هل انخفضت صادرات النفط الروسي إلى الهند.. وكيف تستفيد الصين؟ (تقرير)
أحمد بدر

تشهد أسواق الطاقة العالمية حالة من الجدل الواسع حول مسار صادرات النفط الروسي، خاصة بعد تقارير إعلامية تحدثت عن تراجع واردات الهند من الخام الروسي خلال الأشهر الأخيرة، وما يحمله ذلك من دلالات على توازنات السوق العالمية.
وفي هذا السياق، قال مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، إن البيانات الفعلية تكشف صورة مختلفة تمامًا عمّا تروّجه بعض وسائل الإعلام بشأن الصادرات الروسية، مؤكدًا أن الأرقام لا تدعم فرضية التراجع الكبير.
وأضاف: "تتركز التقارير الإعلامية على فرضية أن النفط الروسي فقدَ إحدى أكبر أسواقه في قارة آسيا، في وقت تتصاعد فيه الضغوط الغربية والعقوبات المفروضة على قطاع الطاقة الروسي، ما أثار تساؤلات حول وجهة هذه الكميات الضخمة".
كما يرى الحجي أن قراءة الأرقام المجردة قد تكون مضللة، إذ إن حركة النفط الروسي لا تخضع فقط لإعلانات الشركات، بل لتشابكات لوجستية وتجارية معقّدة، خاصة في آسيا، إذ تؤدي الصين والهند أدوارًا محورية.
ولفت إلى أن الحديث عن فائض نفطي عالمي يرتبط مباشرة بمصير النفط الروسي، وسط تقديرات من مؤسسات دولية وبنوك كبرى تشير إلى تخمة في المعروض، مقابل آراء تُشكِّك في وجود هذا الفائض من الأساس.
جاءت التصريحات خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة"، الذي يقدّمه أنس الحجي عبر مساحات موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، وجاءت بعنوان: "هل يدمّر الذكاء الاصطناعي صناعة الغاز المسال الأميركية ويعيد أوروبا إلى بوتين؟".
الخام الروسي إلى الهند.. ماذا تقول الأرقام؟
أوضح أنس الحجي أن الحديث عن انخفاض صادرات النفط الروسي يستند في الغالب إلى إعلانات الشركات الفردية في الهند، وليس إلى البيانات الشاملة، إذ إن هذا الخام لم يشهد تراجعًا حقيقيًا في الصادرات الإجمالية.
وأضاف أن البيانات الرسمية تُظهر أن واردات الهند في نوفمبر/تشرين الثاني 2025 جاءت مماثلة تقريبًا لواردات الشهر نفسه من عامَي 2023 و2024، ما ينفي وجود تغيير جوهري في مسار الخام الروسي نحو السوق الهندية.

وبيّن أنس الحجي أن هذا التناقض يطرح سؤالًا منطقيًا: إذا كانت الهند قد خفّضت بالفعل وارداتها من النفط الروسي، فأين ذهبت هذه الكميات، خاصة أن الصادرات الروسية لم تنخفض على المستوى الكلّي.
وأشار إلى أن بعض المراقبين تحدّثوا عن انخفاض في ديسمبر/كانون الأول الجاري، إلّا أن هذا التراجع يحتاج إلى تفسير دقيق، ولا يمكن عَدُّه دليلًا قاطعًا على تراجع دائم في واردات النفط الروسي.
وأكد أن التركيز على أوقات قصيرة قد يعطي انطباعات مضللة، في حين إن قراءة الاتجاهات السنوية تكشف استقرار تدفقات الخام الروسي إلى الهند.
وشدّد مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة على أن البيانات تظل الفيصل الحقيقي في تقييم مسار النفط الروسي، وليس العناوين الإعلامية التي قد تفتقر إلى السياق الكامل.
الصين المستفيد الأكبر من الخام الروسي
كشف أنس الحجي أن الكميات التي لم تذهب إلى الهند من النفط الروسي وجدت طريقها إلى الصين، التي عززت مشترياتها بوضوح، ما يعكس مرونة عالية في إعادة توجيه الصادرات الروسية داخل قارة آسيا.
وأوضح أن هذا التحول يقود إلى نقاش أوسع حول تخزين النفط الخام في الصين، خاصةً مع وصول المخزونات لدى بكين إلى مستويات تاريخية مرتفعة، ثم عودتها إلى الارتفاع مجددًا قرب تلك الذروات.

وتساءل خبير اقتصادات الطاقة عمّا إذا كان هذا التخزين يعكس فائضًا في سوق النفط العالمية، أم أنه في الحقيقة طلب مؤجل على النفط الروسي وغيره من الإمدادات، ويُخَزَّن لدى الصين لأسباب إستراتيجية.
وأضاف أن الصين -خلال السنوات الثلاث الماضية- اتخذت قرارات إستراتيجية استعدادًا لاحتمالات العقوبات أو النزاعات، فعملت على تخزين النفط والغاز والفحم، إلى جانب تعزيز قدراتها في الطاقات المتجددة.
وأشار إلى أن هذه الإستراتيجية تعني أنّ ما تصفه وكالة الطاقة الدولية بـ"الفائض التاريخي" قد لا يكون فائضًا حقيقيًا، بل من الممكن أن يكون -في حقيقته- طلبًا مخزّنًا داخل الصين، يشمل كميات كبيرة من النفط الروسي.
وأكد أنس الحجي على أن ملكية شركات الطاقة العملاقة والمتوسطة في الصين للدولة تعزز هذا التوجه، إذ إن التخزين يجري ضمن رؤية حكومية طويلة الأمد، وليس بدوافع تجارية قصيرة الأجل فقط.
كيف التفّ النفط الروسي على الحظر؟
تطرَّق أنس الحجي إلى دور العقوبات الأوروبية، خاصةً تلك المفروضة على مصفاة "فادينار التابعة لشركة نيارا إنرجي، التي تمتلك روسيا 49% منها، مؤكدًا أن صادرات النفط الروسي إليها لم تتوقف رغم الحظر.
وأوضح أن الاتحاد الأوروبي ارتكب خطأً إستراتيجيًا بفرض الحظر على كامل سلسلة الإمدادات، ما دفع الأطراف المعنية إلى التعاون لكسر القيود، وهو ما حدث فعليًا في حالة الخام الروسي المتجه إلى فادينار.

وأشار أنس الحجي إلى أن واردات فادينار من النفط الروسي ارتفعت بشكل كبير، في وقت أعلنت فيه شركة ريلاينس الهندية خفض وارداتها من روسيا، على الرغم من وجود أنبوبين يربطان مصفاتي فادينار وريلاينس.
وبيّن أن واردات فادينار تجاوزت قدرتها التكريرية، ما يعني أن النفط الروسي الفائض يُنقَل إلى مصافي أخرى، سواء عبر الأنابيب أو من خلال السفن بين المواني.
وأضاف: "تعطيل بعض السفن لأجهزة التتبع الإلكتروني زاد من صعوبة رصد حركة النفط الروسي، ما جعل بعض وسائل الإعلام تعتقد بوجود انخفاض غير حقيقي في الصادرات".
واختتم خبير اقتصادات الطاقة العالمية تصريحات بتأكيد أن الاعتماد على إشارات التتبع وحدها يقود إلى استنتاجات خاطئة، مؤكدًا أن النفط الروسي ما زال يتدفق بكثافة، لكن عبر مسارات أقل وضوحًا.
موضوعات متعلقة..
- انخفاض إيرادات صادرات النفط الروسي إلى أقل مستوى منذ غزو أوكرانيا
- النفط الروسي يواجه شبح الحرمان من خدمات الشحن الغربية
- نيس الصربية تحصل على إعفاء من عقوبات ترمب على النفط الروسي
اقرأ أيضًا..
- مصافي النفط في السعودية.. قدرات عملاقة تدعم ريادة التكرير العالمية
- مصافي النفط في العراق.. تطوّر كبير نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي
- لماذا تحتاج السعودية إلى الطاقة النووية رغم توافر النفط والغاز؟ أنس الحجي يجيب
المصدر:




