"تكساس" تدرس تخفيض إنتاج النفط لأول مرة منذ السبعينات
محللون يتوقعون تقليص إنتاج الولاية بنسبة 20% لإنقاذ الأسعار
- معهد البترول الأميركي من أبرز المعارضين للتخفيض
- رئيس لجنة حديد تكساس: لدى تحفظات على تخفيض الإنتاج
- أنس الحجي: اللجنة غير قادرة عمليا وتقنيا على التخفيض
- امتلاء خزانات النفط وانهيار الأسعار يدفعان الولاية إلى هذه الخطوة
- أسعار خام غرب تكساس الوسيط تنخفض 60% منذ بداية العام
مع انخفاض أسعار النفط الخام إلى أدنى مستويات منذ نحو 20 عامًا، والخسائر الفادحة التي تخيم على صناعة النفط الأميركية، تدرس لجنة السكك الحديدية في تكساس (الجهة المنظمة لصناعة النفط والغاز) تخفيض الإنتاج على مستوى الولاية لأول مرة منذ سبعينات القرن الماضي، وسط توقعات بأن تصل نسبة التخفيض إلى 20%.
بعد شكوى من شركتي نفطي تعملان في الحوض البرمي تطلب بتخفيض الإنتاج، تعقد لجنة السكك الحديدية في تكساس اليوم الثلاثاء اجتماعًا من المرجح أن يتمخض عن قرار يقضي بتقليص إنتاج النفط في الولاية، في ظل انهيار أسعار خام غرب تكساس الوسيط بأكثر من 60 % منذ بداية العام الجاري.
وهذه اللجنة هي هيئة تم تأسيسها في الأصل للإشراف على النقل عبر السكك الحديدية والذي كان حيويا آنداك، ومع مرور الوقت منحتها الحكومة الأميركية صلاحية تنظيم وسلامة أنابيب النفط ومع مرور الزمن أصبحت الجهة المنظمة لصناعة النفط في ولاية تكساس. وتاريخيا، كانت هناك عدة محاولات لتغيير الاسم، إلا أنها قوبلت بالرفض لأن الاسم أصبح جزءا مهما من التاريخ الأميركي.
ويأتي الاجتماع في وقت بالغ الحساسية مع اقتراب امتلاء خزانات النفط المحلي جراء تراجع الطلب العالمي على النفط بعد تفشي فيروس كورونا، والتدابير التي اتخذتها حكومات العالم لاحتواء الفيروس، مثل الإغلاق الحكومى وتقييد حركة المواطنين ووقف الرحلات الجوية وغيرها من الإجراءات التي أصابت الاقتصاد العالمي بالشلل.
ريان سيتون، أحد المفوضين الثلاثة في الهيئة التنظيمية، يقول إن التخفيضات الكبيرة يمكن أن “تقي البلاد من الانهيار التام لصناعة النفط”، حسبما أفادت شبكة سي بي إس الإخبارية الأميركية.
تجري مناقشة هذا القرار الصعب، والذي يحتاج إلى موافقة اثنين من المفوضين الثلاثة باللجنة، على خلفية ضغوط هائلة حيث تتعاون الدول النفطية في محاولة لإعادة التوازن إلى أسواق الخام قبل فوات الأوان.
وطالب سكوت شيفيلد، رئيس شركة بايونير ريسورسز، بتخفيض انتاج ولاية تكساس بمقدار ٢٠٪، أي ما يقدر بنحو 1.1 مليون برميل يوميا، وهو معدل يقترب من نسبة التخفيض التي اتفق عليه اجتماع أوبك+.
ويتوقع محللون أن يخلص قرار اللجنة، التي تملك سلطة تخفيض الإنتاج بالولاية، إلى تخفيض الإنتاج بهذه النسبة اعتبارا من أول مايو/أيار.
غير أن الدكتور أنس الحجي، الخبير في شؤون الطاقة، قال فى تصريحات خاصة لـ"الطاقة" إن خفض إنتاج النفط يتطلب بيانات إنتاج حديثة يتم تحديثها باستمرار، وعددا كبيرا من الموظفين ذوي المعرفة التقنية، وموازنة كبيرة، مشيرا إلى أن لجنة سكك حديد تكساس ليس لديها أي من هذه المتطلبات.
وأضاف الحجي "يتطلب قرار تخفيض الإنتاج موافقة معظم الشركات المنتجة وغيرها المرتبطة بهذه المسألة وليس فقط عدد قليل من الشركات. كما يتطلب تحقيق أهداف تخفيض الإنتاج فرض نفس القواعد في جميع الولايات المجاورة لتكساس. وإذا لم يحدث ذلك، فإن هذا الخفض سيعاقب منتجي النفط في تكساس بينما يفيد الآخرين في الولايات المجاورة".
السوق الحرة
رغم اضطرار اللجنة إلى مثل هذا الاجتماع الحاسم، فإن شركات طاقة عملاقة مثل، إكسون موبيل لا تؤيد الفكرة تماما، حيث وصف مسؤول النفط الصخري بالشركة، ستالي جيرفيك، السوق الحرة بأنها “أكثر الوسائل فاعلية لفرز الاختلالات الشديدة في العرض والطلب التي نمر بها الآن”.
وأشار جيرفيك أيضًا إلى أن “الاقتراحات بفرض حصص أو تخفيضات إلزامية للإنتاج ستؤدي إلى عواقب غير مقصودة على الولاية لصالح الولايات المتنافسة في أميركا والدول الأجنبية”.
كما أبدى معهد البترول الأميركي رفضه تخفيض إنتاج النفط ، بقوله "نوصي بشدة اللجنة بعدم التدخل في الإطار التنظيمي القائم، والذي يهدف في الأساس إلى زيادة الإنتاج إلى أقصى حد وحماية حقوق الإنتاج" في مواجهة أزمة تراجع الأسعار.
وأضاف المعهد في تعليقه "ما زلنا واثقين من أن الطلب على النفط سيشهد مرونة بمجرد أن تهدأ آثار كوفيد-19..للأسف، طُلب من اللجنة تخفيض الإنتاج (وربما التفاوض الدولي) في وقت يشهد أقصى قدر من عدم اليقين في السوق الحالية ومخاطر أكبر بالنسبة للسوق".
ويرى المعهد أن هناك العديد من الطرق التي استجابت بها السوق بمرونة وملاءمة حتى الآن لمثل هذه الأوضاع غير المسبوقة.
وحذر من أن هذا المقترح سيؤثر بشكل أساسي على إنتاج النفط الأكثر كفاءة وجدوى اقتصاديا، مشيرا إلى أنه سيلحق ضررا كبيرا على المنتجين في ميدلاند وإيغل فورد، وربما إنتاجية آبار النفط على المدى الطويل في الولاية.
تحفظات
ويتفق واين كريستيان، رئيس اللجنة مع هذا التخوف بقوله "أنا قلق للغاية بشأن تأثير عدم استقرار سوق النفط الدولية على اقتصاد وميزانية لاية تكساس ومئات الآلاف من سكان تكساس الذين يعتمدون على صناعة النفط والغاز للحصول على راتب".
وأضاف "اقترح بعض المنتجين تقنين النفط كحل. وبينما أنا منفتح على أي وكل الأفكار لحماية تكساس، لدي عدد من التحفظات على هذا النهج.. أولاً ، تكساس لا تعمل في فراغ. وإذا قمنا بتنظيم إنتاج نفطنا، فلن يكون هناك ضمان بأن تحذو الولايات والدول الأخرى حذوها".
وأردف قائلا "من الناحية العملية ، لم تقم لجنة السكك الحديدية بتخفيض الإنتاج أو الالتزام بحصص لى مدى أكثر من أربعين عامًا.. ليس لدينا موظفين في الوكالة من ذوي الخبرة في هذه العملية وقدراتنا في تكنولوجيا المعلومات للتعامل مع هذه العملية محدودة في أحسن الأحوال."
وأدى الانخفاض الحالي في أسعار النفط بسبب تداعيات كورونا وفشل اجتماع أوبك+ أوائل مارس /أ ذار الماضي، في التوصل إلى اتفاق لتمديد تخفيضات إنتاج النفط لضبط الأسواق- إلى تخمة غير مسبوقة وضعت لجنة السكك الحديدية في تكساس في مأزق لا تحسد عليه، بين إقدامها على خطوة ضرورية لإنقاذ الصناعة ولكنها ضد سياساتها، وبين تدخلها في السوق الحرة وما يستتبعه ذلك من انتقادات وموجات رفض.
