المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةمقالات الهيدروجينهيدروجين

الهيدروجين الأخضر في مصر وحرب الشائعات.. من يستهدف المشروعات؟ (مقال)

أحمد بدر

يواصل الهيدروجين الأخضر في مصر ترسيخ موقعه بوصفه محورًا إستراتيجيًا في مستقبل الطاقة النظيفة، مع توسّع البلاد في الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تعزّز موقعها الإقليمي والدولي؛ إذ يأتي ذلك في وقت يشهد فيه العالم سباقًا متسارعًا نحو بدائل أكثر استدامة، ووجهات تصدير واعدة.

وفي الوقت الذي تتسع فيه شبكة المشروعات المصرية، تظهر موجات من الأخبار المفبركة التي تحاول التشكيك في قدرة الدولة على استكمال خططها الطموحة، ورغم التحديات الطبيعية لهذا القطاع الناشئ، فإن التجارب الدولية تثبت أن المشروعات المتقدمة غالبًا ما تواجه حملات مشابهة.

وتُبرز البيانات الإقليمية أن مصر تتصدّر المشهد العربي بعدد مشروعات يفوق أي دولة في المنطقة، ما يعكس حجم الاهتمام الدولي بموقعها الجغرافي وقدراتها التكنولوجية. كما تؤكد المؤشرات المتاحة أن الاستثمارات الفعلية في الهيدروجين الأخضر في مصر تعتمد على دراسات دقيقة وبيئة متطورة.

ومع تكثيف الهجمات الإعلامية، يبدو واضحًا أن ملف الهيدروجين الأخضر في مصر أصبح ساحة صراع بين واقع نجاح المشروعات من جهة، ومحاولات التشويه من جهة أخرى، ما يستوجب مناقشة تفاصيله وبيان حقيقة الوضع الفعلي داخل القطاع، قبل الانتقال إلى عرض التحليل التفصيلي.

تطوير المشروعات.. مسار ثابت رغم الجدل

تُظهر البيانات المتاحة أن الهيدروجين الأخضر في مصر أصبح ركيزة رئيسة داخل إستراتيجيات الطاقة الوطنية، ليس فقط بوصفه مشروعًا مستقبليًا، بل جزء من التحول الاقتصادي الذي يعتمد على جذب الشركاء الدوليين وتعزيز دور المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في الصناعة الخضراء.

وترصد تقارير أوابك تصدّر مصر الدول العربية بـ39 مشروعًا معلنًا حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وهو ما يعكس مسارًا متصاعدًا لم يتراجع رغم الحملات التي حاولت إشاعة حالة من الغموض حول مستقبل القطاع، ويُعدّ هذا التنوع مؤشرًا على تماسك الخطة الوطنية.

الهيدروجين الأخضر في مصر

وتستفيد الدولة من الموقع الجغرافي الفريد الذي يمنحها قدرة تنافسية في إنتاج الوقود النظيف ونقله، خصوصًا أن غالبية مشروعات الأمونيا والهيدروجين الأخضر في مصر تُقام داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ما يتيح بنية لوجستية متقدمة تدعم الوصول لأسواق أوروبا وآسيا.

وتشير نتائج تفعيل 14 مذكرة تفاهم من إجمالي 30 مذكرة إلى أن العمل الفعلي تجاوز مرحلة التصورات النظرية، مع توقيع 11 اتفاقية إطارية بإنتاج سنوي متوقع يبلغ 18 مليون طن، في تطور يعكس انتقال المشروعات من النوايا إلى التنفيذ، رغم محاولات التشويش.

وتلتزم الشركات الأجنبية العاملة في مصر بتنفيذ مراحل الدراسات وفق الجداول الفنية من دون أي تأخير، ما يدعم ثقة المستثمرين ببيئة العمل، فيما تؤكد مؤشرات الأداء أن البلاد تستند إلى مزيج من الطاقة الشمسية والرياح لتقليل تكاليف الإنتاج على المدى الطويل.

ويرى متخصصون أن بقاء مصر في مقدمة دول المنطقة ليس صدفة، بل نتيجة تخطيط ممتد لسنوات اعتمد على البنية الصناعية القوية، والقدرة على استيعاب التكنولوجيا الحديثة، وتوفير المناخ القانوني والتنظيمي الملائم لإرساء قطاع تنافسي عالميًا.

حرب الشائعات.. من يستهدف المشروعات؟

تتعرّض مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر لحملة شائعات تعتمد على بث أخبار مجهولة المصدر، تزعم إلغاءها أو تأجيلها بحجة "عدم الجدوى"، رغم أن القطاع عالميًا يمر بفترة انتقالية تتطلّب دراسة عميقة قبل الدخول في استثمارات تتجاوز مليارات الدولارات.

وحسم وزير الكهرباء الدكتور محمود عصمت الجدل -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- مؤكدًا أن كل ما يُتداول حول إرجاء القرارات الاستثمارية "غير صحيح إطلاقًا"، وأن الاعتماد على مصادر مجهولة يُعدّ محاولة لإرباك الرأي العام وإضعاف موقف الدولة.

وزير الكهرباء المصري الدكتور محمود عصمت

وتزامنت تصريحات الوزير مع إعلان بدء تصدير الأمونيا من أحد المشروعات عام 2027 بطاقة سنوية تبلغ 70 ألف طن، ما يثبت أن العمل جارٍ بالفعل، وأن الادعاءات المتداولة لا تستند إلى أي أساس عملي، كما يعكس هذا الإعلان توجهًا ثابتًا نحو التنفيذ.

بالتزامن مع ذلك، كشف مصدر حكومي عن أن الدولة تتابع كل ما يُثار عالميًا بشأن التحديات التي يواجهها القطاع، وتدرس تجارب الدول الأخرى التي أرجأت بعض مشروعاتها لأسباب خارجية، وأن ما يجري دوليًا لا ينسحب على الوضع المصري الذي يتمتع بجاذبية استثمارية مميزة.

وأكد المصدر وجود تواصل دائم مع الشركات الشريكة، وأن مراحل الدراسات تنفَّذ وفق الجدول من دون أي تأخير، ما ينسف الادعاء بوجود تجميد للمشروعات، وبما يكشف عن أن الهجوم على القطاع يستهدف التشكيك في قدرة مصر على قيادة سوق الوقود النظيف عربيًا.

وتؤكد البيانات الرسمية أن عشرات الاتفاقيات بقيمة تقارب 100 مليار دولار لا يمكن أن تُدار بقرارات مبنية على شائعات، بل على دراسات وتعاقدات ملزمة. ويشير هذا إلى أن حملة التشويه تُدار من أطراف تستفيد من تعطيل قطاع الهيدروجين الأخضر في مصر.

التصدير إلى أوروبا.. طريق المنافسة الحقيقية

يكتسب الهيدروجين الأخضر في مصر أهمية اقتصادية إستراتيجية، نظرًا إلى تنافسية البلاد في إنتاج الوقود النظيف القادر على الوصول إلى أوروبا بسرعة وبتكلفة أقل مقارنة بمناطق أخرى، وهو ما تعززه قدرات قناة السويس التي توفّر ممرًا لوجستيًا عالميًا.

وتشير بيانات "أوابك" إلى أن 34 مشروعًا من أصل 39 مشروعًا مصريًا تتركز في إنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر، بالإضافة إلى الأمونيا الخضراء، ما يعكس توجهًا واضحًا لبناء قاعدة إنتاج كبيرة يمكن تقسيمها بين التصدير والاستهلاك محليًا، وهو شرط لاستدامة هذا القطاع.

وتحتاج مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر إلى حلول تمويلية مبتكرة، نظرًا إلى ارتفاع التكلفة مقارنة بالطاقة المتجددة التقليدية، ويتضمّن ذلك دعمًا لرأس المال بنسبة تتراوح بين 50 و70%، وقروضًا ميسرة بفائدة 4%، وضمانات ضد مخاطر السياسة وتقلبات سعر الصرف.

مشروع الطاقة الشمسية بمنطقة بنبان في محافظة أسوان المصرية
مشروع الطاقة الشمسية بمنطقة بنبان في محافظة أسوان المصرية - الصورة من رويترز

وتُعدّ مشاركة مصر في مناقصة "إتش-2 غلوبال" المقبلة فرصة قد تغيّر مسار التمويل، بفضل آليات المزاد المزدوج التي تضمن شراء المنتج، ما يعطي المطورين رؤية أكثر وضوحًا حول السعر وجدوى الاستثمار، وهو عنصر حاسم في أي قرار صناعي طويل الأجل.

كما تمتلك مصر قاعدة صناعية قوية تمكّنها من توطين سلسلة القيمة بدلًا من الاعتماد الكامل على الواردات، بما يشمل تصنيع أجزاء أجهزة التحليل الكهربائي والخزانات والأنابيب والضواغط، ويمكن لهذا التوطين خفض التكلفة بنسبة تتراوح بين 15 و20% وخلق آلاف الوظائف.

وترى التقارير أن بناء قطاع الهيدروجين الأخضر في مصر لا يعني فقط التصدير، بل يتطلّب دمج القطاع داخل الاقتصاد المحلي، بإزالة الكربون في صناعات مثل الأسمنت والأسمدة، وتدريب الكوادر الفنية، وتوسيع دور الشركات الصغيرة والمتوسطة في الخدمات اللوجستية والتشغيل.

وعلى ذلك، تؤكد كل المؤشرات أن الهيدروجين الأخضر في مصر يتحول إلى مشروع وطني طويل الأجل، مدعوم ببيانات واقعية وشراكات جادة، بعيدًا عن حملات التشكيك التي تحاول تعطيل مسار التطوير.

أحمد بدر - صحفي متخصص في مجال الطاقة، ونائب مدير تحرير منصة الطاقة المتخصصة

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق