رئيسيةسلايدر الرئيسيةمقالات النفطنفط

مأزق قطاع الطاقة الروسي.. تحديات التصدير والإنتاج في ظل العقوبات (مقال)

فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • قطاع الطاقة الروسي سيخضع لاختبار إجهاد لم يشهده منذ حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي.
  • إيرادات النفط والغاز لا تزال ركيزة أساسية في موازنة روسيا.
  • مأزق قطاع الطاقة الروسي الحالي يعكس سنوات من قصور السياسات.
  • الأزمة المتفاقمة في قطاع النفط الروسي تحمل عواقب جيوسياسية عميقة.

يسعى قطاع الطاقة الروسي إلى التغلب على مشكلات التصدير والإنتاج في ظل العقوبات، ما يمثل ضغوطًا كبيرة على موازنة البلاد.

بحلول أواخر عام 2025، سيخضع القطاع لاختبار إجهاد لم يشهده منذ حقبة ما بعد الاتحاد السوفيتي؛ اختبار خارجي، وهيكلي، وذاتي في آن واحد.

وتطور ما بدأ كإعادة هيكلة لتدفقات التجارة نتيجة العقوبات بعد غزو أوكرانيا، إلى انكماش أعمق وأكثر منهجية، مدفوعًا بتضافر قرارات التنويع الهندية، وتشديد العقوبات الأميركية الثانوية، والقيود الجيولوجية والمالية الصارمة لقاعدة النفط الروسية المتقادمة.

وبعيدًا عن التعديلات التجارية قصيرة الأجل، تشير التطورات إلى تآكل إستراتيجي لأهم أصول موسكو الاقتصادية والجيوسياسية.

تحول الهند النفطي: تراجع مُحكم عن التبعية الروسية

تأتي الصدمة الأولى من الهند، السوق التي كانت بمثابة شريان الحياة الأكثر موثوقية لموسكو منذ أن قطعت أوروبا اعتمادها على الطاقة الروسية.

لأكثر من عامين، كانت روسيا المورد الرئيس للسوق الهندية؛ حيث وفرت ما يقرب من 40% من إجمالي وارداتها من النفط الخام، ورسخت إيرادات صادراتها في زمن الحرب.

رغم ذلك؛ ففي سبتمبر/أيلول 2025، وللمرة الأولى منذ منتصف 2022، انخفض اعتماد الهند على البراميل الروسية بشكل حاد.

وانخفضت حصة روسيا من استهلاك نيودلهي من النفط الخام من 37.4% في أغسطس/آب الماضي إلى 32.8% في سبتمبر/أيلول الماضي، وهو انخفاض حاد للغاية لا يُعزى إلى ضجيج السوق.

حدث التحول حتى مع ارتفاع إجمالي واردات الهند؛ ففي سبتمبر/أيلول الماضي وحده، استوردت الهند 20.26 مليون طن من النفط الخام -بزيادة 3.6% عن الشهر نفسه من العام السابق- ما يؤكد أن الطلب المحلي لا يزال قويًا في دولة تتمتع بواحدة من أسرع شهية الطاقة نموًا في العالم.

محطة معالجة الغاز التابعة لشركة غازبروم بمنطقة أورينبورغ في روسيا
محطة معالجة الغاز التابعة لشركة غازبروم بمنطقة أورينبورغ في روسيا – الصورة من رويترز

من ناحية ثانية، انخفضت أحجام شحنات النفط الروسية ماديًا وماليًا؛ فقد سلمت موسكو 6.64 مليون طن إلى السوق الهندية، بانخفاض شهري قدره 4.2%، وانخفاض كبير قدره 17% على أساس سنوي.

وانهارت قيمة الشحنات بوتيرة أسرع: 3.3 مليار دولار في سبتمبر/أيلول الماضي، بانخفاض يقارب 30% عن العام السابق.

وكان تحويل مسار تدفقات النفط الهندية متعمدًا وحذرًا، ومرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بجدول زمني للمخاطر الناشئة، وليس ببيان سياسي.

ومع بدء سريان العقوبات الأميركية التي تستهدف شركتي روسنفط (Rosneft) ولوك أويل (LUKOIL) والشركات التابعة لهما المملوكة لهما بأغلبية أسهم، وبدأت تدخل حيز التنفيذ في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، واجهت مصافي التكرير الهندية صعوبات في الجانب القانوني.

ونظرًا إلى أن الشحنة الروسية النموذجية تستغرق نحو شهر للوصول إلى المواني الهندية من محطات البلطيق والبحر الأسود، فإن أي شحنة تُحمّل في نوفمبر/تشرين الأول الجاري ستصل بعد الموعد النهائي للعقوبات بوقت طويل.

إزاء ذلك، لم تكن أي شركة طاقة هندية كبرى مستعدة لاستقبال شحنة روسية قد تُثير مخاطر الامتثال أو عقوبات ثانوية.

وكانت النتيجة تباطؤًا جماعيًا في الطلبات الجديدة، وهو "تكتيك لوجستي" صُمم لتقليل التعرض للمخاطر قبل الموعد النهائي.

في الوقت نفسه، شهد حجم الواردات على المدى القريب ارتفاعًا حادًا ومتناقضًا.

بين 1 و17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ارتفعت شحنات النفط الروسية المتعاقد عليها سابقًا إلى 1.88 مليون برميل يوميًا، أي أعلى بنسبة 16% من متوسط ​​أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مع تهافت المصافي على تصفية طلباتها.

وأخفت هذه الزيادة في الشحنات اتجاهًا أعمق بكثير: انهيار الشحنات الروسية الجديدة المتجهة إلى الهند.

الضغوط الآسيوية: تراجع صادرات قطاع الطاقة الروسي

امتدت تداعيات الأزمة إلى ما هو أبعد من الهند؛ فقد انخفض إجمالي صادرات روسيا من النفط الخام بين 1 و17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري إلى 2.78 مليون برميل يوميًا، مسجلًا انخفاضًا حادًا بنسبة 28% مقارنة بالشهر السابق.

وتزامنت الصدمة مع جميع أسواق روسيا الرئيسة الـ3؛ فقد انخفضت الشحنات إلى الصين بنسبة 47% لتصل إلى 624 ألف برميل يوميًا فقط؛ وانخفضت الصادرات إلى تركيا -الركيزة الثالثة لمثلث الالتفاف على العقوبات الذي تعتمد عليه روسيا- بنسبة مذهلة بلغت 87% لتصل إلى 43 ألف برميل يوميًا فقط.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استحوذت الدول الـ3، الصين والهند وتركيا، مجتمعةً على ما يقرب من 90% من صادرات النفط الخام الروسية.

وبحلول منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، كانت هذه الدول الـ3 تعيد تقييم صادراتها في وقت واحد.

وكان التوقيت كارثيًا بالنسبة لموسكو؛ إذ أضاف قرار الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على النفط الخام روسي المنشأ الذي تشتريه الهند طبقة إضافية من التكلفة والضبابية لنيودلهي؛ ما عزز حوافزها للتنويع.

وعلى الرغم من الضغوط؛ فلا يزال المحللون متشككين في قدرة الهند على استبدال ما يقرب من مليوني برميل يوميًا من النفط الخام الروسي الذي يعتمد عليه نظام التكرير لديها الآن.

حتى الاستبدال الجزئي سيكون له ثمن باهظ: تشير التقديرات إلى أن فاتورة الواردات السنوية للهند سترتفع بمقدار 9-11 مليار دولار بدون النفط الروسي المخفض.

لهذا السبب، فإن أفضل فهم لتحول الهند ليس على أنه تخلٍّ، بل هو إدارة للمخاطر؛ محاولة لتقليل الضعف مع الحفاظ على فوائد الخصومات الروسية.

بالنسبة لموسكو، حتى إستراتيجية التنويع الهندية المدروسة تمثل انعكاسًا إستراتيجيًا.

وبُنيت البنية المالية الروسية في زمن الحرب حول افتراض الطلب الآسيوي المستقر والكبير؛ ولم يعد هذا الافتراض قائمًا.

مصفاة لتكرير النفط الخام في مدينة كوتشي بالهند
مصفاة لتكرير لنفط الخام بمدينة كوتشي في الهند - الصورة من أسوشيتد برس

سوق النفط الروسي المحلية تخضع لضغط شديد

يصطدم الانكماش الخارجي بسوق النفط المحلية التي تدخل أحد أكثر أوقاتها هشاشةً منذ عقد؛ إذ انخفض سعر خام الأورال القياسي -مزيج الصادرات الرئيس لروسيا- إلى ما دون 40 دولارًا للبرميل في الأسواق العالمية، ما يختبر حدود الهيكل المالي للكرملين.

بدورها، افترضت الموازنة الفيدرالية لعام 2025، التي عُدِّلت مؤخرًا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، معيارًا ضمنيًا يبلغ نحو 48 دولارًا للبرميل بعد أخذ مسارات سعر الصرف في الاعتبار.

ونتيجة لتداول الروبل عند نحو 81 روبل للدولار؛ فإن كل برميل مُصدَّر يُدر الآن ما بين 3200 و3300 روبل (40.52 و41.78 دولارًا) فقط، مقارنةً بـ4800 روبل المستعملة في توقعات الموازنة.

وتُمثل الفجوة انحرافًا يزيد على 30%؛ وهي صدمة كبيرة بما يكفي لإرهاق وظائف الدولة الأساسية.

* (روبل روسي = 0.013 دولارًا أميركيًا)

ويُعد العجز هيكليًا، إذ لا تزال إيرادات النفط والغاز ركيزة أساسية في موازنة روسيا؛ ويتعين على وزارة المالية جمع أكثر من تريليون روبل من إيرادات الهيدروكربون بحلول نهاية العام لتحقيق الأهداف المالية.

وبالنظر إلى انهيار أسعار الصادرات وانكماش أحجامها، تواجه الحكومة معضلة ثلاثية تتمثل في زيادة الاقتراض، أو زيادة الاعتماد على صندوق الرفاه الوطني، أو تسريع خفض الإنفاق.

وينطوي كل خيار على مخاطر سياسية واقتصادية سعت موسكو جاهدةً لتجنبها.

تكاليف صناعة النفط الروسية

مع انكماش الإيرادات، يتحرك هيكل تكاليف صناعة النفط الروسية في الاتجاه المعاكس؛ إذ يقترب عصر النفط سهل المنال من نهايته.

ووفقًا لشركة غازبروم نفط الروسية (Gazprom Neft)؛ فإن أكثر من 60% من احتياطياتها تُصنف الآن على أنها صعبة الاستخراج. على الصعيد الوطني، يُطابق ثلثا احتياطيات روسيا القابلة للاستخراج هذا التعريف، وبحلول عام 2030 قد تتجاوز هذه النسبة 80%.

وتبدو التداعيات وخيمة؛ فعلى الرغم من أنه يُمكن إنتاج النفط الخام الروسي التقليدي بسعر يقارب 20 دولارًا للبرميل، تُكلف الاحتياطيات صعبة الاستخراج نحو 40 دولارًا للبرميل، ويفترض هذا التقدير استقرار الخدمات اللوجستية وكفاءة تكنولوجيا الاستخراج.

في ظل ظروف السوق العادية، يُمكن تبرير ارتفاع تكلفة الاستخراج بارتفاع أسعار النفط الخام.

ولكن مع تداول خام الأورال بأقل من 40 دولارًا بعد العقوبات والخصومات وعلاوات الشحن، يُجبر قطاع الاستكشاف والإنتاج في روسيا على اتباع نموذج أعمال لا تُحقق فيه البراميل الجديدة سوى نقطة التعادل.

جيولوجيًا، تواصل روسيا اكتشاف احتياطيات جديدة؛ ففي عام 2025 وحده، اكتُشف 26 حقلًا جديدًا في سيبيريا والقطب الشمالي؛ ما أضاف ما يُقدر بـ510 ملايين طن من النفط وأكثر من 635 مليار متر مكعب من الغاز إلى الاحتياطيات الوطنية.

