حقول النفط المشتركة بين إيران والعراق.. لماذا قد تكبد طهران خسائر فادحة؟ (مقال)
أومود شوكري* - ترجمة: نوار صبح

- نحو 20% من احتياطيات إيران من النفط والغاز يقع في حقول مشتركة
- إنتاج النفط العراقي شهدَ زيادةً هائلةً بفضل الحقول المشتركة مثل ياران ويادافاران وآزادكان
- إيران أقل قدرة من العراق على الاستعمال الكامل لموارد الهيدروكربون المشتركة وتحسين الإنتاج
- بغداد تسعى لتجاوز قدرتها الإنتاجية 6 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2029
يرتبط إنتاج حقول النفط المشتركة بين إيران والعراق بالجوانب القانونية والتقنيات المتطورة وسط تفاوت الاستثمارات في هذه الموارد الغنية.
ويقع نحو 20% من احتياطيات طهران من النفط والغاز في حقول مشتركة مع دول مجاورة، وقد يؤدي عدم تطويرها إلى تكبُّد البلاد خسائر فادحة.
ويشهد استغلال حقول النفط المشتركة بين إيران والعراق منافسة شرسة، إذ نادرًا ما تكون الدول المجاورة مستعدة لتقاسُم الإنتاج بالتساوي.
وتسعى كل دولة إلى تعظيم حصّتها، ما يجعل من الضروري لإيران الاستثمار إستراتيجيًا على جبهتين: الحفاظ على الإنتاج الحالي مع توسيع القدرة الإنتاجية.
حقول النفط المشتركة بين إيران والعراق
بالنظر إلى الموارد الهالة لحقول النفط المشتركة بين إيران والعراق، يتطلع البلَدان إلى ضمان الحفاظ على حضور قوي في أسواق الطاقة العالمية.
وتُمثّل الحقول المشتركة على طول الحدود الشمالية والجنوبية لإيران ما يقرب من خُمس إجمالي احتياطيات البلاد.
ويُنذر أيّ تأخير في استغلال هذه الموارد بخسائر فادحة للمصالح الوطنية، ما يُبرز الحاجة المُلِحّة إلى إستراتيجيات تنمية منسّقة واستباقية.
طفرة إنتاج النفط العراقي من الحقول المشتركة
شهد إنتاج النفط العراقي زيادةً هائلةً بفضل الحقول المشتركة مثل ياران ويادافاران وآزادكان الواقعة على الحدود الإيرانية.
من نحو 300 ألف برميل يوميًا إلى ما يقرب من 4.5 مليون برميل يوميًا، شهد إجمالي إنتاج هذه الحقول زيادةً ملحوظةً، ما يُظهر استثماراتٍ كبيرةً وتطويرًا تدريجيًا وتعاونًا إستراتيجيًا.

وأنتجت المرحلة الأولية من تطوير حقل يادافاران 85 ألف برميل يوميًا، ومن المتوقع أن يزيد الإنتاج في المراحل اللاحقة إلى 180 ألف برميل يوميًا، ليصل في النهاية إلى 300 ألف برميل يوميًا.
وبالمثل، أضاف حقل آزادكان مؤخرًا 50 ألف برميل يوميًا.
وتهدف الخطط طويلة الأجل إلى مزيدٍ من النمو التدريجي وتحسيناتٍ في البنية التحتية للوصول إلى إنتاجٍ ثابتٍ يبلغ 550 ألف برميل يوميًا في غضون 8 سنوات.
وتشكّل حقول النفط المشتركة بين إيران والعراق جزءًا من تشكيلات جيولوجية أكبر لا تتوافق بشكل واضح مع الحدود السياسية، ما يفرض قضايا تقنية وقانونية ودبلوماسية صعبة فيما يتصل بالتنمية التعاونية والإدارة.
الحوكمة والفراغ القانوني في إيران
نظرًا لمشكلات الحوكمة والقانون، ما تزال إمكانات إيران في هذه القطاعات العابرة للحدود غير مستغلة إلى حدّ كبير.
من ناحية ثانية، لا توجد إجراءات واضحة لتنسيق تطوير الحقول التعاونية مع العراق بموجب نظام عقود البترول الإيرانية (IPC)، الذي ينظّم عمليات الاستكشاف والتطوير والإنتاج مع الشركاء الدوليين.
وتحتفظ إيران بحصّتها من الاحتياطيات، لكن عقود خدمة المخاطر، التي تستلزم التعاون مع شركات الاستكشاف والإنتاج الإيرانية، تحدّ من التدخل الخارجي.
ورغم وجود لجان إدارة مشتركة بموجب نظام عقود البترول الإيرانية، فإن التعاون الفعّال مع العراق لا يضمنه أيّ إطار تشريعي ثنائي أو خطة إستراتيجية شاملة.
ونتيجةً لنقص الاستثمار والتطوير دون المستوى الناتج عن هذه الفجوة في الحوكمة، فإن إيران أقل قدرة من نظيرها العراقي على الاستعمال الكامل لموارد الهيدروكربون المشتركة وتحسين الإنتاج.
ثغرات سياسية أو إستراتيجية
تكشف حقول النفط والغاز المشتركة بين إيران ودول مجاورة مثل العراق والمملكة العربية السعودية وقطر عن نمط من أوجه القصور السياسية والإستراتيجية التي تحدّ من الاستغلال الكامل للموارد.
بدورها، تُثني العقوبات وضعف القطاع الخاص الاستثمار الأجنبي، بينما تعوق الأطر القانونية والمؤسسية غير الكافية التطوير المشترك.
وانخفضت استثمارات الاستكشاف والإنتاج من 18 مليار دولار في التسعينيات إلى نحو 3 مليارات دولار سنويًا منذ عام 2017.
في المقابل، تجذب العراق والمملكة العربية السعودية، اللتان تتمتعان باحتياطيات متقاربة، رؤوس أموال دولية كبيرة لتعزيز الإنتاج، مثل التقدم الذي أحرزته المملكة العربية السعودية في حقلي المرجان (فوروزان) وحصبة (فرزاد)، حيث ما تزال إيرادات إيران ضئيلة.
ويُفاقم تشتُّت الحوكمة في إيران، المنقسمة بين كيانات حكومية دون تنسيق موحّد، من عرقلة اتخاذ القرارات والإدارة المشتركة للحقول، ما يُنتج جزءًا ضئيلًا فقط من الإنتاج المحتمل، بينما تستحوذ الدول المجاورة على معظم المنافع.
على صعيد آخر، تعوق العقوبات المطولة وثغرات الحوكمة الوصول إلى التقنيات المتقدمة والتمويل، ما يحدّ من معدلات الاستخراج بنسبة تتراوح بين 5% و10% في مكامن النفط الثقيل، مقارنةً بالمعدلات الأعلى التي يحققها الشركاء مع شركات النفط العالمية.
وبالنظر إلى حقولٍ تحتوي على ما يُقدر بـ 64 مليار برميل، تعتمد وزارة النفط الإيرانية على حصصٍ ضئيلة من الإيرادات لتمويل هذه التحديات التقنية.
ويؤدي هذا الفراغ الهيكلي إلى استمرار ضعف الأداء، ما يزيد من مخاطر التهميش في أصول الطاقة الحيوية في غياب الإصلاحات وتخفيف العقوبات وتحسينات الحوكمة.
عودة إكسون موبيل إلى العراق وتداعياتها الإقليمية
تُبرز عودة شركة إكسون موبيل الأميركية (ExxonMobil) المتوقعة إلى جنوب العراق تنامي الحماسة العالمية لصناعة النفط في البلاد، وتعكس اتجاهات الطاقة الإقليمية الأوسع.
وتُجري الشركة محادثاتٍ مع وزارة النفط العراقية وشركة تسويق النفط العراقية "سومو" (SOMO) لإبرام اتفاقيةٍ مبدئية لاستئناف العمليات في حقل مجنون الواقع على الحدود مع إيران.
وبعد انسحابها في أوائل عام 2024 بسبب شروط العقد غير المُثلى والاضطرابات السياسية، تستعد إكسون موبيل، حاليًا، لإطلاق تقييمات تجارية وتقنية، ما يُمهّد الطريق لمباحثات عقد تقاسم الإنتاج التي قد تمتدّ لسنواتٍ عديدة.
وعلى الرغم من وجود عقباتٍ مثل ضعف البنية التحتية وندرة المياه في حقل مجنون، فإن هذا الانتعاش يُظهر الثقة في استمرار إنتاج العراق.
وفي نهاية المطاف، ستُعزز هذه المبادرة مستويات إنتاج العراق وتجذب المزيد من رأس المال الأجنبي، مع كشفها التفاوتات الكبيرة في تعامل إيران مع الحقول المشتركة، حيث عاقت العقبات المؤسسية تحقيق تقدّمٍ مُماثل.
ومن المتوقع أن تُعزز عودة شركة إكسون موبيل إلى مدينة البصرة -من خلال اتفاقيتها لتطوير حقل مجنون النفطي- توقعات إنتاج الموقع.
احتياطيات حقل مجنون النفطية
يُصنّف حقل مجنون باحتياطياته النفطية القابلة للاستخراج التي تبلغ نحو 38 مليار برميل من بين أهم احتياطيات العراق.
ويركّز هذا التعاون، الذي أُبرِم رسميًا عبر اتفاقية في أكتوبر/تشرين الأول 2025 بين إكسون موبيل وشركة نفط البصرة وشركة تسويق النفط العراقية (سومو)، على تحديث نطاق الاستخراج وتوسيعه، إلى جانب تحسينات على أنظمة التصدير، بما في ذلك سبل تسويق جديدة ومرافق تخزين آسيوية.
ويُنعش هذا التطور ثقة المستثمرين بعد مغادرة الشركة في عام 2024، ويتماشى مع سعي بغداد لتجاوز قدرتها الإنتاجية 6 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2029.

وستُؤخّر التقييمات التقنية والتجارية الأولية التوسعات الكبرى، إلّا أن براعة إكسون موبيل التقنية وتمويلها يُنظر إليهما على أنهما أساسيان لرفع إنتاج حقل مجنون وتعزيز أهداف العراق التوسعية.
ويُجسّد هذا الترتيب سعي العراق لتكرير منشآته النفطية وتعزيز علاقاته الإقليمية في مجال الطاقة، حتى في ظلّ العقبات السياسية واللوجستية المستمرة.
ويتوقع المحللون أن تُنعش مشاركة إكسون موبيل قدرات حقل مجنون، مُشكِّلةً ركيزةً أساسيةً في خطة العراق لزيادة الصادرات وترسيخ مكانته قوةً مؤثرةً ضمن منظمة أوبك في السنوات المقبلة.
إنتاج العراق من حقول النفط الحدودية المشتركة
ارتفع إنتاج العراق من حقول النفط الحدودية المشتركة، مثل ياران ويادافاران وآزادكان، ارتفاعًا هائلًا من نحو 300 ألف برميل يوميًا إلى ما يقرب من 4.5 مليون برميل، مدفوعًا بالتمويل المستمر للتنقيب وحفر الآبار وأساليب الاستخراج المتطورة.
وقد أضاف هذا التوسع أكثر من 300 ألف برميل يوميًا منذ عام 2010، بفضل حملات الحفر الجديدة وجهود التوسع في مواقع مثل آزادكان، ما ترك إيرادات إيران من التكوينات الجوفية المتطابقة بعيدة المنال.
من ناحيتها، تواجه طهران عوائق عميقة الجذور ناجمة عن غياب الهياكل القانونية والسياسية للمشروعات التعاونية العابرة للحدود، ما يعوق الرقابة الموحّدة وتحقيق أقصى مكاسب في إنتاج حقول النفط المشتركة بين إيران والعراق.
ويؤكد التزام إكسون موبيل الجديد بإعادة الانخراط في البصرة وتسريع الإنتاج في حقل مجنون -وهو احتياطي حدودي آخر- جاذبية العراق لدى اللاعبين العالميين، بينما يكشف صعوبات إيران في تسخير هذه الأصول المشتركة.
وتُظهر هذه الطفرة في إنتاج الحقول المشتركة للعراق التزامه بالتنفيذ الذكي وإنجاز المشروعات، وتُعزز تفوّقه على إيران، التي تعاني من قصور مؤسسي وعقوبات.

ومن شأن عودة العملاق الأميركي لقيادة تطوير حقل مجنون تُعزز مكانة العراق في مجال الطاقة بالمنطقة، حتى في ظلّ العقبات التنظيمية والدبلوماسية المستمرة، أن تُهدد إيران بتقليص نفوذها على هذه الاحتياطيات الأساسية.
وتُشير هذه الاتجاهات مجتمعةً إلى خريطة طاقة متطورة في الشرق الأوسط، تضع كميات النفط المتنامية في العراق ورأس المال الوارد في مواجهة ضغوط بيروقراطية وخارجية مُتجذّرة من طهران.
وبفضل التنفيذ المنهجي، والتمويل المُستهدف، والإدارة التشغيلية المُتفوقة، قفز إنتاج العراق من هذه الحقول المُجاورة لإيران من مُجرد مئات الآلاف من البراميل يوميًا إلى ما يُقارب 4.5 مليون برميل، بينما تُعاني أجزاء إيران من هذه الحقول من ضعف التنسيق والفجوات التنظيمية التي تعوق الاستعمال المُشترك الكامل.
في المقابل، يُشير انخراط إكسون موبيل مُجددًا في العراق لتجديد إنتاج حقل مجنون إلى ثقة مُتزايدة من المستثمرين الأجانب، ويُنعش القطاع المحلي، على الرغم من العقبات المستمرة مثل المنشآت القديمة، ونقص المياه، وحساسية الملاحة في الحدود المُقسّمة.
وتُسلّط هذه التناقضات الضوء على عملية إعادة توازن في المشهد النفطي في المنطقة، حيث تُساعد تحالفات العراق ذات الرؤية المُستقبلية على تجاوز العقبات النظامية لإيران، ما يُعيد تحديد مكانتها في إطار الطاقة الخليجي الأوسع.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
- 4 خبراء يناقشون أزمة الغاز في العراق.. وحلول إستراتيجية بعيدًا عن إيران
- فشل صفقة الغاز التركمانستاني إلى العراق.. أميركا ترفض عبور الإمدادات من إيران
- إنتاج الكهرباء في العراق يقترب من "كارثة" بسبب إيران
اقرأ أيضًا..
- ارتفاع واردات الأردن من النفط خلال 9 أشهر.. وشحنة نادرة
- صادرات الجزائر من النفط تصعد خلال 9 أشهر.. وإسبانيا أكبر المستوردين
- 4 خبراء: الربط الكهربائي بين المغرب وألمانيا محفوف بالمخاطر.. وتحذير من انهياره
- الهيدروجين الأخضر "كنز" لـ4 دول عربية.. ما دور الصحراء الكبرى؟ (تقرير)




