تقديرات متشائمة لإنتاج الهيدروجين قد تفتح الباب لـ4 دول عربية
هبة مصطفى

أثارت تقديرات بشأن إنتاج الهيدروجين في أوروبا جدلًا حول الخطط والإستراتيجيات المعتمدة، بعد أن شككت في قدرة دول القارة على تلبية مستهدفات 2030.
فقبل أيام، خفضت هيدروجين يوروب (Hydrogen Europe) توقعاتها لإمدادات الهيدروجين بحلول نهاية العقد الحالي، ما قد يخلّ بميزان الإنتاج المحلي مقابل الواردات.
وهبطت المنظمة بتوقعاتها السابقة لحجم الإنتاج بنسبة 8%، سواء للهيدروجين الأخضر أو الأزرق.
ورغم أن هذه التحديثات تعكس الواقع المؤلم لتدهور الصناعة، فإنها تعيد تسليط الضوء على مصادر الواردات ومشروعات الدول العربية الجاذبة للأنظار.
وبناءً على هذه المعطيات وأحدث البيانات، تُشير تقديرات منصة الطاقة المتخصصة (الصادرة من واشنطن) إلى أن 4 دول عربية (مصر، الجزائر، المغرب، سلطنة عمان)، تمثّل فرصةً ذهبية لتصدير الهيدروجين إلى أوروبا.
وتستند تقديرات منصة الطاقة إلى خطط فعلية سبق إعلانها من جانب تلك الدول خلال السنوات القليلة الماضية، وأيضًا ما تتمتع به من موقع جغرافي يتيح لها أكثر من ميزة تصديرية، مثل خطوط الأنابيب الموجودة في المغرب والجزائر، أو إمكان التصدير في ناقلات (سلطنة عمان ومصر).
توقعات هيدروجين يوروب
قدّرت هيدروجين يوروب أن إمدادات الهيدروجين الأوروبية ستسجل 2.3 مليون طن سنويًا في 2030، انخفاضًا من 2.5 مليون طن كانت قد أشارت إليها في عام 2024.
وتضمَّن تقرير حديث للمنظمة شقَّين رئيسين:
1) توقعات الإنتاج
- 7 ملايين طن سنويًا من الهيدروجين الأخضر، وقدرة تحليل كهربائي 15 غيغاواط، بتراجع من 16.4 غيغاواط.
- 600 ألف طن سنويًا من الهيدروجين الأزرق (المنتج من الغاز الطبيعي بعد احتجاز الكربون)، بهبوط 25% عن التوقعات السابقة، في ظل تأخُّر نشر تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، خاصة في المملكة المتحدة.
2) المشروعات
كانت أوروبا تطور 900 مشروع هيدروجين وفق بيانات تقرير المنظمة لعام 2024، لكن هذه التقديرات تراجعت إلى 862 مشروعًا حاليًا.
ومن المفترض أن تسهم هذه المشروعات بطاقة إنتاجية متوقعة قدرها 12.7 مليون طن، بانخفاض 12% مقارنة بطاقة مشروعات القارة العام الماضي.
ويشير ذلك إلى فجوة بين توقعات الإنتاج الفعلي، والمأمول من المشروعات المعلنة، بحسب ما أوردته منصة أرغوس ميديا المعنية بشؤون الطاقة.
وبذلك يعادل الإنتاج المتوقع (الهيدروجين الأخضر والأزرق) -البالغ 2.3 مليون طن- 18% فقط من إجمالي الطاقة الإنتاجية المعلنة للمشروعات.

واقع مشروعات الهيدروجين في أوروبا
يواجه عدد من مشروعات الهيدروجين في أوروبا مصيرًا مظلمًا في ظل موجة الإلغاءات والإرجاءات التي شهدتها القارة مؤخرًا، وتصاعدت منذ العام الماضي.
ويتوافق هذا مع توقُّع منظمة هيدروجين يوروب بتأخير بعض المشروعات لما بعد 2030، أو تعليقها نهائيًا.
ويبدو أن رؤية المنظمة استندت إلى عجز مشروعات الاتحاد الأوروبي عن الوفاء بمستهدفاته، إذ سبق أن تعهَّد بقدرة تحليل كهربائي تصل إلى 6 غيغاواط العام الماضي، لكن لم يدخل حيز التشغيل إلّا 600 ميغاواط فقط.
وبلغت قدرة التحليل الكهربائي للمشروعات قيد التطوير حتى يوليو/تموز 2025 نحو 2.8 غيغاواط.
ويتكرر الأمر ذاته مع وتيرة نمو المشروعات المستهدِفة إنتاج 2.3 مليون طن نهاية العقد، إذ تبلغ طاقتها الإنتاجية قيد التطوير (من مشروعات الهيدروجين الأخضر والأزرق) 300 ألف طن سنويًا فقط، بما يعادل 26% فقط من إجمالي المتوقع.
وقد ترجع الفجوة بين المستهدفات والواقع إلى تعثُّر مشروعات الهيدروجين في أوروبا، بجانب التباطؤ في تطبيق التشريعات المنظمة للصناعة، مثل توجيه الطاقة المتجددة ريد 3 (RED III).
ويأتي هذا بجانب تراجع الطلب، وارتفاع تكلفة الإنتاج، وعدم كفاية التمويل العام المخصص.
استيراد الهيدروجين من الدول العربية
التزم الاتحاد الأوروبي بإنتاج 10 ملايين طن هيدروجين محليًا بدءًا من نهاية العقد، واستيراد قدر مماثل لتلبية الطلب ومواكبة متطلبات تحول الطاقة وأهداف خفض الانبعاثات.
وقد يؤدي تعثُّر الإنتاج المحلي إلى زيادة استيراد الهيدروجين من الدول العربية، ما يمثّل مجالًا قويًا لبعض الدول المطورة لمشروعات ذات مستهدفات كبيرة، وتملك المقومات الأولية من البنية التحتية اللازمة للإنتاج والتصدير.
وحسب تقديرات وحدة أبحاث منصة الطاقة، تملك 4 دول (هي: مصر، الجزائر، المغرب، سلطنة عمان) فرصًا سانحة لاقتحام سوق الهيدروجين في أوروبا بصادراتها، إذا تمكنت من استغلال مواردها وتطويرها.
1) مصر
تستهدف مصر إنتاج 3.2 مليون طن من الهيدروجين الأخضر نهاية العقد الجاري، ليرتفع هذا السقف إلى 9.2 مليون طن نهاية العقد المقبل (2040)، وفق بيانات وردت في تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا" الصادر يوليو/تموز 2025.
ودخلت القاهرة في عدد من الاتفاقيات والصفقات في سبيل تحقيق هذا الهدف، أحدثها مع تحالف فرنسي إماراتي.
ووقّعت مصر (ممثلة في الهيئة العامة لمواني البحر الأحمر، وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة) اتفاقًا مع تحالف يضم (شركة كهرباء فرنسا إي دي إف، وزيرو ويست المصرية الإماراتية)، في أبريل/نيسان الماضي.
ويوضح الإنفوغرافيك التالي -من إعداد منصة الطاقة- الحوافز التي قدّمتها مصر لمستثمري الهيدروجين الأخضر:
ويتضمن الاتفاق تطوير محطة لإنتاج الهيدروجين، باستثمارات تصل إلى 7.6 مليار دولار، لإنتاج 300 ألف طن من الأمونيا الخضراء سنويًا، بعد تخصيص الأراضي اللازمة لتوليد الطاقة المتجددة ومحطة الإنتاج في رأس شقير.
ومن شأن مشروع المحطة أن يحوّل البلاد إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الهيدروجين الأخضر ومشتقاته.
وكانت القاهرة قد حددت ملامح الإستراتيجية الوطنية للهيدروجين، ودعمتها بقانون حوافز صدر مطلع عام 2024، بجانب توقيع 30 مذكرة تفاهم حول التطوير والبنية التحتية في المنطقة الاقتصادية بقناة السويس.
وبإمكان مصر تصدير الأمونيا في ناقلات، أو إنشاء ممر عالمي يربطها بعدد من بلدان القارة.
2) الجزائر
تملك الجزائر مقومات التوسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر محليًا، من خلال توافر موارد الطاقة المتجددة.
وبالإضافة لذلك، تبرز قدرة البلاد على تعزيز سوق الهيدروجين في أوروبا بصادراتها، خاصةً أن عددًا من خطوط الأنابيب ممتدّ بالفعل، لا سيما عبر إيطاليا وإسبانيا، بالإضافة إلى الاتفاقيات المُبرمة بشأن ممرات الربط مع دول القارة العجوز.
كان الباحث والخبير في مجال الطاقة، مراحي رضا، قد حدد 5 مقومات تعزز أولوية انخراط الجزائر في تصدير الهيدروجين إلى أوروبا، حسب مقال نشرته منصة الطاقة في مارس/آذار الماضي.
وتتضمن هذه المقومات:
- فائض إنتاج الكهرباء فوق مستويات ذروة الاستهلاك.
- وفرة إنتاج الغاز الطبيعي.
- إمكانات إنتاج الهيدروجين الأخضر، بتكلفة تتراوح بين 1.2 ودولارين للكيلوغرام.
- توافر الموارد المتجددة، والإشعاع الشمسي المستمر.
- تبنّي هدف إنتاج 15 غيغاواط من الطاقة الشمسية، والشروع في تنفيذ 3 غيغاواط منها.
واستثمرت الجزائر في صناعة الهيدروجين وإنتاج الأمونيا، في حين تتجه الأنظار إلى خطوة حاسمة العام الجاري فيما يتعلق بمشروعات نقل الوقود إلى أوروبا من خلال (تونس، إيطاليا، النمسا).
وتشير الخريطة التالية -من إعداد منصة الطاقة- إلى مسار مشروع ممر الهيدروجين:
3) المغرب
تُشير التحديثات إلى فرص قوية للمغرب بإنعاش سوق الهيدروجين في أوروبا، إذ سعت 5 تحالفات عربية ودولية إلى توقُّع صفقات مع الرباط بقيمة 32 مليار دولار.
وحصل 5 مستثمرين محليين ودوليين على موافقة أولية من حكومة المغرب بشأن عقود حجز أراضي، لإتمام 6 مشروعات هيدروجين بتكلفة تقترب من 32 مليار دولار، في سبتمبر/أيلول الماضي.
ويتوافق ذلك مع هدف الرباط لإنتاج 3 ملايين طن من الوقود الأخضر سنويًا، بدءًا من نهاية العقد.
ويشترك المغرب مع الجزائر في ميزة الموقع الإستراتيجي للبلاد قرب السوق الأوروبية (وارتباطه أيضًا بخط أنابيب مع إسبانيا)، بجانب المقومات المحلية الداعمة وجذب الاستثمارات الخارجية.
وأشار خبراء -خلال ندوة افتراضية عقدت شهر أغسطس/آب الماضي، وتابعتها منصة الطاقة- إلى 4 مواقع مؤهلة لإنتاج الهيدروجين في المغرب، وتشمل: (ميناء طنجة، والمنطقة الصناعية في كازابلانكا، وميناء الجرف الأصفر، وميناء الداخلة).
4) سلطنة عمان
تنضم سلطنة عمان إلى أبرز الدول العربية التي تملك فرصًا لتصدير الهيدروجين إلى أوروبا، خاصة في ظل خفض توقعات الإنتاج في القارة العجوز.
ومن بين جهود السلطنة، مواصلة تطوير مشروع نقل الهيدروجين في خطوط الأنابيب، حسب تحديات نشرتها شركة أوكيو لشبكات الغاز في أغسطس/آب الماضي.
وقدّمت شركة هيدروجين عمان (هايدروم) حزمة تسهيلات للمزايدة الثالثة لمشروعات الوقود الأخضر، منتصف أغسطس/آب الماضي.
وتضمنت هذه التسهيلات حوافز مالية جديدة لتعزيز الجدوى التجارية لمشروعات الهيدروجين الأخضر.
وروّجت شركة هيدروجين عمان للمزايدة في الأسواق العالمية، ومن بينها كوريا الجنوبية، في إطار الإستراتيجية التي تتبنّاها السلطنة لتنويع مصادر الطاقة وتحقيق الحياد الكربوني.
وخاضت السلطنة خطوة رائدة وفريدة من نوعها عربيًا، بتوقيع اتفاق مع شركة "صن غرو" الصينية لتجميع وتصنيع معدات الهيدروجين الأخضر محليًا.
موضوعات متعلقة..
- ندوة مصرية حول استيراد الهيدروجين من الدول العربية
- تطورات الهيدروجين الأخضر في المغرب.. ماذا قال 4 مسؤولين؟
- 5 مقومات تمنح الجزائر الأولوية في تصدير الهيدروجين إلى أوروبا (مقال)
- صفقة لتصنيع معدات الهيدروجين الأخضر في سلطنة عمان.. أول دولة عربية
اقرأ أيضًا..
- أنس الحجي: أسعار النفط وأوبك لن تتأثرا باستئناف تصدير خام كردستان
- مخزونات النفط الأميركية ترتفع 1.8 مليون برميل في أسبوع
- تكلفة إنتاج النفط في العراق صادمة.. وحقل يقترب من 40 دولارًا
المصادر..