ويأتي الاجتماع بعد أن وافقت أوبك+ الأحد، على خفض الإنتاج 9.7 مليون برميل يوميًا، في اجتماع غير عادي.
تخمة المعروض
ورغم الاتّفاق التاريخي على تخفيض إنتاج النفط إلّا أن تخمة المعروض ستقف عائقًا أمام تحرّك الأسعار في اتّجاه الصعود.
يرجع ذلك إلى تراجع استهلاك النفط في العالم بنحو 30%، نتيجة لانتشار فيروس كورونا، الذي أودى بحياة أكثر من 100 ألف شخص على مستوى العالم، وأدّى لإغلاق الشركات والحكومات.
وبالرغم من أن مجهودات السعودية -أكبر مصدّر للنفط في العالم- أسهمت في حلحلة الموقف المعقّد، بتحرّكات مدروسة، أفضت في النهاية إلى اتّفاق أوبك+ التاريخي، فإن هذه التحرّكات غير كافية لتحريك الأسعار بحرّية.
ودفع ذلك بنك غولدمان ساكس، إلى توقع أن تواصل أسعار النفط الهبوط في الأسابيع المقبلة، موضّحًا أن الاتّفاق “تاريخي لكن غير كافٍ” بين كبار المنتجين على خفض الإنتاج، من المستبعد أن يعوّض تهاوي الطلب بسبب فيروس كورونا.
في هذا الصدد، أوضح وزير الطاقة السعودي، أمس الإثنين، أن التخفيضات الفعلية لإمدادات النفط العالمية ستبلغ نحو 19.5 مليون برميل يوميًا، مع الأخذ في الاعتبار اتّفاق الخفض الذي أبرمته أوبك+، وتعهّدات من دول أخرى في مجموعة العشرين، ومشتريات النفط المخصّصة للاحتياطيات.
وقال الأميرعبد العزيز بن سلمان للصحفيين، في مؤتمر عبر الهاتف، إن دول مجموعة العشرين من خارج تحالف أوبك+ تعهّدت بخفض إمدادات النفط بنحو 3.7 مليون برميل يوميًا، بينما من المتوقّع أن تبلغ مشتريات الخام المخصّصة للاحتياطيات (الاحتياطيات البترولية الإستراتيجية) 200 مليون برميل خلال الشهرين المقبلين.
تخفيض 20 مليون برميل يوميا
وفي هذا السياق، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إن مجموعة أوبك+ تتطلّع لخفض في الإنتاج قدره 20 مليون برميل يوميًا، ما يزيد إلى مثلَي ما اتّفقت عليه أمس عند عشرة ملايين برميل.
وكتب ترمب على تويتر: “بحكم الانخراط في المفاوضات… الرقم الذي تتطلّع أوبك+ لخفضه هو 20 مليون برميل يوميًا، وليس العشرة ملايين التي يجري الحديث عنها بشكل عامّ”.
ورغم ذلك تقول مؤسسة ريستاد إنرجي: “إذا أضافت مجموعة العشرين عشرة ملايين برميل يوميًا أخرى، فإن العالم سيتصدّى بذلك كلّيًا للخلل في الموازين، بدءًا من مايو، ومع ذلك ستمتلئ طاقة التخزين بالكامل تقريبًا في أبريل، لكن سيتحقّق الاستقرار في السوق”.
نتيجة هذه التحرّكات، فمن المؤكّد أن الأسعار ستتفاعل بصورة أو بأخرى، وبالفعل ارتفعت في بداية التعاملات الاثنين 4%، غير أنها عادت وتراجعت من جديد، بعد سيطرة مخاوف تخمة المعروض على المتعاملين، وتحوم حاليًا بالنسبة لخام برنت عند 32 دولارًا للبرميل، في المنطقة الخضراء، وخام تكساس 23.5 دولارًا للبرميل في المنطقة الخضراء أيضًا.