كيف يتأثر الغاز المسال الأميركي بالذكاء الاصطناعي؟ (تقرير)
أنس الحجي يتساءل: هل تعود أوروبا إلى "بوتين"؟
أحمد بدر

يُلقي التوسع الكبير في الاستعانة بالذكاء الاصطناعي بظلاله على الغاز المسال الأميركي، لا سيما مع النمو غير المسبوق في مراكز البيانات، الأمر الذي يفرض ضغوطًا متزايدة على أنظمة الكهرباء ومصادر الوقود المختلفة حول العالم.
وفي هذا السياق، قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن انتشار الذكاء الاصطناعي يقود إلى طلب هائل على الكهرباء، ما يضع صناعة الغاز المسال في الولايات المتحدة أمام اختبار حقيقي لم تشهده من قبل.
وأضاف: "أصبح السؤال المطروح بقوة هو: كيف سينعكس هذا الطلب المتسارع على أسواق الغاز، خاصة في الولايات المتحدة التي تُعد لاعبًا رئيسًا في صادرات الغاز المسال الأميركي إلى أوروبا وآسيا خلال السنوات الأخيرة؟".
وأوضح أن أهمية هذا النقاش تزداد في ظل اعتماد أوروبا المتنامي على الغاز المسال الأميركي بعد تراجع الإمدادات الروسية، ما يجعل أي تغير في معادلة الأسعار أو الإمدادات عاملًا مؤثرًا في أمن الطاقة الأوروبي.
جاءت تلك التصريحات خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيّات الطاقة"، قدّمها أنس الحجي عبر منصة "إكس"، بعنوان: "هل يدمر الذكاء الاصطناعي صناعة الغاز المسال الأميركية ويعيد أوروبا إلى بوتين؟".
الذكاء الاصطناعي ومنظومة الكهرباء
أوضح أنس الحجي أن الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات تسبّبا في قفزة ضخمة بالطلب على الكهرباء، وهذه الزيادة تتطلّب التوسع السريع في قدرات التوليد باستعمال مصادر الطاقة المتاحة، وعلى رأسها الغاز الطبيعي.
وأشار إلى أن بناء محطات كهرباء عاملة بالغاز يُعدّ الخيار الأسرع لمواجهة الطلب، خصوصًا في الدول التي لا تمتلك إنتاجًا محليًا كافيًا، وهو الأمر الذي يشير إلى إمكان زيادة الاعتماد بصورة أكبر على الغاز المسال الأميركي.
وبيّن أن المشكلة الكبرى لا تكمن في توافر الغاز فقط، وإنما في نقص توربينات توليد الكهرباء، إذ تعجز الشركات المصنعة حاليًا عن تلبية الطلب المتزايد، ما يفرض فترات انتظار قد تصل إلى نحو 3 سنوات.

وأكد أنس الحجي أن هذا الاختناق في سلاسل التوريد يعقّد الاستجابة السريعة لنمو الطلب المرتبط بالذكاء الاصطناعي، ويجعل توسعة محطات الكهرباء أكثر تكلفة وتعقيدًا في المدى القصير.
وأضاف أن بعض الحلول المطروحة ما تزال محدودة التأثير، ما يعني استمرار الضغط على سوق الغاز وارتفاع أسعاره داخل أميركا، مشددًا على أن هذا الوضع ينعكس مباشرة على تنافسية الغاز المسال الأميركي في الأسواق العالمية.
ولفت إلى أن هذا الانعكاس سيحدث خاصة إذا استمر ارتفاع الأسعار المحلية؛ إذ إن استمرار هذا الاتجاه قد يغيّر خريطة تدفقات الطاقة العالمية خلال السنوات القليلة المقبلة.
تسعير مختلف يهدّد الغاز المسال الأميركي
أوضح أنس الحجي أن أسعار الغاز في الولايات المتحدة ارتفعت بأكثر من الضعف نتيجة الطلب المتزايد، ما يضع صناعة الغاز المسال الأميركي في موقف صعب مقارنة بالمنافسين العالميين.
وبيّن أن النظام العالمي التقليدي للغاز المسال يعتمد منذ ستينيات القرن الماضي على ربط الأسعار بالنفط، وهو ما يجعل الأسعار أكثر استقرارًا في العقود طويلة الأجل.

وأشار مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة إلى أن الغاز المسال الأميركي بُني على نموذج مختلف تمامًا، يعتمد على أسعار الأسواق الحرة في هنري هوب، دون أي ارتباط بأسعار النفط.
وقال إن محطات إسالة الغاز الأميركية تعمل بنظام الأجرة فقط، ولا تشتري الغاز أو تبيعه، بخلاف نماذج قطر وأستراليا ودول أخرى، ما يجعل المخاطر السعرية تقع على عاتق المشترين.
وأضاف أنه في حال ارتفاع سعر الغاز الأميركي إلى مستويات مرتفعة، ومع إضافة تكاليف الإسالة والنقل وإعادة التغويز، يصبح الغاز المسال الأميركي أغلى من العقود المرتبطة بالنفط.
وأكد أن هذه المعادلة تهدّد جدوى صادرات الغاز المسال الأميركي، خاصة في ظل انخفاض أسعار النفط حاليًا، مشددًا على أن استمرار ارتفاع أسعار الغاز الأميركي يعني تراجع الصادرات مستقبلًا، حتى مع وجود بعض الالتزامات بعقود طويلة الأجل.
أوروبا أمام خيار العودة إلى الغاز الروسي
حذّر أنس الحجي من أن تراجع تنافسية الغاز المسال الأميركي سيضع أوروبا في مأزق حقيقي، نظرًا إلى اعتمادها الكبير عليه خلال السنوات الأخيرة لتعويض غياب وارداتها من الغاز الروسي بعد الحرب الأوكرانية.
وأوضح أن انخفاض صادرات الغاز المسال الأميركي بسبب ارتفاع الأسعار سيؤدي إلى فجوة في الإمدادات الأوروبية، لا يمكن سدّها بسهولة من مصادر بديلة، وهو ما قد يجعل أوروبا تعود إلى أحضان "بوتين".

وأشار خبير اقتصادات الطاقة العالمية إلى أن الخيار المتاح أمام الأوروبيين في هذه الحالة سيكون العودة إلى الغاز المسال والغاز الطبيعي الروسي الأرخص سعرًا، على الرغم من التعقيدات السياسية والعقوبات القائمة.
وأضاف أن هذه المفارقة تكشف كيف يمكن للذكاء الاصطناعي، بصفة غير مباشرة، أن يعيد رسم خريطة العلاقات الطاقية بين أوروبا وروسيا، مؤكدًا أن استمرار الضغوط السعرية سيُضعف مكانة الغاز المسال الأميركي عالميًا، ويقلّل قدرته على أداء دور أمني في أسواق الطاقة.
وختم مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة تصريحاته بالقول إن الذكاء الاصطناعي -رغم كونه محركًا للتقدم التكنولوجي- قد يتحول إلى عامل ضغط إستراتيجي على صناعة الغاز المسال الأميركي إذا لم تُعالج اختلالات السوق سريعًا.
موضوعات متعلقة..
- صادرات الغاز المسال الأميركية ترتفع 27%.. ومصر تقترب من صدارة المستوردين
- الغاز المسال الأميركي قد يشعل الحرب التجارية مع الصين مجددًا.. ما القصة؟
- طفرة الغاز المسال الأميركي.. كيف تسقط ضحية نجاح صنعته بيديها؟ (تحليل)
اقرأ أيضًا..
- أوبك+ و9 أعوام على إعلان التعاون.. شراكة صلبة تضبط أسواق النفط
- مصافي النفط في ليبيا.. قدرات كبيرة وإنتاج محدود
- توتال إنرجي تعزز عملياتها في ناميبيا بصفقة جديدة
المصدر..





