إستراتيجية الطاقة الأميركية.. هيمنة مستقبلية اعتمادًا على النفط والغاز والتقنية النووية (تقرير)
نوار صبح
تتمثّل إستراتيجية الطاقة الأميركية الجديدة في هيمنة مستقبلية اعتمادًا على النفط والغاز والتقنية النووية، بحسب إستراتيجية الأمن القومي الأميركية لعام 2025، الصادرة في 4 ديسمبر/كانون الأول الجاري، التي تسعى إلى تقديم رؤية موحدة للقوة الأميركية.
وتُقدّم هذه الوثيقة تشخيصًا مُؤطّرًا من خلال المخاوف الثقافية والحضارية بدلًا من التوجهات العالمية الملحوظة، فالكهربة، وتوليد الطاقة المتجددة، وتخزين البطاريات، وظهور سلاسل توريد صناعية جديدة، بالكاد تُؤخذ في الاعتبار، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وتسهم هذه العوامل في إعادة تشكيل النظم العالمية، ويُفترض أن تتعامل إستراتيجية الأمن القومي معها بشكل مباشر، لكنها تتبنى موقفًا متجذرًا في موضوعات ثقافية دفاعية لا تتوافق مع الأسس المادية أو الاقتصادية الأساسية، وهنا يبدأ الانحراف الإستراتيجي.
وتسعى هذه التوجهات إلى ترسيخ القوة في إستراتيجية الطاقة الأميركية، التي تعتمد على النفط والغاز والتقنية النووية، خلافًا لجميع التوجهات العالمية الرامية إلى تحقيق الحياد الكربوني ومكافحة تغير المناخ.
اتجاه مختلف لإستراتيجية الطاقة الأميركية
يسير العالم في اتجاه مختلف لإستراتيجية الطاقة الأميركية، إذ تواصل السيارات الكهربائية زيادة حصتها السوقية، وتستمر تكاليف البطاريات في الانخفاض مع تزايد منحنيات التعلم التي أثبتت استمراريتها لعقدين من الزمن.
ويُعدّ التوليد بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح أرخص مصادر الكهرباء الجديدة في جميع المناطق.
بدورها، تحاول الدول التي تعتمد على واردات الوقود الأحفوري استبدالها، نظرًا إلى ارتفاع تكلفة التقلبات، ولتوفير أنظمة كهربة تخضع لمزيد من التحكم.
وتزداد أهمية الكهرباء بصفتها سلعة أساسية في جميع القطاعات الاقتصادية؛ ويُعدّ نقل الجهد العالي، والتخزين طويل الأمد، والشبكات المرنة، والتدفئة الصناعية النظيفة، من الأصول الإستراتيجية الجديدة.

ولا يزال بإمكان مصدري النفط والغاز تحقيق إيرادات خلال مدة التحول، لكن نفوذهم على الدول الأخرى يتضاءل مع انتشار الكهربة.
ولا تزال الطاقة النووية جزءًا من هذا المزيج، لكن مسارات تصديرها بطيئة وتتطلب رأسمال كبيرًا.
وتهدف إستراتيجية الأمن القومي الأميركية، التي تدّعي الإستراتيجية طويلة الأمد من خلال صادرات الوقود الأحفوري، إلى تحقيق هدف متقلص، بينما يستثمر باقي العالم في النظام التالي.
في المقابل، يتجاهل التركيز على إستراتيجية الطاقة الأميركية التناقضات الداخلية الناجمة عن محاولة تلبية طموحات الإيرادات القائمة على التصدير ووعد توفير طاقة محلية رخيصة للصناعات المعاد توطينها.
أسعار النفط والغاز الأميركية
يدفع ارتفاع الصادرات أسعار النفط والغاز الأميركية نحو مستويات السوق العالمية؛ ما يرفع التكاليف على الصناعة والأسر في الولايات المتحدة.
ويضيف قطاع النفط الصخري عائقًا آخر؛ فقد استغل المنتجون العديد من المواقع ذات الربحية العالية، وتميل الآبار الجديدة إلى التدهور بشكل أسرع وتكلفة حفر أعلى.
وهذا يعني أن البلاد وصلت إلى ذروة النفط والغاز القابلين للاستخراج اقتصاديًا في ظل الظروف الحالية، حسب مصادر تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.
ويصبح الحفاظ على مستوى الإنتاج المرتفع أكثر تكلفة بمرور الوقت، ومن ثم فإن السعي وراء تحقيق إستراتيجية الطاقة الأميركية من خلال الصادرات سيدفع الأسعار المحلية إلى الارتفاع حتى مع صعوبة تطوير قاعدة الموارد الأساسية.
مصادر الطاقة المتجددة
يعتمد المسار البديل على التوسع المستمر في مصادر الطاقة المتجددة التي توفر حاليًا كهرباء منخفضة التكلفة في العديد من المناطق، ولا يحظى بأي اهتمام في إستراتيجية الأمن القومي الأميركية.
وتظهر مصادر الطاقة المتجددة بشكل غير مباشر فقط بوصفها شيئا مرفوضًا سياسيًا تحت مسمى "أيديولوجية الحياد الكربوني".
ومن شأن التحول إلى الكهرباء النظيفة أن يخفض تكاليف الطاقة على المدى الطويل ويعزز القدرة التنافسية الاقتصادية.
ويتحرّك المسار السياسي الحالي في الاتجاه المعاكس من خلال ربط مستقبل الطاقة الأميركية بملف الموارد الذي يفقد ميزة التكلفة والأهمية الهيكلية.
ويوجد مسارٌ واضحٌ نحو قوة صناعية متجددة، لكنه لا يُدرك الشروط اللازمة لنجاح هذا التحول.

الاستثمار الصناعي
يعتمد الاستثمار الصناعي واسع النطاق على استقرار السياسات واللوائح التنظيمية على المدى الطويل؛ لأن الشركات تُخصص رأسمالها لعقودٍ طويلة.
من جهتها، فإن البيئة الحالية، التي تتسم بتغييراتٍ مفاجئة في الرسوم الجمركية، وتقلباتٍ سياسية، وإجراءاتٍ إداريةٍ غير متوقعة، تزيد من المخاطر التي يواجهها المستثمرون الأجانب الذين كانوا سيمولون مصانع جديدة في الولايات المتحدة.
وقد رفعت سياسات ترمب المُتقلبة من تكلفة الدين ورأس المال في البلاد؛ حيث يطلب مُقدمو الأموال إيرادات أعلى نظرًا للمخاطر الأكبر.
ومن القيود الأخرى المُتجاهلة فقدان الخبرة الصناعية بعد 45 عامًا من نقل الصناعات إلى الخارج؛ فقد أخذت العديد من المصانع التي غادرت البلاد معها مهندسين مهرة، ومتخصصين في الإنتاج، ومعارف تشغيلية، تُقيم الآن في آسيا وأجزاءٍ من أوروبا.
موضوعات متعلقة..
- سياسات الحياد الكربوني في أوروبا.. عقبة أمام نهضة الطاقة الأميركية (تقرير)
- رسوم ترمب الجمركية وأوامره التنفيذية تؤثر في سياسة الطاقة الأميركية.. أبرز التطورات (تقرير)
- حصة صادرات الطاقة الأميركية من إجمالي الإنتاج ترتفع إلى 30%
اقرأ أيضًا..
- تصنيع معدات الطاقة المتجددة.. 8 دول تقود المنطقة العربية (مسح)
- ليبيا تريد اقتناص الغاز الأفريقي في منافسة المغرب والجزائر
- بسبب تغير المناخ.. 2024 أشد عام سخونة في تاريخ الدول العربية (تقرير)
المصدر..





