرى، تشكّل تهديدًا كبيرًا لأسواق الطاقة، وفق تقرير أورده موقع "أويل برايس" للخبير ومراقب أسواق الطاقة "سيريل ويدرشوفن".
فمنطقة القوقاز محطة عالمية رئيسة لنقل النفط والغاز، وهي تشمل روسيا وتركيا وإيران وأذربيجان وأرمينيا ودول آسيا الوسطى. وأصبح قرب الاشتباكات الحاليّة من نفط باكو-تركيا وأنظمة أنابيب الغاز مصدر قلق للمختصين والمراقبين لأسواق الطاقة.
فلكي تتجاوز التجارة البرية بين أسيا وأوروبا، روسيا أو إيران فهناك خيار واحد فقط: أذربيجان. يعني احتلال أرمينيا لما يقرب من 20 % من أراضي أذربيجان أنه لا يوجد سوي ممر ضيق يبلغ طوله 60 ميلا للتجارة هذا هو غانجا جاب (فجوة غانجا) Ganja Gap
وبحسب "ويدرشوفن"، فإن التهديدات لهذه الأنابيب المهمّة للنفط والغاز، لا تربط منتجي آسيا الوسطى بالأسواق العالمية فقط، بل تعمل أيضًا على استقرار المنطقة، بسبب أثارها الاقتصادية والتنموية في المنطقة، التي تمولها إيرادات هذه الأنابيب.
وفي تصريحات خاصّة لـ"الطاقة"، قالت بريندا شيفر -مستشار أول للطاقة في مركز أبحاث FDD بواشنطن، وعضو هيئة تدريس في الكلية البحرية الأميركية للدراسات العليا، إن "المعارك الحالية بين أرمينيا وأذربيجان تدور بالقرب من خطوط وممر نقل الغاز"، حيث تمر جميع خطوط أنابيب النفط والغاز الرئيسية في أذربيجان، بالإضافة إلى خطوط سكك حديدية تربط تركيا بأوروبا.
أضافت شيفر، أنه عادة ما تندلع مواجهات في خطوط التماس في الأراضي التي تحتلها أرمينيا (20% من أراضي أذربيجان)، وليس في هذه المنطقة التي تبعد 300 كيلومتر شمال "ناغورني-قره باغ"، والأراضي الأخرى التي تحتلها أرمينيا.
في 14 يوليو/تموز الماضي، أفادت شركة "غازبروم أرمينيا" التابعة لـ"غازبروم الروسية" العملاقة للطاقة، بتضرر خطوط أنابيب الغاز، التي تقع بالقرب من حدود أذربيجان.
وقد تؤدي زيادة الأعمال العسكرية على كلا الجانبين إلى تفاقم الخطر على النفط الإقليمي الحالي والبنية التحتية للغاز. كما ستتضرر تركيا بشدة حال تصاعد الصراع لأنها تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز من تلك المنطقة.
الغاز الروسي والتفاوض مع تركيا في ليبيا
يأتي ذلك فيما يقوم محللون إقليميون بتقييم احتمالية أن تكون روسيا قد حفزت اندلاع الشرارة الحالية للصراع بين أرمينيا وأذربيجان.
فمنطقة "توفوز" مسرح للاشتباكات الحالية، قريبة من خط أنابيب جنوب القوقاز الممتد بين أذربيجان وجورجيا المعروف اختصارًا باسم "SCP".
ويوجه خط أنابيب جنوب القوقاز الغاز الطبيعي إلى خط أنابيب الغاز عبر الأناضول (TANAP)، وهو مكون رئيسي في جهود أنقرة لتقليل اعتمادها على الطاقة الروسية. وحاولت تركيا لسنوات تنويع وارداتها من الطاقة، لكن أنقرة لا تزال تعتمد بشكل كبير على موسكو.
فالغاز الروسي باهظ الثمن بالنسبة لتركيا وتأخذه بمقابل ضعف ما يحصل عليه العملاء الأوروبيين، وهذا هو السبب في أن أنقرة متحفزة للتحرك بعيدا عن غاز روسيا.
ومن خلال الحصول على الغاز الأذربيجاني عبر خط أنابيب الغاز عبر الأناضول، تمكنت تركيا من خفض تكاليفها بشكل كبير. ويمكن أن تتعمق الشراكة الأذربيجانية التركية بشكل أكثر مع ظهور فرصة جديدة في عام 2021 عندما تكون صفقة الغاز الرئيسية بين تركيا وروسيا في انتظار التجديد.
وتوقفت المفاوضات في أبريل/نيسان عندما فشل البلدان في التوصل إلى اتفاق. كل هذه الأمور مجتمعة تعني احتمال خسارة روسيا حصة سوقية في سوق تنمو بمعدلات عالية ومهمة لها للغاية.
ويمر خط الأنابيب الرئيسي، خط أنابيب الغاز باكو - تبيليسي- أرضروم، الذي يمد تركيا بالغاز الأذربيجاني، عبر منطقة توفوز في أذربيجان. وتقع هذه المنطقة على الحدود مع منطقة تافوش في أرمينيا، حيث وقعت الاشتباكات.
ونظرا لموقعها الاستراتيجي، فإنه لا يستبعد احتمال تدخل عسكري تركي في هذه المنطقة، خاصة بالنظر إلى عملياتها في سوريا وليبيا، وإعلان تركيا دعم أذربيجان علنا. إلا أن تفجير البنية التحتية الحالية في أذربيجان سيزيد من احتمالية التدخل العسكري التركي في هذا الصراع.
وفي هذا الصدد قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الثلاثاء، إن أنقرة لن تتردد أبدا في التصدي للهجوم على حقوق وأراضي أذربيجان، ورجح أردوغان وجود مؤامرة أوسع نطاقا وراء القتال الأخير في أذربيجان.
وسرعان ما اتهمت وسائل إعلام تركية موالية للحكومة موسكو بتشجيع أرمينيا على مهاجمة أذربيجان، دون تقديم أي أدلة على هذه الاتهامات.
ويعتقد بعض المحللون أن تصرفات تركيا في ليبيا وسوريا تتعلق بالنزاع الجديد المندلع بين أرمينيا وأذربيجان. فيمكن عبر إجبار تركيا على فتح جبهة جديدة (بالتدخل عسكريا لدعم أذربيجان) الحصول على قوة تفاوضية في شمال أفريقيا (ليبيا).
محطة ميتسامور
وأيا ما كان السبب وراء الصراع الأخير بين أذربيجان وأرمينيا، فإن الوضع وصل إلى درجة عالية من الخطورة بعد تهديد وزارة الدفاع الأذربيجانية بضرب محطة ميتسامور للطاقة النووية الأرمينية.
ويمكن لأرمينيا مواجهة هذه التهديدات بسهولة من خلال الإجراءات الأرمينية على نقطة الضعف الأذربيجانية، والمتمثلة في خطط أنابيب النفط والغاز العابرة للمنطقة.
وفى هذه الحالة لن يكون هناك تداعيات على السوق الأوروبية فحسب، بل على المستوي العالمي أيضًا.
وفى تعليقها لـ"لطاقة" فيما يتعلق بمحطة ميتسامور، شددت شايفر، على ضرورة قيام أرمينيا بغلق تلك المحطة النووية الخطرة، من أجل سلامة وأمن مواطنيها حيث يعود تاريخها إلى الحقبة السوفيتية، وتعمل خارج النطاق الزمني المقرر لها وليس لها غطاء ثانوي، وتمثل خطراً حقيقياً على أرمينيا، وليس فقط على المنطقة.
من جانبه، قلل "حكمت حاجييف" أحد كبار مستشاري الرئيس الإذربيجاني إلهام علييف، من شأن التهديدات الصادرة عن وزارة الدفاع في بلاده بضرب محطة ميتسامور.
وقال حاجييف ، فى مقابلة مع قناة فرانس 24 ، إن تلك التهديدات صدرت من ضابط منخفض الرتبة ولا تعكس موقف بلاده الرسمي.
تدخل واشنطن
السبت الماضي، حذرت أذربيجان من المخاطر الأمنية التي قد تتعرض لها إمدادات النفط والغاز للأسواق الأوروبية بسبب اندلاع اشتباكات على حدودها مع أرمينيا.
وقال إلشاد ناصروف نائب رئيس شركة الطاقة الوطنية الأذربيجانية سوكار في مؤتمر عبر الهاتف، إن بعض البنية التحتية للطاقة المرتبطة بشحن النفط والغاز من بحر قزوين إلى الأسواق العالمية تقع بالقرب من العمليات العسكرية الحالية. ودعا ناصروف، الغرب إلى المساعدة في حماية صادراتها من الطاقة.
وقال: أود أن أغتنم هذه الفرصة لدعوة زملائنا في واشنطن وأماكن أخرى للتفكير في مدى هشاشة هذه المنطقة، والتفكير في كيفية توفير الأمن العسكري والحمائي للممر الذي يوفر أمن الطاقة لأوروبا".
وفى هذا الإطار قالت شيفر لـ"الطاقة" إنها متأكدة أن "الولايات المتحدة منخرطة في مساعي لوقف التصعيد، فقد لعبت واشنطن دور البطل في جلب نفط وغاز بحر قزوين إلى الأسواق الدولية".