"مدن أشباح" عالمية مع تراجع حركة المواصلات 80%
كورونا يغير توجّهات عالمية سادت لسنوات
خاص- الطاقة
بعد سنوات من التوجّه العالمي نحو التخلّي عن السيّارات الخاصة، واستخدام المواصلات العامّة في محاولة مزدوجة لتقليص استهلاك الطاقة الأحفورية من جهة، وخفض الانبعاثات الكربونية، حفاظًا على المناخ، من جهة أخرى، أدّت الأزمة العالمية الحالية -جراء تفشّي وباء كورونا- إلى تبدّل حسابات صنّاع القرار والمواطنين على حدّ سواء، إذ إن جهود مكافحة المرض تستوجب في أولوياتها منع الاختلاط قدر الإمكان.
الحسابات السابقة كانت تصبّ في خانة تقلّص الطلب على الوقود خلال السنوات المقبلة، مع الانخفاض الحتمي لمبيعات السيّارات المعتمدة على مستخلصات الوقود الأحفوري، سواء البنزين أو السولار أو الغاز الطبيعي.. لكن الوضع الجديد ربّما أدّى إلى إعادة التفكير في فكر الاعتماد على المواصلات العامّة، من باب الحماية الصحّية لحياة الناس، ما قد يقود غالبًا إلى عودة الروح لمبيعات السيّارات خلال السنوات المقبلة، ومعها ارتفاع الطلب على الوقود.
- انخفاض الحركة أكثر من 80%:
وخلال الساعات الأخيرة، ومع تطبيق دول عدّة لحظر جزئي للتجوال داخليًا، وإغلاق شبه تامّ لحركة الطيران حول العالم، لتتحوّل كثير من العواصم العالمية إلى "مدن أشباح"، فإن المواصلات العامّة في أوروبّا والولايات المتّحدة فقدت أكثر من 80% من كثافة حركتها، نتيجة إحجام مزيد من المواطنين عن استخدامها منذ منتصف يناير / كانون الثاني الماضي، مع تزايد المخاوف من العدوى. وأدّى انخفاض الحركة إلى خفض الطلب على البنزين والديزل، الأمر الذي أسهم في تخفيض الطلب على النفط بمعدّلات تاريخية.
ووفقًا لتطييق "موفيت" الإلكتروني الذي يستخدمه نحو 750 مليون شخص في نصف الكرة الغربي، فإن المواصلات العامّة، -التي تشمل الحافلات والقطارات وقطارات الأنفاق وحتّى "المواصلات التشاركية"- في ميلانو ولومباردي الإيطاليتين، فقدت أكثر من 86% من روّادها خلال تلك الفترة، فيما بلغت النسبة في العاصمة الإسبانية مدريد نحو 84%، ووصلت إلى ما بين 61 إلى 94% في نيويورك خلال الساعات الماضية، مع تطبيق مزيد من الإجراءات الصارمة في المدينة الأميركية التي تُعدّ بؤرة انتشار المرض الجديدة في القارّة الأميركية.
ومع تضرّر كثير من المواصلات العامّة حول العالم من الإجراءات التحفّظية، فإن العديد من الوكالات الأميركية العاملة في القطاع طالبت الكونغرس بتخصيص جانب من الحزم التحفيزية لدعم القطاع، مشيرةً إلى أنها تحتاج إلى ما لا يقلّ عن 25 مليار دولار لتعويض خسائرها المباشرة. وترى هذه الوكالات التي تمثّل القطاع، أنه بالرغم من الدعوات المتزايدة على مستوى العالم لـ"البقاء في المنزل"، إلا أنها لا يمكنها أن تعلّق أعمالها بصورة كلّية، نظرًا لأنها تخدم المواطنين سواء هؤلاء العاملون في مجالات حسّاسة على غرار الخدمات الصحّية، أو أولئك المحتاجون إلى وسائل مواصلات في حالات الطوارئ... ولا يمكن للقطاع أن يخذل أيًّا من هاتين الفئتين في ظلّ الأوضاع الحالية.
- تحدٍّ عملاق في نيويورك:
وتكافح السلطات المحلّية في نيويورك لمحاولة حماية نحو 8 ملايين راكب يوميًا للمواصلات العامّة، وذلك عبر زيادة معدّلات الحركة، أو تعقيم وسائل المواصلات بصفة دورية، علمًا أن المدينة يخدمها ما يزيد عن 4300 حافلة، و6400 عربة قطار، وبها نحو 470 محطّة أنفاق.
وخلال الأيّام الماضية، أشارت هيئة النقل العامّ MTA في نيويورك، إلى أن تقييمها للخسائر الأسبوعية يصل إلى نحو 90 مليون دولار. ولتقدير حجم الخسائر يكفي مقارنة عدد الركّاب في يوم 17 مارس -قبل ذروة الأزمة في المدينة- والذي بلغ 1.78 مليون شخص، مقارنةً مع 5.57 مليونًا في ذات اليوم من العام الماضي، وهو ما دفع الهيئة إلى تقدير الخسائر السنوية إذا ما استمرّ الحال على ما هو عليه بنحو 4.5 مليار دولار على أساس سنوي.
- أزمة إضافية في لندن:
وعلى الجانب الأخر من المحيط الأطلسي، فإن الوضع في بريطانيا ربّما يكون أكثر تعقيدًا. حيث إن أغلب سكّان مدينة لندن يعتمدون على المواصلات العامّة في تنقّلاتهم في العاصمة البريطانية، تجنّبًا للزحام، وعدم توافر أماكن صفّ السيّارات وسط المدينة، إضافة إلى ضريبة الدخول إلى مركز العاصمة. لكن مع تفشّي الوباء في بريطانيا خلال الأيّام الماضية ازدادت المطالبات بتسيير مزيد من القطارات والحافلات في المدينة، تخفيفًا للازدحام والكثافة، لتقليل فرص العدوى.
لكن هيئة المواصلات في العاصمة TfL، قالت: إنها لا يمكنها ذلك في الوقت الحالي، لأن كثيرًا من العاملين في القطاع دخلوا في مرحلة العزل المنزلي نتيجة اشتباه التعرّض للعدوى. وترتفع حدّة الأزمة بالنسبة للعاملين في قطار الأنفاق، علمًا أن دراسات كثيرة أشارت خلال السنوات القليلة الماضية إلى تزايد فرص الإصابة بالأمراض التنفّسية لمرتادي قطارات الأنفاق في لندن، نتيجة سوء التهوية.