إنتاج الهيدروجين في الصين من مياه البحر.. تقنيات متطورة (تقرير)
نوار صبح
يعتمد إنتاج الهيدروجين من مياه البحر في الصين على تقنيات متطورة تراعي الاعتبارات البيئية والاقتصادية؛ نظرًا إلى أن الوقود الأنظف على وجه الأرض يتطلب كميات هائلة من أثمن موارد الكوكب، ألا وهي المياه العذبة.
وقد يكون إنشاء محطة رائدة لتحلية مياه البحر وإنتاج الهيدروجين في مقاطعة شاندونغ الصينية قد حلّ هذه المشكلة، ومن شأن ذلك أن يُسرّع التحول العالمي نحو الهيدروجين واعتماد الطاقة المتجددة لسنوات.
وتمثل المنشأة الصينية الجديدة لإنتاج الهيدروجين بمدينة ريتشاو نقلة نوعية في طريقة استعمال الموارد وإنتاج الطاقة النظيفة، حسب مصادر تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وتحقق المنشأة ما يسميه المهندسون "اقتصادًا دائريًا ذا مدخل واحد و3 مخرجات"، حيث تنتج مياه عذبة فائقة النقاء بسعر 0.28 دولارًا للمتر المكعب، وهيدروجينًا أخضر بتكلفة 4.2 كيلوواط/ساعة لكل متر مكعب من طاقة الإنتاج، ومحلولًا ملحيًا غنيًا بالمعادن لإنتاج المواد الكيميائية الصناعية.
سبب تعثر إنتاج الهيدروجين الأخضر بالطرق التقليدية
واجه إنتاج الهيدروجين الأخضر التقليدي عبر التحليل الكهربائي للماء 3 عقبات رئيسة.
أولًا، مشكلة ندرة المياه، إذ يتطلب التحليل الكهربائي التقليدي لإنتاج الهيدروجين مياهًا عذبة عالية النقاء، وفي المناطق الصناعية الساحلية التي تضم صناعات ثقيلة وبنية تحتية للشحن، غالبًا ما تكون المياه العذبة نادرة ومكلفة.
ثانيًا، مشكلة كثافة الطاقة، حيث تُضاعف تحلية مياه البحر ثم استعمالها في التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين من استهلاك الطاقة، ما يُضعف الجدوى الاقتصادية للهيدروجين وقدرته التنافسية مع الوقود الأحفوري.
وأخيرًا، تُتلف أيونات الكالسيوم والمغنيسيوم والكلوريد الموجودة في مياه البحر معدات التحليل الكهربائي التقليدية، ما جعل التحليل الكهربائي المباشر لمياه البحر غير عملي سابقًا على نطاق تجاري.
إزاء ذلك، يُعالج مشروع شاندونغ لإنتاج الهيدروجين من مياه البحر هذه العقبات الـ3 مجتمعة.

نقلة نوعية في إنتاج الهيدروجين النظيف
بالنظر إلى هيكل تكلفة هذه الطريقة لإنتاج الهيدروجين من مياه البحر، تستعمل المنشأة الحرارة المهدرة من مصانع الصلب والبتروكيماويات المجاورة، وهي طاقة كانت ستُهدر في الغلاف الجوي لولا ذلك.
ويُشغّل هذا المدخل الحراري "المجاني" عملية تحلية المياه ويُساعد في تشغيل عملية التحليل الكهربائي، ما يُحقق معدل استعمال كهرباء أعلى بنسبة 20% من أنظمة إنتاج الهيدروجين التقليدية من المياه العذبة، وفقًا لما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ويؤدي ذلك إلى إنتاج هيدروجين أخضر يُنافس نظيره الرمادي اقتصاديًا في العديد من التطبيقات، ويُنتج دون التنافس على موارد المياه العذبة، ويُولد منتجات ثانوية قيّمة تُعوّض التكاليف.
وقد يُسهم هذا في جعل الهيدروجين الأخضر منافسًا في سوق الطاقة العالمية.
للمقارنة، تُنتج المملكة العربية السعودية، الرائدة عالميًا في تحلية مياه البحر، المياه العذبة بتكلفة تقارب 0.50 دولار أميركي للمتر المكعب.
في المقابل، تُكلّف أكبر محطة تحلية مياه في كاليفورنيا 2.21 دولارًا أميركيًا للمتر المكعب، أما منشأة شاندونغ فتُنتجها بتكلفة 0.28 دولارًا أميركيًا، مع إنتاج الهيدروجين النظيف والمواد الكيميائية الصناعية في الوقت نفسه.
الآثار الإستراتيجية لإزالة الكربون من الصناعات الثقيلة
لم يُختر موقع المنشأة في ريتشاو من قبيل الصدفة، فقد صُمم هذا النهج خصيصًا للتجمعات الصناعية الساحلية، حيث تتركز مصانع الصلب والبتروكيماويات والمواني والبنية التحتية للشحن.
وتُنتج هذه المناطق الصناعية كميات هائلة من الحرارة المهدرة، وتحتاج إلى كل من وقود الهيدروجين والمياه العذبة.
ويُؤدي هذا إلى تكامل صناعي قوي، إذ تحصل الصناعات الثقيلة على مياه عذبة أرخص وهيدروجين أخضر لإنتاج الصلب والعمليات الكيميائية وتطبيقات الوقود البحري.
وتحصل منشأة إنتاج الهيدروجين على حرارة مهدرة مجانية، وتقع بالقرب من مراكز الطلب الرئيسة، ما يُلغي الحاجة إلى بنية تحتية مكلفة لنقل الهيدروجين.
ووفقًا لباحثين في مختبر لاوشان بمدينة تشينغداو، فإن هذا النموذج "يتوافق تمامًا مع التخطيط الصناعي الساحلي للصين"، ويمثل "نموذجًا جديدًا لإمدادات طاقة الهيدروجين المحايدة كربونيًا".
في حال توسعت تقنية التحليل الكهربائي لمياه البحر هذه، فإن العديد من توجهات السوق ستتغير بشكل جذري. وستكتسب المناطق الساحلية ميزة تنافسية في اقتصاد الهيدروجين.
من ناحيتها، تستطيع الدول ذات السواحل الممتدة والصناعات الثقيلة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند ودول الخليج العربي ودول البحر الأبيض المتوسط، إنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة أقل بكثير من منافسيها في المناطق الداخلية.
وبهذا يخفّ الضغط على المياه العذبة، إذ لم يعد إنتاج الهيدروجين الأخضر يتنافس مع الزراعة أو المدن أو النظم البيئية على المياه العذبة الشحيحة، ما يزيل عائقًا سياسيًا وبيئيًا رئيسًا أمام توسيع نطاق البنية التحتية للهيدروجين.
من ناحية ثانية، تتسارع عملية إزالة الكربون من الصناعة؛ لأن مصانع الصلب والكيماويات تستطيع الوصول إلى الهيدروجين الأخضر الأرخص في مواقعها؛ ما يجعل اقتصادات إزالة الكربون من الصناعة أكثر جدوى بشكل ملحوظ.
وتتحسّن اقتصادات وقود النقل البحري؛ حيث تستطيع المدن الساحلية إنتاج وقود الهيدروجين البحري محليًا بأسعار تنافسية، ما يعزز إزالة الكربون من قطاع الشحن.

تأثير المضاعف للاقتصاد الدائري في إنتاج الهيدروجين
يُنشئ نموذج "مدخل واحد، 3 مخرجات" مصادر دخل متعددة من مادة خام واحدة، فالمحلول الملحي الغني بالمعادن وحده له قيمة في إنتاج المواد الكيميائية البحرية.
وهذا يحوّل النموذج الاقتصادي من إنتاج الهيدروجين المكلف مع التخلص المكلف من النفايات إلى استعادة متكاملة للموارد مع مخرجات مربحة متعددة.
ويعكس هذا النهج الدائري كفاءة الطبيعة، حيث لا شيء يُهدر، فكل شيء له قيمة، وهو بالضبط نوع التفكير الذي يحتاجه اقتصاد الهيدروجين لتحقيق الاستدامة الحقيقية والجدوى الاقتصادية في التحول العالمي للطاقة.
تحديات ومحاذير توسيع نطاق إنتاج الهيدروجين من مياه البحر
من المهم الحفاظ على منظور شامل؛ فهذه منشأة تجريبية صغيرة تعالج 800 طن من مياه البحر سنويًا.
ويتطلب التوسع إلى ملايين الأطنان إثبات متانة المحفز في ظروف مياه البحر الواقعية، وإثبات التشغيل الموثوق به في مختلف تركيبات مياه البحر، وتطوير سلاسل إمداد لمواد متخصصة مقاومة للتآكل، والتكامل مع البنية التحتية الصناعية القائمة على نطاق واسع.
رغم ذلك؛ فإنه يبدو الإنجاز الجوهري المتمثل في التحليل الكهربائي المباشر لمياه البحر باستعمال الحرارة المهدرة واعدًا.
فالسؤال ليس ما إذا كانت تقنية إنتاج الهيدروجين هذه فعالة، بل مدى سرعة إمكان توسيع نطاقها لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة النظيفة.
نظرة مستقبلية على اقتصاد الهيدروجين
تمثل منشأة شاندونغ الصينية لإنتاج الهيدروجين من مياه البحر أكثر من مجرد إنجاز تقني، فهي تُظهر كيف يمكن لاقتصاد الهيدروجين أن يتجاوز قيود الموارد التقليدية من خلال إعادة النظر في حدود النظام والاستفادة من مبادئ الاقتصاد الدائري في إنتاج الطاقة المتجددة.
بالنسبة للمناطق الصناعية الساحلية حول العالم، يوفر هذا المشروع مسارًا نحو الهيدروجين الأخضر ليس فقط متفوقًا بيئيًا، بل جذابًا اقتصاديًا.
ويُسهم الجمع بين الاستدامة والربحية في حفز التحوّل الحقيقي في قطاع الطاقة.
بالمثل، وُصِف اقتصاد الهيدروجين بأنه "على بُعد 10 سنوات" على مدى الأعوام الـ50 الماضية.
وتشير الإنجازات الرائدة في تكنولوجيا التحليل الكهربائي لمياه البحر، مثل هذه، إلى الاقتراب من أعتاب العقد الذي سيتحقق فيه هذا الوعد.
ومع استمرار تطور سوق الهيدروجين بوتيرة متسارعة، يُعدّ تتبّع هذه الإنجازات التكنولوجية وآثارها التجارية أمرًا بالغ الأهمية لجميع الجهات المعنية في عملية تحوّل الطاقة.
ويُشير هذا التطور في الصين إلى تسارع وتيرة السباق نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع وبأسعار معقولة، وأنّ خط النهاية قد يكون أقرب مما يتوقعه الكثيرون.
موضوعات متعلقة..
- إنتاج الصين من الهيدروجين الأخضر سيتصدر عالميًا في 2050
- إنتاج الهيدروجين الأخضر في الصين قد يتجاوز 220 ألف طن سنويًا
- سلطنة عمان تدعو الشركات الصينية إلى الاستثمار في إنتاج النفط والهيدروجين
اقرأ أيضًا..
- تغير المناخ يفجر أزمة شوكولاتة عالمية.. ونبات بديل قد ينهي المعضلة
- قطاع الطاقة السعودي في 2025.. عام استثنائي للكهرباء المتجددة والغاز
- محطة هيدروجين أخضر "صمام أمان" لشبكة الكهرباء.. إنجاز غير مسبوق عالميًا
المصدر..





