حصاد المناخ في 2025.. تحولات حاسمة تعيد تشكيل المشهد العالمي (مقال)
د.منال سخري*

يقترب العام من نهايته، إذ يبرز حصاد المناخ في 2025 تاركًا وراءه مشهدًا بيئيًا متقلّبًا تتسارع فيه التحولات المناخية والطاقية، وتتقاطع فيه التحديات السياسية مع ضرورات الاستدامة.
لقد كان عامًا مفصليًا أعاد طرح الأسئلة الكبرى حول كفاءة منظومة الحوكمة البيئية، وجدوى التعهدات المناخية أمام واقعٍ تزداد فيه الكوارث الطبيعية حدّة واتّساعًا.
يُظهر حصاد المناخ في 2025 أن البيئة لم تعد قضية علمية أو موسمية، بل سياسية واقتصادية بامتياز، فكل تأخير في اتخاذ القرارات الصائبة يضاعف الكلفة البشرية والاقتصادية لاحقًا.
ومع تزايد الحرائق، وذوبان الجليد، وتفاقم أزمات الغذاء والمياه، بات من الواضح أن معركة الكوكب هي معركة الوعي والالتزام.
المناخ في دائرة الخطر
أوضح تقرير فجوة الانبعاثات 2025 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن العالم ما يزال بعيدًا عن مسار هدف اتفاق باريس المتمثل في حصر الاحترار عند 1.5 درجة مئوية.
تشير نتائج حصاد المناخ في 2025 أنه حتى مع تنفيذ الإسهامات المحددة وطنيًا (NDCs)، يُتوقّع أن تصل درجات الحرارة بحلول نهاية القرن إلى 2.3–2.5 درجة مئوية.
تؤكد هذه الأرقام أن السياسات الحالية لا تكفي لإنقاذ الكوكب من مسار الاحتباس الحراري المتسارع، هذه المؤشرات تعكس هشاشة النظام المناخي العالمي أمام تضارب المصالح الاقتصادية، خاصة مع استمرار بعض الدول في الاعتماد على الفحم والنفط، مقابل بطء في تبنّي مسارات تحول الطاقة العادل.

القطب الشمالي يذوب
شهد القطب الشمالي خلال 2025 ارتفاعًا تاريخيًا في درجات الحرارة، هو الأعلى منذ أكثر من قرن، وانخفضت سماكة الجليد بنسبة تتجاوز 30% مقارنة ببداية الألفية، ما يعيد رسم خرائط التيارات البحرية ويؤثر في الأنظمة البيئية من شمال الأطلسي إلى المحيط الهادئ.
ومع ارتفاع مستوى سطح البحر، تتجه المدن الساحلية في آسيا وأفريقيا نحو مخاطر وجودية حقيقية تهدد سبل العيش والأمن الغذائي والمائي لملايين السكان.
أوروبا تحت لهيب الحرارة
سجّلت أوروبا صيفًا هو الأشد حرارة في تاريخها الحديث، إذ تجاوزت الحرارة 50 درجة مئوية في جنوب القارة.
وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أكثر من 60 ألف وفاة بسبب موجات الحر، إلى جانب خسائر زراعية وحرائق غابات واسعة.
هذه الأزمات جعلت من المناخ قضية سياسية بامتياز، دفعت الاتحاد الأوروبي لتسريع خطط التحول الأخضر وزيادة استثمارات الطاقة المتجددة.
الاستثمار في الطبيعة
في تقرير "توقعات البيئة العالمية – GEO-7"، دعا برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى إعادة النظر في نموذج التنمية القائم، مؤكدًا أن استثمار 2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في الاقتصاد الأخضر يمكن أن يحقق عوائد اقتصادية واجتماعية ضخمة ويقلل الخسائر الناجمة عن التدهور البيئي.
وشدد التقرير على أن الحلول التكنولوجية وحدها لا تكفي دون حوكمة بيئية فعّالة، تدمج البعد البيئي في كل السياسات العامة: من الطاقة إلى النقل، ومن الزراعة إلى المالية.

أفريقيا.. القارة الأكثر هشاشة
تواجه أفريقيا اليوم مفارقة مناخية عميقة؛ فهي تسهم بأقل من 4% من الانبعاثات، لكنها تدفع الثمن الأكبر للجفاف، والفيضانات، والتقلبات الزراعية.
وفق تقرير البنك الأفريقي للتنمية 2025، بلغت خسائر القارة الناتجة عن الكوارث البيئية نحو 45 مليار دولار هذا العام، وسط تزايد معدلات النزوح البيئي في منطقة الساحل والقرن الإفريقي.
لكن هذا الواقع القاسي لم يمنع القارة من أن تصبح مختبرًا عالميًا للحلول المستدامة.
وشهدت دول مثل المغرب ومصر وناميبيا توسعًا ملحوظًا في مشروعات الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، بينما أطلقت غانا قرارًا تاريخيًا بحظر التعدين في محميات الغابات، لتصبح نموذجًا للسياسات البيئية الوقائية.
أمّا كينيا ورواندا، فواصلتا بناء اقتصاد دائري ناشئ يقوم على تدوير النفايات البلاستيكية وتحويلها إلى طاقة.
أفريقيا تُثبت اليوم أن التحول المستدام لا يحتاج إلى ثروة نفطية، بل إلى رؤية سياسية وإرادة تنفيذية تربط البيئة بالتنمية البشرية.
المحيطات تحت الضغط
في يونيو/حزيران 2025، عُقد في نيس الفرنسية المؤتمر العالمي للأمم المتحدة للمحيطات، إذ ناقش المجتمع الدولي التحديات المرتبطة بالتلوث البحري والصيد الجائر.
أكدت التقارير أن أكثر من 11 مليون طن من البلاستيك تُلقى سنويًا في المحيطات، ما يهدد النظم البيئية ويقوّض الأمن الغذائي للدول الساحلية.
في المقابل، برزت مبادرات مبتكرة لإعادة تدوير النفايات وتحويلها إلى مواد بناء أو مصادر طاقة، خاصة في آسيا وأفريقيا، دليلًا على أن الحلول الاقتصادية والبيئية يمكن أن تتكامل.
كوب 30.. تثبيت المسار
شكّلت قمة المناخ كوب 30 في بيليم (البرازيل) تتويجًا لمسار حصاد المناخ في 2025، الذي يعدّ عامًا حافلًا بالتحذيرات البيئية.
ورغم أن التفاصيل التقنية عُرضت مطولًا في مقالات سابقة، فإن رسالته العامة لهذا العام كانت واضحة: لا يمكن لأيّ دولة أو اقتصاد أن ينجو من أزمات المناخ بمفرده.

فالمداولات التي شهدها المؤتمر أعادت تأكيد ضرورة تمويل الانتقال العادل للدول النامية، وتفعيل صندوق "الخسائر والأضرار"، وتوسيع الاستثمار في الابتكار الأخضر.
وبينما لم تحقق القمة كل ما كان مأمولًا، فإنها أعادت تسليط الضوء على المسؤولية الجماعية وضرورة ترجمة التعهدات إلى أفعال.
ملامح السياسات البيئية الجديدة
اتّسم حصاد المناخ في 2025 بتحوّل نوعي في التفكير البيئي الدولي: من الاستجابة للأزمات إلى الوقاية المسبقة وبناء المرونة، إذ أصبحت البيئة اليوم حاضرة في صلب القرارات الاقتصادية، ولم تعد "قطاعًا تابعًا"، بل ركيزة لتصميم السياسات العامة.
ففي اليابان، أُطلِقت "إستراتيجية الكربون الدائري"، وفي الولايات المتحدة رُبطت الاتفاقيات التجارية بمعايير الكربون والعدالة البيئية، في حين تسعى أفريقيا وآسيا إلى بناء أسواق إقليمية للكربون تعزز التنمية الخضراء.
الخلاصة..
حان الوقت لتجاوز الخطاب الاحتفالي نحو سياسات تنفيذية قابلة للقياس والمساءلة، تعترف بأن المناخ لا ينتظر، وأن التنمية الحقيقية لا تكون على حساب البيئة.
* د. منال سخري - خبيرة وباحثة في السياسات البيئية.
* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- الهيدروجين الأخضر في أفريقيا.. 4 دول عربية تتصدر المشهد (مقال)
- بعد كوب 30.. هل تتحول مؤتمرات الأطراف لمناسبات بيئية رمزية؟ (مقال)
- قمة المناخ كوب 30.. اختبار التحول من التعهدات إلى التنفيذ (مقال)
اقرأ أيضًا..
- قطاع الطاقة السعودي في 2025.. عام استثنائي للكهرباء المتجددة والغاز
- ارتفاع احتياطيات الغاز العالمية في 2025.. وهؤلاء الـ10 الكبار
- أسطول ناقلات الغاز المسال قد ينمو 39%.. و3 دول تهيمن على الصناعة





