المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةمقالات النفطنفط

صادرات النفط الروسي في مواجهة عقوبات ترمب.. لوك أويل وروسنفط أحدث الضحايا (مقال)

فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • العقوبات الأميركية تستهدف شركتَي لوك أويل وروسنفط الروسيتَيْن و36 من شركاتهما الفرعية
  • لوك أويل وروسنفط ركيزتان أساسيتان في اقتصاد الهيدروكربون الروسي
  • شركات هندية وصينية أوقفت عمليات الشراء الفورية الجديدة للنفط الروسي من لوك أويل وروسنفط
  • توقعات بأن يواصل "أسطول الظل" الروسي تصدير ما بين 3 و3.5 مليون برميل يوميًا

تمثّل شركتا لوك أويل وروسنفط هدفَيْن كبيرَيْن جديدَيْن للعقوبات الأميركية على صادرات النفط الروسية التي تشكّل موردًا رئيسًا لاقتصاد البلاد.

في تصعيد شامل لإستراتيجية واشنطن في فرض العقوبات، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، التابع لوزارة الخزانة الأميركية، شركتي لوك أويل (Lukoil) وروسنفط (Rosneft) الروسيتَيْن و36 من شركاتهما الفرعية على قائمة "الرعايا المعنيين خصوصًا".

ويُجمّد هذا التصنيف فعليًا جميع الأصول الخاضعة للسلطات الأميركية، ويحظر أي معاملات من قِبل كيانات أميركية أو أجنبية مع الشركات المستهدفة.

وتُغطي العقوبات الآن ما يُقدر بـ3 أرباع إجمالي صادرات النفط الروسي، مُمثلةً بذلك أشمل محاولة غربية حتى الآن لتفكيك شبكة النفط العالمية لموسكو.

آثار العقوبات

تُعدّ الآثار المترتبة على العقوبات المفروضة على أكبر شركتَيْن نفطيتَيْن عملاقتَيْن في روسيا، خاصة أو حكومية، فورية وعميقة.

وتُعد لوك أويل وروسنفط -وهما ركيزتان أساسيتان في اقتصاد الهيدروكربون الروسي ومساهمتان رئيستان في الإيرادات الفيدرالية- معزولتين فعليًا الآن عن أسواق رأس المال العالمية، والخدمات المالية، وقنوات التجارة الغربية.

وتمنعهما العقوبات من الوصول إلى المؤسسات المالية الأميركية ومن أي معاملات ثانوية تتعلّق بالدولار والتأمين والشحن والمشتقات المالية، التي تشكّل مجتمعة أساس تجارة النفط العالمية.

خزانات النفط التابعة لشركة لوك أويل في العاصمة البلجيكية بروكسل
خزانات النفط التابعة لشركة لوك أويل في العاصمة البلجيكية بروكسل - الصورة من بلومبرغ

التداعيات الفورية على الشركتَيْن

بالنسبة إلى شركة لوك أويل، كانت الصدمة جليةً فورًا تقريبًا.

وألغت الشركة اجتماعًا مُقررًا لمجلس إدارتها لمناقشة توزيعات الأرباح، ما يُشير إلى حالة من الضبابية المالية العميقة وضغط محتمل على السيولة.

وتعكس هذه الخطوة، غير المسبوقة في تاريخ لوك أويل الممتد لـ3 عقود، اضطراب التدفق النقدي وصعوبة الحفاظ على توزيعات أرباح المساهمين في ظل تجميد الأصول، وانسداد قنوات الدفع، وبيئة تنظيمية غير مستقرة لشركاتها الفرعية الأجنبية.

وبالنسبة إلى شركة روسنفط، يُفاقم هذا التأثير الضغوط الهيكلية القائمة مسبقًا.

وتُعاني الشركة حاليًا من وطأة الديون وقيود التصدير، وتواجه الآن احتمال التخارج من أصول خارجية، بما في ذلك حصصها في شبكات التكرير والمشروعات المشتركة في أوروبا وآسيا.

ومنحت الولايات المتحدة كلتا الشركتَيْن مهلة حتى 21 نوفمبر/تشرين الثاني لتصفية عملياتهما بموجب الترخيص العام رقم 126 الصادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، وبعد ذلك يُصبح أي تعامل مستمر جريمة جنائية بموجب القانون الأميركي.

إزاء ذلك، تعدّ كلتا الشركتَيْن خطط طوارئ لبيع الأصول وإعادة هيكلة الملكية.

بدورها، أعلنت شركة لوك أويل أنها ستبيع عدة استثمارات أجنبية، "وفقًا لرخصة التخارج الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية"، وهي عمليةٌ استهلت مراجعات من رومانيا وهولندا.

وتسعى الشركة إلى تمديد رخصة التخارج لضمان "تصفية منظمة" وحماية العمليات الجارية في الولايات القضائية الملتزمة.

الضغوط المالية والانكشاف على السوق

تأتي العقوبات الجديدة في ظل تدهور سوق النفط؛ إذ غيّر تحالف أوبك+ إستراتيجيته من دعم الأسعار إلى استعادة حصته السوقية، مُعيدةً بذلك تفعيل إستراتيجية حرب الأسعار التي سادت بين عامَي 2014 و2016.

ونتيجة لتداول خام برنت بسعر يتراوح بين 60 و65 دولارًا للبرميل، يبدو التحالف عازمًا على خفض أسعار منتجي النفط الصخري الأميركيين، الذين يحتاجون عادة إلى سعر يتراوح بين 65 و70 دولارًا للبرميل للحفاظ على أرباحهم.

وتؤثر هذه البيئة سلبًا في المنتجين الروس بصفة خاصة، فارتفاع قيمة الروبل -الذي يقترب من 89 روبلًا للدولار- يُقلّص هوامش الربح، مع انخفاض السعر المحلي للبرميل إلى نحو 4 آلاف و300 روبل (53.50 دولارًا)، وهو أدنى مستوى له منذ أكثر من عامين.

وتُظهر نتائج شركة لوك أويل للنصف الأول من عام 2025 عمق الأزمة:

(روبل روسي = 0.012 دولارًا أميركيًا)

  • الإيرادات: انخفضت بنسبة 17% على أساس سنوي، لتصل إلى 3.6 تريليون روبل.
  • صافي الربح: انخفض بنسبة 50%، ليصل إلى 287 مليار روبل.
  • التدفق النقدي الحر: انخفض بنسبة 29%، ليصل إلى 325 مليار روبل.

كانت نتائج شركة روسنفط أكثر قتامة:

  • الإيرادات: انخفضت بنسبة 18%، لتصل إلى 4.26 تريليون روبل.
  • صافي الربح: انخفض 3.2 مرة ليصل إلى 245 مليار روبل.
  • التدفق النقدي الحر: انخفض بنسبة 75%، ليصل إلى 173 مليار روبل.

ومع توقع استمرار ضعف أداء الربع الثالث، يستعد المستثمرون لتخفيضات كبيرة في توزيعات الأرباح، وإعادة هيكلة الديون، واحتمال تخفيض التصنيف الائتماني من قِبل وكالات التصنيف الائتماني المحلية.

ويحذّر محللو السوق من أن هذه التطورات قد تُؤدي إلى موجة بيع شاملة في بورصة موسكو.

وتُشكّل شركتا لوك أويل وروسنفط معًا نحو 19% من مؤشر بورصة موسكو، في حين يُمثّل قطاع النفط والغاز بأكمله نحو 47% من إجمالي القيمة السوقية.

وبالتالي، قد يُؤثّر انخفاض حاد في أسعار أسهمهما سلبًا في النظام المالي الروسي، مُقوّضًا بذلك صناديق التقاعد، وأصول الثروة السيادية، والمحافظ الاستثمارية الخاصة.

وتُعزّز المؤشرات التقنية هذا التوجّه الهبوطي:

  • شكّلت شركة روسنفط نموذجًا عكسيًا مزدوج القيمة، ما يشير إلى اتجاه هبوطي طويل الأمد.
  • أكمل سهم لوك أويل نموذج الرأس والكتفَيْن، ما يشير إلى احتمال اختراق مستويات الدعم الرئيسة عند 4 آلاف و500 روبل؛ وهي منطقة السعر التي شُوهدت آخر مرة خلال الأزمة المالية العالمية عام 2009.
محطة ضخ تابعة لشركة روسنفط في روسيا
محطة ضخ تابعة لشركة روسنفط في روسيا - الصورة من بلومبرغ

التداعيات العالمية على الأصول

تُبرز محفظة لوك أويل الدولية حجم الاضطراب المحتمل.

