صلاح مهدي: تعطيل الحياد الكربوني في النقل البحري مخيب للآمال (حوار)
داليا الهمشري

لم يعد تحقيق الحياد الكربوني في النقل البحري خيارًا نظريًا، بل أصبح مسارًا عالميًا تتسابق الحكومات والشركات لاعتماده، في ظل مسؤولية القطاع عن نحو 3% من الانبعاثات العالمية.
وفي ظل تصاعد الضغوط التنظيمية والاقتصادية، وتوجُّه أولويات المستثمرين وعملاء الشحن نحو حلول أنظف، تراهن الصناعة على الهيدروجين الأخضر والوقود منخفض الكربون بصفتهما ركيزتين للتحول.
ورغم هذا الزخم، يظل للإشارات الدولية دور محوري في توجيه قرارات الاستثمار، مما جعل قرار المنظمة البحرية الدولية بتأجيل اعتماد إطار العمل الخاص بتحقيق الحياد الكربوني في قطاع النقل البحري لمدة عام كامل يعيد ترتيب المشهد، ويفتح نقاشًا واسعًا حول مستقبل إزالة الكربون في هذا القطاع.
وكانت المنظمة البحرية الدولية (IMO) قد عقدت جلسة استثنائية في لندن خلال المدة من 14 إلى 17 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وصوّتت 57 دولة لصالح تأجيل اعتماد إطار العمل الخاص بتحقيق الحياد الكربوني في قطاع الشحن البحري لمدة عام، مقابل معارضة 49 دولة وامتناع 21 دولة عن التصويت.
وتضمَّن الإطار المؤجل معايير أساسية مثل شدة الكربون للوقود البحري، وآليات تسعير الكربون على السفن مرتفعة الانبعاثات، إضافة إلى مقترح لإنشاء صندوق دولي لدعم التحول إلى الوقود النظيف.
وبررت دول مثل الولايات المتحدة والسعودية طلب التأجيل بمخاطر اقتصادية، في حين وصفته أطراف أخرى بأنه "نكسة كبيرة" للجهود المناخية المبذولة لتحقيق الحياد الكربوني في قطاع النقل البحري.
وفي هذا السياق، أجرت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) مقابلة مع المدير التنفيذي لقطاع الهيدروجين في شركة شارت إندستريز، صلاح مهدي، للتعليق على انعكاسات القرار على مستقبل الحياد الكربوني في النقل البحري، وإلى نص الحوار:
هل يشكّل تأجيل التصويت على إطار العمل لتحقيق الحياد الكربوني انتكاسة لجهود المناخ؟
لا شك، القرار كان مخيّبًا للآمال من حيث الزخم، لأنه يؤجل الإشارة التنظيمية الواضحة التي كان قطاع الهيدروجين ينتظرها، كما يؤخر التوجّه العالمي المطلوب بشأن تسعير الكربون ومسار التنظيم الدولي، ومع ذلك، أراه توقُّفًا إجرائيًا مؤقتًا وليس هزيمة، وفرصة لإعادة تعزيز الأسس.
الاتجاه الأساس لم يتغير: قطاع الشحن سيتحوّل نحو إزالة الكربون، والهيدروجين الأخضر ما يزال الحل الحتمي على المدى المتوسط والطويل لتحقيق الحياد الكربوني في قطاع النقل البحري، والضغوط المناخية والتجارية التي تدفع هذا التحوّل لن تختفي، بل تزداد قوة.
ومهمتنا -الآن- هي ضمان جاهزية التكنولوجيا والبنية التحتية وسلاسل الإمداد لتكون أكثر صلابة من الناحية التقنية وأكثر مرونة من الناحية التجارية عند اكتمال الإطار العالمي في عام 2026.
وفي الوقت نفسه، يحوّل هذا التأجيل التركيز نحو الأطر الإقليمية مثل لائحة FuelEU Maritime (تنظيم مهم أقرّه الاتحاد الأوروبي لخفض انبعاثات قطاع الشحن البحري)، التي بدأت في توجيه قرارات الاستثمار.
والسوق ما تزال تتحرك، لا سيما بين مالكي الشحن والمشغّلين الأكثر طموحًا، نعم، هناك بعض الغموض، لكنها -أيضًا- مدة مناسبة لتعزيز الجاهزية للمرحلة التالية.

برأيك، كيف سيؤثّر هذا التأجيل بالاستثمارات في تقنيات الشحن النظيف مثل الهيدروجين والميثانول والأمونيا؟
من الطبيعي أن يؤدي التأجيل إلى بعض التردد، فعندما تكون الإشارات السياسية غير واضحة، يتبنى بعض المستثمرين نهج "الانتظار والترقب"، لكن اللاعبين الأكثر التزامًا ماضون قدمًا، مدفوعون بأهداف الاستدامة المؤسسية، وتوقعات العملاء، والأطر الإقليمية مثل لائحة FuelEU Maritime ونظام تداول الانبعاثات الأوروبي (EU ETS).
فالعديد من مشروعات الهيدروجين والأمونيا ما تزال على المسار الصحيح، لأن الاتجاه طويل الأجل لا رجعة فيه، قد نرى تباطؤًا مؤقتًا في قرارات الاستثمار النهائي، لكننا سنشهد في المقابل مرحلة من التركيز على النضج التقني والجدوى التمويلية والتطبيق العملي.
باختصار، الزخم لم يتوقف؛ إنه يتطور، ونحن في مرحلة تقدُّم منضبط، وليست فترة جمود، ولكنها فرصة للقطاع لتطوير التقنيات وتعزيز الأسس التجارية قبل الموجة التنظيمية القادمة.
بعد تأجيل إطار العمل الخاص بالحياد الكربوني في المنظمة البحرية الدولية، من تتوقع أن يمسك بزمام قيادة التحول نحو الشحن منخفض الانبعاثات؟
القيادة -الآن- تأتي بشكل متزايد من المناطق الإقليمية ومن داخل القطاع نفسه، فلوائح FuelEU Maritime ونظام ETS الأوروبي يقدّمان إشارات سوقية قوية، وغالبًا ما يتحركان بوتيرة أسرع من التنظيم الدولي.
لكن ربما يكون الزخم الأهم قادمًا من مالكي البضائع والمستأجرين، فالشركات ذات الالتزامات المناخية الطموحة بدأت تفرض متطلبات واضحة للنقل منخفض الكربون ضمن سلاسل التوريد الخاصة بها، وهذا الطلب المدفوع من العملاء يخلق حافزًا تجاريًا لا يمكن لأيّ تشريع أن يضاهيه.
كما نشهد ظهور "ممرات الشحن الخضراء"، وهي مسارات تجارية خالية من الانبعاثات تُطَوَّر من خلال شراكات بين مالكي السفن والمواني وكبار تجّار التجزئة العالميين، هذه المبادرات تُثبت أن إزالة الكربون المنسّقة ممكنة اليوم.
لذا، حتى إن كان عمل المنظمة البحرية الدولية في حالة توقُّف مؤقت، فإنّ تحوُّل الطاقة في قطاع الشحن لم يتوقف، واللاعبون الأكثر تقدمًا في الصناعة هم من يقودون المشهد اليوم، وهم من يجسّدون القيادة العالمية الحقيقية.

عند النظر إلى المستقبل، ما الذي يمنحك الثقة بأن العمل على تحقيق الحياد الكربوني في قطاع النقل البحري سيستعيد زخمه في المستقبل القريب؟
ثقتي في أن العمل على تحقيق الحياد الكربوني في قطاع النقل البحري سيستعيد زخمه تستند إلى قوّتين أصبحتا أقوى من أيّ مقاومة سياسية، وهما: الواقع التجاري وتحوّل طلب العملاء.
أولاً: يُبنى -الآن- اليقين التجاري على المستوى الإقليمي، فلوائح EU ETS وFuelEU Maritime تفرض تكلفة ملموسة على الوقود عالي الكربون وتكافئ الوقود النظيف مثل الهيدروجين والأمونيا الخضراء.
وهذه الأطر تمنح الصناعة ما كانت بحاجة إليه منذ زمن، وهو إشارة اقتصادية واضحة يمكن التنبؤ بها، حتى في غياب تسعير عالمي للكربون.
ثانيًا: أصبح الضغط من العملاء والجهات التمويلية غير قابل للرجوع، ولم يعد بمقدور مالكي السفن الاستثمار في أصول ستصبح غير متوافقة قبل نهاية عمرها الاقتصادي، كما يطالب عملاء الشحن وتجّار التجزئة الكبار بخدمات نقل منخفضة الكربون.
في حين بدأ الممولون بتسعير مخاطر الكربون ضمن قرارات الإقراض والاستثمار، وهذا الحافز التجاري أقوى بكثير من أيّ تردُّد سياسي قصير الأجل.
ومن ثم، فتأجيل العمل على تحقيق الحياد الكربوني في النقل البحري لا يغيّر وجهة المسار؛ بل يعني ببساطة أنه عندما يعود الزخم، سيعود بقوة أكبر مدفوعًا بتكنولوجيا مثبتة، وخبرة سوقية حقيقية، وطلب لا يمكن وقفه على النقل البحري النظيف.
موضوعات متعلقة..
- هل ينجح وقود الأمونيا في خفض انبعاثات النقل البحري؟ دراسة تجيب
- إزالة الكربون من قطاع النقل البحري تركز على التدابير التشغيلية والوقود البديل (تقرير)
- خفض الانبعاثات الكربونية في قطاع النقل البحري.. تقنية مصرية جديدة
اقرأ أيضًا..
- أسعار البنزين والديزل في أفريقيا.. هذه أغلى 10 دول خلال نوفمبر
- صناعة توربينات الغاز.. زخم عربي تقوده السعودية والجزائر (تقرير)
- الطلب على النفط في 2026.. نظرة متباينة من المؤسسات الكبرى (تقرير)
- أكبر حقل نفط في العالم بالمياه العميقة يستعد لاستقبال وحدة عملاقة





