التقاريرحصاد 2025رئيسيةملفات خاصة

سوق النفط في 2026.. تفاؤل حذر يترقب مآلات التوترات التجارية

نمو الطلب يصطدم بفائض المعروض

وحدة أبحاث الطاقة - رجب عز الدين

تبدو توقعات سوق النفط في 2026 متفائلة بنمو أسرع نسبيًا للطلب مقارنة بعام 2025، مع هدوء التوترات التجارية، غير أن تقديرات فائض المعروض العالمي تضغط على أسعار الخام.

ولا شك أن هذا التفاؤل ما زال حذرًا، وسط مخاوف من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي حال فشل الولايات المتحدة والصين في التوصل إلى اتفاق تجاري شامل، فضلًا عن استمرار الاضطرابات الجيوسياسية في العالم، وفق ما جاء في تحليل وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن) بملف الحصاد السنوي لعام 2025.

وتشير تقديرات كبرى المؤسسات المالية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، إلى تباطؤ أو ثبات نمو الاقتصاد العالمي خلال عام 2026، رغم أن أغلب البنوك المركزية العالمية، بقيادة الفيدرالي الأميركي، تميل في سياستها النقدية نحو التيسير النقدي.

ويتوقع صندوق النقد الدولي -في أحدث تقديراته- تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي إلى 3.1% في 2026، مقارنة بـ3.2% في 2025، و3.3% في 2024.

وجاء ذلك مع توقع الصندوق نمو الاقتصاد الأميركي بنحو 2.1% في 2026، مقارنة بـ2% في 2025، كما سيتباطأ نمو الاقتصاد الصيني إلى 4.5%، مقارنة بـ5% في 2025.

وألقت توقعات نمو الاقتصاد العالمي والتوترات التجارية بظلالها على توقعات سوق النفط في 2026، بين المؤسسات الكبرى الفاعلة، ما أدى إلى اختلاف تقديراتها حول نمو الطلب والمعروض، وصولًا إلى الأسعار.

توقعات الطلب على النفط في 2026

تتفّق المؤسسات الفاعلة على استمرار نمو الطلب على النفط في 2026، مع اختلاف واضح بحجم النمو المتوقع، إذ تُقدر وكالة الطاقة الدولية نموًا أقل، في حين تبدو أوبك الأعلى تقديرًا.

ووفق أحدث التوقعات الشهرية، تتوقع وكالة الطاقة الدولية نمو الطلب العالمي خلال عام 2026 بنحو 0.86 مليون برميل يوميًا، ليصل الإجمالي إلى 104.78 مليون برميل يوميًا.

وعزت الوكالة توقعاتها إلى تحسن تقديرات الاقتصاد الكلي، وانحسار المخاوف بشأن الرسوم الجمركية إلى حد كبير، إضافة إلى عوامل أخرى مساعدة مثل انخفاض أسعار الخام، وتراجع قيمة الدولار.

بينما تتوقع منظمة أوبك نمو الطلب العالمي على النفط في 2026 بنحو 1.38 مليون برميل يوميًا، ليصل الإجمالي إلى 106.52 مليونًا.

ورجّحت أوبك أن يأتي أغلب نمو الطلب من الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنحو 1.23 مليون برميل يوميًا خلال عام 2026، بقيادة الهند والصين بنحو 220 ألفًا، و200 ألف برميل يوميًا على التوالي.

وبحسب تقديرات أوبك، يتوقع وصول إجمالي الطلب على النفط في الهند إلى 5.88 مليون برميل يوميًا في 2026، في حين يُتوقع وصوله في الصين إلى 17.06 مليونًا.

أما إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فقد جاءت تقديراتها في منطقة وسط بين وكالة الطاقة وأوبك، مع توقعها نمو الطلب في 2026 بنحو 1.23 مليون برميل يوميًا، ليصل الإجمالي إلى 105.17 مليونًا.

ومن حيث التقديرات الفصلية، ترى منظمة أوبك، ووكالة الطاقة الدولية، أن الطلب على النفط سيسجل أعلى مستوياته في الربع الأخير من 2026، في حين ترى إدارة معلومات الطاقة الأميركية حدوث ذلك في الربع الثالث مع تفاوت المؤسسات في الأرقام، كما يستعرض الرسم التالي، الذي أعدّته وحدة أبحاث الطاقة:

توقعات الطلب العالمي على النفط في 2026 بين المؤسسات الكبرى

توقعات إمدادات سوق النفط في 2026

تتفق جميع المؤسسات الكبرى على أن سوق النفط في 2026 ستشهد نموًا في المعروض العالمي، سيأتي أغلبه من خارج تحالف أوبك+، مع اختلاف تقديرات حجم هذا النمو من مؤسسة إلى أخرى.

وتتوقّع منظمة أوبك، نمو معروض النفط من خارج تحالف أوبك+ بنحو 0.63 مليون برميل يوميًا خلال عام 2026، ليصل الإجمالي إلى 54.78 مليونًا، بقيادة البرازيل وكندا والولايات المتحدة والأرجنتين.

بينما تتوقع وكالة الطاقة الدولية، نمو المعروض النفطي من خارج أوبك+ بنحو 1.2 مليون برميل يوميًا، ليصل الإجمالي إلى 56.17 مليونًا.

وبصفة عامة، تتوقع وكالة الطاقة، ارتفاع المعروض العالمي من النفط بنحو 2.4 مليون برميل يوميًا خلال عام 2026، ليصل الإجمالي إلى 108.6 مليونًا.

أما إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فتتوقع نمو المعروض من خارج أوبك+ بنحو 1.03 مليون برميل يوميًا، ليصل الإجمالي إلى 56.40 مليونًا عام 2026.

ويستعرض الجدول التالي، من إعداد وحدة أبحاث الطاقة، مقارنة لتوقعات الطلب والمعروض بسوق النفط في 2026 بين المؤسسات الـ3 الكبرى، وفق أحدث التقارير الشهرية:

توقعات الطلب العالمي على النفط والمعروض في 2026 بين المؤسسات الكبري

ويستحوذ تحالف أوبك+ الذي يضم 22 دولة، من بينها روسيا، على قرابة نصف إنتاج النفط العالمي، وينسق أعضاؤه فيما بينهم سياسات الإنتاج لموازنة السوق عبر اجتماعات دورية على مدار العام.

وأعلنت مجموعة الدول الـ8 الأعضاء في تحالف أوبك+، بقيادة السعودية، التخلص من تخفيضات الإنتاج الطوعية الأخرى البالغ 1.65 مليون برميل يوميًا، مع إضافة 137 ألفًا شهريًا، بدءًا من أكتوبر/تشرين الأول 2025، على أن تُعلق الزيادات خلال الربع الأول من 2026.

وفي ضوء عودة التخفيضات، تُقدر وكالة الطاقة الدولية أن تشهد سوق النفط في 2026 فائضًا بالمعروض يبلغ 3.8 مليون برميل يوميًا، فيما ترى إدارة معلومات الطاقة الأميركية فائضًا أكثر اعتدالًا يبلغ 2.2 مليونًا.

جاء ذلك بعدما انتهت الدول نفسها من إعادة التخفيضات الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يوميًا إلى السوق، بنهاية سبتمبر/أيلول 2025.

ومن جهة أخرى، ما يزال تحالف أوبك ينفذ سياسة إلزامية لخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022 حتى نهاية 2026.

توقعات إنتاج النفط الأميركي في 2026

إلى جانب تأثير سياسات تحالف أوبك+ بسوق النفط في 2026، تظل توقعات الدول من خارج التحالف، خصوصًا إنتاج النفط الأميركي، مثيرة للاهتمام.

وبحسب أحدث تقديرات صادرة عن إدارة معلومات الطاقة، فإن متوسط إنتاج أميركا سيسجل مستوى قياسيًا عند 13.61 مليون برميل يوميًا في 2025، مقارنة بـ13.23 مليونًا في 2024، و12.94 مليونًا في 2023.

بينما يُتوقع انخفاض متوسط إنتاج النفط الأميركي إلى 13.53 مليون برميل يوميًا في عام 2026، وهو ما يقل كثيرًا عن طموحات الرئيس دونالد ترمب الذي أطلق وعودًا انتخابية ضخمة بمضاعفة الإنتاج في غضون سنوات معدودة عبر شعار حماسي "احفر يا عزيزي احفر".

ورغم أن إنتاج الولايات المتحدة سجل 4 أرقام قياسية متتالية خلال عام 2025، آخرها في شهر سبتمبر/أيلول الماضي عند 13.84 مليون برميل يوميًا، فإن عددًا من الخبراء يشككون في دقة هذه البيانات لخلطها بين النفط الخام والسوائل الغازية.

وبحسب خبير أسواق الطاقة، مستشار تحرير منصة الطاقة، الدكتور أنس الحجي، عادة ما يؤدي هذا الخلط إلى تضخيم الأرقام، وإعطاء انطباع مضلل حول قرب دخول الولايات المتحدة مرحلة نمو قوية، رغم أن البيانات التفصيلية تظهر أن ذروة الإنتاج الأميركي قد تحققت، أو قاربت على ذلك، خصوصًا مع استمرار الانخفاض في معظم مناطق الإنتاج الصخري خلال عام 2025.

كما يشدد الحجي على أن قراءة البيانات الرسمية الأميركية تتطلب فهمًا عميقًا للفروق بين مناطق إنتاج النفط الأميركية، إذ تختلف طبيعة الحقول في ألاسكا وخليج المكسيك والحقول الصخرية اختلافًا جوهريًا يجعل الحكم العام على اتجاهات الإنتاج أمرًا معقّدًا، لا يمكن قياسه بمؤشر واحد أو قراءة عابرة للبيانات الأولية.

وتتوافق تقديرات الحجي مع شركة أبحاث الطاقة وود ماكنزي التي تعتقد أن قطاع النفط الصخري في أميركا وصل إلى مرحلة النضج، مع تقديرها بأن يصل الإنتاج البري في الولايات الـ48 المتجاورة (التي لا تضم ألاسكا وهاواي) إلى ذروته أوائل ثلاثينيات القرن الحالي، قبل أن يبدأ بالتراجع تدريجيًا في النصف الثاني من العقد.

وتركز إدارة ترمب جهودها على مضاعفة معدل استخلاص النفط الصخري الذي لا يزيد على 10% -حاليًا- لكن من غير المرجح نجاحها في تحقيق ذلك على المدى القصير، خاصة أن شركات النفط الأميركية الكبرى، التي تعمل على تحسين التقنيات المتصلة مثل إكسون موبيل وشيفرون، لا تبشر بقرب حدوث ذلك قبل عام 2030.

كما تشير تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية الشهرية إلى أنه من غير المرجح أن يسجل إنتاج النفط الأميركي أرقامًا قياسيًا خلال 2026 على غرار ما حدث في عام 2025.

وبحسب هذه التقديرات، من المتوقع أن يصل الإنتاج في شهر يناير/كانون الثاني إلى 13.71 مليون برميل يوميًا، قبل أن ينخفض تدريجيًا طوال أشهر العام ليتراوح من 13.6 مليونًا إلى 13.5 مليون برميل يوميًا، كما يرصد الرسم أدناه:

تطور إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة (2022 -2026)

سوق النفط في 2026 بعد مراجعات وكالة الطاقة

رغم أن توقعات سوق النفط في 2026 تتحسب للآثار السلبية للتوترات التجارية والجيوسياسية، لكن تراجع وكالة الطاقة الدولية عن موقفها من توقعات ذروة الطلب، سيمنح صناعة النفط والقطاعات المستهلكة ثقة أكبر بتفاعلات العرض والطلب لأول مرة بعد سنوات من التوقعات المربكة والمشوشة على خطط المستثمرين.

وجاء تراجع الوكالة في تقرير آفاق الطاقة لعام 2025 -الصادر 12 نوفمبر/تشرين الثاني- عبر تأكيدها أن الطلب العالمي على النفط سيواصل النمو حتى عام 2050 على الأقل، مع تعديل سيناريوهاتها لتوقعات السوق.

وبحسب سيناريو السياسات الحالية، أي السياسات المطبقة دون الوعود المناخية، تتوقع الوكالة نمو الطلب على النفط إلى 105 ملايين بحلول 2035، مقارنة بـ100 مليون في عام 2024، قبل أن يصل إلى 113 مليون برميل يوميًا بحلول 2050.

ورحّبت منظمة أوبك بعودة وكالة الطاقة الدولية إلى الواقع -على حد تعبيرها- بعد سنوات من الشد والجذب حول توقعات ذروة الطلب المثيرة للجدل والتي عرّضت الوكالة لانتقادات حادة من صناعة النفط العالمية وكبار الدول المنتجة مثل الولايات المتحدة والسعودية.

وهذه أول مرة يتقارب فيها التوقعات -المستندة إلى السياسات الحالية- بين وكالة الطاقة وأوبك، ما قد يمنح صناعة النفط والقطاعات العالمية المستهلكة ثقة أكبر بقراءة تفاعلات سوق النفط في 2026، والرهان على مستقبل الطلب بصورة مختلفة أقل تشويشًا من ذي قبل.

أمين عام أوبك هيثم الغيص

وظلت الوكالة لسنوات تروج لأن الطلب العالمي على النفط على المدى الطويل غير مضمون، وأن الاستثمار في مشروعاته يحمل مخاطر مالية للشركات، مع تأكيدها أن ذروة الطلب وشيكة وستحدث قبل عام 2030، قبل أن ينخفض بلا عودة حتى عام 2050.

توقعات أسعار النفط في 2026

تفاوتت تقديرات أسعار النفط في 2026، حيث تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية وصول متوسط السعر الفوري لخام برنت إلى 55.08 دولارًا للبرميل خلال 2026، وسعر خام غرب تكساس الأميركي إلى 51.42 دولارًا للبرميل.

وهذا يعني انخفاض متوسط أسعار كلا الخامين بأكثر من 20% أو ما يعادل 14 دولارًا تقريبًا مقارنة بالمستوى المتوقع للعام الجاري (2025)، مع تقديرات بتجاوز المعروض للطلب.

على الجانب الآخر، يتوقع صندوق النقد الدولي انخفاضًا أقل لمتوسط أسعار العقود الآجلة لخام برنت لتصل إلى 62.38 دولارًا للبرميل، مقارنة بتقديراته البالغة 66.94 دولارًا للبرميل في عام 2025.

بينما يتوقع بنك الاستثمار السويسري "يو بي إس" وصول خام برنت إلى 67 دولارًا للبرميل بنهاية عام 2026، استنادًا إلى تحليل منحنيات الأسعار في عام 2025.

يمكنكم متابعة المزيد من حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2025 عبر الضغط (هنا)، كما يمكن الاطّلاع على حصاد عام 2024 (هنا).

المصادر:

  1. توقعات وكالة الطاقة الدولية لتطورات سوق النفط في 2026، من التقرير الشهري.
  2. توقعات أوبك للطلب والمعروض بسوق النفط في 2026، من التقرير الشهري.
  3. توقعات إدارة معلومات الطاقة لأسعار النفط 2026، من التقرير الشهري.
  4. تراجع وكالة الطاقة عن توقعات ذروة الطلب على النفط من تقرير آفاق الطاقة لعام 2025.
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق