طموحات الطاقة النووية في بولندا تصطدم بعقبات التمويل وتأخير التنفيذ (تقرير)
نوار صبح

تصطدم طموحات الطاقة النووية في بولندا بعقبات التمويل وتأخير التنفيذ وتتقيّد بالاعتبارات العسكرية والاقتصادية للبلاد.
ورغم التزام بولندا ببناء ما بين 6 و9 غيغاواط من الطاقة النووية، بدءًا بـ3 مفاعلات من طراز "إيه بي 1000" على ساحل بحر البلطيق، فإن التأخيرات والغموض بشأن التمويل يُشيران إلى تعثُّر البرنامج قبل بدء أعمال البناء.
وكان من المقرر تشغيل المفاعل الأول في عام 2033، وتأجَّل ذلك إلى عام 2036 على الأقل، وفق تفاصيل طالعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
من ناحية ثانية، تُحاكي طموحات الطاقة النووية في بولندا محاولات سابقة لترسيخ نظام الطاقة لديها بالقدرات النووية، لكن التاريخ والأدلة تُشير إلى اتجاه مُغاير.
تطوير الطاقة النووية في بولندا
على الرغم من أن نجاح تطوير الطاقة النووية في بولندا يتطلب توافر عدّة شروط، تعاملت الحكومات الوطنية مع هذه الطاقة بصفتها أولوية إستراتيجية قصوى، وربطتها مباشرةً ببرامج الأسلحة النووية.
واختارت هذه الحكومات تصميمًا واحدًا وجمّدوه، وبَنت عشرات الوحدات المتطابقة على مدى 20 إلى 30 عامًا، غالبًا في مواقع متعددة الوحدات.
وأنشأت خطًطا لتدريب القوى العاملة، وحافظت على سيطرة حكومية صارمة على إصدار التراخيص والتمويل.
ويبدو أن بولندا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ليس لديها برنامج أسلحة نووية محلي، ولا ترغب في الانضباط الوطني والمعايير التي يتطلبها نجاح الطاقة النووية.

مفاعلات "إيه بي 1000" النووية
سُوّقت مفاعلات "إيه بي 1000" نفسها سابقًا على أنها الحل لمشكلات الطاقة النووية المزمنة المتمثلة في التكلفة والتعقيد والسلامة.
وشددت شركة وستنغهاوس الأميركية (Westinghouse) على أنظمة التبريد السلبي، وتصميمها الموحد، ومزاعمها بسهولة وسرعة بناء المفاعلات مقارنةً بالمفاعلات القديمة.
عمليًا، كانت النتائج مخيّبة للآمال، حيث عانت مشروعات في الولايات المتحدة من تأخيرات هائلة وتجاوزات في التكاليف، ما دفع شركة وستنغهاوس إلى الإفلاس عام 2017.
في الصين، حيث اكتملت 4 وحدات "إيه بي 1000"، استغرق البناء وقتًا أطول مما كان مُخططًا له، ولم يتوسع برنامج البناء حسبما هو مُخطط له.
وبعيدًا عن إثبات إمكان تسليم الطاقة النووية في الوقت المحدد وضمن الموازنة، أظهرت تجربة مفاعل "إيه بي 1000" أنه حتى التصاميم الحديثة "المبسّطة" ما تزال عُرضة للمخاطر المالية ومخاطر التسليم التي عانت منها الصناعة لعقود.
على صعيد آخر، فإن من شأن اختيار بولندا لمفاعلات "إيه بي 1000" أن يربط مستقبلها النووي مباشرة بالولايات المتحدة، إذ إن تصميمها مرخَّص من هيئة التنظيم النووي الأميركية، ويتطلب اتفاقيات مستمرة لنقل التكنولوجيا وخدمات التصميم والمكونات الرئيسة.
ويثير هذا الاعتماد تساؤلات حول المخاطر الجيوسياسية، إذ ستحصر بولندا جزءًا كبيرًا من نظامها الكهربائي في سلاسل التوريد التنظيمية والصناعية الأميركية، في وقت تشهد فيه السياسة الأميركية تقلبات وتوترًا في التحالفات.
وقد يؤدي أيّ تحوّل في السياسة الأميركية، أو ضوابط التصدير، أو النزاعات التجارية إلى إبطاء المشروعات أو رفع التكاليف، ما يترك بولندا عرضة للمخاطر بطرق لا تستطيع مصادر الطاقة المتجددة أو التقنيات الأوروبية تحمّلها.
المفاعلات المعيارية الصغيرة
تُعدّ المفاعلات المعيارية الصغيرة، أحيانًا، وسيلةً للتغلب على المشكلات التاريخية للطاقة النووية، ويزعم المؤيدون إمكان بنائها بشكل أسرع وأقل تكلفة وبأعداد أكبر.
في المقابل، لا تُعالج المفاعلات المعيارية الصغيرة التحديات الهيكلية للطاقة النووية في بولندا.
وتعاني هذه المفاعلات من ضعف اقتصادات الحجم، وتتطلب الرقابة التنظيمية والرقابة على السلامة نفسها، وما تزال عمليًا عرضة للتأخيرات وتجاوزات التكاليف التي تعاني منها المحطات الكبيرة.
من ناحية ثانية، لن تستفيد دولة مثل بولندا، التي بدأت لتوّها استكشاف الطاقة النووية، من الوحدات النمطية النظرية.
وقد تتصدر إعلانات شركات مثل أورلين (Orlen) وسينثوس (Synthos) عن مفاعلات وحدات صغيرة عناوين الصحف، لكنها لا تُغيّر من الجوانب الاقتصادية الأساسية.
مصادر الطاقة المتجددة
حتى لو استطاعت بولندا بناء المفاعلات في الوقت المحدد وضمن الموازنة المخصصة، فإن الطاقة النووية تُشكّل تحديات خطيرة على شبكة تعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة المتجددة.

وتعمل الوحدات النووية الكبيرة بأفضل أداء عند إنتاج ثابت، لكن بولندا تُركّب حاليًا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بوتيرة تُقلل من توليد الكهرباء بالفحم، وتُولّد ساعات فائضة من الكهرباء، حسب تحديثات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وستُؤدي خطة بولندا لتوليد ما بين 6 و9 غيغاواط من الطاقة النووية على شبكة ذات طلب ذروة يتراوح بين 35 و40 غيغاواط إلى خلق كمية كبيرة من التوليد غير المرن.
في الحدّ الأعلى من هذا النطاق، ستوفر الطاقة النووية في بولندا أكثر من ثلث الكهرباء السنوية.
موضوعات متعلقة..
- ثاني محطات الطاقة النووية في بولندا تواجه مستقبلًا غامضًا
- أولى محطات الطاقة النووية في بولندا تبنيها شركة أميركية
- بولندا تتوسع في مشروعات الطاقة النووية للتخلص من الفحم
اقرأ أيضًا..
- شبكات الكهرباء في الأردن 2024.. الطاقة الشمسية تتفوق على الرياح (تقرير)
- 5 مبالغات عن السيارات الكهربائية تكشفها الحقائق التجريبية (تقرير)
- الحوافز الضريبية لإنتاج الهيدروجين.. المغرب وموريتانيا ضمن قائمة الـ7 دول
المصدر..