4 خبراء يناقشون أزمة الغاز في العراق.. وحلول إستراتيجية بعيدًا عن إيران
داليا الهمشري

وسط تصاعد أزمة الغاز في العراق وانقطاعات الكهرباء، تتزايد الدعوات إلى إيجاد حلول واقعية وسريعة، في ظل تعثر الاستيراد من بعض الدول المُنتجة، واستمرار الاعتماد على إيران؛ إذ تُعدّ مصدرًا رئيسًا للغاز.
وفي هذا الإطار، طرح عدد من الخبراء -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة (مقرّها واشنطن)- 5 مسارات رئيسة يمكن أن تُسهم في تخفيف الأزمة، مع تأكيد أن الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الغاز لن يتحقق قبل عام 2027.
ويرى الخبراء أن المرحلة الحالية تتطلّب إجراءات عاجلة لترشيد الاستهلاك، وتحسين إدارة الموارد، وتسريع تنفيذ المشروعات المتعثرة.
وعلى المدى الطويل، يطرح الخبراء حلولًا إستراتيجية عدة، من بينها زيادة الاستثمار في محطات الدورة المركبة، والتوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، إلى جانب بناء أنبوب لاستيراد الغاز عبر تركيا، أو خط مباشر يربط بين شرق العراق وحقل الريشة الأردني.
وفيما يلي، أبرز حلول أزمة الغاز في العراق، حسبما قال الخبراء:
ترشيد استهلاك الكهرباء
أوضح خبير التعاقدات وإدارة المشروعات في وزارة النفط العراقية سابقًا، الدكتور إحسان العطار، أن أزمة الغاز في العراق -حاليًا- تحتاج إلى التعامل معها بحلول واقعية قابلة للتطبيق، ولا سيما في ظل تعثر استيراد الغاز من تركمانستان.
وأضاف أن أول هذه الحلول تتمثّل في ترشيد استهلاك الكهرباء وتصحيح أنماط الاستعمال المفرط للطاقة، مشيرًا إلى أن ذلك يستدعي تطبيق آلية عادلة لاستيفاء أجور الاستهلاك تتناسب مع الكميات المستهلكة فعليًا.
وأكد -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة- أن العراق يُعاني -حاليًا- استهلاكًا مفرطًا، لافتًا إلى أن مدينة بغداد وحدها تستهلك كهرباء تفوق إجمالي استهلاك جميع مدن المملكة الأردنية الهاشمية، مؤكدًا أن هذا الأمر يتطلّب وقفة جادة لضبط استهلاك الموارد.
وحول استمرار العراق في استيراد الغاز والنفط من إيران، أشار العطار إلى أن السبب الرئيس هو القرب الجغرافي، ووجود خط أنابيب غاز جاهز يربط بين البلدَيْن، ويمر عبر الحدود وصولًا إلى منافذ تسلّم تعمل حاليًا، ما يجعل هذا الخيار الأسرع والأسهل فنيًا في الوقت الراهن.
وعن تأخّر استيراد الغاز عبر ميناء خور الزبير، أوضح العطار أن الأسباب فنية بحتة، وتتعلق باستكمال تجهيز المعدات والكابسات والأنابيب المطلوبة لتشغيل هذا المنفذ، مشيرًا إلى أن العمل جارٍ على استكمال البنية التحتية لتفعيله في المستقبل.
وفي السياق نفسه، أرجع مستشار رئيس الوزراء العراقي الدكتور مظهر صالح تأخّر استيراد الغاز عبر ميناء خور الزبير إلى طبيعة البنية التحتية ومرونتها في عمليات استقبال الغاز وتوزيعه لأغراض توليد الكهرباء عن طريق الشحن البحري، مشيرًا إلى أن هناك بعض العوامل الإدارية لتغطية كلف المشروع، فضلًا عن اختيار الجهات المجهزة.
تجهيز البنية التحتية
يرى الدكتور مظهر صالح، أن البنية التحتية وتهيئة جاهزيتها لا تزال هي العنصر الجوهري، وهي ما تسعى إليه الجهة القطاعية في تجربة الاستيراد عن طريق البحر، والتوزيع بالشبكات الوطنية، وربطها ضمن مجهودات فنية عالية تعمل عليها الكوادر الوطنية في تجربة تُعد الأولى من نوعها في البلاد.
وبخصوص خيار الانضمام إلى خط الغاز العربي، يرى الدكتور إحسان العطار، أن هذا الخيار يتطلّب أولًا الاتفاق على الصيغة التعاقدية مع الأطراف الموردة من حيث الكميات، والمواعيد، والجوانب القانونية والمالية، قبل الشروع في تنفيذ البنية التحتية اللازمة مثل خطوط الربط والمعدات والمنشآت.
وأضاف: "هذه العمليات تستغرق وقتًا وجهدًا إداريًا وفنيًا كبيرًا، ولا يمكن تنفيذها على عجل".
وتطرّق العطار إلى خطة العراق للاستغناء عن واردات الغاز مستقبلًا، مشيرًا إلى أن البلاد تسير بثبات نحو الاستثمار الكامل للغاز المصاحب المستخرج من الحقول النفطية، والتوقف التام عن حرقه.
وقال إن الخطط الموضوعة تتجه إلى استثمار كامل لكميات الغاز المصاحب بحلول عام 2027؛ وهو ما سيُتيح الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الغاز في العراق، والابتعاد عن الحاجة إلى الاستيراد من أي جهة خارجية.
من جهته، قال مدير تحرير منصة الطاقة عبدالرحمن صلاح، إن حل أزمة الغاز والكهرباء في العراق يتطلّب قبل كل شيء وجود إرادة سياسية حقيقية لدى قادة الدولة، تبدأ بالتخلي التدريجي عن الاعتماد على واردات الطاقة الإيرانية، والبدء فورًا في البحث عن بدائل مستدامة وأكثر أمنًا من الناحية الإستراتيجية.
حلول لتوفير الغاز في العراق
أوضح صلاح -في تصريحات خاصة- أن هناك 5 حلول رئيسة يمكن أن تشكّل خريطة طريق لمعالجة نقص الغاز وانقطاعات الكهرباء، بعضها يمكن تنفيذه في المدى القريب، وبعضها الآخر يمثّل خيارًا إستراتيجيًا طويل الأجل.
ولفت إلى أن الحل الأول يتمثّل في سرعة استيراد الغاز الطبيعي المسال عبر ميناء خور الزبير، مع إعادة تغويزه في المرافق المخصصة لذلك قبل ضخه إلى الشبكة.
أما الحل الثاني فيتمثّل في زيادة الاعتماد على المحطات التي تعمل بالنفط أو الديزل، وهو أمر ممكن بالنظر إلى أن العراق يمتلك طاقة إنتاجية تتجاوز 4 ملايين برميل نفط يوميًا.
ودعا صلاح إلى استثمار جزء من هذه القدرة لتأمين الكهرباء، سواء عبر تشغيل المحطات الحالية أو بناء محطات أخرى جديدة، حتى إن تعارض ذلك مع الاتجاهات البيئية العالمية؛ لأن تأمين الكهرباء لملايين المواطنين يجب أن يكون أولوية قصوى في الوقت الراهن.
وأشار إلى أن التوسع في محطات الدورة المركبة يمثّل الخيار الثالث، وهو خيار يعتمد على الغاز الطبيعي، ويتميّز بقدرته على توليد كهرباء إضافية من خلال استغلال الحرارة المهدرة، ما يجعله أكثر كفاءة من المحطات التقليدية.
بينما الحل الرابع -وهو إحياء مشروع خط الغاز العربي- يمثّل فرصة إستراتيجية ضائعة منذ توقيع العراق على اتفاق الانضمام إليه عام 2004، لافتًا إلى أن الخط يربط -حاليًا- بين مصر والأردن وسوريا ولبنان، وكان هدف بغداد الأساسي منه تصدير الغاز العراقي إلى أوروبا، إلا أن الواقع اليوم يفرض إعادة توجيهه، ليكون وسيلة لجلب الغاز إلى العراق.
وأوضح مدير تحرير منصة الطاقة، أنه يمكن تنفيذ ذلك إما من خلال بناء وصلة أنابيب من مدينة حمص السورية إلى العراق، وحينها يمكن استيراد الغاز من مصر أو الأردن مرورًا بالأراضي السورية، وإما عبر خط مباشر يربط بين شرق العراق وحقل الريشة الأردني، وهو ما يُعد الخيار الأقل تكلفة والأسرع تنفيذًا.
وأضاف أن الأردن يعمل -حاليًا- على ربط حقل الريشة بخط الغاز العربي، بعد تحقيق اكتشافات جديدة في عام 2024؛ ما يفتح نافذة مهمة أمام العراق للاستفادة من هذه البنية التحتية الإقليمية بدلًا من الاعتماد شبه الكامل على الغاز الإيراني.
أما الحل الخامس فهو بناء خط أنابيب قصير يُربط بخط الأنابيب السوري التركي (كلس -حلب)، وحينها يمكن استيراد الغاز من تركمانستان أو أذربيجان عبر تركيا، أو استيراد الغاز المسال من أي دولة، ثم إعادة تغويزه في تركيا قبل ضخه في الشبكة العراقية.
وفي السياق ذاته، شدّد عبدالرحمن صلاح على ضرورة وقف حرق الغاز المصاحب في العراق، مشيرًا إلى أن البلاد تحرق سنويًا أكثر من 17.3 مليار متر مكعب، وفقًا لأحدث بيانات وحدة أبحاث الطاقة، وهي كميات كافية لتشغيل عدد كبير من محطات الكهرباء.
كما دعا إلى تسريع وتيرة تنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية، وعلى رأسها المشروع القائم في كربلاء، ومشروع شركة توتال إنرجي الفرنسية في محافظة البصرة، مؤكدًا أن تنويع مزيج الطاقة بات ضرورة وطنية لمواجهة الأزمات المتكررة في قطاع الكهرباء.
استثمار الغاز المصاحب
أكد الكاتب الصحفي العراقي المتخصص في شؤون الطاقة، عاصم جهاد، أن العراق لا يمتلك -حاليًا- حلولًا آنية لأزمة الغاز المستورد، موضحًا أن معظم دول الجوار -باستثناء إيران- لا تملك فائضًا من الغاز يمكن تصديره إلى العراق، في حين يتطلّب استيراده من دول مثل قطر أو تركمانستان توفير بنى تحتية غير موجودة حاليًا، مثل المواني المتخصصة ومنصات التحويل وخطوط الأنابيب.
وأشار جهاد -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- إلى أن العراق يعوّل في الوقت الراهن على مشروعات استثمار الغاز المصاحب من الحقول النفطية الجنوبية وحقول الغاز في الأنبار وديالى، إلا أن إضافة كميات مجدية من الغاز لن تتحقق قبل عام 2028.
وشدد على أن الطلب المحلي المتزايد يجعل العراق بحاجة مستمرة إلى الغاز المستورد، لافتًا إلى أنه حتى مشروعات الطاقة الشمسية والرياح تحتاج إلى وقت وتمويل قبل أن تُسهم فعليًا في سد الفجوة.
وأوضح جهاد أن الغاز الإيراني يبقى الخيار الأقرب والأكثر جدوى في الوقت الحالي بسبب القرب الجغرافي ووجود خطوط أنابيب جاهزة، بالإضافة إلى أن إيران تمثّل ممرًا محتملًا للغاز التركماني أو الأذربيجاني.
وكشف عن أن الحكومة العراقية حاولت تعويض النقص عبر مفاوضات مع شركات ودول منتجة، إلا أن غياب البنية التحتية اللازمة في المواني الجنوبية ما زال يشكّل عائقًا أمام أي استيراد فاعل للغاز الطبيعي المسال.
وأرجع جهاد هذا التأخر إلى غياب الرؤية الإستراتيجية والتخصيصات المالية الكافية، إلى جانب البيروقراطية وضعف التنسيق المؤسسي؛ ما حال دون تطوير مشروعات البنى التحتية أو تنفيذ خطط بعيدة المدى لاستغلال الموارد.
وبشأن خط الغاز العربي، أوضح أن تعذُّر الانضمام إليه يرجع إلى عدم استقرار الأوضاع الأمنية في سوريا والمنطقة، رغم تطلع العراق إلى الاستفادة من المشروع مستقبلًا بعد تحسن الأوضاع.
موضوعات متعلقة..
- فشل صفقة الغاز التركمانستاني إلى العراق.. أميركا ترفض عبور الإمدادات من إيران
- مزيج توليد الكهرباء في العراق 2024 وماذا حدث لحصة الغاز؟.. بيانات حصرية لـ"الطاقة"
- منتدى بغداد الدولي للطاقة 2025.. العراق يكشف عن خططه لاستثمار الغاز والمصادر المتجددة
اقرأ أيضًا..
- سفينة حفر عملاقة في البحر المتوسط.. هل تمهد لصفقة بين 3 دول؟
- تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر في الهند تنافس المغرب والجزائر وموريتانيا
- واردات تركيا من النفط والغاز الروسيين.. هل تتوقف بسبب ترمب؟ (مقال)
- قطر للطاقة توقع صفقة نادرة بالأسواق العربية والعالمية