إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.. ما دور المحيطات والبحار؟ (تقرير)
نوار صبح
- خفض الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء ممكن وإن كان صعبًا
- أبحاث كثيرة تُجرى لخفض انبعاثات الكربون من قطاع السفر الجوي
- إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية بلغ 42.4 غيغاطن في عام 2024
- العديد من التجارب الميدانية أُجريت لأنواع مختلفة من إزالة ثاني أكسيد الكربون من البحار
تُسهم المحيطات والبحار في إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، ويتوقف دورها هذا على توافر تقنيات حديثة قادرة على تحقيق الهدف مع الحفاظ على البيئة البحرية.
ويشير خبراء إلى أن الأمر يتطلّب وضع تدابير تضمن أن هذه التقنيات، التي تُسمّى تقنيات إزالة ثاني أكسيد الكربون من المحيطات، تؤدي وظيفتها كما ينبغي، وأنها لن تُسبّب ضررًا أكبر من نفعها، بحسب تقرير طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وتعتمد تقنيات إزالة ثاني أكسيد الكربون من البيئة البحرية على قدرة المحيط على امتصاص الكربون، وقد تكون هذه التقنيات بيولوجية، مثل تشجيع نمو العوالق أو الطحالب البحرية، أو كيميائية أو فيزيائية.
من ناحية ثانية، بعد إزالة الكربون من الهواء باستعمال هذه التقنيات، يمكن تخزينه في قاع البحر، أو في أعماق المحيط، أو في خزانات جيولوجية أو منتجات طويلة الأمد.
حلول تغير المناخ
"يمكن أن تكون المحيطات جزءًا من حلول تغير المناخ، ويتطلّب ذلك تعزيز سبل حمايتها قبل التوسع في تطبيق هذه الحلول"، حسبما قالت الباحثة لدى المعهد النرويجي لأبحاث الهواء والجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، هيلين موري.
وترأست موري فريق خبراء كلّفته الهيئة الأوروبية للملاحة البحرية بدراسة هذه المسألة.
وصدر تقريرهم الجديد، بعنوان "الرصد والإبلاغ والتحقق من إزالة ثاني أكسيد الكربون من البحار"، بالتزامن مع انعقاد قمة المناخ كوب 30 في البرازيل.

خفض الانبعاثات أولوية قصوى
يشهد كوكب الأرض ارتفاعًا في درجة حرارته بوتيرة أسرع بكثير مما كانت تأمله دول العالم قبل عقد من الزمن، حين تعهدت في باريس بالحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية فوق "مستويات ما قبل الثورة الصناعية".
وفي كلمته الافتتاحية أمام قمة قادة قمة المناخ كوب 30 في 6 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، واجه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الحضور بخطورة الوضع.
وقال: "يؤكد لنا العلم الآن أن تجاوزًا مؤقتًا لحدود 1.5 درجة مئوية -بدءًا من أوائل ثلاثينيات القرن الحالي على أقصى تقدير- أمر لا مفر منه".
وأضاف: "دعونا نكن واضحين: إن حد 1.5 درجة مئوية هو خط أحمر للبشرية، يجب أن يبقى في متناول اليد. ويؤكد لنا العلماء أن هذا ما يزال ممكنًا".
ويؤكد تقرير المجلس الأوروبي للملاحة البحرية ضرورة التحرك الآن باستعمال الأدوات المعروفة بفاعليتها، ألا وهي خفض الانبعاثات.
من ناحيتها، قالت الباحثة لدى المعهد النرويجي لأبحاث الهواء والجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، هيلين موري: "نعرف كيف نخفّض الانبعاثات، ولدينا الكثير من الأساليب الناجحة. يجب أن يكون هذا الأمر على رأس أولوياتنا".
خفض الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري
يُعدّ خفض الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء ممكنًا، وإن كان صعبًا، ويساعد على ذلك وجود مصادر طاقة بديلة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي يمكنها القيام بالمهمة.
في المقابل، يصعب جعل بعض المنتجات والتقنيات التي نعتمد عليها محايدة كربونيًا.
في هذا الإطار، تُجرى أبحاث كثيرة لخفض انبعاثات الكربون من قطاع السفر الجوي، على سبيل المثال، لكن الطيران المحايد كربونيًا لا يزال بعيد المنال.
وعلى الرغم من تشجيع الأشخاص على تقليل السفر جوًا، لا تزال هناك أوقات يكون فيها السفر الجوي هو الخيار الوحيد.
وتحتاج المجتمعات في جميع أنحاء العالم إلى تحقيق ما يُسمى الحياد الكربوني بحلول عام 2050؛ أي أن تُصبح جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون صفرًا من خلال إزالة الكمية نفسها تمامًا من الانبعاثات.
ويتطلّب الوصول إلى مستوى 1.5 درجة مئوية تحقيق صافي انبعاثات سلبية، ويعني هذا أن المجتمعات تقلّل جميع الانبعاثات التي يمكن خفضها، ثم تجد طرقًا للتعويض عن الانبعاثات "المتبقية"، أي تلك التي لا يمكن القضاء عليها تمامًا.

وقالت الباحثة لدى المعهد النرويجي لأبحاث الهواء والجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، هيلين موري: "يجب أن نحقّق الحياد الكربوني من الغلاف الجوي للوصول إلى 1.5 درجة مئوية، ومن المرجح أن تكون هناك بعض الانبعاثات المتبقية من بعض القطاعات، مثل النقل البحري والجوي، وبعض الصناعات".
وأضافت: "بعد ذلك، سنشهد إزالة واسعة النطاق نسبيًا لثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، بحيث يصل صافي الإزالة إلى ما بين 5 و10 غيغاطن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا بحلول نهاية القرن، وفقًا لسيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ".
ولوضع هذه الأرقام في سياقها الصحيح: بلغ إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية 42.4 غيغاطن في عام 2024، وفقًا لمركز أبحاث المناخ والبيئة الدولي في أوسلو (سيسيرو).
تقنيات برية لإزالة الكربون
بدأت تقنيات برية لإزالة هذا الكربون "المتبقي"، وتتمثّل الطريقة الرئيسة في التشجير.
ومن الأمثلة الأخرى محطات احتجاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء مباشرةً التابعة لشركة "كلايم ووركس" (Climeworks) في أيسلندا، حيث تسحب مراوح عملاقة الهواء عبر مرشح يزيل ثاني أكسيد الكربون، ثم يُخلط بالماء ويُحقن في الصخور الأساسية، حيث يتحول إلى حجر.
وأُجريت العديد من التجارب الميدانية لأنواع مختلفة من إزالة ثاني أكسيد الكربون من البحار، لكن العديد من هذه التقنيات ما تزال في مراحلها الأولى، وتكتسب تقنيات أخرى زخمًا متزايدًا.
وتكمن أهمية وضع معايير الآن لرصد ما يتم القيام به والإبلاغ عنه والتحقق منه، في أن بعض الطرق البحرية لإزالة ثاني أكسيد الكربون من المحيط تتشابه مع خيارات التخفيف البرية.
وفي حال تخزين الكربون في المحيط، بصفة أو بأخرى، وليس في خزان جيولوجي، يصبح من الصعب للغاية التحكم فيه ومراقبته، فالمحيط لا يبقى ساكنًا.
وتُعدّ زراعة الأشجار بكثرة أو حماية الغابات المطيرة، لقدرتها على امتصاص الكربون، مثالَيْن على التخفيف من آثار تغير المناخ على اليابسة.
وبالمثل، تتضمّن بعض تقنيات إزالة ثاني أكسيد الكربون من البحار حماية المناطق الساحلية وتعزيزها، مثل مستنقعات المانغروف.
وتعتمد منهجيات أخرى على تدخلات أكثر، مثل تخصيب المحيط بالحديد أو غيره من العناصر الغذائية لتغذية نمو العوالق.
وتمتص هذه التكاثرات الهائلة من العوالق ثاني أكسيد الكربون، وعندما تموت، تحمل الكربون إلى أعماق المحيط، بعيدًا عن الغلاف الجوي.

هذه هي النظرية، على الأقل. المشكلة، حسبما قالت الباحثة هيلين موري، تكمن في معرفة مدى فاعلية هذه التقنيات المختلفة في الواقع.
وأضافت موري: "على سبيل المثال، كيف يمكن لشركة ما أن تثبت فعليًا كمية ثاني أكسيد الكربون الزائدة التي تزيلها التقنية المعنية؟ إذا أرسلنا الكربون إلى أعماق المحيط، فهل نعرف كم من الوقت سيبقى هناك؟".
وعلى الرغم من وجود العديد من الهيئات الحكومية والدولية المختلفة، إلى جانب المعاهدات والبروتوكولات الدولية، فأي منها ينبغي أن يضطلع بالدور القيادي؟ وكيف تتحقق هذه الهيئات من الإجراءات المتخذة فعليًا؟
وأوضحت موري: "من الناحية المثالية، يُرصد مستوى الكربون في المحيطات، ثم يُنفّذ المشروع، ويُتأكد من إزالة الكربون من الغلاف الجوي".
وأشارت إلى أن "كمية الكربون التي تُرصد ومدة بقائها أُزيلت بعيدًا عن الغلاف الجوي، ثم يُرفع تقرير بذلك إلى جهة مستقلة، فتتحقق هذه الجهة من صحة ما يُقال".
وأردفت: "عند تخزين ثاني أكسيد الكربون في المحيط، بصفة أو بأخرى، وليس في خزان جيولوجي، يصبح من الصعب جدًا التحكم فيه ومراقبته، فالمحيط لا يبقى ساكنًا".
ائتمانات مقابل إزالة ثاني أكسيد الكربون
ستكون معالجة هذه القضايا بالغة الأهمية مع نضوج التقنيات إلى الحد الذي تستعمله فيه الحكومات أو الشركات للحصول على ائتمانات مقابل إزالة ثاني أكسيد الكربون.
وقالت الباحثة لدى المعهد النرويجي لأبحاث الهواء والجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، هيلين موري: "إن بعض الشركات قد بدأت القيام بذلك".
وأضافت: "لا توجد طريقة ناضجة لاستعمال أي من هذه التقنيات إذا لم يكن بالإمكان التحقق من الآثار أو وجهة الكربون، أو المدة التي يبقى فيها بعيدًا عن الغلاف الجوي".
وتابعت: "إذا أردنا أن نكون جادين في معرفة ما إذا كان بالإمكان إزالة ثاني أكسيد الكربون من البحار بطرق مسؤولة تُسهم إسهامًا فعّالًا، فعلينا أن نولي اهتمامًا جادًا لجوانب المراقبة والإبلاغ والتحقق".
وتابعت: "يجب أن يكون نظام الاعتمادات فعالًا، وأن تكون لدينا أنظمة اعتمادات موثوقة وشفافة وقابلة للدفاع العلمي"، مؤكدة أن "التقارير ستتضمن أي آثار بيئية".
الحاجة إلى إزالة ثاني أكسيد الكربون
قالت الباحثة لدى المعهد النرويجي لأبحاث الهواء والجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، هيلين موري: "تشير جميع السيناريوهات المستقبلية إلى أننا سنحتاج إلى إزالة ثاني أكسيد الكربون لتحقيق هدفنا الأكثر طموحًا فيما يتعلق بدرجة الحرارة".
وهذا ما خلصت إليه الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في العديد من تقاريرها، ولا سيما في تقرير خاص صدر عام 2018 بشأن الاحتباس الحراري بمقدار 1.5 درجة مئوية، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وتابعت موري: "لا نعرف جميع مخاطر هذه الأساليب غير الناضجة بعد، ولكن من الصعب استبعادها تمامًا لأنها غير مريحة للتأمل".
ولن تكون إزالة ثاني أكسيد الكربون من المحيطات "حلًا سحريًا لتغير المناخ"، على حد قولها، إذ "يأمل البعض في إيجاد حل في المحيط، ولكننا نعتقد أننا لم نصل إلى ذلك بعد".
وأضافت: "هناك تساؤل بشأن إمكان أن يكون هذا حلًا مناخيًا قائمًا على أسس علمية، ولا نملك إجابةً عن ذلك حتى الآن، ولكن إذا أردنا المضي قدمًا في هذا الاتجاه، فعلينا توضيح جميع هذه المعايير ووضعها بصفة صحيحة قبل أن نتمكّن من توسيع نطاق الأمور".
موضوعات متعلقة..
- مسارات خفض انبعاثات صناعة الصلب اليابانية.. الهيدروجين واحتجاز الكربون الأعلى تكلفة
- جدل حول تقنيات إزالة الكربون في بريطانيا.. تكاليف باهظة مقابل نتائج غير مؤكدة
اقرأ أيضًا..
- تقرير صادم: الحياد الكربوني في بريطانيا يهدد الحريات.. ويُنذر بانهيار اجتماعي واقتصادي
- هل إستراتيجية ترمب للأمن القومي والطاقة قابلة للتطبيق والاستمرار؟ أنس الحجي يكشف مفاجأة
- مصافي النفط في قطر.. طاقة تكريرية مستقرة وفائض للتصدير
المصدر..





