المقالاترئيسيةسلايدر الرئيسيةغازمقالات الغازمقالات النفطنفط

إيرادات النفط والغاز الروسية عاجزة أمام التزامات الموازنة الفيدرالية (مقال)

فيلينا تشاكاروفا* – ترجمة: نوار صبح

اقرأ في هذا المقال

  • من المحتمل أن تتخلّف شركات النفط عن سداد مدفوعات شهر أكتوبر الجاري
  • موسكو تُطبّق إعفاء من رسوم استيراد البنزين من الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة لتخفيف النقص المحلي
  • إيرادات الغاز لا تزال ضعيفة هيكليًا بعد انسحاب أوروبا بوصفها سوقًا رئيسة
  • الانتعاش الأخير في إيرادات النفط والغاز يوفر للكرملين تخفيفًا ماليًا قصير الأجل

تجاوزت إيرادات النفط والغاز الروسية الحد الأدنى المطلوب للوفاء بالتزامات الموازنة الفيدرالية وتحقيق الاستقرار المالي، ولو مؤقتًا.

ووفقًا لوزارة المالية الروسية، بلغ إجمالي إيرادات ضرائب النفط والغاز 582.5 مليار روبل (6 مليارات و990 مليون دولار)، متجاوزًا بصورة طفيفة المستوى الأساسي البالغ 575.4 مليار روبل، وهو الحد الأدنى المطلوب للوفاء بالتزامات الموازنة الفيدرالية.

وبعد 4 أشهر متتالية من الأداء الضعيف، تجاوزت إيرادات النفط والغاز الروسية، أخيرًا، المستوى الأساسي المخطط لها في سبتمبر/أيلول 2025، ما يشير إلى استقرار مؤقت في قطاع الطاقة الحيوي في البلاد.

وبالمقارنة مع 505 مليارات روبل في أغسطس/آب الماضي، يمثّل هذا زيادة بنسبة 15% على أساس شهري، مدفوعةً بصورة رئيسة بانخفاض حاد في المبالغ المستردة من الدولة لمنتجي النفط بموجب ما يُسمّى آلية "تثبيط الوقود"، وزيادة طفيفة في رسوم تصدير الغاز.

(الروبل الروسي = 0.012 دولارًا أميركيًا)

التدفقات المالية المتعلقة بالطاقة

يخفي هذا التحسن في إيرادات النفط والغاز الروسية انخفاضًا أوسع في التدفقات المالية المتعلقة بالطاقة.

وبلغت إيرادات النفط والغاز الروسية للأشهر الـ9 الأولى من عام 2025 نحو 6.61 تريليون روبل (79 مليارًا و320 مليون دولار)، بانخفاض قدره 21% على أساس سنوي، في حين ظلّت إيرادات سبتمبر/أيلول الماضي منخفضة بنسبة 25% مقارنة بالشهر نفسه من عام 2024.

والسبب الرئيس يظل هيكليًا: انخفاض أسعار النفط العالمية، خصوصًا مزيج الأورال الروسي، الذي بلغ متوسط ​​سعره 57.6 دولارًا للبرميل في أغسطس/آب الماضي مقابل 70.3 دولارًا قبل عام، إلى جانب قوة الروبل التي تضغط على دخل الصادرات بالعملة المحلية.

ناقلة النفط (سي إس إف بالتيكا) في بحر لابتيف بالقرب من سيبيريا في روسيا
ناقلة النفط "سي إس إف بالتيكا" في بحر لابتيف بالقرب من سيبيريا في روسيا – الصورة من بلومبرغ

آليات "تثبيط الوقود"

من أبرز التطورات انخفاض مدفوعات "تثبيط الوقود" بصفة حادة، وهي إعانات حكومية مصممة لمنع الارتفاعات الحادة في أسعار الوقود المحلية عندما ترتفع أسعار التصدير.

في سبتمبر/أيلول الماضي، لم تتلقَّ شركات النفط سوى 30.5 مليار روبل بوصفها تعويضات عن آليات التثبيط، أي أقل بـ3 مرات تقريبًا من 80.4 مليار روبل في أغسطس/آب الماضي، وأقل بـ5 مرات تقريبًا من 145.7 مليار روبل التي وُزِّعت في العام السابق.

ويعكس هذا الانخفاض إلغاء دعم البنزين في أغسطس/آب الماضي، واستمرار دفع الديزل فقط.

وقد أصبح نظام "تثبيط الوقود"، الذي طُبِّق في عام 2019، أكثر اختلالًا، حيث تُشوِّه تقلبات السوق، والتلاعب بالسياسات، وتقلبات أسعار العملات، آليات التسعير.

بموجب الصيغة الحالية، إذا تجاوزت أسعار الجملة للبنزين والديزل نطاقات الأسعار الإرشادية الحكومية بأكثر من 10% و20% على التوالي، تُعاد المدفوعات تلقائيًا.

وحدث هذا في أغسطس/آب الماضي وسط ارتفاع حاد في أسعار الوقود في بورصة سانت بطرسبرغ، حيث تجاوز سعر بنزين 95 أوكتان 80 ألف روبل للطن، وهو رقم قياسي.

ولمعالجة هذه الاختلالات، أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، توسيع نطاق الانحراف المسموح به بمقدار 10 نقاط مئوية، إلا أن تعديلات قانون الضرائب لا تزال قيد الدراسة.

رغم هذه التغييرات، يحذّر الخبراء من أن شركات النفط من المحتمل أن تتخلف عن سداد مدفوعات شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إذ لا تزال الأسعار أعلى من الحدود القصوى الجديدة.

الضوابط الإدارية

استجابت السلطات الروسية بمزيج من الضوابط الإدارية والتحرير الانتقائي، وفرضت بورصة سانت بطرسبرغ سقوفًا سعرية وحدودًا للطلبات في سبتمبر/أيلول لقمع المضاربات التجارية وتحقيق الاستقرار في أسواق الجملة.

رغم ذلك، أدت هذه التدخلات إلى تشويه مؤشرات الأسعار، ما دفع التجار إلى القول بأن أسعار الصرف الرسمية لم تعد تعكس ظروف السوق الحقيقية.

في الوقت نفسه، تطبق موسكو إعفاء من رسوم استيراد البنزين من الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة لتخفيف النقص المحلي، وهي خطوة تُبرز هشاشة إنتاج المصافي والعواقب غير المقصودة لقيود التصدير التي فُرضت في وقت سابق من هذا العام.

بدورها، تواصل وزارة المالية بيع العملات الأجنبية، بما في ذلك اليوان، لموازنة العجز المالي والحد من تقلبات الروبل.

وتخطط الوزارة لتخصيص 13.9 مليار روبل لهذه العمليات بين 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري و7 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بالإضافة إلى مبيعات موازية للبنك المركزي تبلغ 8.94 مليار روبل يوميًا من صندوق الرعاية الاجتماعية الوطني.

وتعكس هذه الجهود المشتركة محاولة أوسع نطاقًا لتثبيت الروبل دون استنزاف الاحتياطيات الإستراتيجية، حتى مع بقاء إيرادات الهيدروكربون -العمود الفقري للدخل الفيدرالي الروسي- تحت الضغوط.

إحدى محطات الوقود في العاصمة الروسية
إحدى محطات الوقود في العاصمة الروسية - الصورة من رويترز

وزارة المالية: إيرادات النفط والغاز الروسية (2025)

يُحلل هذا الفصل أحدث الإحصاءات الصادرة عن وزارة المالية الروسية، التي تغطي إيرادات النفط والغاز من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول 2025.

ويُسلّط الضوء على الأنماط المالية الهيكلية، والعوامل الجيوسياسية، وتداعياتها على مرونة الاقتصاد الروسي وتبعياته الخارجية. بلغت إيرادات النفط والغاز الروسية حتى تاريخه نحو 6.61 تريليون روبل روسي بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2025، بمتوسط ​​تدفق شهري بلغ 734 مليار روبل روسي.

وتميّز النصف الأول من العام بنتائج قوية في مارس/آذار وأبريل/نيسان الماضيَيْن؛ إذ تجاوز كل منهما تريليون روبل روسي، تلاه انخفاض حاد في مايو/أيار ويونيو/حزيران؛ إذ انخفضت الإيرادات إلى نحو 500 مليار روبل روسي.

وفي الربع الثالث، بلغ إجمالي التدفقات 1.875 تريليون روبل روسي، أي أقل بنحو 10% عن الربع الثاني، وسجّل شهر أغسطس/آب الماضي أضعف مستوى له عند 505 مليارات روبل روسي، قبل أن يرتفع بصورة طفيفة إلى 583 مليار روبل روسي في سبتمبر/أيلول الماضي.

وبلغ إجمالي الانخفاض من الذروة إلى القاع بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران نحو 54%، ما يُظهر مدى ضعف روسيا تجاه تقلبات الأسعار العالمية، والقيود اللوجستية، وتطبيق العقوبات.

خلال الربع الثالث، استقرت الإيرادات الشهرية عند نحو 625 مليار روبل، بانخفاض عن 698 مليار روبل في الربع الثاني.

ويشير التحسن المتواضع الملحوظ في سبتمبر/أيلول الماضي إلى انتعاش جزئي في أحجام الصادرات، ولكن ليس إلى تحول هيكلي.

واستمرت رسوم التصدير في الانخفاض مع تسريع وزارة المالية الانتقال إلى الضرائب القائمة على الاستخراج، ما قلّل من أهمية الرسوم في إجمالي التدفقات المالية.

عوامل مؤثرة في أداء الربع الثالث

حدّدت 3 عوامل رئيسة أداء الربع الثالث؛ أولًا، انخفضت أسعار نفط برنت فيما استقر الروبل، ما حد من مكاسب الروبل الاسمية على الرغم من ثبات أحجام الصادرات.

ثانيًا، شُدّد تطبيق سقف سعر النفط والقيود المفروضة على تأمين الشحن خلال منتصف عام 2025، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن وتأخير عمليات التسليم.

وثالثًا، ظل هيكل الطلب على الصادرات الروسية راسخًا في الهند والصين وتركيا، إلا أن هذا التنوع جاء على حساب خصومات أكبر ومسافات نقل أطول.

وبحلول سبتمبر/أيلول الماضي، تجاوزت الإيرادات قليلًا التوقعات الأساسية للوزارة البالغة 6.7 تريليون روبل، إلا أن التقلبات الواضحة تُعقّد التخطيط للموازنة.

وفي حال استمرار اتجاه الربع الثالث، فقد تقترب إيرادات النفط والغاز للعام بأكمله من 8.5 تريليون روبل، وهو ما يكفي لتغطية نفقات الحرب الأساسية، ولكنه يترك هامشًا ماليًا ضئيلًا.

ومع انكماش رسوم التصدير، يعتمد أساس الإيرادات بصورة متزايدة على ضرائب الاستخراج المحلية وأسعار التصدير المُحقّقة.

من ناحية ثانية، تُؤكد أحدث البيانات على مرونة روسيا المالية وهشاشتها في الوقت نفسه، ولا تزال الإيرادات مرتفعة، ولكن لا يمكن التنبؤ بها.

ولا يزال تطبيق العقوبات يؤثر في التدفق المالي في غضون فترة تأخير قصيرة تتراوح بين شهر وشهرَيْن، في حين يُحافظ التنويع نحو الأسواق الآسيوية على تدفقات الصادرات على حساب انخفاض الربحية.

بالمثل، لا تزال إيرادات الغاز ضعيفة هيكليًا بعد انسحاب أوروبا بوصفها سوقًا رئيسة، ومن المرجح أن يستمر التقلب العام حتى عام 2026 مع توسع الإنفاق الدفاعي والالتزامات الاجتماعية.

توقعات المخاطر (الربع أو الربعان المقبلان)

تدور المخاطر قصيرة الأجل حول أسعار السلع الأساسية، وتطبيق العقوبات، وديناميكيات العملة المحلية.

وقد يؤدي انخفاض سعر خام برنت بمقدار 10 دولارات للبرميل، زائدًا أو ناقصًا، إلى تغيير التدفقات الشهرية الواردة بمئات المليارات من الروبلات.

ومن المرجح أن يؤدي تجديد فرض العقوبات الغربية على عمليات الأسطول الموازي والخدمات البحرية إلى خفض إيرادات النفط والغاز الروسية بفارق زمني قصير.

وقد يؤدي ضعف الروبل إلى تضخم الأرقام الاسمية دون تحقيق مكاسب في الدخل الحقيقي، فيما لا تزال التهديدات المادية، مثل الغارات على المصافي، واختناقات التصدير، والقيود الموسمية على طرق القطب الشمالي، قائمة بصفة دائمة.

مصفاة نفط بمدينة أومسك السيبيرية في روسيا
مصفاة نفط بمدينة أومسك السيبيرية في روسيا – الصورة من رويترز

الضغوط الهيكلية والتوقعات طويلة الأجل

يتفق المحللون على أن الانتعاش المالي في سبتمبر/أيلول يُعدّ دوريًا، وليس هيكليًا.

ولا يزال قطاع الطاقة الروسي يواجه قيودًا متعددة: انخفاض الأسعار العالمية، والعقوبات الغربية على التكنولوجيا والخدمات اللوجستية، وبطء إعادة توجيه تدفقات الصادرات نحو آسيا، وسوق وقود محلية مضطربة بسبب الدعم والتدخل الإداري.

وأصبحت آلية التثبيط -التي كانت تُعد سابقًا عامل استقرار- عبئًا، ما أجبر الحكومة على الاختيار بين السيطرة على التضخم وربحية المصافي.

بالإضافة إلى ذلك، دخلت دبلوماسية الطاقة لدى موسكو مرحلة جديدة.

ويكشف قرار الحكومة بالسماح باستيراد البنزين من الموردين الآسيويين، إلى جانب النفوذ الصيني المتزايد في قطاعَي التكرير والإمدادات اللوجستية للوقود، عن تزايد اعتماد نظام الطاقة الروسي على الشركاء غير الغربيين.

ويُعد هذا الاعتماد اقتصاديًا وإستراتيجيًا؛ فمع استمرار القيود على رأس المال والتأمين والأسواق الغربية، يتسارع تحول روسيا شرقًا.

رغم ذلك، فإنه يُضعف الاستقلال المالي، حيث يُقلل تسعير الخصم وتسويات المدفوعات باليوان من تدفقات العملات الصعبة.

إيرادات النفط والغاز الروسية

لا تزال إيرادات النفط والغاز الروسية كبيرة، وإن كانت متفاوتة. وتؤكد نتائج الربع الثالث انخفاضًا في مستوى الإيرادات بعد ذروة الربيع.

ويظل التنفيذ الموجه لقيود النقل والتأمين الوسيلة الأكثر فاعلية لتقييد القدرة المالية لموسكو.

ورغم وجود قدر من المرونة، فإن القدرة على التنبؤ المالي آخذة في التآكل، ما يشير إلى أن روسيا ستعتمد بصورة متزايدة على الاقتراض المحلي وتعديلات الإنفاق الانتقائية لدعم العمليات الحربية حتى عام 2026.

على صعيد آخر، يوفر الانتعاش الأخير في إيرادات النفط والغاز للكرملين ارتياحًا ماليًا قصير الأجل، لكنه يؤكد تآكلًا إستراتيجيًا لسيادة روسيا في مجال الطاقة.

وتعتمد قدرة موسكو على استدامة اقتصادها في زمن الحرب بصورة متزايدة على دورات السلع المتقلبة، والدعم غير الشفاف، وحسن نية المشترين الآسيويين.

وتوضح أزمة آليات التثبيط حدود سيطرة الدولة على قوى السوق؛ فكل محاولة لاحتواء التضخم المحلي تقيد أرباح التصدير، وكل جهد لتعظيم الإيرادات يُنذر باضطرابات محلية.

ومن الناحية الجيوسياسية، يتحول قطاع الهيدروكربونات في روسيا -الذي كان في السابق أساس نفوذها العالمي- تدريجيًا إلى موردٍ مُقيّد بالحقائق الهيكلية للعقوبات، والعزلة التكنولوجية، والاعتماد الإستراتيجي المفرط على الصين.

وقد تُظهر البيانات المالية استقرارًا مؤقتًا، لكن تحت السطح، بدأ نموذج الدولة النفطية الذي موّل عقدَيْن من القوة الروسية التآكل.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق