التقاريرأنسيات الطاقةتقارير النفطرئيسيةنفط

هل يؤثر نفط كردستان العراق في الأسواق العالمية؟ (تقرير)

أحمد بدر

مؤخرًا، يدور الجدل حول ما إذا كان استئناف تصدير نفط كردستان العراق عبر تركيا قد يترك أثرًا مباشرًا في أسعار الخام العالمية، وهو السؤال الذي يتزامن مع عودة الضخ بعد توقُّف طويل، وسط حسابات سياسية واقتصادية متشابكة.

وفي هذا السياق يوضح مستشار تحرير منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، خبير اقتصادات الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن التوقعات السابقة بعدم عودة الضخ عبر خط جيهان كانت خاطئة، والسبب الرئيس هو التدخل الأميركي الكبير الذي قلبَ الحسابات رأسًا على عقب.

ويشير إلى أنّ تدخُّل الولايات المتحدة تَمثَّل في الضغط المباشر على الحكومة العراقية، وفرض عقوبات على شركات وتجّار وسفن وحتى على تركيا، في خطوة عززت قدرة واشنطن على إعادة تشغيل تدفّقات نفط كردستان العراق رغم الاعتراضات المحلية.

لكن السؤال الأوسع يبقى: هل يؤدي هذا الاتفاق إلى تغيير في موازين إنتاج النفط داخل أوبك، أو يؤثّر في الأسعار العالمية؟ وهنا يجيب الحجي بأن التأثير شبه معدوم على المدى القصير، وأن المتغيرات الفعلية قد تظهر فقط على المدى الطويل إذا تغيَّر الإنتاج.

جاءت تصريحات الحجي خلال حلقة جديدة من برنامجه "أنسيات الطاقة"، الذي يقدّمه عبر مساحات منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، وجاءت هذا الأسبوع بعنوان: "آثار عودة ضخ النفط من شمال العراق عبر تركيا في أوبك وأسواق النفط".

التدخل الأميركي وحسم عودة الضخ

شدّد أنس الحجي على أن التقديرات السابقة استبعدت التدخل السياسي المباشر، وهو ما جعلها غير دقيقة، فبينما بُني التحليل على مصالح العراق وكردستان وتركيا والشركات، غاب عنصر الحسم الأميركي الذي فرض واقعًا جديدًا في ملف نفط كردستان العراق.

وأضاف: "واشنطن مارست ضغطًا متواصلًا منذ فبراير/شباط الماضي، شمل تهديدًا بالعقوبات على كل الأطراف، وحتى على تركيا نفسها، في حال استمرار تعطيل الصادرات، وقد رُبط ذلك بمحاولة واشنطن تقليص تدفقات النفط الروسي، والضغط على شركاء مثل أنقرة ونيودلهي".

وأكد أن جزءًا من النفط الكردي كان يذهب سابقًا إلى إيران، ما جعل الملف أكثر حساسية بالنسبة للولايات المتحدة، بينما العقوبات شملت شركات وسماسرة، وصولًا إلى اتهامات لشركة "سومو" العراقية بخلط النفط، في إطار تضييق الخناق.

عامل يتابع إنتاج النفط في أحد حقول كردستان العراق
عامل يتابع إنتاج النفط في أحد حقول كردستان العراق- أرشيفية

وأشار أنس الحجي إلى أن استئناف الضخ لا يعني زيادة الإنتاج الكلّي، بل مجرد تغيير في مسار الشحنات، لذلك فإن تأثير نفط كردستان العراق في السوق العالمية محدود، لكنه قد يُحدث اختلافًا في فروقات الأسعار تبعًا للجغرافيا والنوعية.

كما أوضح أن الاتفاق الجديد منح واشنطن ورقة ضغط إضافية على الصين، عبر تحويل بعض شحنات النفط الكردي بعيدًا عن بكين وتوجيهها إلى أوروبا أو الولايات المتحدة، وهو ما يعكس البعد الجيوسياسي للملف.

ويرى الحجي أن هذا التحول درس مهم للمحللين، مفاده: عندما يريد السياسيون شيئًا محددًا، ويصرّون عليه، فإن اعتبارات الاقتصاد وحدها لا تكفي للتنبؤ بالنتائج، وهذا ما ظهر بوضوح في قصة نفط كردستان العراق الأخيرة.

وخلص إلى أن التدخل الأمريكي كان العامل الحاسم الذي حرّك المياه الراكدة، وأعاد الضخ، رغم التعقيدات القانونية والاقتصادية، وهو ما يكشف قدرة واشنطن على استعمال الملفات النفطية ورقةً تفاوضية في صراعاتها الدولية.

أصل الأزمة والنزاعات القانونية

شرح أنس الحجي أن جذور أزمة نفط كردستان العراق تعود إلى السبعينيات من القرن الماضي، حين وُقِّع اتفاق بين بغداد وأنقرة لبناء خط أنابيب جيهان، وكان العقد مميزًا آنذاك بربط الأجرة بالذهب رغم الدفع بالدولار.

ومع الدستور العراقي الجديد، برز الخلاف بين الحكومة المركزية وحكومة كردستان حول ملكية النفط، فبينما رأت أربيل أن الاكتشافات الجديدة تخصّها، أكدت بغداد أن النفط ملك لكل العراق، وهو ما حسمته المحكمة العليا لصالح الحكومة المركزية.

لكن شركات أجنبية وقّعت عقودًا مباشرة مع كردستان، ما أوجد مأزقًا قانونيًا معقّدًا، وعندما بدأت أربيل الضخ منفردة، عَدَّت بغداد ذلك مخالفة للعقد مع تركيا، فرفعت دعوى دولية، وحصلت على حكم بتغريم أنقرة 1.9 مليار دولار.

نفط كردستان العراق

هذا الحكم أثار غضب تركيا، فقررت وقف الضخ تمامًا، ووجدت كردستان نفسها دون دخل نفطي، فلجأت إلى التهريب نحو العراق وإيران، وهو ما أسهم في تنامي شبكات غير شرعية وأثار مشكلات مرتبطة بالعقوبات الأميركية.

ويؤكد خبير اقتصادات الطاقة أن التهريب جعل النفط الكردي موجودًا في السوق الدولية حتى في أثناء التوقف الرسمي، وغالبًا ما كان يتجه إلى الصين أو إسرائيل، وهذا يفسّر أن استئناف الضخ لم يُحدِث طفرة في الإمدادات العالمية.

كما يشير إلى أن الاتفاق الحالي لا يلغي هشاشة الموقف، فالمصالح المتعارضة بين بغداد وأربيل وأنقرة تجعل أيّ تسوية مؤقتة عرضة للانهيار في أيّ لحظة، لذلك يبقى مستقبل نفط كردستان العراق مفتوحًا على احتمالات متعددة.

ولفت إلى أن انتهاء الاتفاقية القديمة بين بغداد وأنقرة في يوليو 2026 سيعيد خلط الأوراق، إذ تسعى تركيا إلى اتفاق جديد يزيد من حصتها على حساب بغداد وأربيل، ما قد يثير جولة جديدة من الخلافات القانونية والسياسية.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق