المعادن الأساسية في قازاخستان.. هل تستفيد من مذكرة التفاهم مع أميركا؟ (مقال)

من المرتقب أن يتعزز استخراج المعادن الأساسية في قازاخستان بتوقيع مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة تشمل مجالات حيوية ذات أهمية إقليمية ودولية.
في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، وقّعت قازاخستان والولايات المتحدة رسميًا مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال المعادن الأساسية.
ويُمثّل ذلك خطوة مهمة بالعلاقات الثنائية في ظلّ تصاعد المنافسة العالمية على الموارد الأساسية للتقنيات المتقدمة والتحول نحو الطاقة النظيفة.
ووُقِّعت الاتفاقية خلال زيارة عمل قام بها الرئيس القازاخستاني قاسم جومارت توكاييف إلى واشنطن العاصمة.
الالتزامات المشتركة في مجال استكشاف المعادن
تُؤكد مذكرة التفاهم الالتزامات المشتركة في مجال استكشاف المعادن، وتطوير سلسلة التوريد، والاستثمار في مواد مثل التنغستن والليثيوم والمعادن الأرضية النادرة، وهي سلع أساسية في صناعة البطاريات والرقائق الإلكترونية وأنظمة الدفاع.
وتضع هذه الاتفاقية قازاخستان -التي تمتلك احتياطيات هائلة غير مستغلة، بما في ذلك 50% من إنتاج اليورانيوم العالمي ومكامن كبيرة من التنغستن- موردًا محايدًا إستراتيجيًا في سوق تسيطر فيها الصين حاليًا على أكثر من 80% من معالجة المعادن الأرضية النادرة.
من ناحية ثانية، تُعدّ مذكرة التفاهم جزءًا من إطار تعاون أوسع بقيمة 17 مليار دولار أميركي يشمل قطاعات الطيران والتعدين والبنية التحتية.
في هذا الإطار، تعهدت الولايات المتحدة بتقديم دعم مالي للشركات الأميركية المشاركة بتطوير مشروعات تعدين التنغستن في شرق قازاخستان.

بالنسبة لواشنطن، في عهد إدارة ترمب، تتماشى مذكرة التفاهم مع إستراتيجية أمن الموارد "أميركا أولًا" التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على الموردين الخصوم وإنشاء سلاسل توريد متنوعة.
وتدعم المذكرة جهود الولايات المتحدة لتأمين طرق التجارة البرية عبر آسيا الوسطى التي تتجاوز ممرات النقل التي تسيطر عليها روسيا والصين.
وبالنسبة لقازاخستان، توفر الشراكة إمكان الوصول إلى نقل التكنولوجيا والاستثمار الأجنبي واستقلالية جيوسياسية أكبر، ما يدعم سياسة الرئيس توكاييف الإصلاحية "قازاخستان الجديدة" ويوازن الترابط الاقتصادي للدولة مع موسكو وبكين.
وتعني تصريحات الرئيس ترمب خلال توقيع مذكرة التفاهم، التي تشير إلى خطط محتملة لزيارة مستقبلية إلى قازاخستان، استمرارَ الالتزام رفيع المستوى بتعميق العلاقات الثنائية.
ويتعزز توقيت مذكرة التفاهم بمشاركة الرئيس توكاييف في 7 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري في قمة آسيا الوسطى التي استضافتها الولايات المتحدة إلى جانب قادة من أوزبكستان وتركمانستان وقيرغيزستان وطاجيكستان.
ومن المتوقع أن تُعطي القمة -وهي الأولى من نوعها منذ عام 2018- الأولوية لمناقشة مواجهة النفوذ الروسي والصيني من خلال الحوافز الاقتصادية، وتعزيز الترابط الإقليمي (خصوصًا طريق التجارة "الممر الأوسط")، وتعزيز أمن الطاقة وسلاسل التوريد. وقد تُسفر هذه المناقشات عن اتفاقيات تجارية إضافية بمليارات الدولارات.
الامتثال للعقوبات والضمانات البيئية في قطاع التعدين
تطرح مذكرة التفاهم اعتباراتٍ تتعلق بالامتثال للعقوبات والضمانات البيئية في قطاع التعدين، لا سيما مع استمرار قازاخستان في التزامها باتفاق باريس للمناخ.
من الناحية الإستراتيجية، يُمكن لهذا التطور أن يُعيد تشكيل سلاسل التوريد العالمية: فالشراكة مع قازاخستان تُمكّن الولايات المتحدة وحلفاءها من تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي والمعادن الصينية في أعقاب حرب أوكرانيا، مع تعزيز تشكيل "تحالف للمعادن الحيوية" مثل شراكة أمن المعادن.
بالمثل، يُمكن لتوسيع إنتاج المعادن الأساسية قازاخستان أن يُسرّع تنويع اقتصادها بما يتجاوز النفط، الذي ما يزال يُمثّل 90% من صادرات البلاد، وقد يزيد نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة 2-3% في حال تحقيق الاستثمارات.
في المقابل، تشمل تحديات التنفيذ مخاطر الفساد، والآثار البيئية (خصوصًا في حوض بحر الآرال)، واحتمال مواجهة معارضة إستراتيجية من الصين.
عمومًا، تعكس مذكرة التفاهم دبلوماسية المصالح في بيئة متعددة الأقطاب، حيث تُمثّل الموارد الطبيعية أصولًا إستراتيجية تُشكّل سلوك الدولة ونفوذها الجيوسياسي.
إمكانات المعادن الأساسية في قازاخستان
تمتلك قازاخستان احتياطيات كبيرة أو إنتاجًا مستمرًا لما يقارب نصف المعادن الأساسية الـ54 التي حددتها هيئة المسح الجيولوجي الأميركية لعام 2025.
وبصفتها لاعبًا رئيسًا في إنتاج النحاس العالمي، باحتياطيات مؤكدة تبلغ 20 مليون طن، وإنتاج سنوي يبلغ نحو 600 ألف طن، تتميز قازاخستان بكونها من أكبر منتجي الرصاص والفضة والسيليكون والكروم واليورانيوم والباريت والمنغنيز.
إضافة إلى ذلك، تتمتع قازاخستان بإمكانات هائلة في المعادن الأرضية النادرة، مثل البريليوم والإتريوم والنيوبيوم والتنغستن والغاليوم والسيزيوم، حيث تشير التقديرات الأولية إلى احتياطيات تصل إلى عشرات الآلاف من الأطنان، وهي حيوية لتطوير تقنيات الطاقة النظيفة والتصنيع عالي التقنية.
في عام 2025، أطلقت الدولة مبادرة تمويلية بقيمة مليار دولار أميركي تمتد من عام 2025 إلى عام 2030 لبناء بُنيتها التحتية الخاصة لمعالجة المعادن الأرضية النادرة، بهدف الارتقاء بمستوى القيمة وتقويض هيمنة الصين على السوق.
وما تزال صناعة التعدين تُرسّخ الإطار الاقتصادي لقازاخستان، ما يدفع الحكومة إلى التركيز على التنقيب الصديق للبيئة وتعميق التكامل مع شبكات التوريد الدولية لهذه الموارد المهمة.

أكوام خام الحديد في منجم سيمي بقازاخستان – الصورة من بلومبرغ
أسواق تصدير المعادن الأساسية في قازاخستان
تشمل الأسواق الرئيس لتصدير المعادن الأساسية في قازاخستان الصين، أكبر شريك تجاري لها ومستثمرًا رئيسًا في النحاس والزنك والرصاص واليورانيوم، على الرغم من أن هذه العلاقة تزيد من مخاطر الاعتماد الإستراتيجي.
من جهته، برز الاتحاد الأوروبي شريكًا مهمًا آخر من خلال مذكرة التفاهم بين الاتحاد الأوروبي وقازاخستان لعام 2022 بشأن المواد الخام وسلاسل قيمة البطاريات، بدعم مالي من مؤسسات مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.
ووسّعت الولايات المتحدة نطاق مشاركتها، لا سيما في مجال التنغستن والليثيوم والمعادن الأرضية النادرة، عقب مذكرة التفاهم لعام 2025 التي تهدف إلى تنويع سلاسل التوريد العالمية.
وتستورد تركيا الزنك والألمنيوم القازاخستانيين، وتُشكّل ممرًا إستراتيجيًا للعبور، بينما تُطوّر اليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة شراكات جديدة في مجال الاستكشاف والمعالجة، بما في ذلك مشروعات استخراج الليثيوم في شرق قازاخستان.
وبفضل موقعها الجغرافي بين الشرق والغرب، تستطيع قازاخستان موازنة هذه العلاقات، مُعززةً بذلك قدرتها التفاوضية في ظلّ الطلب العالمي المتزايد على المعادن الأساسية لتحوّل الطاقة الخضراء والتقنيات المتقدمة.
البنود الرئيسة لمذكرة التفاهم
خلال القمة العاشرة لمجموعة الدول الـ5 زائد واحد (C5+1) المنعقدة في واشنطن العاصمة، وقّعت الولايات المتحدة وقازاخستان رسميًا مذكرة تفاهم تعزز الجهود التعاونية في استكشاف المعادن الأساسية واستخراجها وتكريرها، مثل المعادن الأرضية النادرة واليورانيوم والتنغستن والنحاس والذهب.
وأعطت المذكرة الأولوية لإنشاء سلاسل توريد قوية لتقليل اعتماد أميركا على عمليات المعالجة التي تهيمن عليها الصين.
وتعزز الاتفاقية مشاركة القطاع الخاص في استخراج المعادن الأساسية ومعالجتها في قازاخستان من خلال طرح آليات تمويل مبتكرة لدعم المشروعات التي تضم شركات أميركية وقازاخستانية.
واستكمالًا لذلك، سيدفع اتفاق متزامن بقيمة 1.1 مليار دولار أميركي بين شركة كوف كابيتال الأميركية (Cove Capital) وشركة تاو-كين سامروك (JSC Tau-Ken Samruk) المملوكة للدولة في قازاخستان، عجلةَ استغلال احتياطي كبير من التنغستن.
ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج الأولي في غضون 3 سنوات ونصف تقريبًا.
وتعمل هذه المبادرات مجتمعة على تعزيز الأهداف الشاملة لمنصة مجموعة الدول الـ5 زائد واحد، التي تؤكد تعميق الترابط الاقتصادي وتعزيز التعاون الدفاعي في جميع أنحاء آسيا الوسطى.

الخلاصة
تُمثّل مذكرة التفاهم بين قازاخستان والولايات المتحدة الأميركية بشأن المعادن الأساسية، التي وُضعت اللمسات الأخيرة عليها في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، نقطة تحول في علاقات الطاقة في آسيا الوسطى.
وتُرسي مذكرة التفاهم هذه صلةً حيويةً بين الموارد الطبيعية الوفيرة التي تمتلكها قازاخستان وجهود أميركا لتعزيز سلاسل التوريد لهذه الموارد المهمة.
وتندرج هذه الاتفاقية ضمن إطار شراكة واسعة النطاق بقيمة 17 مليار دولار، وهي تُعزز التقدم في تبادل المعرفة، وجذب رؤوس الأموال، وتوسيع نطاق العروض التجارية لقازاخستان.
وتُجسّد هذه الاتفاقية بوضوح دبلوماسية أستانا الواقعية متعددة التوجهات، التي تُدير علاقاتها ببراعة مع كبار اللاعبين العالميين، في الوقت الذي تُعزز فيه رؤية الرئيس توكاييف للتجديد الوطني التدريجي.
من وجهة نظر واشنطن، تُعزز مذكرة التفاهم متانة خطوط الإمداد الأساسية وتُفاقم تنافسها مع بكين، بينما تُرسّخ إطار تحالفات "الأصدقاء" في مجال المعادن.
وبالنسبة لقازاخستان، يُتيح هذا التعاون فرصًا لتقليل الاعتماد على صادرات النفط، وتعزيز قدراتها التصنيعية، وترسيخ نفوذها في المنطقة.
تجدر الإشارة إلى أن تحقيق هذا التعاون يتطلب معالجةً حكيمةً للآثار البيئية، والعقبات المؤسسية، والتوازنات الدولية الدقيقة.
ووسط التوقعات التي تُشير إلى ارتفاع مُحتمل في احتياجات العالم من المعادن الأساسية بمقدار 40 ضعفًا بحلول منتصف القرن، ستتعزز بلا شك مكانة قازاخستان موردًا محايدًا ومتميزًا، ما يُرسّخ مركزها دولةً محوريةً في تشكيل الخطوط الإستراتيجية للتحول نحو الطاقة المستدامة.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- الجزائر تخطط للتعاون مع قازاخستان في استكشاف النفط والغاز والكهرباء والتعدين
- روساتوم الروسية تنفذ أول مشروع طاقة نووية في قازاخستان
- قازاخستان تنفي ارتفاع إنتاجها النفطي في أغسطس 2025
اقرأ أيضًا..
- مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في الربع الثالث (ملف خاص)
- خريطة توقعات الطلب العالمي على الكهرباء بالقطاعات حتى 2050
- واردات الإمارات من الألواح الشمسية الصينية تقفز 88%





