التغير المناخيالمقالاترئيسيةمقالات التغير المناخي

تغير المناخ والمصالح.. معادلة تواجهها "كوب 30" في بيليم (مقال)

د. منال سخري

تستضيف مدينة بيليم البرازيلية، الدورة الـ30 لمؤتمر الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "قمة المناخ كوب 30"، وذلك في 10 و11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.

وتأتي قمة "كوب 30" في وقتٍ حرج تتقاطع فيه التحديات المناخية مع الضغوط الاقتصادية والجيوسياسية العالمية، ما يجعل منها محطة حاسمة لإعادة ضبط مسار العمل المناخي الدولي.

واختيار الأمازون لاستضافة القمة ليس قرارًا رمزيًا فحسب، بل هو إعلان سياسي ورسالة بيئية مزدوجة، فغابات الأمازون التي تُعدّ "رئة الأرض" تمثّل نحو 20% من الأكسجين العالمي، وهي اليوم في صميم الجدل البيئي بسبب تسارع وتيرة إزالة الغابات وتدهور التنوع البيولوجي، وتغير المناخ.

ومن هذا المنطلق، تسعى البرازيل إلى استثمار استضافتها القمة في إعادة تقديم نفسها بوصفها لاعبًا بيئيًا محوريًا، بعد سنوات من الانتقادات الدولية، عبر تعزيز صورة الدولة المستدامة القادرة على الموازنة بين التنمية وحماية الموارد الطبيعية.

وتحاول الحكومة البرازيلية، بقيادة الرئيس لولا دا سيلفا، تحويل قمة بيليم إلى منصة لإعادة بناء الثقة الدولية، وجذب التمويل الأخضر للمشروعات الوطنية والإقليمية في مجالات إعادة التشجير والطاقة النظيفة.

ومن منظور سياسي، تسعى البرازيل إلى تثبيت موقعها بوصفها قوة قائدة في الجنوب العالمي، تمثّل صوت الدول النامية في مواجهة تحديات تغير المناخ والتحديات الاقتصادية المشتركة.

التحديات اللوجستية والاقتصادية

رغم الطموح البيئي الكبير، واجهت التحضيرات للقمة عدة صعوبات لوجستية، منها نقص البنية التحتية، وارتفاع تكاليف الإقامة، وتأخر تنفيذ بعض المشروعات التحضيرية مثل "قرية القادة".

هذه التحديات لا تُختزل في الجوانب التقنية، بل تكشف عن فجوة بين الطموح السياسي والقدرة التنفيذية المحلية.

من زاوية أعمق، تعكس هذه الصعوبات مفارقة التنمية المستدامة في دول الجنوب: كيف يمكن للدول النامية استضافة فعاليات بيئية كبرى في ظل ضغوط اقتصادية ومعيشية داخلية؟

إن نجاح بيليم في تجاوز هذه العقبات سيكون اختبارًا حقيقيًا لمدى استعداد البرازيل لتطبيق مبادئ الاستدامة لا في الخطاب فحسب، بل في الممارسة.

آثار تغير المناخ في أحد المواني
آثار تغير المناخ في أحد المواني - الصورة من baltichub

قمة المناخ كوب 30

يشكّل التمويل المناخي والتكيف مع تغير المناخ أحد أبرز التحديات التي تواجه العالم اليوم، خاصةً في قمة المناخ كوب 30، إذ ما تزال الفجوة التمويلية بين دول الشمال والجنوب قائمة رغم الالتزامات الدولية السابقة.

ومن المنتظر أن تسعى القمة المقبلة إلى مناقشة آليات أكثر عدالة وشفافية تضمن تدفق التمويل إلى مشروعات التكيف والتخفيف، خاصة في الدول الأكثر هشاشة بيئيًا.

وفي السياق نفسه، تبرز العدالة المناخية والشمول الاجتماعي بوصفها اتجاهات محورية في العمل المناخي الحديث، من خلال تعزيز إشراك المجتمعات المحلية والسكان الأصليين في صنع القرار، بما يجعل السياسات المناخية أكثر إنصافًا وإنسانية، تتجاوز البعد البيئي لتشمل قضايا الحقوق والتنمية والمشاركة.

كما يزداد التركيز على دور التكنولوجيا والابتكار في تحقيق التحول الطاقوي، من الطاقة الشمسية والرياح إلى الزراعة الذكية، مع ضرورة تسهيل نقل التكنولوجيا من الدول المتقدمة إلى النامية لضمان تحول بيئي عادل ومتوازن.

وفي المقابل، يعود ملف حماية الغابات والتنوع البيولوجي إلى الواجهة مع إدراج قضية الأمازون ضمن أجندة القمة، تأكيدًا على الترابط الوثيق بين الغابات واستقرار المناخ العالمي.

فقد أصبحت مكافحة إزالة الغابات ركيزة أساسية لأي سياسة مناخية فعّالة، لا لأسباب بيئية فحسب، بل أيضًا لأنها تمثّل فرصة اقتصادية واستثمارية واعدة في إطار الاقتصاد الأخضر.

شعار قمة المناخ كوب 30 في البرازيل
شعار قمة المناخ كوب 30 في البرازيل - الصورة من بوكت أوبشن

الجغرافيا السياسية للمناخ

تتباين المواقف الدولية إزاء قمة بيليم تبعًا لأولويات كل تكتل، فالولايات المتحدة، رغم غيابها الرسمي، تواصل التأثير عبر القطاع الخاص وشركات التكنولوجيا والطاقة المتجددة.

غير أن هذا "الحضور غير المباشر" قد يضعف الالتزام الدولي الموحد تجاه أهداف الانبعاثات.

أما الاتحاد الأوروبي فيواصل لعب دور "القدوة المعيارية" عبر رفع سقف طموحاته المناخية، لكنه يواجه تحديات داخلية مرتبطة بارتفاع تكاليف الطاقة وردود الفعل الشعبية ضد سياسات الكربون.

أما الصين فقدّمت تعهدات بخفض انبعاثاتها بنسبة 7–10% بحلول 2035، لكنها تواصل اتباع نهج انتقائي في التعاون المناخي، ما يعكس توازنها بين مصالحها الصناعية والتزاماتها البيئية.

روسيا من جانبها تُظهر تحفظًا واضحًا في المشاركة، وترى أن الالتزامات المناخية قد تمثّل عبئًا اقتصاديًا على الدول المصدّرة للطاقة.

أما الهند فتتبنّى مقاربة عملية ترتكز على حلول وطنية للتأقلم مع آثار المناخ مثل إنشاء نظام تأمين للكوارث، رغم القيود التمويلية التي تحدّ من توسّعها.

أما دول الجنوب فتواجه معضلة التمويل ونقل التكنولوجيا، فترى أن العدالة المناخية لا تتحقق إلا بتحمل الدول الصناعية مسؤولياتها التاريخية.

هذا التباين يعكس اختلال التوازن في النظام المناخي العالمي وتحدّي الحوكمة المناخية العالمية، فكيف يمكن بناء توافق حقيقي في عالم تتعدد فيه الأولويات الاقتصادية والأيديولوجية؟

إن غياب الإرادة المشتركة بين الشمال والجنوب سيظل العقبة الأكبر أمام تحقيق أهداف اتفاق باريس.

مؤشرات النجاح والفشل المحتملة

تتوقف نتائج قمة المناخ كوب 30 في بيليم على قدرتها على تحقيق توازن بين التعهدات الطموحة والآليات التنفيذية الواقعية.

فنجاح المؤتمر يُقاس بمدى تقدّم الدول في تعزيز التمويل المناخي الموجّه إلى الدول النامية، وتحديث الإسهامات المحددة وطنيًا (NDCs) بما يعكس التزامات قابلة للتنفيذ، إلى جانب تنامي التعاون في مجالات التكنولوجيا الخضراء والابتكار.

غير أن احتمالات الفشل تظل قائمة في حال استمرار الفجوة بين الوعود التمويلية والتنفيذ الفعلي، وتباين أولويات الدول الكبرى بشأن آليات التطبيق، وضعف الحوكمة المحلية في استضافة وتنظيم الفعاليات البيئية الكبرى.

تغير المناخ

وبين هذَيْن المسارَيْن، تبقى القمة أمام اختبار حقيقي: إما أن تنجح في استعادة الثقة بالعمل المناخي متعدد الأطراف، وإما أن تتحول إلى محطة جديدة من الوعود المؤجلة التي تكرّس أزمة الثقة بمنظومة المناخ العالمية.

ختامًا.. قمة بيليم تمثّل أكثر من مجرد حدث بيئي؛ إنها منعطف سياسي وإستراتيجي في إعادة تعريف علاقة العالم بالمناخ. نجاحها يعتمد على مدى قدرتها على تحويل الشعارات إلى التزامات، والالتزامات إلى سياسات تنفيذية واقعية.

فالمعركة اليوم ليست فقط ضد تغير المناخ، بل ضد غياب الإرادة السياسية والتفاوت في المسؤوليات.

وفي هذا السياق، قد لا تغيّر "كوب 30" موازين العالم بين ليلة وضحاها، لكنها قد تعيد بناء الثقة بجدوى التعاون الدولي، وتفتح الباب أمام عقدٍ جديد من العمل المناخي القائم على العدالة، والمسؤولية المشتركة، والحوكمة الشفافة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق