لغة منصّة الطّاقة تدقيقًا وتقنينًا.. جودة وتحدّيات (مقال)
نُسيبة بنت فيصل الحجّي*

في اليوم العالميّ للّغة العربيّة، وعلى مشارف نهاية العام الخامس لميلاد منصّة الطّاقة، المنصّة الأولى في مجالها باللّغة العربيّة، تتّضح معالم هويّتها اللّغويّة من خلال نشر ما يقارب خمسين ألف مادّة إعلاميّة وموسوعيّة ومعرفيّة مع مقالات وتحقيقات وحوارات وغيرها.
وممّا لا شكّ فيه أنّ القارئ المتابع لمنصّة الطّاقة الإعلاميّة يلمس جودة هويّتها اللّغويّة، الّتي نتجت عن التزام فريقها بوثيقتها اللّغويّة الخاصّة، ومتابعة نتاجها وتدقيقه من خلال فريق تحرير، وفريق تدقيق لغويٍّ متخصّص.
وإذا كان الهدف الأوّل للمنصّة أن تكون المنصّة العربيّة الأولى في الطّاقة، وأن تبقى كذلك، فإنّ هويّتها اللّغويّة تسعى للتّفرّد بفصحى أصيلة في ظلّ إعلام عصريّ.
تحديات المدقّق اللّغويّ
ما بين طاقة عالميّة تُحَدَّثُ روافدها يوميًّا، وتوخّي لغةٍ عربيّة سليمة مفهومة لعموم القرّاء العرب، لا بدّ أن يواجه المدقّق اللّغويّ تحدّيات، يسعى لاجتيازها أو تذليلها بصحّة قدر الإمكان.
فمن ذلك حين تتعدَّد المضافات للمُضاف إليه في الجملة الواحدة، إذ توجب القاعدة اللّغويّة الصّحيحة كتابة المضاف ثمّ المضاف إليه، ثم إتباع المضافات المعطوفة بالواو، مثل: "إنّ أسبابَ المشكلة ونتائجها شكّلت حاجزًا أمام التّقدّم"، فكانت (أسباب) مضافًا، تبعها المضاف إليه (المشكلة)، ثمّ كانت (نتائج) مضافًا آخر معطوفًا بالواو، لذلك من الخطأ اللّغويّ القول: "إنّ أسباب ونتائج المشكلة شكّلت حاجزًا أمام التّقدّم"، إذ يختلّ البنيان المنطقيّ للجملة.
ولكن حينما يمرّ المدقّقَ بتركيبٍ، مثل:
(ترتيب وإدارة إصدار تسهيلات مصرفيّة للمؤسسة)، فإنّه يواجه تحدّيًا ما بين الالتزام بالقاعدة اللّغويّة بالتّصحيح: (ترتيب إصدار تسهيلات مصرفيّة للمؤسّسة وإدارتها)، أو الحفاظ على المبنى المخالف لها، خشية اللّبس بفهم القارئ لها، إذ يُظَنُّ أنّ الإدارة مضافة إلى المؤسّسة، وليس إلى (إصدار).
ومثل ذلك: (السّعوديّة وروسيا ثاني وثالث أكبر منتجي النفط عالميًّا)، فالصّحيح لغويًّا: (السّعوديّة وروسيا ثاني أكبر منتج وثالثه عالميًّا)، ممّا يمكن أن يسبِّب خللًا لدى القارئ.
ومن ذلك -مثلًا-: (المركبات عديمة ومنخفضة الانبعاثات)، فالصّحيح: (المركبات عديمة الانبعاثات ومنخفضتها)، ولثقل التّركيب يتغاضى المدقّق اللّغويّ عن تصحيحها.

وأحيانًا يلجأ المدقّق إلى الاستعانة بعلامة الجملة الاعتراضيّة لتسويغ تركيبٍ من هذا النَوع، مثل: (يمكن زيادة -أو خفض- التَّوليد بسرعة، ما يوفّر الاستجابة المباشرة)، وكذلك: (الالتزام بإنجاز -وتشغيل- المشروعات الّتي ستُحَدَّد).
ويتبع هذا المسمّيات أو التّراكيب المتعارَف عليها، إذ يقف المدقّق أمامها مستسلمًا، كونها اسمًا أو صياغةً معتمدة لا يمكن تغييرها، وهي شائعة في الوطن العربيّ، مثل (شركة مياه وكهرباء الإمارات)، أو (شركة الجافورة لنقل ومعالجة الغاز)، أو (معرض ومؤتمر أبوظبي الدّوليّ للبترول)، أو (شروط ومعايير القبول)، وكلّها تُعدِّدُ المضافات، ثم تذكر المضاف إليه، خلافًا للقاعدة الصّحيحة.
ندرة الاستعمال
من التّحدّيات ندرة الاستعمال، كتصريف فعل (تداوَل) -مثلًا-، إذ يقال: (تداولتْ المؤسّساتُ العقودَ)، وحين عدم معرفة الفاعل يُقال في المبني للمجهول: (تُدووِلَتِ العقودُ)، ولصعوبة هذا التّصريف، يسمح المدقّق بشيء من الخطأ، ويمرّر جملة (جرى تداول العقود).
وإذا ما رأى المدقّق اللّغويّ نَسبًا إلى جمعٍ، فإنّه يدرك فورًا خطأ ذلك، مثل (الفريق الطّلّابي)، فيصحّحه إلى (فريق الطّلّاب)، لكن حين يواجهه تركيب (مشروعات مفاهيميّة) -مثلًا-، فلا يرى صحّتها في (مشروعات المفاهيم)، ولا تسعفه (المشروعات المفهوميّة) في إيصال المعنى المراد، ليقف مستسلمًا، ويُبقيها كما هي.
وبسعي المدقّق اللّغويّ لتحقيق الصّحّة اللّغويّة في المقام الأوّل، فإنّه كلّما واجه تحدّيًا لغويًّا يضع في حسبانه جمهور منصّة الطّاقة وعموم القرّاء، ليصل إلى أفضل تعبير فصيح، يؤدّي إلى الفهم الصّحيح.
* نُسيبة بنت فيصل الحجّي - مدير وحدة التّدقيق اللغويّ في منصّة الطّاقة.
موضوعات متعلقة..
- النحت من الصفر.. دلالات تجربة "منصّة الطّاقة" في الإعلام العربي (مقال)
- اليوم العالمي للّغة العربية.. هذه لغة منصّة الطّاقة.. ميزان واقتصاد
اقرأ أيضًا..
- إنتاج مصر من الغاز الطبيعي يستقر عند 4.1 مليار قدم مكعبة يوميًا
- مشروعات الطاقة في 7 دول عربية ترفع عقود شركة عالمية 20%
- علاقات الطاقة بين روسيا وأفريقيا.. كنوز المعادن الحيوية في المقدمة (تقرير)





