التقاريرتقارير منوعةرئيسيةمنوعات

علاقات الطاقة بين روسيا وأفريقيا.. كنوز المعادن الحيوية في المقدمة (تقرير)

أحمد بدر

تشهد علاقات الطاقة بين روسيا وأفريقيا تحولًا لافتًا في السنوات الأخيرة، مع تصاعد الاهتمام المتبادل بملفات الطاقة والموارد الطبيعية، في ظل تغيّرات جيوسياسية عميقة تعيد رسم خريطة التحالفات الدولية وأسواق السلع الإستراتيجية حول العالم.

وبحسب منصة الطاقة المتخصصة، فإن شراكة الطاقة بين الجانبَيْن باتت تركّز بصورة متزايدة على المعادن الحيوية، التي تمثّل العمود الفقري للتحول الطاقي العالمي، وصناعة البطاريات، وشبكات الكهرباء، والتكنولوجيا المتقدمة.

وتملك القارة الأفريقية احتياطيات هائلة من المعادن النادرة والإستراتيجية، مثل الكوبالت والليثيوم والنيكل والبلاتين، في وقت تسعى فيه موسكو إلى تعزيز حضورها الخارجي عبر بوابة التعاون التقني والتعليمي والاستثماري بعيدًا عن النماذج الاستغلالية التقليدية.

وتأتي شراكة الطاقة بين روسيا وأفريقيا في سياق أوسع يهدف إلى كسر الحلقة التاريخية التي أبقت دول القارة السمراء موردًا للخامات فقط، دون الاستفادة من القيمة المضافة، مع التركيز على بناء القدرات البشرية وتوطين المعرفة الصناعية.

المعادن الحيوية رهان أفريقي-روسي مشترك

تُعدّ أفريقيا واحدة من أغنى مناطق العالم بالمعادن الحيوية، إذ تحتضن نسبًا كبيرة من الاحتياطيات العالمية للكوبالت والبلاتين والكروم والليثيوم، وهي معادن أساسية في صناعة تقنيات الطاقة النظيفة والتحول الرقمي.

وترى موسكو أن شراكة الطاقة بين روسيا وأفريقيا تمثّل فرصة لتأمين إمدادات مستقرة من هذه المعادن، في ظل القيود الغربية، مقابل نقل الخبرات والتكنولوجيا ودعم عمليات الاستكشاف والتطوير الجيولوجي داخل القارة.

وتشير التقديرات إلى أن ضعف أعمال التنقيب في أفريقيا يعني أن الاحتياطيات المعلنة لا تعكس الحجم الحقيقي للثروات المعدنية، ما يفتح المجال أمام تعاون طويل الأمد قائم على البحث العلمي والمسح الجيولوجي المتقدم.

جانب من عمليات تطوير أحد مشروعات المعادن الأرضية النادرة في أفريقيا
جانب من عمليات تطوير أحد مشروعات المعادن الأرضية النادرة - الصورة من الغارديان

وتعاني الدول الأفريقية تصدير معظم خاماتها في صورتها الأولية، ما يحرم اقتصاداتها من عوائد التصنيع، وهي معضلة تسعى علاقات الطاقة بين روسيا وأفريقيا إلى معالجتها عبر تطوير سلاسل القيمة المحلية.

كما تكتسب المعادن الحيوية أهمية متزايدة مع تسارع الطلب العالمي على البطاريات وشبكات الكهرباء وتوربينات الرياح، ما يجعل القارة الأفريقية لاعبًا محوريًا في معادلة أمن الطاقة العالمي خلال العقود المقبلة.

وفي هذا السياق، تسعى روسيا إلى تقديم نموذج تعاون مختلف، يقوم على الشراكة المتكافئة، بدل الاكتفاء بعقود الامتياز قصيرة الأجل التي رسّخت ما يُعرف باسم "فخ الاستخراج منخفض العائد".

ويؤكد مراقبون أن نجاح هذا المسار سيجعل شراكة الطاقة بين روسيا وأفريقيا أحد أبرز محركات إعادة توزيع القوة في أسواق المعادن الإستراتيجية عالميًا، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

التعليم والتكنولوجيا في شراكة الطاقة الجديدة

تعاني قارة أفريقيا نقصًا حادًا في الكوادر الهندسية المتخصصة في قطاعات التعدين والطاقة، وهو ما يمثّل عقبة رئيسة أمام تحقيق الاستفادة القصوى من ثرواتها الطبيعية الهائلة.

وتضع علاقات الطاقة بين روسيا وأفريقيا ملف التعليم في صدارة أولوياتها، عبر برامج تدريب وتأهيل تستهدف إعداد مهندسين وخبراء قادرين على إدارة عمليات الاستخراج والتصنيع بكفاءة عالية.

وتؤدي الجامعات الروسية، وفي مقدمتها جامعة سانت بطرسبرغ للتعدين، دورًا محوريًا في نقل المعايير الدولية للتعليم الهندسي، وسد فجوة المهارات التي تعانيها الدول الأفريقية منذ عقود.

ويُنظر إلى توحيد معايير تقييم الكفاءات المهنية بوصفه خطوة ضرورية، لتسهيل حركة العمالة المتخصصة وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى قطاعات التعدين والطاقة في القارة.

المعادن الحيوية في أفريقيا

كما تُتيح شراكة الطاقة بين روسيا وأفريقيا دمج البحث العلمي بالتطبيق الصناعي، عبر مشروعات مشتركة في مجالات الاستكشاف الجيولوجي، وإدارة الموارد، والتقنيات منخفضة الانبعاثات.

ويؤكد خبراء أن الاستثمار في الإنسان لا يقل أهمية عن الاستثمار في المناجم، إذ إن غياب المعرفة المحلية كان سببًا رئيسًا في تسرّب القيمة الاقتصادية خارج القارة.

ومن شأن هذا التوجه أن يحوّل شراكة الطاقة بين روسيا وأفريقيا إلى نموذج تنموي طويل الأمد، لا يقتصر على تبادل المصالح الآنية، بحسب متابعات منصة الطاقة المتخصصة.

أبعاد جيوسياسية واقتصادية أوسع

تأتي علاقات الطاقة بين روسيا وأفريقيا في توقيت بالغ الحساسية، مع تصاعد التنافس الدولي على النفوذ في القارة، خاصة من جانب القوى الغربية والصين، في ظل التحولات الجارية بأسواق الطاقة العالمية.

وتسعى الدول الأفريقية إلى تنويع شراكاتها الخارجية، بما يعزّز سيادتها الاقتصادية ويحدّ من الارتهان لنماذج ما بعد الاستعمار التي استنزفت مواردها لعقود طويلة.

وترى موسكو أن التعاون مع أفريقيا يمنحها عمقًا إستراتيجيًا جديدًا، ويعزّز حضورها في الأسواق الناشئة، خاصة في مجالات المعادن والطاقة والتكنولوجيا.

وفي المقابل، تمنح شراكة الطاقة بين روسيا وأفريقيا دول القارة السمراء فرصة لإعادة التفاوض على موقعها في سلاسل الإمداد العالمية، والانتقال من دور المورد إلى دور الشريك الصناعي.

عمليات تنقيب عن المعادن الحيوية في أفريقيا
عمليات تنقيب عن المعادن الحيوية - الصورة من أفريكا برس

وتبرز الطاقة بوصفها أحد أكبر التحديات، إذ يعاني مئات الملايين من الأفارقة نقص الكهرباء والوقود النظيف، رغم امتلاك القارة احتياطيات ضخمة من الغاز والمعادن.

ويُعوّل على الشراكات الجديدة في سد هذه الفجوة، عبر تطوير البنية التحتية، وتعزيز التصنيع المحلي، وربط التعدين بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وفي حال نجاح هذا المسار، قد تتحول شراكة الطاقة بين روسيا وأفريقيا إلى أحد أعمدة النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب، القائم على المصالح المتبادلة والتنمية المستدامة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق