أنس الحجي: قرار أوبك+ يعكس الاستقلال.. والسعودية تتعامل بمبدأ "تحييد النفط"
أحمد بدر

شهدت الأسواق النفطية تفاعلات واسعة عقب إعلان مجموعة الـ8 الأعضاء في تحالف أوبك+ قرارها الأخير بشأن مستويات الإنتاج، إذ قررت وقف أيّ زيادات إضافية خلال الربع الأول من العام المقبل 2026، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا بين المراقبين حول دوافعها وتأثيراتها المحتملة في توازن السوق العالمي.
وأوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن قرار المجموعة جاء امتدادًا لتوجُّهها في إدارة المعروض النفطي بدقّة، مشيرًا إلى أن الاجتماع الأخير الذي لم يستغرق أكثر من 14 دقيقة أسفر عن زيادة سقف الإنتاج في ديسمبر/كانون الأول 2025 بنحو 137 ألف برميل يوميًا فقط.
وأشار إلى أن تلك الزيادة تتعلق بسقف الحصص الإنتاجية وليس بالإنتاج الفعلي، إذ لا تستطيع بعض الدول الأعضاء في أوبك+ رفع إنتاجها إطلاقًا لأسباب تتعلق بالطاقة الإنتاجية المحدودة، وهو ما يجعل أثر القرار في السوق محدودًا رغم تفاعلات الإعلام العالمية.
وبيّن أن وسائل الإعلام المعادية فسّرت القرار بأنه يعكس تخوّف المجموعة من تراجع الطلب أو وجود فائض في المعروض، لكن هذه التفسيرات غير منطقية، وتفتقر إلى الأساس الفني، فالمجموعة سبق أن اتخذت قرارات مشابهة في ظروف موسمية مماثلة.
جاءت التصريحات خلال حلقة جديدة من برنامج "أنسيات الطاقة"، قدّمها أنس الحجي عبر مساحات منصة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقًا)، بعنوان: "أثر قرار مجموعة الثمانية في أوبك+ وقف زيادة الإنتاج في أسواق النفط".
خلفيات القرار ومغزاه في السوق
أكد أنس الحجي أن مجموعة الـ8 في أوبك+ قررت الاجتماع شهريًا لتقييم مستويات الإنتاج، وهو نهج يهدف إلى زيادة المرونة في التعامل مع التقلبات السوقية، والقرار الأخير بعدم الزيادة في الربع الأول 2026 جاء ليتماشى مع التراجع الموسمي في الطلب العالمي على النفط خلال تلك المدة.
وأوضح أن هذه السياسة ليست جديدة، إذ سبق للمجموعة تأجيل استعادة الخفض الطوعي في أكتوبر/تشرين الأول إلى ديسمبر/كانون الأول عام 2024، ثم إلى أبريل/نيسان 2025، وهي مدة يكون فيها الطلب -عادة- منخفضًا لأسباب فصلية، مما يجعل تأجيل الزيادات أمرًا منطقيًا، وغير مرتبط بأيّ تخوّف من فائض في السوق.
وبيّن أن بعض التفسيرات الإعلامية التي تزعم تراجع أوبك+ تحت ضغط سياسي أو اقتصادي لا تستند إلى أدلة حقيقية، إذ إن المجموعة أثبتت خلال الأعوام الماضية أنها تتصرف بناءً على قراءتها للمعطيات السوقية، وليس استجابة لضغوط خارجية.

وأشار أنس الحجي إلى أن التوقعات التي صدرت في منتصف عام 2025 كانت تشير إلى انهيار أسعار النفط لمستويات الأربعينيات أو الثلاثينيات، إذا أعادت المجموعة التخفيضات الطوعية، إلّا أن الأسعار بقيت في نطاق الستينيات، مما يثبت دقة تقديرات أوبك+ مقارنةً بتوقعات المؤسسات الأخرى.
ولفت إلى أن الأسواق تأثرت نفسيًا بالقرار الأخير لمجموعة الدول الـ8، إذ أعاد الثقة في قدرتها على إدارة التوازن العالمي للنفط، حتى إن كان الأثر الفعلي محدودًا بسبب ضعف إمكانات بعض الدول في رفع الإنتاج.
وأكد أن أوبك+ بهذا القرار تمكّنت من تهدئة السردية الإعلامية حول "هبوط الطلب" و"تخمة المعروض"، إذ إن وقف الزيادات مؤقتًا يُظهر أن التحالف يراقب السوق بدقّة ويتدخل عند الحاجة، دون أن تفرط في زيادة الإمدادات أو تقليلها.
وشدّد الحجي على أن تقييم القرار يجب أن يُنظر إليه في سياق السياسة الإنتاجية الطويلة الأمد للمجموعة، التي توازن بين حماية الأسعار واستقرار السوق من جهة، وضمان استمرار الإمدادات بشكل مستدام من جهة أخرى.
العوامل السياسية والحياد السعودي
قال أنس الحجي، إن بعض وسائل الإعلام فسّرت قرارات أوبك+ بأنها تأتي لإرضاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهو ما وصفه بأنه "أمر مضحك وغير منطقي"، مؤكدًا أن تلك التحليلات تتجاهل سوابق عديدة أظهرت استقلال قرار المجموعة عن أيّ ضغوط سياسية أميركية.
وأشار إلى شائعات ترددت على منصة "إكس" بشأن زيارة مرتقبة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة بهدف خفض الأسعار، مؤكّدًا أن هذا التفسير بعيد تمامًا عن الواقع السياسي والاقتصادي الذي تتعامل به السعودية.
وأوضح أن السياسة السعودية قائمة على مبدأ "تحييد النفط" عن المباحثات الدولية، سواء مع الصين أو الهند أو الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية، مشيرًا إلى أن المملكة تسعى دائمًا للتركيز في هذه اللقاءات على مصالحها التنموية والاستثمارية، لا على الأسعار النفطية.

وأضاف أنس الحجي أن هذه المقاربة الذكية تُمكّن السعودية من تجنّب أيّ استنزاف سياسي في مفاوضات الطاقة، وتسمح لها بتثبيت موقعها القيادي داخل أوبك+ دون ربط قراراتها بالمواقف الدولية أو بالمطالب الآنية للدول الكبرى.
وبيّن أن هذا النهج تأكّد مرارًا منذ عام 2018، عندما اتخذ تحالف أوبك+ عددًا من القرارات المغايرة تمامًا لرغبات الإدارة الأميركية آنذاك، ما يعكس تمسّك التحالف بخطِّه المستقل وبمبدأ اتخاذ قراراته وفقًا لمصالحه الاقتصادية فقط.
وأكد أن وقف الزيادة في الإنتاج للربع الأول 2026 جاء جزءًا من هذا التوجه الاستقلالي، وليس تنازلًا أو تراجعًا أمام أيّ طرف، موضّحًا أن الأسواق تلقّت القرار بإيجابية معتدلة، لكونه يعزّز الاستقرار ويحدّ من التقلبات السريعة.
وختم الحجي تصريحاته بتأكيد أن القرار الأخير لمجموعة الثمانية في أوبك+ كان له أثر نفسي أكثر منه فعليًا في الأسعار، لكنه يعكس انسجامًا داخل المجموعة، وقدرة على قراءة المشهد العالمي بدقة، والتعامل معه بمرونة عالية.
موضوعات متعلقة..
- إنتاج أوبك+ النفطي في سبتمبر يرتفع 630 ألف برميل يوميًا
- هل تتراجع الطاقة الإنتاجية الفائضة بعودة تخفيضات أوبك+؟ (تقرير)
- أنس الحجي: دول أوبك+ رفعت "سقف الإنتاج" فقط.. وهذه أسباب انخفاض الطلب (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- قطاع الطاقة في إثيوبيا.. إمكانات متجددة وغموض حول موارد النفط والغاز
- تحليل سهم أرامكو بعد تراجع الأرباح.. 4 خبراء يكشفون سر الاتجاه الصاعد (تقرير)
- آيرينا: الطاقة المتجددة تحقق طفرة غير مسبوقة في مشروعات الكهرباء الجديدة (تقرير)
المصدر..





