رئيسيةالمقالاتسلايدر الرئيسيةسياراتمقالات السيارات

السيارات الكهربائية الذكية.. عندما يتحول الأمان إلى "قاتل صامت" (مقال)

أحمد بدر

تعيش صناعة السيارات الكهربائية لحظة مفصلية بعد سلسلة من الحوادث التي أثارت الشكوك حول مستوى الأمان في بعض الطرازات الجديدة، لا سيما تلك التي تعتمد بإفراط على الأنظمة الذكية والقيادة الذاتية.

وقد تحولت هذه التكنولوجيا من رمز للتطور إلى محور نقاش عالمي حول حدود الأمان البشري في مواجهة الذكاء الاصطناعي، ولعل أبرز أمثلة هذا الأمان "القاتل" هو شركة "شاومي" الصينية، التي واجهت أزمتين متتاليتين خلال عام 2025 بعد وقوع حادثين مروعين لطرازها الكهربائي "إس يو 7" (SU7).

وأسفر الحادثان عن وفيات مأساوية وانهيار حادّ في أسهم الشركة، بينما -على الجانب الموازي- شكّلا صدمة لصناعة السيارات الكهربائية التي كانت تراهن على تقنيات القيادة الذاتية عنوانًا للمستقبل الآمن.

وتُظهر التحقيقات أن الحادثين ارتبطا بانغلاق الأبواب بعد الاصطدام وفشل نظام الفتح الإلكتروني في العمل، ما أدى إلى احتجاز الركاب واحتراقهم داخل المركبات، وهو ما سلّط الضوء على واحدة من أخطر ثغرات السيارات الكهربائية الحديثة، المتمثلة في ضعف أنظمة الطوارئ الميكانيكية، مقارنة بالمحركات التقليدية العاملة بالبنزين أو الديزل.

في المقابل، تؤكد تجارب تاريخية أن السيارات ذات المحركات التقليدية تطورت على مدى قرن كامل لتصل إلى مستويات أمان متقدمة تعتمد على البساطة الميكانيكية والفعالية في حالات الحوادث، ما يجعلها أقل عرضة للأعطال التقنية القاتلة التي تلاحق السيارات الكهربائية اليوم.

الاختبار الصعب لأنظمة الأمان

أطلقت شركة "شاومي" سيارتها "إس يو 7" في مارس/آذار 2024 وسط حفاوة عالمية، بصفتها الوافد الجديد في عالم السيارات الكهربائية، لكن بعد عام واحد فقط، تحولت هذه التجربة إلى كابوس تسويقي بعد الحادثين اللذين وقعا في مقاطعتي أنهوي وتشنجدو خلال عام 2025.

الحادث الأول كان نتيجة اصطدام سيارة من الطراز ذاته في أثناء تشغيل نظام القيادة المساعدة بحاجز خرساني، ليتضح لاحقًا أن السيارة لم تكن مزودة بتقنية الاستشعار المتقدم، لتتسبَّب النيران في وفاة 3 طالبات جامعيات، بعد أن أُغلقت الأبواب تلقائيًا.

أمّا الحادث الثاني فقد وقع بعد أشهر قليلة، حين اشتعلت سيارة "إس يو 7 ألترا" (SU7 Ultra) عقب اصطدامها بحاجز إسمنتي، ولم يتمكن الشهود من فتح الأبواب الإلكترونية لإنقاذ السائق الذي مات محترقًا داخلها، لتتزايد التساؤلات حول تصميم أنظمة الأمان في السيارات الكهربائية الحديثة.

السيارة الكهربائية شاومي إس يو 7
السيارة الكهربائية شاومي إس يو 7- الصورة من الموقع الإلكتروني للشركة

ويتشابه الحادثان في العجز الكامل عن فتح الأبواب سواء من الداخل أو الخارج، وهو ما كشف خللًا جوهريًا في فلسفة تصميم السيارات من هذا النوع، التي اعتمدت على نظام إلكتروني متكامل دون آلية طوارئ ميكانيكية.

وأطلق هذا الخلل جدلًا عالميًا حول مدى أمان الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي في السيارات الكهربائية، وهو ما تسبَّب في تراجع أسهم شاومي بنسبة تجاوزت 7.8% خلال أسبوع واحد، وفقدان الشركة نحو 4.5 مليار دولار من قيمتها السوقية.

في الوقت ذاته، تزايدت الدعوات لفرض رقابة أشد على معايير تصنيع السيارات الكهربائية الذكية، خاصة تلك المزودة بأنظمة قيادة مساعدة أو ذاتية.

ورغم نجاح "شاومي" في تسجيل معدلات تسليم قياسية وصلت إلى أكثر من 266 ألف سيارة منذ بداية العام، فإن سمعتها تأثرت بشدة بعد الحادثين، ما دفع محللين للتساؤل عن قدرة الشركة على استعادة ثقة السوق في مستقبل السيارات الكهربائية التي تنتجها.

الفجوة بين الذكاء الصناعي والسلامة البشرية

يؤكد خبراء السيارات أن جوهر الأزمة يكمن في المبالغة بالاعتماد على الأنظمة الذكية دون وجود بدائل ميكانيكية سهلة تُمكّن الركّاب من النجاة في حال تعطُّل النظام الإلكتروني، ويصف بعضهم هذا الخلل بأنه "أمان قاتل"، لأن التقنية نفسها تتحول إلى خطر قاتل عند الفشل.

في السيارات التقليدية العاملة بالوقود، تظل الأنظمة الأساسية مثل الأقفال وأحزمة الأمان والنوافذ قابلة للتحكم اليدوي، وهو ما أثبت فعاليته لعقود طويلة.

وعلى النقيض، تعتمد السيارات الكهربائية الحديثة على شبكات إلكترونية متصلة تجعل أيّ خلل في البرمجة كارثيًا.

إن تاريخ السيارات التقليدية الممتد منذ أوائل القرن الـ20 شهد تطويرات متتابعة في الأمان مثل الوسائد الهوائية ونظام الفرامل المانع للانغلاق (ABS) وأحزمة الأمان ثلاثية النقاط، وكلّها أثبتت فعاليتها الميدانية في حماية الأرواح.

حرائق بطاريات السيارات الكهربائية
رجال الإطفاء يحاولون السيطرة على حريق سيارة كهربائية - الصورة من منصة "ميديم"

أمّا جيل السيارات الكهربائية الحالي، فدخل مرحلة جديدة من التجريب التقني غير المسبوق، ما جعله عرضة لاختبارات قاسية في الواقع العملي، لا سيما في ظل نقص المعايير الموحّدة لأنظمة القيادة الذاتية.

وتحاول الشركات الآن إعادة صياغة فلسفة الأمان، لتجمع بين الذكاء الصناعي والمبادئ الميكانيكية القديمة التي أثبتت كفاءتها، إذ يدرك المصنّعون أن المستقبل لن يكون للتكنولوجيا وحدها، بل للدمج الذكي بين الإنسان والآلة في عالم السيارات الكهربائية.

كما يرى المختصون أن الطريق ما زال طويلًا قبل أن تصل السيارات الكهربائية إلى مرحلة النضج الكامل في أنظمة الأمان، وأن التسرع في تسويقها دون اختبارات كافية قد يهدد سمعة الصناعة بأكملها.

الدرس الذي تعيده الحوادث إلى الواجهة

تكشف حوادث السيارات الكهربائية المتزايدة مؤخرًا أن السباق نحو التفوق التقني لا يمكن أن يكون على حساب الأمان البشري، فالمستهلك الذي كان يبحث عن الرفاهية أصبح يتساءل اليوم عن جدوى الاعتماد على أنظمة إلكترونية مغلقة.

كما سلّطت الحوادث الضوء على فجوة حقيقية بين التسويق والواقع في صناعة السيارات الكهربائية، إذ تركّز الشركات على الأداء والسرعة والمدى بدلًا من ضمانات النجاة في الحالات الطارئة.

إن تاريخ المحركات التقليدية يثبت أن التطور الحقيقي في الصناعة كان دائمًا مرتبطًا بتحسين الأمان قبل أيّ شيء آخر، بدءًا من تصميم الهياكل المعدنية، مرورًا بأنظمة الوقود الآمنة، وصولًا إلى معايير الاصطدام الحديثة.

حرائق السيارات الكهربائية
عمّال الإطفاء يحاولون السيطرة على حريق سيارة كهربائية - الصورة من منصة "إن يو"

فبينما تواجه السيارات الكهربائية تحديًا مضاعفًا، فهي مطالبة بإقناع المستهلكين بأن التحول إلى الطاقة النظيفة لا يعني المخاطرة بالحياة، وأن الاعتماد على البرمجيات يجب ألّا يتجاوز حدود المنطق البشري.

وتؤكد الحوادث أن التطور التكنولوجي لا يكفي إذا لم يُرافقه وعي هندسي يضع حياة الإنسان فوق كل حساب، وهو ما يعيد إلى الواجهة أهمية وضع معايير أمان عالمية موحّدة تخصّ السيارات الكهربائية.

في النهاية، يظهر أن الأمان في السيارات الكهربائية ليس مجرد وظيفة تقنية، بل قضية فلسفية تتعلق بعلاقة الإنسان بالتكنولوجيا، وحدود الثقة التي يمكن أن يمنحها للسائق الآلي في مواجهة المجهول.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق