استخلاص الليثيوم من تحلية مياه البحر المتوسط.. تقنية لباحثة مصرية
داليا الهمشري

في ظل التحول العالمي المتسارع نحو الطاقة النظيفة، تزداد أهمية الليثيوم بوصفه عنصرًا رئيسًا في تصنيع بطاريات تخزين الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية؛ ما يجعله أحد مفاتيح الانتقال إلى أنظمة طاقة منخفضة الانبعاثات الكربونية.
ومع تزايد الطلب العالمي على البطاريات، برزت الحاجة إلى البحث عن مصادر غير تقليدية لليثيوم، تقلّل من الأثر البيئي لعمليات التعدين التقليدية، وتدعم في الوقت نفسه مفاهيم الاستدامة والاقتصاد الدائري.
وفي هذا الإطار، توصلت المدرّسة بكلية الهندسة في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، الدكتورة مي شتا، إلى حل تقني لاستخلاص الليثيوم من مخلّفات تحلية مياه البحر، اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
ويعكس هذا التوجه أهمية ربط البحث العلمي بالتطبيق الصناعي، بما يضمن تحويل الابتكارات الأكاديمية إلى حلول عملية قابلة للتنفيذ داخل البنية التحتية القائمة، ويعزز دور الجامعات ومراكز البحث في دعم خطط الدولة للتنمية المستدامة.
مورد إستراتيجي
أوضحت الدكتورة مي شتا أن البطاريات الحديثة، سواء في السيارات الكهربائية أو أنظمة تخزين الطاقة المتجددة، تُمثّل عنصرًا أساسيًا في منظومة التحول الطاقي العالمي، ويُعدّ الليثيوم المكون الرئيس لهذه البطاريات.
ومن هذا المنطلق، اتجهت الباحثة إلى الاعتماد على مصادر بديلة لاستخلاص الليثيوم، مثل البراين، لخفض الانبعاثات الكربونية المرتبطة بالتعدين التقليدي، ودعم سلاسل الإمداد المحلية لصناعات الطاقة النظيفة في الوقت نفسه.
ولفتت الدكتورة مي إلى أن البراين (Brine) المحلول الملحي المركز الناتج عن محطات تحلية مياه البحر، ولا سيما في منطقة البحر المتوسط، يمثّل موردًا واعدًا لم يكن مستغلًا على النحو الأمثل.

وعلى الرغم من أن تصريف البراين مباشرة إلى البيئة البحرية قد يسبّب ضغوطًا بيئية على النظم الإيكولوجية الساحلية، فإن التوجهات الحديثة في قطاع الطاقة تسعى إلى إعادة توظيفه بوصفه مدخلًا إنتاجيًا ذا قيمة مضافة، بدلًا من كونه عبئًا بيئيًا.
وتشير تقديرات علمية إلى أن تركيز الليثيوم في البراين الناتج عن تحلية مياه البحر المتوسط يتراوح بين 0.2 و0.6 ملغم/لتر، وهي تركيزات تبدو منخفضة للوهلة الأولى، إلّا أن الكميات الضخمة والمستمرة من البراين المُنتج يوميًا تفتح المجال أمام استغلاله بصفته مصدرًا غير تقليدي ومستدامًا لليثيوم.
تركيزات عالية من الليثيوم
تمتلك مصر عددًا متزايدًا من محطات تحلية مياه البحر على ساحلَي البحر الأحمر والمتوسط، تنتج كميات كبيرة من البراين عالي الملوحة، الذي يحتوي على تركيزات من الليثيوم تفوق مياه البحر الطبيعية.
وتُظهر البيانات أن تركيز الليثيوم في مياه البحر العادية يتراوح بين 0.17 و0.2 جزءًا في المليون (ppm)، بينما يرتفع تركيزه في البراين الناتج عن التحلية إلى ما يعادل ضعفين إلى 3 أضعاف، ما ينعكس إيجابًا على الجدوى الاقتصادية لعمليات الاستخلاص.
وتعتمد التوجهات الحديثة على تقنية الاستخلاص المباشر لليثيوم (Direct Lithium Extraction – DLE)، التي تُعدّ من أكثر الحلول كفاءة واستدامة مقارنًة بالأساليب التقليدية.
وتقوم هذه التقنية على استعمال أغشية ومواد نانوية متقدمة، مثل الأطر الفلزية العضوية (MOFs) والنانو جرافين، ومواد ناتجة عن إعادة تدوير المخلّفات البلاستيكية؛ ما يعزز مفهوم الاقتصاد الدائري.
وأوضحت الدكتورة مي شتا -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن هذه العملية تعتمد على الفصل الانتقائي والسريع لأيونات الليثيوم، مع تقليل الاعتماد على المواد الكيميائية ورفع العمر التشغيلي للمنظومة.
ويوضّح الإنفوغرافيك الآتي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- استخلاص الليثيوم باستعمال أغشيه نانوية:

وبحسب دراسات تطبيقية، يمكن من خلال هذه التقنيات رفع تركيز الليثيوم المستخلص من البراين ليصل إلى 5–15 ملغم/لتر، أي بزيادة تتراوح بين 20 و30 ضعفًا مقارنًة بالتركيز الأصلي، ثم تحويله لاحقًا إلى كربونات الليثيوم (Li₂CO₃) الصالحة للاستعمال في تصنيع البطاريات.
تطبيقات مقترحة
اقترحت الدراسة دمج وحدات تجريبية (Pilot Units) لتقنية DLE داخل محطات التحلية القائمة في عدد من المناطق، من بينها: الساحل الشمالي، والغردقة والسخنة، ومناطق البحر الأحمر وسيناء، وبعض البحيرات المالحة، مثل بحيرة قارون وبحيرة المنزلة.
وأكدت الباحثة المصرية أن هذه التقنية تمهّد لإنتاج كميات بحثية أو نصف صناعية من الليثيوم، بتكلفة تشغيل منخفضة، مع قابلية التوسع مستقبلًا إلى نطاق صناعي أوسع.
وأبرزت أن هذا التوجُّه يتّسم بمجموعة من الفوائد الإستراتيجية، من أبرزها: توفير خام ليثيوم محلي يدعم صناعة البطاريات في مصر، وتوفير فرص عمل للمهندسين والباحثين في مجالات الطاقة النظيفة والتقنيات المتقدمة.
كما تسهم هذه التقنية في تقليل التلوث البيئي الناتج عن تصريف البراين في البحر، ودعم توجُّه الدولة نحو الصناعات الخضراء وسلاسل القيمة المرتبطة بالطاقة النظيفة، وتحقيق نموذج متكامل للأمن المائي والطاقي.
وأشارت الدكتورة مي -في تصريحاتها إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن استخلاص الليثيوم من البراين الناتج عن تحلية مياه البحر يمثّل فرصة إستراتيجية لمصر للربط بين الأمن المائي وأمن الطاقة، وتحويل المخلّفات إلى مورد اقتصادي ذي قيمة.
وأضافت أن دمج تقنيات الاستخلاص المباشر داخل محطات التحلية سيمكّن مصر من أن تخطو خطوة عملية نحو دخول صناعة البطاريات الحديثة، وتعزيز موقعها بصفتها لاعبًا إقليميًا في سلاسل تصنيع الطاقة النظيفة، بما يدعم أهداف التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر على المستويين المحلي والإقليمي.
موضوعات متعلقة..
- إعادة تدوير بطاريات الليثيوم أيون.. تقنية مصرية لخفض الانبعاثات
- استخراج الليثيوم بتقنية قد تغير معادلة السيارات الكهربائية
- وزيرة الطاقة المغربية: العالم يحتاج إلى زيادة إنتاج الليثيوم 300% خلال 6 سنوات
اقرأ أيضًا..
- مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر في السعودية يقترب من الإنجاز
- صفقات الحفر العربية في 2025.. مسح لـ"الطاقة" يرصد الخريطة الجديدة
- ارتفاع احتياطيات النفط العالمية في 2025.. وهذه أكبر 10 دول
- تفكيك اتفاقية خطوط غاز الشرق.. بين فجوة الإمداد وإعادة رسم السياسة (مقال)





