4 خبراء: الربط الكهربائي بين المغرب وألمانيا محفوف بالمخاطر.. وتحذير من انهياره
دينا قدري

- المغرب يسعى لاستغلال إمكاناته الطبيعية من الشمس والرياح فضلًا عن موقعه الجغرافي المميز
- مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وألمانيا سيكون الأطول في العالم حال تنفيذه
- مشروع "سيلا أتلانتيك" ينطوي على عدة مخاطر تقنية واقتصادية وجيوسياسية
- ألمانيا تهدف إلى تأمين إمدادات موثوقة من الكهرباء الخضراء لتحقيق أهداف الحياد الكربوني
في سبتمبر/أيلول 2025، ظهر مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وألمانيا بوصفه "مسارًا طموحًا" لنقل الطاقة المتجددة عبر خط بحري يمتد بطول يصل إلى 4 آلاف و800 كيلومتر، ليكون أطول خط كهرباء في العالم حال تنفيذه.
وتطوّر شركة إكس لينكس (Xlinks) هذا المشروع الذي أطلقت عليه اسم "سيلا أتلانتيك" (Sila Atlantik)، بهدف توفير 26 تيراواط/ساعة من الكهرباء النظيفة سنويًا، أي ما يعادل نحو 5% من استهلاك الكهرباء الحالي في ألمانيا.
وتشمل المواصفات الفنية للمشروع خطَيْن بحريَيْن متوازيَيْن بسعة إجمالية تبلغ 3.6 غيغاواط، مع إمكان توسيعهما إلى 15 غيغاواط حال ازدياد الطلب، وتُقدّر تكلفته الإجمالية بما يتراوح بين 30 و40 مليار يورو (35.11 و46.8 مليار دولار)، ما يستلزم دعمًا حكوميًا كبيرًا.
هذه المواصفات -خاصة التكلفة وطول المسار- أثارت جدلًا بشأن فرص نجاحه، خاصة بعد فشل مشروع مماثل كانت تسعى شركة إكس لينكس -أيضًا- إلى تطويره في بريطانيا، للاستفادة من موقع المغرب الجغرافي وإمكاناته الهائلة من الشمس والرياح.
وفي هذا الصدد، استطلعت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) آراء نخبة من الخبراء حول مدى احتياج ألمانيا إلى مثل هذا الربط الضخم العابر للقارات وشروط نجاحه.
هل ألمانيا بحاجة إلى الربط الكهربائي؟
رغم جاذبية مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وألمانيا "مشروع سيلا أتلانتيك"، فإن الواقع الفعلي لشبكة الكهرباء الألمانية لا يشير إلى حاجة ملحة لتنفيذ مشروع بهذا الحجم والتكلفة في الوقت الحالي.
هذا ما أكده الخبير والباحث في مجال الطاقة الدكتور دريد عبدالله، إذ أشار إلى بيانات عامَي 2024 و2025 التي تُظهر أن الطلب على الكهرباء ظل مستقرًا أو حتى انخفض في بعض القطاعات، خاصة الصناعية، ما دفع الحكومة الألمانية إلى خفض أسعار الكهرباء بهدف دعم النشاط الاقتصادي.
وهذا الاستقرار في الطلب يجعل الحاجة إلى توسعة كبيرة في قدرات التوليد أقل إلحاحًا مما كان يُتوقع سابقًا.
مع ذلك، فقد سجلت ألمانيا في العامَيْن الماضيَيْن زيادة ملحوظة في وارداتها الأوروبية من الكهرباء، وأصبحت منذ عام 2023 مستوردًا للمرة الأولى منذ ربع قرن تقريبًا؛ إذ فاقت الواردات الصادرات بفارق كبير.
وشدد عبدالله -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- على أن هذا التغير لا يعني ضعفًا في البنية المحلية، بل يعكس جزئيًا فروقات في أسعار الكهرباء وتكاليف التشغيل، ما يجعل الاستيراد في بعض الفترات أكثر اقتصادية من التشغيل المحلي.
وعلى الرغم من النمو الكبير في حصة الطاقات المتجددة فإن المرونة والموثوقية التي توفّرها المحطات التقليدية تجعلها عنصرًا لا يمكن الاستغناء عنه، خاصة في مواجهة تقلبات إنتاج الرياح والطاقة الشمسية.
ففي عام 2025، ارتفع إنتاج الكهرباء من محطات الغاز بنسبة تقارب 20% خلال فترات ضعف إنتاج الطاقة المتجددة، ما يعكس استمرار دور هذه المحطات بوصفها مصدر توازن واستقرار في الشبكة.
واتفق معه في الرأي الخبير في تقنيات الطاقة المتجددة، عبدالصمد ملاوي، الذي أكد عدم وجود حاجة ملحة في ألمانيا إلى مثل مشروع سيلا أتلانتيك، لكنها تبحث عن تعزيز مصادر الطاقة المتجددة عن طريق الشراكات الدولية.
وأشار ملاوي إلى أن ألمانيا تنتج حاليًا بين 57 و60% من إجمالي الكهرباء من مصادر متجددة، إذ يتجاوز إجمالي السعة المركبة من مصادر الطاقة المتجددة 160 غيغاواط، منها 70 غيغاواط من طاقة الرياح، و70 غيغاواط من الطاقة الشمسية.
وذكر الخبير في تقنيات الطاقة المتجددة -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- أن ألمانيا تسعى إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2045 قبل الموعد المحدد من قِبل الاتحاد الأوروبي في 2050.
وهذا يعني أن ألمانيا ستحتاج 100-130 تيراواط/ساعة من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول 2045، بحسب ما أعلنته وزارة الاقتصاد الألمانية.
ولكن جميع التقديرات تشير إلى أن ألمانيا لن تستطيع تلبية كل احتياجاتها النظيفة بحلول هذا الموعد، بل تحتاج إلى مصادر خارجية، إذ إن الإنتاج السنوي الذي تستطيع أن تفي به يتراوح بين 30 و50% من احتياجاتها.
ولذلك، تفكر برلين في استيراد الطاقة الخضراء من الخارج لتغطية العجز في الكهرباء، بحسب ما أكده ملاوي.
وهو الرأي نفسه الذي شاركه الخبير في قطاع الطاقة، أمين بنونة، الذي أكد أن ألمانيا ليست بحاجة إلى مشروع ضخم بهذا الحجم، ولكنها بحاجة إلى كل ما يمكّنها من الاعتماد على الطاقة المتجددة.
وأوضح بنونة -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن الربط الكهربائي بين المغرب وألمانيا هو وسيلة لاعتماد الأخيرة على مصادر الطاقة المتجددة، وإن كانت هذه أول مرة تعتمد فيها على كهرباء منتجة في دول ثالثة.
من جانبها، شددت مستشارة السياسات العامة للكهرباء، الشريكة المؤسسة في شركة نيو إنرجي كونسلت، المهندسة جيسيكا عبيد، على أن معظم الدول تسعى حاليًا إلى تصدير الكهرباء إلى أوروبا، إلا أن هذا المسار محفوف بالتحديات، موضحة أن هذه المشروعات تتطلّب تمويلًا بمليارات الدولارات في شبكات التيار المستمر عالي الجهد.
وترى عبيد أن التحديات تشمل -أيضًا- ضمان ألا تطغى الإستراتيجيات الموجهة نحو التصدير على الحاجة الملحة إلى التنويع المحلي، وكفاءة الطاقة، والوصول العادل.
وبالتالي، فإن الوعد بأن تصبح أوروبا ممرًا للطاقة النظيفة يحتاج إلى موازنة دقيقة بالتقدم المحرز في التنوع والقدرة على تحمل التكاليف في الداخل.
هل ينجح مشروع سيلا أتلانتيك؟
اتفق الخبراء -الذين استطلعت منصة الطاقة المتخصصة آراءهم- على أن فرص نجاح الربط الكهربائي بين المغرب وألمانيا "سيلا أتلانتيك"، تُعد ضئيلة للغاية، نظرًا إلى أنه لا يمثّل سوى نسبة صغيرة من إجمالي الاستهلاك المحلي.
يقول الخبير والباحث في مجال الطاقة، الدكتور دريد عبدالله، إنه رغم الأهمية النظرية لمشروع "سيلا أتلانتيك"، وكونه مصدرًا محتملًا لكهرباء متجددة ورخيصة؛ فإنه لا يُمكن عدّه بديلًا عن البنية التحتية المحلية في ألمانيا.
ولكن يجب التعامل معه بوصفه خيارًا إضافيًا يُمكن أن يُسهم بنسبة تصل إلى 5% من استهلاك الكهرباء السنوي الألماني، إذا نُفذ بكامل طاقته، لكنه يظل مشروعًا عالي التكلفة ومعرضًا لمخاطر تقنية وجيوسياسية متعددة. كما أن نجاحه يتطلّب التزامًا طويل المدى من الطرفَيْن وضمانات تمويل وتنفيذ فعّالة.
وبالتالي، يرى عبدالله أن الاتجاه الألماني الواقعي لا يرفض المشروع، بل ينظر إليه بوصفه جزءًا محتملًا من مزيج طاقة متنوع طويل المدى دون أن يُعوَّل عليه بوصفه مصدرًا رئيسًا.
فالمحطات المحلية -خاصة الغازية- ستبقى الدعامة الأساسية لأمن الطاقة، وسيظل التركيز في ألمانيا على تعزيز التخزين، وتقوية الشبكة المحلية، وزيادة مرونة النظام الكهربائي قبل الانخراط في مشروعات عابرة للقارات بهذا الحجم.
ومن جانبها، ترى مستشارة السياسات العامة للكهرباء، المهندسة جيسيكا عبيد، أن مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وألمانيا سيواجه خطر الانهيار في حال عدم توفير التمويل الكبير، والالتزام السياسي الواضح، وتقاسم المخاطر، وإستراتيجية تنفيذ تدريجية.
وأوضحت "عبيد" -في تصريحاتها إلى منصة الطاقة- أن المشروع سيحتاج إلى جمع مليارات الدولارات من التمويل من خلال ضمانات واتفاقيات شراء في أوروبا.
وأشارت إلى ضرورة التفاوض على التصاريح، والحقوق البحرية، والوصول إلى الشبكة، والأمن عبر ولايات قضائية وطنية متعددة.
كما يتعيّن إدارة التوازن المحلي من وجهة نظر المهندسة جيسيكا عبيد؛ إذ قد يواجه المشروع مقاومة محلية حال الشعور بأن الصادرات تأتي على حساب الموثوقية المحلية، أو القدرة على تحمّل التكاليف، أو المزيد من التأخير في عملية التحول بمجال الطاقة.
وفي سياق متصل، وصف الخبير عبدالصمد ملاوي، نسبة نجاح مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وألمانيا بالمتوسطة أو أقل من المتوسط عند 40-50%.
لكنه أكد أنه حال عدم تقديم ألمانيا دعمًا حكوميًا مباشرًا وآلية تسعير طويلة المدى، سيكون هناك تحدٍّ لقيام مشروع "سيلا أتلانتيك".
وأشار إلى أن المشروع لم يُعلن بصفة رسمية، إذ جرى التطرق إليه عبر المنابر الإعلامية؛ ما يعني أن هناك خطوات تنتظر تبلور المشروع وظهور مستثمرين ودخول مؤسسات حكومية من البلدين والاتحاد الأوروبي.
ويرى الخبير في قطاع الطاقة، أمين بنونة، أن عوامل نجاح المشروع ترتبط بأنه يمثّل وحده 3-5% من احتياجات الكهرباء في ألمانيا.
إلا أن عوامل فشله سترجع بصفة أساسية إلى الاستثمار الضخم في الخط البحري، لأن طوله يتراوح بين 3 آلاف و800 كيلومتر و4 آلاف و800 كيلومتر، بحسب ما أوضحه بنونة في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة.
موضوعات متعلقة..
- رغم انهيار مشروع ضخم.. المغرب يخطط لربط كهربائي جديد
- دولة أوروبية تتجه إلى الربط الكهربائي مع المغرب
- إلغاء مشروع أطول خط كهرباء بحري في العالم بين المغرب وبريطانيا.. ما القصة؟
اقرأ أيضًا..
- أكبر عدد اكتشافات نفط وغاز في مصر خلال 2025.. إعلان رسمي
- حقل غاز في بحر الشمال يحرز إنجازًا غير مسبوق.. بعد 56 عامًا
- أنس الحجي: وكالة الطاقة الدولية تُصدر مبالغات وليس توقعات.. وترمب سبب التناقضات
- أكبر صفقات الطاقة المتجددة في السعودية خلال 9 أشهر (مسح)
المصدر: