كيف تؤثر عودة نفط كردستان العراق في الأسواق العالمية؟ تقرير يجيب
أسماء السعداوي

مع عودة صادرات نفط كردستان العراق إلى تركيا، عبر خط أنابيب جيهان التركي، صباح السبت (27 سبتمبر/أيلول 2025)، تترقّب أسواق الطاقة العالمية فصلًا جديدًا، في ظل تكهنات بشأن مكاسب محلية وعالمية.
إلا أن أغلب هذه التوقعات خاطئة أو مبالغ فيها؛ إذ إن الأهداف الأميركية من إعادة الضخ في الأنبوب لا علاقة لها بمصلحة العراق.
كما أن عدم مشاركة أكبر شركتين منتجتين بإقليم كردستان في الضخ عبر الأنبوب يوضح حجم المبالغات في وسائل الإعلام بشأن أثر هذا الضخ.
وبعد تدخل أميركي، بدأ تدفق صادرات نفط إقليم كردستان إلى تركيا دون مشكلات فنية، لتنتهي أزمة دامت أكثر من عامين من الخلافات والتدخلات والأضرار الاقتصادية، في ما وصفه رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني بأنه "إنجاز كبير للشعب العراقي ككل".
وعلى الرغم من وجود قضية تحكيم ثانية لم تُغلق حتى الآن بين تركيا والعراق؛ فمن المقرر أن تضيف صادرات نفط كردستان العراق عبر ميناء جيهان التركي، كميات جديدة إلى صادرات بغداد "الرسمية" البالغة قرابة 3.4 مليون برميل يوميًا، حسبما نقلت شركة تسويق النفط العراقية "سومو".
كما ستُعزز الصادرات خزينة أربيل بالمال اللازم لحل تحدياتها الاقتصادية، وفقًا لوسائل الإعلام وبعض التصريحات، ولكن هذا أمر مشكوك فيه؛ لأن هذا النفط كان يُنتج ويُباع على كل الحالات.
ويُعَد العراق ثاني أكبر منتجي النفط في منظمة أوبك بعد المملكة العربية السعودية، والخامس عالميًا، باحتياطيات قدرها 145 مليار برميل، في حين تصل احتياطيات النفط في إقليم كردستان إلى 45 مليار برميل من النفط، وفق أحدث البيانات لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
استئناف صادرات نفط كردستان العراق
"الآن تحقّق الحلم الذي كان يراود الكثيرين".. هذا ما صرّح به وزير النفط العراقي حيان عبدالغني، بعد استئناف صادرات نفط كردستان العراق، موضحًا أن حجم النفط الذي يصدره إقليم كردستان يبلغ 190 ألف برميل يوميًا، ليُسجل ارتفاعًا في مستويات النفط الواصلة إلى صهاريج ميناء جيهان التركي.

جاء ذلك بعد توقيع اتفاق ثلاثي في 25 سبتمبر/أيلول الجاري بين وزارة النفط العراقية ووزارة الثروات الطبيعية في كردستان و8 شركات تعمل في كردستان (تُشكِّل 90% من إنتاج الإقليم).
وبموجب الاتفاق، يُسلم الإقليم إلى وزارة النفط ما يتراوح بين 180 ألفًا و190 ألف برميل يوميًا، مع حجز 50 ألف برميل لتشغيل المصافي الداخلية.
وبعد تجميع الكمية المخصصة للتصدير، ستتولّى وزارة النفط ممثلة في شركة تسويق النفط الوطنية العراقية "سومو" (SOMO) وتاجر مستقل استلامَ نفط كردستان العراق وتصديره إلى تركيا ومنه عبر الناقلات إلى العالم.
وبموجب التعديل الأول على قانون الموازنة، ستدفع وزارة المالية العراقية للمنتجين 16 دولارًا عينًا أو نقدًا عن كل برميل نفط مُستلم من إقليم كردستان، على ألّا تقل الكمية الواردة عن 230 ألف برميل يوميًا حاليًا.
أثر عودة الصادرات في الأسواق العالمية
يحمل استئناف صادرات نفط كردستان العراق عبر خط أنابيب كركوك-جيهان مكاسب للعراق وكردستان وللعالم أجمع؛ لذلك ترصد منصة الطاقة المتخصصة أثر عودة الصادرات في الأسواق العالمية في النقاط التالية:
- تقول وسائل الإعلام العالمية وعدد من المحللين إن الاتفاق سيُضيف ما يصل إلى 190 ألف برميل يوميًا من نفط كردستان العراق للسوق العالمية.
- أما عن التوقع الخاص بارتفاع الكمية إلى 230 ألف برميل يوميًا الأسواق؛ فهو خاطئ؛ لأن هذا النفط موجود في الأسواق مسبقًا على كل الحالات، وبعضه يُباع داخل العراق؛ ما يساعد الدولة على تصدير المزيد من الجنوب، والجزء الآخر يهرب إلى إيران ومنه إلى الأسواق العالمية.
الأثر الأساسي هنا هو تحويل جزء من هذه الكميات من الأسواق الآسيوية إلى الأسواق الأوروبية والولايات المتحدة؛ إذ إنه تاريخيًا كان جزء كبير من نفط كردستان العراق يذهب إلى إسرائيل، ولكن هذا لن يحدث الآن؛ كون الأمر تحت سيطرة الحكومة المركزية في العراق وليس حكومة كردستان.
وسائل الإعلام والمحللون يقولون إن الخطوة تصب في صالح الحكومة الأميركية التي تسعى لخفض أسعار النفط من خلال زيادة المعروض، وقطع صادرات النفط الإيراني تمامًا بسبب برنامجها النووي.
الجزء الأول من هذه الرؤية غير صحيح؛ لأن النفط المنتج في كردستان ليس إضافة للأسواق؛ كونه كان يهرب إلى الداخل العراقي والإيراني؛ ومن ثم فإن أثره في الأسواق محدود.
ولكن التدخل الأميركي في هذا الاتفاق هو بديل للعقوبات الأخيرة التي فرضتها الحكومة الأميركية على الشركات العراقية والمتهمة بخلط النفط العراقي، غالبًا من كردستان مع النفط الإيراني.
بعبارة أخرى، سيحد الاتفاق من تهريب النفط من كردستان إلى العراق بشكل كبير، وقد يُنهيه تمامًا.
كما تقول وسائل الإعلام والمحللون إن الاتفاق يتّسق مع مساعي تحالف أوبك+ لزيادة الإنتاج وزيادة حصته بسوق النفط العالمية.
ولكن بما أن نفط كردستان العراق موجود في الأسواق، واتفاق مجموعة الـ8 في أوبك+ يشمل إنتاج العراق كاملًا بما في ذلك إنتاج كردستان؛ فإن الاتفاق هو عملية تحويل للصادرات من الشرق إلى الغرب، وهو أمر لن يغير من الأمر شيئًا بالنسبة لأوبك+.
الفرق الآن هو أن الاتفاق سيُجبر وزارة النفط العراقية على الإفصاح عن أرقام إنتاج تتضمّن نفط كردستان، والتي كانت ترفض تضمينها في الأرقام؛ كون إنتاج كردستان "غير رسمي" في نظرها.
ويستنتج من ذلك توافق أرقام إنتاج العراق بين المصادر الرسمية وأرقام شركات المراقبة أو ما يُعرف بـ"المصادر الثانوية".
- ترى شركة سومو الاتفاق فرصة لزيادة صادرات العراق البالغة 3.4 مليون برميل يوميًا حاليًا، كما ستدعم موقف بغداد في المفاوضات مع أوبك بشأن الحصص الإنتاجية.
- وهذا الكلام صحيح من ناحية اعتراف الحكومة العراقية أخيرًا بهذا الإنتاج، ولكن هذا سيضعها في مأزق "التعويض" عن زيادات الإنتاج في الماضي.
- يرى مسؤولون ومحللون أن الاتفاق أداة لزيادة الإيرادات المالية في كردستان؛ بما يعزز مرافق البنية الأساسية الاقتصادية ويقلل حدة الخلافات التاريخية بين بغداد والإقليم شبه المستقبل الذي عانى أيضًا تأخر دفع رواتب الموظفين الحكوميين وخفض الإنفاق على الخدمات الأساسية.
- هذا قد يتحقق؛ لأن الاتفاق الأخير قد يخفف من الفساد الإداري الناتج عن تهريب النفط إلى العراق وإيران.
- يوقف التصدير نزيف خسائر تجاوزت قيمتها 30 مليون دولار بعد تعطل تصدير 450 ألف برميل يوميًا؛ منها 400 ألف برميل من كردستان و50 ألفًا من حقول كركوك الشمالية.
- من الصعب أن نرى زيادة مباشرة في الإنتاج والتصدير؛ لأن هذه الزيادة تحتاج إلى وقت من جهة، وقد لا تتسق مع سياسات أوبك+ من جهة أخرى.

ومن أبرز التصريحات الداعمة لاستئناف صادرات نفط كردستان العراق، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إن الاتفاق التاريخي يضمن التوزيع العادل للثروة وتنويع منافذ التصدير والتشجيع على الاستثمار، علاوة على أنه "إنجاز انتظرناه 18 عامًا"، وهو يقصد عودة النفط إلى سيطرة الحكومة المركزية.
كما رحّب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيا، بالاتفاق "الذي سهلته واشنطن"، قائلًا إنه يجلب منافع ملموسة لكل من الأميركيين والعراقيين ويؤكد سيادة العراق.
كما ثمّن رئيس حكومة كردستان مسرور بارزاني، الدور الأميركي قائلًا إن الولايات المتحدة كان لها دور محوري وساعدت مساعيها الدبلوماسية في تذليل العقبات والتوصل إلى تفاهم بشأن تصدير نفط كردستان العراق بانتظام.
توقف صادرات نفط كردستان العراق
تعود جذور أزمة توقف صادرات نفط كردستان العراق عندما رفعت بغداد دعوى أمام غرفة التجارة الدولية (ICC) للتحكيم في تورط تركيا بتسهيل صادرات الإقليم، كما طلبت تعويضًا بقيمة 33 مليار دولار.
ويقول العراق إن شركة سومو هي الوحيدة المخوّلة بتصدير النفط العراقي، لكن تركيا سهّلت صادرات الإقليم دون موافقة الحكومة في بغداد.
وبالفعل، قضى الحكم بأن تركيا انتهكت اتفاقًا مشتركًا من خلال السماح لحكومة كردستان العراق بتصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي، بحسب متابعات منصة الطاقة المتخصصة.
وبناء على ذلك، أغلقت تركيا خط أنابيب النفط بعد حكم أصدرته الغرفة يُلزم أنقرة بسداد 1.5 مليار دولار نظير خسائر تكبّدتها بغداد عن المدة بين عامي 2024 و2018.
وثمة دعوى تحكيم أخرى للقضية نفسها، لكن للأعوام من 2018 وما بعدها، ولم تفصل فيها غرفة التجارة الدولية بعد.
ومؤخرًا، أعلنت تركيا وقف العمل باتفاقية خط أنابيب النفط العراقي التركي (دخلت حيز التنفيذ في عام 1975) وجميع المواثيق أو المذكرات اللاحقة بدءًا من 27 يوليو/تموز (2026).
موضوعات متعلقة..
- نفط كردستان العراق يعود إلى تركيا بعد غياب عامين.. رسميًا
- صادرات نفط كردستان العراق قد تعود للأسواق باتفاق ثلاثي
- شركة نرويجية تستأنف إنتاج النفط في كردستان العراق
اقرأ أيضًا..
- قاطرة تحويل تعمل بالهيدروجين بدلًا من الديزل.. أول تجربة عالمية
- أكبر مشروع للألواح الشمسية العمودية على الأسطح يكسر رقمًا قياسيًا
- صادرات النفط العراقي في أغسطس 2025 ترتفع 2000 برميل يوميًا
- شل ترفع حصتها في حقل نفط أفريقي.. احتياطياته أكثر من 300 مليون برميل
المصادر:
- تصريح لوزير النفط العراقي عن صادرات نفط كردستان العراق من وكالة الأنباء العراقي
- لماذا أوقف تركيا صادرات كردستان من النفط من وكالة رويترز