وتعمل الشركة في أكثر من 30 دولة، وتدير أصولًا تغطي سلسلة القيمة الكاملة للطاقة، بدءًا من التنقيب عن النفط في الاستكشاف والإنتاج في العراق وقازاخستان وأوزبكستان، وصولًا إلى التكرير في أوروبا، وشبكات البيع بالتجزئة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنطقة البلقان.

تشمل أهم استثماراتها الأجنبية ما يلي:

أوروبا:

  • بلغاريا: لوك أويل نفتوهيم بورغاس، أكبر مصفاة في البلقان (7.5 مليون طن سنويًا).
  • رومانيا: مصفاة بتروتل-لوك أويل (2.4 مليون طن).
  • هولندا: حصة 45% في مصفاة زيلاند، وهي جزء من مركز أمستردام-روتردام-أنتويرب.
  • إيطاليا: مصفاة "إيساب" السابقة في صقلية، بِيعت لشركة "جي آي أوه إنرجي" (GOI Energy) في عام 2023.

أوراسيا:

  • قازاخستان: حصص في تنجيزشيفرويل (5%)، وكاراتشاغاناك بتروليوم (13.5%)، وائتلاف خط أنابيب بحر قزوين (12.5%).
  • أذربيجان: 20% في حقل غاز شاه دنيز وخط أنابيب جنوب القوقاز.
  • أوزبكستان: 90% في مشروع كانديم-خوزاك-شادي، وملكية كاملة لحقل جنوب غرب جيسار، وكلاهما حقل رئيس للغاز.

الشرق الأوسط:

  • العراق: حصة 75% في غرب القرنة 2، أحد أكبر حقول النفط في العالم.
  • الإمارات العربية المتحدة: 10% في امتياز "غشا" للغاز الحامض، وهو مشروع رائد تقوده أدنوك (ADNOC).
  • مصر: شراكات إنتاج في حقلَي مليحة وغرب عش الملاحة.

أفريقيا:
حصص في مشروعات بحرية في الكاميرون ونيجيريا وغانا والكونغو (برازافيل).

الأميركتان:

  • المكسيك: حقول بحرية متعددة في حوض شوريستي.
  • الولايات المتحدة: شبكة تضم 194 محطة وقود في نيوجيرسي وبنسلفانيا ونيويورك، معظمها بنظام الامتياز.

ولن تُجبر العقوبات شركة لوك أويل على بيع حصص أقل من 50% فورًا، لكن قدرتها على إدارة هذه المشروعات أو تمويلها أو تحصيل دخل منها أصبحت الآن مشلولة.

واستُثنيت فقط مشروعات حيوية لصادرات الطاقة القازاخستانية، إذ سعى صانعو السياسات الأميركيون إلى تجنّب زعزعة استقرار سلاسل التوريد الإقليمية.

وضع روسنفط في ألمانيا وأوروبا

بالنسبة إلى روسنفط، يُعدّ الوضع في أوروبا حساسًا للغاية. تخضع شركتاها الألمانيتان التابعتان لها -روسنفط دويتشلاند (Rosneft Deutschland) و"آر إن ريفاينينغ آند ماركتنغ" (RN Refining & Marketing)- لإدارة خارجية منذ عام 2022، إذ تسيطران على حصص رئيسة في 3 مصافي تكرير:

  • بي سي كي رافينيري (شفيدت): حصة 54.17%.
  • ميرو (كارلسروه): حصة 24%.
  • بايرن أويل (فوهبورغ): حصة 28.57%.

وتمثّل هذه الأصول نحو 12% من إجمالي قدرة التكرير في ألمانيا، وتُعد إستراتيجية لأمن الطاقة في برلين. وبعد مفاوضات دبلوماسية مكثفة، منحت وزارة الخزانة الأميركية ضمانات كتابية تُعفي هذه الشركات التابعة من العقوبات الجديدة، مُقرةً بانفصالها التام عن سيطرة موسكو.

في المقابل، لا تزال الصورة الأوسع لروسنفط قاتمة. فقد توقفت عمليات الشركة في التجارة والشحن والتمويل الأوروبية بصورة شبه كاملة.

وتشمل العقوبات مصافي روسنفط الـ8 وشركاتها التابعة الـ20، ما يقطع الوصول إلى أسواق التأمين العالمية، ويدفعها إلى التراجع نحو العمليات المحلية المقومة بالروبل.

وهذه هي آلية العمل: أصدرت الولايات المتحدة "رسالة طمأنة" إلى ألمانيا تؤكد فيها إعفاء عمليات روسنفط في ألمانيا من عقوباتها الجديدة، لأنها تُعد منفصلة تمامًا عن الشركة الأم الروسية.

وفي الوقت نفسه، احتجت الهند على ما وصفته بـ"ازدواجية المعايير"، مشيرةً إلى أن ألمانيا (والمملكة المتحدة) نجحتا في الحصول على إعفاءات، في حين لم تحصل الهند، التي تمتلك فرعًا لروسنفط، على إعفاء مماثل بعد.

المشترون الآسيويون والحل البديل "أسطول الظل"

تشير تقارير من رويترز وبلومبرغ إلى أن شركة ريلاينس إندستريز الهندية (Reliance Industries) وشركات النفط الحكومية الصينية الكبرى -بتروتشاينا، وسينوبك، وسينوك، وتشنهوا- أوقفت عمليات الشراء الفورية الجديدة للنفط الروسي من لوك أويل وروسنفط عقب العقوبات.

ويرى معظم المحللين أن هذا تعديل مؤقت، وليس تحولًا هيكليًا، ولكل من البلدَيْن سجل حافل في تجاوز القيود الغربية من خلال وسطاء، وعمليات نقل بين السفن، والمدفوعات بغير الدولار.

ومن المتوقع أن يواصل ما يُسمّى "أسطول الظل" الروسي، وهو شبكة فضفاضة من مئات الناقلات تعمل تحت أعلام غامضة وهياكل ملكية غامضة، تصدير ما بين 3 و3.5 مليون برميل يوميًا.

ومن شأن ظهور مراكز تجارية بديلة في دبي وهونغ كونغ وسنغافورة أن يزيد من عزلة المصدرين الروس عن الرقابة الغربية، وإن كان ذلك على حساب خصومات أكبر ونفقات تشغيلية أعلى.

بعد إعلان العقوبات، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 5% فقط، لتصل إلى 66 دولارًا للبرميل، وهو رد فعل متواضع لا يتماشى مع المخاوف من صدمة في المعروض العالمي.

ويشير هذا الرد الفاتر إلى أن الأسواق تفترض استمرار تدفق البراميل الروسية، وإن كان عبر مسارات أكثر تعقيدًا.

ناقلة النفط الروسي إيفنتين التي تحمل علم بنما
ناقلة النفط الروسي إيفنتين التي تحمل علم بنما - الصورة من الغارديان

حسابات سياسة واشنطن

وفقًا لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، فُرضت العقوبات بسبب "عدم جدية روسيا في الالتزام بعملية السلام"، و"كبح قدرتها على تمويل الحرب في أوكرانيا".

وتأتي الخطوة الأميركية في أعقاب مواءمة أوسع نطاقًا لإستراتيجية واشنطن في عهد إدارة ترمب، التي اختارت فرض عقوبات دقيقة تستهدف القطاعات الرئيسة المدرة للدخل بدلًا من فرض حظر شامل.

من ناحيتها، حذت المملكة المتحدة حذوها، ففرضت عقوبات على شركة لوك أويل و6 شركات تابعة لها في وقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول 2025.

وأضافت حزمة العقوبات الـ19 للاتحاد الأوروبي قيودًا جديدة على شركتَي روسنفط وغازبروم نفط (Gazprom Neft)، بما في ذلك حظر كامل على معاملات الاتحاد الأوروبي مع هاتَيْن الشركتَيْن.

وحصلت ألمانيا على إعفاءات محدودة لمصافيها، لكن الاتحاد الأوروبي أبدى استعداده لمزيد من الخطوات التصعيدية، خصوصًا إذا أعادت موسكو توجيه صادراتها نحو الوسطاء الخاضعين للعقوبات.

الرد الإستراتيجي الروسي

أقرّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، علنًا بخطورة العقوبات وعواقبها، لكنه أصرّ على أنها لن تُهدد "الرفاه الاقتصادي" لروسيا.

ووصف هذه الخطوة بأنها ضغط سياسي يهدف إلى تقويض سيادة روسيا، وحذّر من أن العقوبات قد "تضرّ بالعلاقات الروسية-الأميركية لسنوات مقبلة".

رغم ذلك، يواجه الكرملين، خلف الكواليس، تحديًا معقدًا؛ فقطاع الطاقة الروسي -الذي يُمثّل ما يقرب من 40% من الإيرادات الفيدرالية- يُجبر على التكيف الهيكلي.

وتُسرّع موسكو الآن من وتيرة تحوّلها نحو آسيا ودول الجنوب العالمي، مُعمّقةً علاقاتها مع الصين والهند والإمارات العربية المتحدة وإيران والشركاء الأفارقة، ومُوسّعةً نطاق استعمال أنظمة التسوية غير الدولارية، خصوصًا اليوان والروبية.

في الوقت نفسه، تستعدّ لوك أويل وروسنفط لإعادة هيكلة عملياتهما التجارية.

وفي أعقاب العقوبات السابقة في عام 2022، قامت لوك أويل بفصل ذراعها التجارية، ليتاسكو إس إيه (جنيف)، وليتاسكو الشرق الأوسط دي إم سي سي (دبي).

وقد فرضت المملكة المتحدة عقوبات على الأخيرة، المسؤولة عن التعامل مع النفط الروسي المنشأ، في يوليو/تموز 2025، وقد تحل محلها قريبًا شركة مسجلة حديثًا في دبي، وهي "الغاف مارين دي إم سي سي" (Alghaf Marine DMCC)، للحفاظ على الاستمرارية في آسيا.

وتشير الدلائل الأخيرة إلى أن الهند وروسيا تدرسان ترتيبات تجارية بديلة -بما في ذلك تبادلات محتملة على غرار المقايضة- لدعم التعاون الثنائي في مجال الطاقة في ظل تشديد العقوبات الأميركية والأوروبية.

وعلى الرغم من أنه لم يتم تأكيد أي صفقة مقايضة رسمية علنًا، فإن المناقشات بين شركة روساتوم الروسية (Rosatom) وأحواض بناء السفن الهندية بشأن بناء 4 كاسحات جليد غير نووية من فئة القطب الشمالي بقيمة تتراوح بين 700 و750 مليون دولار تقريبًا تشير إلى اتجاه متزايد للمعاملات القائمة على التعويض في قطاعات خارج نطاق الطاقة.

ويرى المحللون أن مثل هذه المشروعات تُعد جزءًا من إستراتيجية أوسع لتقليل التعرض للأنظمة المالية الغربية، خصوصًا أن الهند لا تصدر الروبية ولا تزال روابط البنوك المراسلة مع المؤسسات الروسية مقيدة.

بدورها، تواصل مصافي التكرير الهندية -بما في ذلك شركة ريلاينس إندستريز- استيراد كميات كبيرة من الخام الروسي، على الرغم من أنها تُراجع عقودها في ضوء العقوبات الأميركية الأخيرة.

وتشير بيانات السوق الحالية إلى أن خام الأورال يُتداول بسعر يتراوح بين 52 و53 دولارًا للبرميل، مع خصومات تتراوح بين 2 و3 دولارات للبرميل مقارنةً بالدرجات المرجعية.

وعلى الرغم من تضاؤل ​​هوامش الربح مقارنةً بالماضي، لا يزال النفط الروسي جذابًا تجاريًا لمصافي التكرير الهندية نظرًا إلى مرونته اللوجستية وهوامش تصدير المنتجات المكررة.

في هذا الإطار، تبرز المقايضة أو غيرها من التسويات غير النقدية -مثل بناء السفن أو الآلات أو نقل التكنولوجيا مقابل سلع الطاقة- بوصفها آليات فعّالة للحفاظ على استمرارية التجارة.

وبدلًا من كونها ارتدادًا رمزيًا، تعكس هذه الترتيبات تكيفًا عمليًا مع ضغط العقوبات وإعادة هندسة أطر الأمن الاقتصادي البطيئة في بيئة تجارية متعددة الأقطاب.

التداعيات السوقية والمخاطر

بينما يستمر تدفق النفط الروسي تُغير العقوبات طابعه، من سلعة شفافة تُتداول في البورصة إلى تجارة مُجزأة، مُحفوفة بالمخاطر، وغامضة، يهيمن عليها الوسطاء ولوجستيات السوق الموازية.

وقد يُغير هذا التطور هيكل تسعير وتمويل النفط العالمي بصفة دائمة، حيث تُباع المزيد من الشحنات بموجب عقود خاصة، متجاوزةً بذلك المعايير التقليدية مثل خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط.

وبالنسبة إلى أسواق الطاقة العالمية، يكمن الخطر في شقَيْن:

الأول، اضطرابات قصيرة الأجل بسبب الاختناقات اللوجستية والإفراط في الامتثال من قِبل شركات التأمين والشحن الغربية.

الآخر، تجزئة سوق النفط على المدى الطويل إلى أنظمة بيئية غربية وغير غربية، لكل منها أنظمة تسعير وتأمين وعملات خاصة بها.

وتشير تجارة النفط المُقيّمة بالروبل داخل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وتسويات اليوان في العقود الصينية الروسية، والآليات المالية الناشئة لمجموعة بريكس+، إلى اقتصاد طاقة موازٍ يتشكّل خارج نطاق السلطة القضائية الغربية.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب - الصورة من سي إن إن

التداعيات الجيوسياسية

تُمثل العقوبات الأميركية المفروضة على شركتَي لوك أويل وروسنفط نقطة تحول إستراتيجية في مواجهة الغرب مع روسيا.

ولأول مرة منذ الحرب الباردة، تجاوزت واشنطن مجرد فرض عقوبات على أفراد أو قطاعات هامشية، لتستهدف بصفة مباشرة مصادر الدخل الرئيسة للدولة الروسية.

وهذا ليس مجرد عقاب اقتصادي، بل هو حرب جيو-اقتصادية، تهدف إلى إعادة تشكيل أنماط التجارة العالمية، وتقويض القدرة المالية لموسكو على دعم طموحاتها الجيوسياسية.

وتعكس هذه الخطوة هدف واشنطن الأوسع: إعادة فرض سيطرتها على تدفقات الطاقة العالمية، وإعادة ترسيخ سلاسل التوريد ضمن المدار الغربي، وحرمان موسكو من الوصول إلى رأس المال والتكنولوجيا اللتَيْن لطالما دعمتا هيمنتها النفطية.

من جهة ثانية، فإن مخاطر الانعكاسات كبيرة؛ إذ تواجه أوروبا ضعفًا متجددًا في قطاع التكرير، خصوصًا في بلغاريا ورومانيا وألمانيا، حيث تترسخ أصول لوك أويل وروسنفط بعمق.

وقد تستغل مصافي التكرير الآسيوية هذا الاضطراب لتأمين خصومات أكبر من موسكو، ما يعزّز ممرات الطاقة ذاتها بين روسيا والصين والهند التي سعت العقوبات إلى إضعافها.

من الناحية الجيوسياسية، يُسرّع الإجراء الأميركي من انقسام النظام العالمي.

وستندمج روسيا، التي تتجه حاليًا شرقًا، بصورة أوثق في محور "التنين والدب" - الشراكة الإستراتيجية المؤسسية بين الصين وروسيا، التي تنضم إليها بصورة متزايدة إيران وكوريا الشمالية.

ويُضعف هذا التوافق هيمنة الأنظمة المالية وأطر التأمين والخدمات اللوجستية البحرية التي يسيطر عليها الغرب.

في جوهرها، قد تُعزّز محاولة واشنطن لعزل موسكو، بدلًا من ذلك، تكتل طاقة غير غربي، قادر على العمل خارج النظام القائم على الدولار.

ما يبرز هو عالم لم تعد فيه الطاقة مجرد سلعة، بل أصبحت سلاحًا جيوسياسيًا وأداة مالية.

وتبلور العقوبات المفروضة على شركتَي لوك أويل وروسنفط المرحلة التالية من الحرب الباردة الثانية: مواجهة طويلة الأمد على مستوى النظام بأكمله، لا تقتصر على ساحات القتال بل تشمل خطوط الأنابيب والعملات وشبكات التجارة التي تحدد توازن القوى في القرن الـ21.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق