التغير المناخيالمقالاترئيسيةمقالات التغير المناخيمقالات منوعةمنوعات

أزمة المياه في إيران.. هل تهدد التغيرات المناخية والإدارة السيئة البلاد بالعطش؟ (مقال)

أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • أزمة المياه في إيران تتخذ حاليًا أبعادًا بيئية واقتصادية وسياسية.
  • الجفاف المزمن وارتفاع درجات الحرارة يزيدان من حدة أزمة المياه في إيران.
  • قطاع الزراعة يستهلك أكثر من 90% من المياه المسحوبة على المستوى الوطني.
  • إيران تستعد لإطلاق أول محطة تحلية مياه تعمل بالطاقة النووية في مجمع بوشهر النووي.

تتفاقم أزمة المياه في إيران وسط ضغوط تغير المناخ وسوء الإدارة والخيارات السياسية، التي فضّلت التوسع في الإمدادات على المدى القصير على حساب التحكم المستدام في الطلب.

وبحلول أواخر عام 2025، انخفض نصيب الفرد من المياه العذبة المتجددة إلى نحو 850 مترًا مكعبًا سنويًا، لسكان يقارب عددهم 94 مليون نسمة؛ ما يضع البلاد دون عتبة الأمم المتحدة للندرة المائية المطلقة.

ولا يُعد هذا التراجع نتيجة لصدمة واحدة، بل هو تراكم لعوامل منها الجفاف المزمن، وارتفاع درجات الحرارة، والاستخراج المفرط المزمن للمياه الجوفية، والممارسات الزراعية غير الفعالة، والتشرذم المؤسسي في إدارة المياه.

وتتخذ أزمة المياه في إيران، حاليًا، أبعادًا بيئية واقتصادية وسياسية، مهددة الاستقرار على المدى الطويل، وتُعد الزراعة محور اختلال التوازن المائي واستنزاف الموارد الجوفية في البلاد.

استهلاك قطاع الزراعة في إيران من المياه

يسهم قطاع الزراعة في إيران بنحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي ويوظف نحو 14% من القوى العاملة، إلا أنه يستهلك أكثر من 90% من المياه المسحوبة على المستوى الوطني.

وقد أدى استمرار الري بالغمر، وزراعة محاصيل كثيفة استهلاك المياه كالقمح والأرز وقصب السكر والبرسيم في الأحواض القاحلة، بالإضافة إلى إعطاء الأولوية الأيديولوجية للاكتفاء الذاتي الغذائي، إلى تسريع استنزاف المياه الجوفية.

وفاقم حفر الآبار، سواء القانونية أو غير القانونية، المشكلة، ما أدى إلى أضرار لا يمكن إصلاحها في مئات من طبقات المياه الجوفية.

وبحلول عام 2025، صُنفت أكثر من 422 سهلًا على أنها مناطق محظورة، منها 359 سهلًا تعاني هبوطًا أرضيًا حادًا ألحق أضرارًا بالبنية التحتية والأراضي الزراعية والمناطق الحضرية.

وتُجسد رموز بيئية بارزة عمق الأزمة؛ فنهر زاينده رود في أصفهان يشهد جفافًا معظم أيام السنة، في حين تقلّصت بحيرة أورميا إلى جزء ضئيل من حجمها التاريخي رغم الجهود الجزئية المبذولة لإعادة تأهيلها.

شراء المياه في قرى الأجزاء الوسطى والجنوبية من إيران
شراء المياه في قرى الأجزاء الوسطى والجنوبية من إيران – الصورة من طهران تايمز

الطلب الحضري والصناعي على المياه

يزيد الطلب الحضري والصناعي على المياه من الضغوط؛ إذ تعتمد مدينة طهران، التي يزيد عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة، على 5 سدود رئيسة انخفضت سعتها التخزينية الإجمالية إلى مستويات حرجة في أواخر عام 2025؛ حيث انخفضت نسبة المياه في بعض الخزانات إلى أقل من 15% من سعتها.

وقد طبّقت مدن رئيسة أخرى؛ بما فيها مشهد وشيراز، تقنينًا للمياه، وقطعًا للإمدادات ليلًا، وتوصيلًا طارئًا بواسطة صهاريج المياه.

وبلغت نسبة نقص هطول الأمطار خلال عام 2025 ما يصل إلى 81% أقل من المتوسطات طويلة الأجل خلال أوقات ذروة الجفاف؛ ما يُمثل واحدة من أشد الصدمات الهيدرولوجية حدةً منذ نصف قرن.

وقد حذّر خبراء المياه الإيرانيون ومسؤولون سابقون من أنه دون إصلاحات هيكلية، قد تقترب العديد من المناطق الحضرية من سيناريوهات "يوم الصفر" التي يصبح فيها الوصول إلى المياه عبر الأنابيب متقطعًا.

تحلية المياه

أمام الضغط الشعبي المتزايد والانهيار الواضح لشبكات المياه الداخلية، اتّجه صانعو السياسات الإيرانيون بشكل متزايد إلى تحلية المياه ونقلها لمسافات طويلة بوصفها حلولًا رئيسة.

يعكس هذا التحول الإستراتيجي إدراكًا متزايدًا بأن الأنهار والسدود والخزانات الجوفية وحدها لم تعد قادرة على تلبية احتياجات النمو السكاني والتوسع الصناعي والطلب الزراعي.

ولذلك، طُرحت تحلية المياه من الخليج العربي وبحر عُمان بوصفها بديلًا مرنًا مناخيًا وممكنًا تقنيًا، قادرًا على استقرار إمدادات المياه، ولا سيما للمناطق الساحلية والصناعات كثيفة استهلاك الطاقة.

ويرتكز هذا النهج على برنامج وطني لتحلية المياه ونقلها، أُطلق عام 2021، ويشمل 5 أنظمة أنابيب رئيسة مصممة لتوصيل مياه البحر المحلاة إلى أعماق المناطق الداخلية.

ودخلت المرحلة الأولى حيز التشغيل في منتصف العقد الحالي، بدعم من خطة استثمارية طويلة الأجل تُقدر بنحو 285 مليار دولار أميركي، تغطي نحو 3700 كيلومتر من الأنابيب عبر مراحل متعددة.

في ديسمبر/كانون الأول 2025، افتتح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، جزءًا رئيسًا يربط خليج عُمان بوسط إيران.

ويُوفر هذا الخط، الذي شُيّد في غضون عامين فقط، نحو 40 مليون متر مكعب من المياه سنويًا للمستعملين الصناعيين في محافظة أصفهان، بما في ذلك مجمع مباركة للصلب، مع خطة لتوسيع قدرته الإنتاجية لتصل إلى 200 مليون متر مكعب سنويًا.

ويهدف المشروع، من خلال تزويد الصناعة مباشرةً، إلى تقليل سحب المياه من حوض زاينده رود المُستنزف أصلًا.

وتُعزز مشروعات إضافية هذه الإستراتيجية المتعلقة بجانب العرض، إذ دعمت وزارة الطاقة الإيرانية مبادرة أوسع نطاقًا تستهدف الوصول إلى قدرة تحلية مياه تصل إلى ملياري متر مكعب بحلول نهاية الولاية الرئاسية الحالية.

ويجري حاليًا إنشاء أو توسعة محطات تحلية مياه ضخمة في تشابهار وبندر عباس وخوزستان، في حين أصبحت محطة تبلغ قدرتها الإنتاجية 140 مليون متر مكعب سنويًا، التي افتُتحت في أكتوبر/تشرين الأول 2025، أكبر وحدة تحلية مياه في البلاد حتى الآن.

تراجع مياه سد لاتيان عن مجرى نهر جاف بالقرب من العاصمة طهران
تراجع مياه سد لاتيان عن مجرى نهر جاف بالقرب من العاصمة طهران - الصورة من وكالة الصحافة الفرنسية

إطلاق أول محطة تحلية مياه تعمل بالطاقة النووية

تستعد إيران لإطلاق أول محطة تحلية مياه تعمل بالطاقة النووية في مجمع بوشهر النووي أواخر مارس/آذار 2026، بقدرة إنتاجية أولية تبلغ 70 ألف متر مكعب يوميًا.

وتنتج المحطات الساحلية القائمة حاليًا ما يقارب 400 ألف إلى 450 ألف متر مكعب يوميًا، وتخطط الحكومة لرفع الإنتاج إلى ما بين 650 ألفًا و800 ألف متر مكعب يوميًا من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص.

وتمثل هذه المشروعات التزامًا هندسيًا وسياسيًا كبيرًا، ويرى المؤيدون أن تحلية المياه توفر إمدادًا مستقلًا عن تقلبات هطول الأمطار، ما يجعلها ذات قيمة خاصة في ظل تسارع تغير المناخ.

بالنسبة للمستخدمين الصناعيين والمدن الساحلية، يمكن للمياه المحلاة أن تقلل من المنافسة مع الزراعة وتسهم في استقرار النشاط الاقتصادي.

ومن الناحية السياسية، تُشير المشروعات الضخمة إلى قدرة الدولة واستجابتها، ما يعكس صورة للعمل الجاد في خضم الأزمات.

في المقابل، تواجه تحلية المياه ونقلها لمسافات طويلة قيودًا شديدة تحد من قدرتها على حل أزمة المياه في إيران على نطاق واسع.

ويتمثل أول هذه القيود في كثافة استهلاك الكهرباء، إذ تتطلب تقنية التناضح العكسي، وهي التقنية السائدة في تحلية المياه، ما بين 3 و5 كيلوواط/ساعة من الكهرباء لكل متر مكعب من المياه المنتجة.

ويواجه قطاع الطاقة الإيراني، الذي يعاني أصلًا نقص الاستثمار والعقوبات وعدم الكفاءة، عجزًا متوقعًا يصل إلى 25 ألف ميغاواط في عام 2025، ما يؤدي إلى انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي.

نقص الكهرباء

يُنذر توسيع نطاق تحلية المياه دون إصلاحات موازية في قطاع الطاقة يُنذر بتفاقم نقص الكهرباء وتعزيز الاعتماد على الوقود الأحفوري، ما يُقوّض أهداف المناخ وخفض الانبعاثات، إذ لا يزال دمج الطاقة المتجددة محدودًا.

وتُمثل التكاليف الاقتصادية عائقًا ثانيًا، فعند جمع تكاليف الإنتاج والضخ والارتفاع، قد تصل تكلفة توصيل المياه المُحلاة إلى المستخدمين في المناطق الداخلية إلى ما بين 1.5 و5 دولارات للمتر المكعب، وهو ما يتجاوز بكثير الأسعار المدعومة بشكل كبير التي يدفعها المستهلكون الزراعيون والمنزليون.

وفي ظل اقتصاد خاضع للعقوبات وحيز مالي محدود، تُترجم هذه التكاليف إلى ارتفاع الدين العام، والاعتماد على المقاولين ذوي النفوذ السياسي، أو الضغط لرفع الرسوم الجمركية، الأمر الذي ينطوي على مخاطر اجتماعية.

يدورها، تُعاني خطوط الأنابيب الطويلة التبخرَ والتسرب وخسائر الصيانة التي قد تُهدر ما بين 20 و30%من الكميات المنقولة.

وتزيد العواقب البيئية من تعقيد الحسابات، إذ ينتج عن تحلية المياه محلول ملحي عالي التركيز، وعند تصريفه في المياه الساحلية الضحلة، قد يرفع مستويات الملوحة المحلية بما يصل إلى 1.5 ضعفًا، ويزيد درجة حرارة المياه بما يصل إلى درجتين مئويتين.

تهديد النظم البيئية البحرية

تهدد هذه التغيرات النظم البيئية البحرية والشعاب المرجانية ومصائد الأسماك التي تدعم سبل العيش الساحلية في الخليج العربي وخليج عُمان.

أما على اليابسة، فيؤدي إنشاء خطوط الأنابيب إلى تعطيل النظم البيئية الهشة، ويشجع على الاستعمال المفرط للمياه في المناطق الداخلية، وذلك بإخفاء النقص بدلًا من خفض الطلب.

الأهم من ذلك، أن الإستراتيجيات التي تركز على تحلية المياه تصرف الانتباه عن إصلاحات جانب الطلب، التي تُعدّ أقل تكلفة وأكثر فاعلية.

وتفقد شبكات المياه الحضرية ما يُقدّر بنحو 25 إلى 30% من إمداداتها بسبب التسرب.

ولا تزال معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استعمالها غير متطورة، على الرغم من إمكان توفير كميات كبيرة منها للاستعمال الصناعي والزراعي.

ويمكن لتقنيات الري الحديثة، واستبدال المحاصيل، والزراعة في البيوت المحمية أن تُقلل بشكل كبير من استهلاك المياه بتكلفة زهيدة مقارنةً بتكلفة إنشاء محطات تحلية جديدة.

وفي الوقت نفسه، أدى المقاومة السياسية المتجذرة في خطابات الاكتفاء الذاتي الغذائي، وهياكل الدعم، ونفوذ المصالح الخاصة، إلى إبطاء وتيرة الإصلاح.

وكثيرًا ما يصف النقاد استمرار مشروعات الإمداد الضخمة بأنه دليل على وجود "مافيا مياه" تستفيد من عقود الإنشاءات في حين تؤجل التغيير الهيكلي.

مشروع لنقل المياه من الخليج العربي إلى المحافظات الوسطى في إيران
مشروع لنقل المياه من الخليج العربي إلى المحافظات الوسطى في إيران - الصورة من كاسبيان نيوز

التداعيات السياسية

تُعد التداعيات السياسية لاستمرار سوء الإدارة بالغة الأهمية، فقد أدت أزمة المياه في إيران إلى اندلاع احتجاجات في خوزستان وأصفهان ومحافظات أخرى، غالبًا ما تربط بين المظالم البيئية والاستياء الأوسع نطاقًا من الحوكمة وعدم المساواة.

وتشير التوقعات إلى أن تفاقم ندرة المياه قد يدفع بالهجرة الداخلية نحو ساحل بحر قزوين، ويزيد من انعدام الأمن الغذائي، ويُفاقم التوترات العرقية والإقليمية في المناطق المهمشة أصلًا.

وأثار بعض المحللين احتمال اللجوء إلى خطاب إجلاء جزئي لسكان طهران، ما يُبرز حجم التحدي.

وتقدم التجارب المقارنة دروسًا واضحة، حيث ينجح برنامج إسرائيل الواسع لتحلية المياه لأنه مُدمج ضمن سياسات صارمة للحفاظ على المياه وتسعيرها وإعادة استعمالها.

من ناحيتها، تقترب سنغافورة من الاكتفاء الذاتي تقريبًا من خلال إعادة تدوير مياه الصرف الصحي بشكل فعّال وإدارة الطلب.

وتُظهر إصلاحات حوض موراي-دارلينغ في أستراليا فاعلية أسواق المياه والحدود القصوى القابلة للتنفيذ. وتمتلك إيران الخبرة الفنية والموارد البشرية اللازمة لتطبيق هذه النماذج، لكن الإرادة السياسية والتنسيق المؤسسي يظلان العائقين الرئيسين.

الخلاصة

إن أزمة المياه في إيران ليست في جوهرها مشكلة تقنية، بل مشكلة حوكمة.

ويمكن لتحلية المياه أن تؤدي دورًا داعمًا مهمًا، ولا سيما للمدن الساحلية والمستخدمين الصناعيين، ويمكن للمنشآت التي تعمل بالطاقة المتجددة أن تعزز القدرة على الصمود في وجه ضغوط تغير المناخ.

رغم ذلك، فلا يمكنها أن تحل محل أنظمة المياه الداخلية اقتصاديًا أو بيئيًا، ولا أن تعالج الإفراط في الاستهلاك الزراعي الذي يهيمن على الطلب الوطني.

ودون إدارة فعّالة للطلب، وإصلاح زراعي، وإعادة استعمال مياه الصرف الصحي، وتسعير واقعي، وشفافية مؤسسية، فإن مشروعات البنية التحتية الضخمة لن تؤدي إلا إلى تأجيل مواجهة مكلفة بشكل متزايد.

بهذا المعنى، تعكس أزمة المياه في إيران تحديًا عالميًا: فالحلول التقنية قد تتيح بعض الوقت، لكن الإصلاحات المتكاملة، وإن كانت صعبة سياسيًا، هي وحدها الكفيلة بضمان الأمن المائي على المدى الطويل.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق