تقارير الغازتقارير منوعةرئيسيةغازمنوعات

الغاز المسال يقود تحول الطاقة في تركيا.. نموذج يُحتذى به (تقرير)

دينا قدري

يسير تحول الطاقة في تركيا بخطى ثابتة بوصفه المسار الأمثل؛ إذ يُقدم دليلًا عمليًا على أمن الطاقة الذي يُكمّل عملية خفض انبعاثات الكربون دون أن ينافسها.

ففي الوقت الحالي، يشهد النقاش العالمي حول الطاقة تحولًا من التركيز على الندرة وإدارة الأزمات، إلى التركيز على المرونة وتوفير الخيارات.

ومع توقعات وفرة إمدادات الغاز المسال في السنوات المقبلة، لم يعد السؤال المطروح في السياسة العامة يقتصر على كيفية الحصول على المزيد من الغاز، بل يتعداه إلى كيفية بناء البنية التحتية والأطر التجارية والتحالفات التي تنقل الوقود بسرعة وبتكلفة معقولة وبصفة موثوقة إلى حيث تشتد الحاجة إليها.

وفي هذا الصدد، سلّط وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، الضوء على دور بلاده في التحرك المبكر والحاسم، إذ انتهجت نهجًا شاملًا يوسّع نطاق إعادة تغويز الغاز وتخزينه، ويعزّز الإنتاج المحلي، وينوّع الشراكات طويلة الأجل، بدلًا من التنافس المحموم على زيادة الإنتاج.

ولخّص بيرقدار -في مقال اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة- أهداف تركيا في ضمان استمرار التيار الكهربائي، والحفاظ على أسعار تنافسية، والالتزام بالجدول الزمني المحدد للانتقال إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2053.

زيادة إنتاج الغاز في تركيا

أشار وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار إلى الدرس المستفاد من انقطاعات التيار الكهربائي التي ضربت أجزاءً من جنوب غرب أوروبا مطلع عام 2025، إذ تتطلّب أهداف تحول الطاقة وجود احتياطيات، ومرونة، وزيادة سريعة في الإمدادات.

وقال الوزير -في مقاله الذي نشرته منصة "إنرجي كونكتس" (Energy Connects)- إن الغاز يوفّر جسرًا حيويًا، ويعزز الغاز المسال هذا الجسر بإضافة تنوع في الإمدادات، وتغطية للتقلبات الموسمية، ومرونة تجارية.

أما على الصعيد المحلي فيُعدّ البحر الأسود ركيزة أساسية؛ إذ يُنتج حقل غاز صقاريا، الذي اكتُشف عام 2020، حاليًا نحو 9.5 مليون متر مكعب يوميًا، ما يعادل الاستهلاك السنوي لأكثر من 4 ملايين أسرة، ويمنع استيراد ما يقارب 1.5 مليار دولار سنويًا مع استمرار اكتشافات جديدة أصغر.

وأضافت بئر "غوكتيبي-3" نحو 75 مليار متر مكعب عام 2025، ليصل إجمالي الإنتاج السنوي إلى 92.4 مليار متر مكعب بقيمة تقارب 37 مليار دولار بالأسعار الحالية.

وشهد شهر يوليو/تموز 2025 وحده إنتاجًا محليًا بلغ 288 مليون متر مكعب، إلى جانب واردات بلغت 339 مليون متر مكعب، ما يؤكد قوة الإنتاج المحلي.

وستُضاعف منصة الإنتاج العائمة "عثمان غازي" إنتاجها إلى 20 مليون متر مكعب يوميًا بحلول عام 2026، ومع وحدة ثانية وأعمال المرحلة الثالثة تحت سطح البحر، بما في ذلك خط أنابيب بطول 183 كيلومترًا، سترفع قدرة الإنتاج إلى 40 مليون متر مكعب يوميًا بحلول عام 2028.

منصة الإنتاج العائمة عثمان غازي
منصة الإنتاج العائمة عثمان غازي - الصورة من وزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية

ثورة في قدرات الغاز المسال

أضاف وزير الطاقة ألب أرسلان بيرقدار، في مقاله الذي اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة، أن التقدم المحلي في إنتاج الغاز الطبيعي واكب ثورة هادئة في قدرات الغاز المسال.

فمنذ عام 2016، ضاعفت تركيا طاقتها اليومية لإعادة تغويز الغاز أكثر من 5 مرات، من 34 مليون متر مكعب إلى 161 مليون متر مكعب؛ ما يُتيح تغطية ما يصل إلى نصف الاحتياجات الوطنية من الغاز عبر الغاز المسال إذا اقتضت ظروف السوق ذلك.

كما أتاح ذلك لتركيا التجارة مع 34 دولة، ما قلّل من مخاطر التركيز على مسار خط أنابيب واحد، بالإضافة إلى ذلك، تصل شبكة التوزيع الآن إلى جميع المحافظات الـ81.

وكتب بيرقدار: "يُعدّ توفير الطاقة بأسعار معقولة لمواطنينا من أهم أولويات سياساتنا المحلية في مجال الطاقة.. ودعّمت سياستنا الاجتماعية القدرة على تحمل التكاليف طوال فترة التوسع، بما في ذلك دعم يصل إلى 63% للغاز المنزلي، و60% للكهرباء منخفضة التكلفة".

خطة أوسع لتحول الطاقة في تركيا

على الصعيد التجاري، ضمنت تركيا إمدادات مستقرة وبأسعار عادلة مع الحفاظ على المرونة، بحسب ما أكده وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار.

وأسهم إطار عمل بقيمة 43 مليار دولار مع الولايات المتحدة في رفع واردات الغاز المسال الأميركي إلى 11% من إجمالي واردات تركيا، مستفيدةً من بعض أكثر أسعار الغاز المرتبطة بالمركز تنافسية.

وأبرمت شركة بوتاش (BOTAŞ) مؤخرًا مجموعة من العقود طويلة الأجل التي تجمع بين الحجم والمدة والخيارات؛ بما في ذلك سلسلة من العقود مع العديد من الشركات بحجم إجمالي يبلغ نحو 23 مليار متر مكعب، ويستمر الاتفاق طويل الأمد مع الجزائر عند 4.4 مليار متر مكعب سنويًا.

كما عزّزت تركيا مكانتها بوصفها مشتريًا ووسيطًا موثوقًا به، من خلال اتفاقيات خطوط الأنابيب الجديدة إلى سوريا، بقدرة تصل إلى 6 ملايين متر مكعب يوميًا (2 مليار متر مكعب سنويًا)، والعلاقات المتنامية مع أذربيجان وتركمانستان، مع توقعات بوصولها إلى 1.3 مليار متر مكعب بحلول نهاية العام.

وأوضح بيرقدار أن استقرار الأسعار نتيجةٌ وليس مجرد شعار؛ فمع كون غاز البحر الأسود من أرخص المصادر، تأتي كميات الغاز الأميركية والتركمانية في المرتبة التالية من حيث التنافسية، ويتيح هذا المزيج ضمان إمدادات محلية آمنة وإعادة التصدير عندما تسمح مؤشرات السوق بذلك.

سفينة الفاتح للتنقيب عن الغاز
سفينة الفاتح للتنقيب عن الغاز - الصورة من وكالة أنباء الأناضول

وتندرج سياسة الغاز في تركيا ضمن خطة تحول أوسع؛ ففي الأشهر الـ9 الأولى من عام 2025، ولّدت مصادر الطاقة المتجددة 125 مليار كيلوواط/ساعة، ما عوض نحو 11 مليار دولار من واردات الغاز.

ومع دخول محطة أكويو النووية حيز التشغيل الكامل، ستُغني عن نحو 7 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا.

بحلول عام 2035، تهدف تركيا إلى إضافة 120 ألف ميغاواط من مصادر محلية ومتجددة؛ ما سيتطلب استثمارات تُقدّر بنحو 110 مليارات دولار، منها 80 مليارًا للطاقة المتجددة، و30 مليارًا لشبكات النقل.

وقال بيرقدار: "الرسالة واضحة: لسنا بصدد الاختيار بين موثوقية الإمداد وخفض انبعاثات الكربون، بل نستثمر في كليهما".

3 مزايا لقطاع الغاز المسال في تركيا

كشف الوزير ألب أرسلان بيرقدار، عن أن قطاع الغاز المسال يقدم 3 مزايا رئيسة للمستثمرين:

  1. بنية تحتية واسعة النطاق: بفضل قدرة إعادة تغويز الغاز إلى 161 مليون متر مكعب يوميًا، والعديد من وحدات التخزين وإعادة التغويز العائمة، وشبكة نقل عالية الكفاءة، وسعة تخزين متنامية؛ تستطيع تركيا تسلّم كميات الغاز، وموازنتها، وإعادة توزيعها بسرعة.
    وهذا أمر بالغ الأهمية في عالم ما تزال فيه تقلبات الطقس واضطرابات العرض تُفاجئ الأسواق.
  2. عقود موثوقة مع خيارات مرنة: يوفّر نهج تركيا في إدارة المحافظ الاستثمارية قاعدة مستقرة مع الحفاظ على مرونة وجهات الشحنات وجداول زمنية تستجيب للطلب الموسمي.
    وبالتالي، يحصل المنتجون على ضمانات موثوقة وإمكان الوصول إلى مركز إقليمي حيوي؛ ويحصل المشترون في المنطقة على تغطية مرنة دون تحمّل التزامات طويلة الأجل وثابتة لا يحتاجون إليها.
  3. التوافق مع تحول الطاقة: يُقاس كل جزيء غاز تشتريه تركيا في ضوء التقدم المحرز في تطوير مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية.
    لهذا السبب، تُعدّ الكفاءة، وإدارة غاز الميثان، وحساب الانبعاثات الموثوق جزءًا لا يتجزأ من حوارها مع الموردين.

واختتم بيرقدار قائلًا: "الغاز في تركيا جسرٌ حيوي، وليس مجرد طريقٍ بديل"، مرحبًا بالتعاون مع المنتجين والتجار والمشترين الإقليميين للاستفادة من إمكانات تركيا، نظرًا إلى ما تتمتع به من بنية تحتية متطورة، ومؤسسات راسخة، وكوادر بشرية مؤهلة، لتسهيل تجارة الغاز المسال الدولية.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر:

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق