أخبار النفطنفط

سعي تركيا «للاستفادة من نفط ليبيا» يتعثر أمام «معاهدة لوزان»

انشغلت الأوساط الليبية بدعوة تركيا لإعادة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، سعياً «لتوسيع نفوذ أنقرة على المنطقة الاقتصادية داخل مياه البحر المتوسط، ومواجهة اليونان»، بينما رأى مختصون في علوم البحار وأكاديميون ليبيون أنه «لا يوجد أي منطق في التحركات التركية لأسباب، منها عدم وجود سواحل مشتركة بين البلدين»، فضلاً عن أن معاهدة لوزان «لا تعطي أنقرة الحق في ذلك».
وأثيرت هذه المخاوف عقب إصدار كتاب ألفه الأدميرال جيهات يايشي، رئيس أركان القوات البحرية التركية، بعنوان «ليبيا جارة تركيا من البحر»، دعا فيه أنقرة إلى توقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة لبلاده مع ليبيا.
ورأى الدكتور نائل الشافعي، خبير الاتصالات المصري - الأميركي والباحث المهتم بتأثير قانون البحار الدولي على الكابلات البحرية، وعلى الانتفاع بمكامن الغاز البحرية، «استحالة تحقق هذا المسعى التركي»، وأرجع ذلك إلى أن «أنقرة مقيدة باتفاقية لوزان، وبالتالي لن تتمكن من توقيع أي اتفاقيات تتعلق بالحدود البحرية، فضلاً عن أنها لن تجرؤ على نشر خريطة لحدودها المائية».
وأضاف الشافعي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أمس، أنه «لا يوجد منطق في دعوة رئيس أركان القوات البحرية التركية. فالبلدان لا توجد بينهما سواحل مشتركة، وأنقرة لا تملك حق ممارسة السيادة حتى على ثلاثة كيلومترات من حدودها، وفقاً للاتفاقية الموقعة عام 1923».
ووقعت تركيا على معاهدة لوزان عام 1923، وهي المعاهدة التي تعرف باسم «معاهدة لوزان الثانية»، والتي تم إبرامها مع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وهم بريطانيا وآيرلندا وفرنسا، وروسيا، وإيطاليا، وقادت المعاهدة إلى اعتراف دولي بتركيا التي جاءت خلفاً للإمبراطورية العثمانية.
وتشيع وسائل إعلام تركية أن أنقرة ستتحرر من معاهدة لوزان عام 2023، بما يتوافق مع مرور 100 عام على توقيها. لكن الشافعي قال لـ«الشرق الأوسط» إن أنقرة «لا تستطيع إزعاج أميركا وبريطانيا»، كما أن «سلطات طرابلس، ممثلة في حكومة (الوفاق)، لن تقوى على مخالفة الإرادة الغربية، أو إفشال خطتها».
وحفّز رئيس أركان القوات البحرية التركية بلاده على توقيع الاتفاقية سريعاً، وقال إن «القيمة الإجمالية لاحتياطي الغاز الطبيعي في شرق المتوسط تبلغ 3 تريليونات دولار أميركي، وهذه الكمية تكفي احتياجات تركيا من الغاز الطبيعي لمدة 572 عاماً، واحتياجات أوروبا لمدة 30 عاماً»، ورأى ضرورة أن «تعلن تركيا عن منطقتها الاقتصادية الخالصة دون تأخير».
وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، قد تحدث عمّا رآه «حق بلاده» بالوجود في دول عدة، كانت ضمن «جغرافيتنا القديمة»، وهو ما أثار وقتها غضب قطاعات كبيرة من الليبيين.
وبينما قال عضو بمجلس النواب بشرق ليبيا، لـ«الشرق الأوسط» إن تركيا «تقاتل بجانب قوات السراج في طرابلس، وتخطط للاستحواذ على النفط الليبي مستقبلاً»، ذهب الدكتور عثمان البدري، وكيل وزارة الخارجية السابق وأستاذ التاريخ، إلى أن «بلاده تتميز بساحل يبلغ ألفي كيلومتر، وتشارك حدودها مع تونس وإيطاليا واليونان وقبرص اليونانية ومصر»، مشيراً إلى أن «مجلس النواب بشرق البلاد هو المعني بالمصادقات على الاتفاقيات الدولية لأنه الجهة الشرعية الوحيدة في البلاد».
وأضاف البدري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «ما تفعله تركيا بجر ليبيا للتوقيع على أي اتفاقيات حدودية، وتنازعها على الحوض الشرقي مع اليونان ومصر هي محاولة يائسة»، وأرجع ذلك إلى أن «بلاده لا تمتلك حدودا بحرية مع تركيا».
وفي هذا السياق، ذكّر البدوي بما تم توقيعه عام 2009 بقوله إن «ليبيا سبق أن أعلنت المنطقة الاقتصادية الخاصة بها في ذلك التاريخ»، لافتاً إلى أنه في مايو (أيار) من العام ذاته أعلن مؤتمر الشعب العام أثناء حكم الرئيس الراحل معمر القذافي عن منطقة اقتصادية خالصة للبلاد، بالاتساق مع الاتفاقيات الدولية الحاكمة، وأن الاتفاق أودع في الأمم المتحدة.
وسبق للدكتور أيمن سمير، أستاذ العلاقات الدولية، القول إن «نص اتفاقية لوزان خال من أي حديث، لا من قريب أو بعيد، عن وجود تاريخ لانتهاء الاتفاقية ولا إمكانية حصول تغيير عليها بعد 100 عام»، وقال: «هذه المزاعم التركية ليس لها مثيل في العالم، فالمملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا والبرتغال كانت تسيطر على أراض لا تغيب عنها الشمس، لكنها لا تطالب بالعودة للدول والأراضي التي كانت تحتلها من قبل».
ودافع مسؤول بحكومة «الوفاق» عن حقها في إبرام أي اتفاقيات بموجب اتفاق الصخيرات، الذي وقع في المغرب نهاية عام 2017. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «فائز السراج (رئيس المجلس الرئاسي) بموجب هذا الاتفاق هو رئيس الدولة الفعلي».
من جهته، رأى الدكتور محمود أحمد زاقوب، الأستاذ الجامعي وعضو الجمعية الجغرافية الليبية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تركيا «لها سوابق في النزاعات على الحدود البحرية، حيث اختلفت مع جارتها اليونان إلى حد اقتراب نشوب حرب بينهما عام 1987 بعد اكتشاف النفط في بحر إيجة»، مشيراً إلى أن أنقرة «لديها إصرار على عقد اتفاقات مع الجانب الليبي لتوسيع نفوذها في البحر المتوسط». ونظرا لعدم وجود سواحل مشتركة بين ليبيا وتركيا، طرح يايشي فكرة إمكانية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية مع ليبيا، ورأى أن موقع تركيا المائل جغرافيا يسمح لها بترسيم مناطقها البحرية باستخدام خطوط قطرية «مائلة» للتواصل، مما يحقق لها التواصل مع ليبيا عبر ممر بحري يمر جنوب جزيرة رودس، ورتب على ذلك إمكانية توقيع اتفاقيات ترسيم حدود، ليس مع ليبيا فقط، وإنما أيضاً مع لبنان وإسرائيل، وهو ما وصفه جمال طه، الكاتب والباحث المصري في شؤون الأمن القومي في مقال سابق، بـ«التبرير الهزلي».
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق