قطاع الطاقة المصري في 2025.. عام استقرار الكهرباء وبداية تعافي الغاز
وحدة أبحاث الطاقة - أحمد عمار

شهد قطاع الطاقة المصري في 2025 تحركات مدروسة ومتسارعة مكّنته من التعامل بفاعلية مع تراجع إمدادات الغاز والارتفاع غير المسبوق في الطلب على الكهرباء، ليجتاز هذا التحدي دون العودة إلى انقطاعات التيار الكهربائي، بالتوازي مع مؤشرات أولية على تعافي إنتاج الغاز.
ويتزامن ذلك مع موجة من الاكتشافات وسلسلة من صفقات التنقيب الجديدة التي جذبت استثمارات أجنبية، مؤكدةً ثقة الشركات العالمية بمصر، بحسب ما رصده ملف الحصاد السنوي لعام 2025 الصادر عن وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن).
ويُنظر إلى الإجراءات التي تبناها قطاع الطاقة المصري في 2025 لمواجهة التحديات على أنها تمهّد الطريق للعودة بقوة إلى تصدير الغاز المسال، لتسير جنبًا إلى جنب مع طموحات الطاقة المتجددة بهدف تنويع مزيج الكهرباء.
ويُعد قطاع الكهرباء أكبر مستهلك للغاز في مصر، ما شكّل ضغطًا إضافيًا لتلبية الأحمال القياسية المتكررة التي سجلتها الشبكة في صيف 2025، بسبب الارتفاع الحاد في درجات الحرارة، ليحقق خلال أغسطس/آب نحو 40 ألف ميغاواط، وهو رقم غير مسبوق.
كيف واجه قطاع الطاقة المصري في 2025 الطلب على الكهرباء؟
يمثّل مرور الصيف الماضي دون تخفيف أحمال الكهرباء، أبرز إنجازات قطاع الطاقة المصري في 2025، التي تحققت بفضل إستراتيجية ارتكزت على حزمة إجراءات جوهرها توفير إمدادات الغاز من خلال ما يلي:
أولًا: تعزيز قدرة إعادة التغويز
رفعت مصر قدرتها على إعادة التغويز إلى 2.77 مليار قدم مكعبة يوميًا، وتحقق ذلك من خلال نشر 4 وحدات عائمة جديدة وربطها على الشبكة في مواني العين السخنة (سوميد وسونكر) بين يوليو/تموز وأكتوبر/تشرين الأول 2025، وهي:
- هوج غاليون (ميناء سوميد بالعين السخنة): 750 مليون قدم مكعبة يوميًا.
- إنرغوس باور (ميناء سونكر بالعين السخنة): 750 مليون قدم مكعبة يوميًا.
- إنرغوس إسكيمو (ميناء سوميد بالعين السخنة): 750 مليون قدم مكعبة يوميًا.
- إنرغوس وينتر (ميناء دمياط): 450 مليون قدم مكعبة يوميًا.
وأُضيف إلى ذلك سفينة إعادة تغويز مشتركة مع الأردن في ميناء العقبة، لاستغلالها وقت الحاجة أو الطوارئ، بقدرة 750 مليون قدم مكعبة يوميًا، قبل الاستغناء عنها في ديسمبر/كانون الأول 2025، مع استقرار إمدادات الغاز عبر الأنابيب.
ثانيًا: واردات قياسية من الغاز المسال
شهد قطاع الطاقة المصري في 2025 تحولًا جذريًا، مع تسجيل واردات الغاز المسال مستويات قياسية، مدفوعة بمساعي الدولة لتلبية الطلب المتزايد من محطات توليد الكهرباء.
وقفزت كميات الغاز المستوردة بأكثر من 200%، لتصل إلى نحو 9 ملايين طن خلال 2025، مقارنة بنحو 3 ملايين طن في العام السابق، بحسب بيانات وحدة أبحاث الطاقة.
ويأتي هذا المسار الصعودي القوي بعد استئناف مصر عمليات استيراد الغاز المسال منذ منتصف عام 2024، لضمان استدامة التغذية الكهربائية ومواجهة فجوة الإمدادات.
وسجّل شهر أغسطس/آب الماضي أعلى معدل استيراد شهري في تاريخ البلاد بواقع 1.27 مليون طن، تلاه شهر أكتوبر/تشرين الأول بـ1.11 مليون طن، ما يعكس الضغط الموسمي لاستهلاك الطاقة.
ورغم الهدوء النسبي في وتيرة الاستيراد بنهاية العام (نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول)، فإن الكميات ظلّت مرتفعة قرب مستوياتها القياسية؛ إذ سجلت 1.06 و1.01 مليون طن على التوالي، كما يتضح من الرسم البياني:

وتزامنت القفزة القياسية في واردات مصر من الغاز المسال مع ضغوط استثنائية واجهت إمدادات الغاز الإسرائيلي خلال 2025؛ جراء تداعيات حرب الأيام الـ12 بين إيران وإسرائيل، بالإضافة إلى أعمال الصيانة في حقل "تمار" الذي يُعدّ أحد مصادر الإمدادات للقاهرة.
وعلى الرغم من التذبذب الواضح الذي دفع بالواردات نحو أدنى مستوياتها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، لتسجل 477 مليون متر مكعب فقط في يونيو/حزيران الماضي، فإن الحصيلة الإجمالية أظهرت ارتفاعًا نسبيًا.
وتوضح أحدث البيانات أن إجمالي واردات القاهرة من الغاز الإسرائيلي ارتفع إلى 7.68 مليار متر مكعب (892 مليون قدم مكعبة يوميًا) خلال المدة من يناير/كانون الثاني حتى أكتوبر/تشرين الأول 2025، مقابل 7.55 مليار متر مكعب (874 مليون قدم مكعبة يوميًا) في المدة نفسها من العام الماضي.
جدير بالذكر أن عام 2025 شهد توقيع اتفاقية استيراد ضخمة بقيمة 35 مليار دولار وقّعتها مصر مع إسرائيل، تهدف إلى استيراد 130 مليار متر مكعب من حقل ليفياثان الإسرائيلي حتى عام 2040.
ثروة جديدة.. اكتشافات الغاز وبدء الإنتاج
تزامنت المرونة التي اتبعها قطاع الطاقة المصري في 2025 لإدارة الإمدادات عبر الاستيراد مع الجهود المتواصلة على جبهة الإنتاج المحلي لضمان أمن الطاقة، التي برزت فيما يلي:
- موجة اكتشافات
كان عام 2025 شاهدًا على إعلان مزيد من مكامن الغاز، منها تحقيق 29 كشفًا للغاز خلال العام المالي 2024- 2025، في مناطق البحر المتوسط والصحراء الغربية وخليج السويس، ليبلغ حجم الاحتياطي المضاف 1.85 تريليون قدم مكعبة.
وفي أحدث اكتشافات قطاع الطاقة المصري في 2025، عُثر على مكامن غاز جديدة في بئر "شمال البسنت-1" بمنطقة دلتا النيل، إذ تُقدَّر الاحتياطيات الأولية المكتشفة بين 15 و25 مليار قدم مكعبة من الغاز.
ومن الاكتشافات المهمة -أيضًا- نجاح الشركة العامة للبترول في تحقيق اكتشاف نفط وغاز جديد (البئر "جي بي آر -1 إكس") في منطقة حقول أبوسنان المتقادمة بالصحراء الغربية.
وأظهرت النتائج الأولية للبئر معدلات إنتاج 1400 برميل من النفط الخام يوميًا، بالإضافة إلى نحو مليون قدم مكعبة غاز يوميًا، مع إضافة قرابة مليونَي برميل قابلة للاسترجاع إلى الاحتياطيات.
وفي أعماق تاريخية لأول مرة، عثر قطاع الطاقة المصري في 2025 على نفط وغاز جديد في بئر "شمال لوتس العميق-1" بالصحراء الغربية، يُتوقع أن تضيف 1835 برميلًا من النفط و7 ملايين قدم مكعبة من الغاز يوميًا، باحتياطيات قابلة للاستخراج تبلغ 5 ملايين برميل مكافئ.
كما حققت شركة خالدة للبترول 3 اكتشافات جديدة للنفط والغاز في مناطق الامتياز التابعة لها بالصحراء الغربية، ما أضاف نحو 12 مليون برميل من نفط مكافئ، إلى جانب اكتشاف غاز جديد بمعدل إنتاج 36 مليون قدم مكعبة غاز يوميًا.
وفي الوقت نفسه، نجحت 3 شركات (خالدة، وبتروبل، وجابكو) في تحقيق 3 اكتشافات نفط وغاز جديدة في الصحراء الغربية وخليج السويس، ومنها شواهد غازية باحتياطي 12.5 مليون برميل نفط مكافئ (62.7 مليار قدم مكعبة غاز و1.15 مليون برميل مكثفات)، بإنتاج يومي متوقع 30 مليون قدم مكعبة غاز.
بينما أعلنت وزارة البترول المصرية، بالتعاون مع شركة دانة غاز الإماراتية، اكتشاف غاز جديدًا في بئر "بيجونيا-2" بمنطقة دلتا النيل البرية، باحتياطيات أولية واعدة تُقدَّر بنحو 9 مليارات قدم مكعبة.
- وضع آبار غاز على خريطة الإنتاج
مع زخم الاكتشافات نجحت مصر في "الربط السريع" للآبار لتعويض التناقص الطبيعي للحقول القديمة، ومن أبرزها:
- حقل ظهر: عاد إلى الواجهة عبر بئرَي "ظهر 6" و"ظهر 9"، ما ضخ نحو 130 مليون قدم مكعبة يوميًا إضافية.
- غرب الدلتا والبرلس: نجحت شركات "شل" و"البرلس" في ربط آبار المرحلة العاشرة، ليرتفع إنتاج المنطقة إلى 286 مليون قدم مكعبة يوميًا.
- مناطق الامتياز البرية: وُضعت آبار "بدر-1" و"بدر-15" على خط الإنتاج بمعدلات فورية أسهمت في كبح جماح العجز.
- امتياز غرب الدلتا العميق: نجحت شركة البرلس للغاز في إضافة بئرَيْن جديدتَيْن للإنتاج بمعدل 60 مليون قدم مكعبة يوميًا.
- حقل غرب البرلس بالبحر المتوسط: بدء الإنتاج من أولى آبار المنطقة بمعدل اقترب من 45 مليون قدم مكعبة يوميًا.
- كشف جديد في منطقة "بدر-15": وُضع على خريطة الإنتاج على الفور بمعدل ضخ 16 مليون قدم مكعبة يوميًا.
- بئر "10-5st" في حقل "بدر-1": وُضعت على خط الإنتاج بمعدل 25 مليون قدم مكعبة يوميًا.
ومع هذه التطورات، أظهرت الأشهر الأخيرة مؤشرات واضحة على بدء تعافي الإنتاج، إذ ارتفع إلى مستويات تقترب من 4.2 مليار قدم مكعبة يوميًا (3.63 مليار متر مكعب شهريًا)، وفقًا لما يرصده الرسم البياني الآتي:

ورغم ذلك، ما يزال إنتاج الغاز متراجعًا عند 4.1 مليار قدم مكعبة يوميًا (35.43 مليار متر مكعب) خلال المدة من يناير/كانون الثاني حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2025، مقارنة بـ4.85 مليار قدم مكعبة يوميًا (41.88 مليار متر مكعب) في المدة نفسها من 2024.
صفقات الطاقة المتجددة في مصر
تُظهر مصر تحركًا متوازيًا لتأمين مصادر الطاقة النظيفة وتوطين التقنيات المرتبطة بها، إذ شهد قطاع الطاقة المصري في 2025 سلسلة من الصفقات البارزة لتعزيز هذا القطاع، أبرزها:
- مشروعات توليد وتخزين للكهرباء المتجددة:
وقّعت الشركة المصرية لنقل الكهرباء اتفاقية مع شركة "سيمنس جاميسا" لإنشاء محطة طاقة رياح وتمويلها وتشغيلها بقدرة إنتاجية تبلغ 500 ميغاواط في منطقة خليج السويس.
وبدأ قطاع الطاقة المصري في 2025 التشغيل التجاري الكامل لأكبر محطة رياح في أفريقيا والشرق الأوسط، وهي محطة رأس غارب بقدرة 650 ميغاواط.
وأنجز تشغيل المرحلة النهائية بقدرة 150 ميغاواط قبل الموعد المحدد بـ4 أشهر، بعد أن سبقها تشغيل 306 ميغاواط في ديسمبر/كانون الأول 2024، و194 ميغاواط في أبريل/نيسان 2025.
بينما بدأت شركة سكاتك (Scatec) النرويجية أعمال بناء مشروعها "أوبليسك" في مصر، الذي يضم محطة للطاقة الشمسية بقدرة 1.1 غيغاواط ونظام تخزين بالبطاريات بقدرة 100 ميغاواط/200 ميغاواط.
وفي سياق متصل، وُقّعت اتفاقية مع شركة "أميا باور" الإماراتية لإنشاء محطتَيْن لتخزين الكهرباء بقدرة إجمالية 1500 ميغاواط/ساعة، ستُقام الأولى في بنبان بأسوان (500 ميغاواط/ساعة) والأخرى في الزعفرانة (1000 ميغاواط/ساعة).
وكانت "أميا باور" قد بدأت التشغيل التجاري لأول نظام لتخزين الكهرباء على مستوى المرافق في مصر بسعة 300 ميغاواط/ساعة.
ونتيجة لهذه الجهود، ارتفعت سعة توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة في مصر خلال عام 2025 لتصل إلى 8.9 غيغاواط، وفقًا لما يرصده الرسم البياني الآتي:

- توطين صناعة الخلايا الشمسية:
وقّع قطاع الطاقة المصري في 2025 عقد مشروع ضخم لتصنيع الألواح والخلايا الشمسية باستثمارات تفوق 220 مليون دولار مع تحالف عربي صيني.
ويستهدف المشروع طاقة إنتاجية متوقعة تبلغ 2 غيغاواط من الخلايا و2 غيغاواط من الألواح، بالإضافة إلى مصنع لتخزين الطاقة بقدرة 1 غيغاواط/ساعة، ومن المقرر إقامته خلال 3 سنوات.
ووُقّع عقد آخر لإنشاء مجمع صناعي متكامل لمستلزمات الطاقة الشمسية في العين السخنة بتكلفة 200 مليون دولار.
وتشمل المرحلة الأولى إنتاج الخلايا والوحدات الشمسية بقدرة 2 غيغاواط لكل منهما، في حين تركز المرحلة الثانية على توطين إنتاج المواد الخام الأساسية مثل السيليكون ورقائق السيليكون.
تطورات إستراتيجية ولوجستية محورية
في إطار تعزيز البنية التحتية ودورها الإقليمي، شهد قطاع الطاقة المصري في 2025، التطورات الأخرى المهمة الآتية:
- التعاون مع قبرص والغاز الإقليمي:
وُقِّعت اتفاقيتان إستراتيجيتان مع قبرص لاستغلال احتياطيات الغاز شرق المتوسط (15 تريليون قدم مكعبة)، بهدف إسالة الغاز المستخرج من (حقول أفروديت، وكرونوس، وزيوس) في مصر وإعادة تصديره، ما يعزّز موقع القاهرة بصفتها مركزًا للطاقة.
-
الطاقة النووية:
شهد الرئيسان المصري والروسي تركيب وعاء ضغط المفاعل بالوحدة الأولى في محطة الضبعة النووية (4.8 غيغاواط)، في خطوة تمثّل تطورًا إستراتيجيًا نحو تحقيق الأمن الطاقي وتأمين 12% من احتياجات الكهرباء بحلول عام 2030.
-
تصدير الغاز المسال:
استأنفت مصر تصدير الغاز المسال بعد توقفها منذ النصف الأول من 2024، إذ صدّرت 6 شحنات (منها إلى تركيا وإسبانيا واليونان) حتى ديسمبر/كانون الأول 2025، في إطار حوافز قدمتها الحكومة إلى الشركات الأجنبية تسمح لها بتصدير جزء من إنتاجها لزيادة التنقيب والإنتاج.
-
إنتاج الوقود المستدام:
وُقّع عقد لإنشاء أول مشروع في مصر لإنتاج وقود الطائرات المستدام بالتعاون مع "هانيويل" الأميركية، بهدف تحويل زيت الطعام المستعمل إلى وقود طائرات بطاقة 120 ألف طن سنويًا.
-
إنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء:
وُقّعت اتفاقية مع تحالف مكون من شركة فرنسية وإماراتية لتطوير محطة متكاملة لإنتاج مليون طن سنويًا من الأمونيا الخضراء في رأس شقير باستثمارات تزيد على 7.6 مليار دولار، ما يعزّز دور مصر في ريادة عدد مشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا عربيًا.
-
البتروكيماويات والهيدروجين:
شهد قطاع الطاقة المصري في 2025 توقيع عقد شراكة بين هيئة قناة السويس وشركة أنكوراج للاستثمارات، لإقامة مجمع عملاق للبتروكيماويات والهيدروجين في العين السخنة، باستثمارات متوقعة تصل إلى 4.5 مليار دولار.
-
تخزين النفط:
اتفاقية لتأسيس شركة مساهمة لإنشاء منطقة لوجستية لتخزين النفط الخام والمنتجات النفطية وتداولها في ميناء الحمراء البترولي بمنطقة العلمين، بالتعاون مع مؤسسة الفجيرة للنفط والغاز.
يمكنكم متابعة المزيد من حصاد وحدة أبحاث الطاقة لعام 2025 عبر الضغط (هنا)، كما يمكن الاطّلاع على حصاد عام 2024 (هنا).
المصادر:
- إنتاج مصر من الغاز ووارداتها عبر الأنابيب، من مبادرة بيانات المنظمات المشتركة (جودي).
- واردات مصر من الغاز المسال، من بيانات وحدة أبحاث الطاقة.
- اكتشافات الغاز، من بيانات لوزارة البترول المصرية.