رغم ذلك؛ فإن معظم هذه الاكتشافات متوسطة الحجم، ونائية، ومكلفة التطوير، وهي لا تُعوّض الخلل الهيكلي بين ارتفاع تكاليف الاستخراج وانخفاض ربحية التصدير.

خزانات الوقود التابعة لشركة روسنفط بمنطقة سامارا، في روسيا
خزانات الوقود التابعة لشركة روسنفط بمنطقة سامارا، في روسيا - الصورة من رويترز

مأزق قطاع الطاقة الروسي

يعكس مأزق قطاع الطاقة الروسي الحالي سنوات من قصور السياسات؛ إذ فشلت الدولة في بناء معيار محلي موثوق لنفطها الخام؛ وبدلًا من ذلك، لا تزال تعتمد على تسعير وكالات أجنبية لا تعكس منهجيتها اللوجستيات الروسية المشوهة بفعل العقوبات.

من جهة ثانية، فشلت روسيا في تحويل صندوق الرفاه الوطني إلى محرك استثماري قادر على توليد النمو المحلي؛ بل استُعملت أموال الصندوق لتغطية العجز قصير الأجل.

ولا تزال سياسة سعر الصرف ارتكاسية، وغير متوقعة، وغير متوافقة مع التخطيط المالي.

وتم التخلي عن مشروعات بتروكيماوية رئيسة -أبرزها المجمع الشرقي للبتروكيماويات في مدينة ناخودكا- ما فاقم اعتماد البلاد على صادرات النفط الخام بأسعار مخفضة.

بمجملها، تُعرّض هذه الخيارات روسيا لمخاطر بالغة. تدخل البلاد حقبةً تتراجع فيها أحجام صادراتها، وتتقلص أسعار صادراتها، وترتفع تكاليف استخراجها، وتُبنى موازنتها على افتراضات لم تعد تتوافق مع الواقع.

التداعيات الجيوسياسية

تحمل الأزمة المتفاقمة في قطاع النفط الروسي عواقب جيوسياسية عميقة؛ فمع تنويع الهند لمحفظة إمداداتها، وحرص الصين على تقليل تعرضها لمخاطر العقوبات بحذر، قد تفقد روسيا العمق الإستراتيجي الذي اكتسبته بعد عزلها عن الأسواق الأوروبية.

ولم يعد بإمكان أكبر عميلين لها أن يكونا دعامتين مستقرتين؛ فهما مشتران مشروطان يعملان تحت ضغط غربي متزايد.

في الوقت نفسه، يتزايد الضعف المالي لروسيا خلال الوقت الذي تظل فيه نفقاتها الحربية مرتفعة، ويتكيف اقتصادها الأوسع مع واقع الحرب المزدوجة؛ حرب عسكرية وحرب مالية.

ووفقًا لمنطق الحرب الباردة الثانية، تُضيّق هذه الديناميكية استقلالية موسكو الإستراتيجية وتدفعها إلى اعتماد غير متكافئ على الصين، تجاريًا وتكنولوجيًا.

وستتضاءل قدرة روسيا على مواصلة العمليات العسكرية طويلة الأمد، وبسط نفوذها في جميع أنحاء أوراسيا، وتمويل طموحاتها في السياسة الخارجية.

ونتيجة لشحّ إيرادات النفط، قد يعوّض الكرملين ذلك بالاعتماد بشكل أكبر على أدوات الإكراه -كالعمليات السيبرانية، والتأثير الهجين، والشراكات الأمنية مع الدول الخاضعة للعقوبات- حيث تكون التكاليف أقل والإيرادات أسرع.

خلاصة القول، يُمثّل تدهور أساس قطاع الطاقة الروسي إضعافًا إستراتيجيًا للركيزة الأوراسيّة لـ"التنين والدب"، مع تداعيات تمتد من جنوب آسيا إلى أوروبا والشرق الأوسط.

* فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق