في ذكرى تأسيس أوبك.. 5 خبراء: تحركاتها تمنع اضطرابات عنيفة بأسواق النفط
دينا قدري

- قرارات أوبك أثّرت بشكل كبير في أسعار النفط من خلال تنسيق مستويات للإنتاج.
- أوبك تؤدي دورًا محوريًا في استقرار أسواق النفط وحماية الاقتصاد العالمي من التقلبات الشديدة.
- تحركات أوبك منعت حدوث سيناريوهات صعبة، رغم خسارتها حصة كبيرة في السوق.
- دول أوبك تسعى إلى التكيف مع التحول للطاقة النظيفة، مع استمرار إنتاجها النفطي.
في ذكرى تأسيس أوبك، يمكن إبراز دور المنظمة بوصفها عامل توازن مهمًا وفعّالًا في أسواق النفط؛ إذ كانت -ولا تزال- مثالًا يُحتذى به في اتخاذ قرارات استباقية ووقائية بمرونة ملحوظة وفق التطورات المستمرة.
ومع مرور 65 عامًا على تأسيسها، أكد أمين عام أوبك هيثم الغيص، أن المنظمة أثبتت أن رؤيتها الموحدة وأهدافها الأساسية منذ 1960 كانت حجر الأساس لاستقرار السوق العالمية؛ إذ أصبحت اليوم تضم 12 دولة عضوًا وتحظى بالاحترام الدولي، ومُسجلةً رسميًا لدى الأمم المتحدة منذ 1962.
وقال الغيص إن تاريخ أوبك والطلب المتزايد على الطاقة والنفط يشيران إلى أن أي ادعاءات بتراجع أهمية المنظمة، أو حتى أي تنبؤات بذروة النفط في العقود المقبلة، يجب أن تؤخذ بحذر.
وشدد الغيص على أن منظمة الدول المُصدّرة للنفط كانت -وستظل- مصدرًا للاستقرار، وركيزة أساسية في مشهد صناعة الطاقة، وصوتًا يؤكد أهمية النفط ومنتجاته للعالم في العقود المقبلة.
وفي هذا السياق، استطلعت منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) آراء نخبة من كبار الخبراء حول دور المنظمة في استقرار الأسواق، وتأثير قراراتها في أسعار النفط، فضلًا عن دورها في تحول الطاقة.
تأثير قرارات أوبك في أسعار النفط
بشأن مدى تأثير قرارات أوبك في أسعار النفط، أوضح محلل السلع في بنك يو بي إس السويسري جيوفاني ستانوفو، أن دور أوبك+ في سوق النفط يتمثل في استقرار أسعاره، من خلال السعي إلى سوق نفط متوازنة.
وشدد جيوفاني -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة- على أن غياب قوة موازنة يُسبب تقلبات كبيرة في الأسعار، كما حدث في عامي 2015 و2020، وهو أمر لا يصب في مصلحة منتجي النفط ومستهلكيه.
فعلى مر تاريخها، أثّرت قرارات أوبك بشكل كبير في أسعار النفط من خلال تنسيق مستويات الإنتاج للتأثير في ديناميكيات العرض والطلب العالميين، بحسب ما صرح به كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة أومود شوكري.
وأوضح شوكري -في تصريحاته إلى منصة الطاقة- أن تخفيضات الإنتاج المنسقة خلال جائحة فيروس كورونا أسهمت في استقرار الأسعار بعد انهيار تاريخي.
وقال شوكري: "بشكل عام، لا تزال أوبك لاعبًا رئيسًا في تشكيل اتجاهات أسعار النفط العالمية؛ حيث غالبًا ما تُسبب سياساتها المنسقة تحركات أسعار قصيرة الأجل تبلغ عدة دولارات للبرميل، وتؤثر في الظروف الاقتصادية الأوسع".
واتفقت معه في الرأي الخبيرة الإستراتيجية في قطاع النفط والغاز كريستين غيريرو، التي أشارت إلى أن تدخل منظمة الدول المُصدّرة للنفط مباشرةً بعد تفشي جائحة فيروس كورونا، كان له دور محوري في استقرار سوق النفط ووضع حد أدنى لأسعاره.
وتابعت: "لكن للأسف، في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، تسابق المنتجون من خارج أوبك على رفع الأسعار، وزادوا إنتاجهم بطريقة قصيرة النظر، قائمة على تحقيق مصالح ذاتية".
وقد أدى ذلك إلى ما يُنظر إليه على أنه فائض عالمي في المعروض، ما حدّ من أسعار النفط خلال السنوات القليلة الماضية، بحسب ما صرحت به غيريرو إلى منصة الطاقة المتخصصة.
كما أكد محلل أسواق النفط بالشرق الأوسط في منصة آرغوس ميديا المتخصصة في الطاقة نادر إیتیّم، أن تأثير قرارات المنظمة في أسعار النفط لا جدال فيه.
وقال إيتيّم، في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة: "على الرغم من أن الكثيرين قللوا من أهمية المنظمة في سوق النفط العالمية على مر السنين؛ فإنه من الواضح جدًا أنه عندما تتحدث أوبك، تستمع السوق.. يشهد على ذلك الاهتمام الإعلامي بتحركات أوبك، والآن أوبك+، بشأن سياسة الإنتاج".
وأشار إلى أنه من الواضح أن درجة التأثير تختلف تبعًا لخطورة القرار، وكذلك لظروف السوق السائدة، ومدى توقع أي خطوة وتسعيرها؛ ولكن عندما ترفع أوبك وأوبك+ الإنتاج، تنخفض الأسعار حتمًا، والعكس صحيح.
دور أوبك في استقرار أسواق النفط
في ذكرى تأسيس أوبك، ما تزال المنظمة تؤدي دورًا محوريًا في استقرار أسواق النفط، وحماية الاقتصاد العالمي من التقلبات الشديدة، من خلال قدرتها على تنسيق إنتاج النفط بين الدول الأعضاء.
وهو ما أكده كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة أومود شوكري، الذي أوضح أن المنظمة تهدف إلى تخفيف تقلبات الأسعار، ومنع الارتفاعات أو الانهيارات المفاجئة التي قد تُزعزع الاستقرار الاقتصادي العالمي، من خلال تعديل حصص الإنتاج.
وقال شوكري إن هذه الإدارة الاستباقية تساعد على التخفيف من أثر الصدمات الخارجية، مثل التوترات الجيوسياسية، وأوقات الركود الاقتصادي، أو الأزمات مثل جائحة فيروس كورونا.
كما تُحافظ أوبك على طاقة إنتاجية فائضة لزيادة العرض بسرعة عند الحاجة؛ ما يُطمئن الأسواق ويُقلل من تقلبات الأسعار الناجمة عن الذعر، بحسب تصريحات شوكري إلى منصة الطاقة المتخصصة.
ومن خلال هذه الإجراءات، تُعزز المنظمة أسعار نفط قابلة للتنبؤ؛ ما يدعم التخطيط الاقتصادي والنمو العالمي، ويحمي الاقتصادات من الآثار السلبية للتقلبات الشديدة.
فدول أوبك تُوفر نحو ثلث المعروض العالمي، بالإضافة إلى الشركاء من خارج أوبك في أوبك+، ما جعلها تقترب بشكل كبير من مجموعة تُسهم بنحو 40% من المعروض العالمي، وفق ما قاله محلل أسواق النفط بالشرق الأوسط في منصة آرغوس ميديا المتخصصة في الطاقة نادر إیتیّم، في تصريحاته إلى منصة الطاقة.
وأضاف أنه يُمكن لهذه الدول، عند اتخاذ القرارات بوصفها مجموعة واحدة، أن تؤدي دورًا بالغ الأهمية في استقرار الأسواق، من خلال تغييرات في سياسة الإنتاج لموازنة أي قوى خارجية تُسبب زعزعة الاستقرار.
ومن جانبه، قال رئيس تحرير منصة "بتروليوم إيكونوميست" بول هيكن، إن منظمة أوبك استعادت سيطرتها بشكل أفضل على سوق النفط عبر تحالف أوبك+ الأوسع نطاقًا؛ ما عزز فاعليتها في تخفيف حدة التقلبات وخلق بيئة مواتية أفضل وأطول أمدًا للمنتجين والمستهلكين، حتى في ظل جائحة فيروس كورونا، والحروب، والهجمات المسلحة، والركود الاقتصادي، والنزاعات التجارية، والتقلبات الجيوسياسية.
وأوضح هيكن، في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة، أن المنظمة أثبتت مرارًا وتكرارًا أن دورات الازدهار والكساد، والأحداث غير المتوقعة التي تُحطم العرض والطلب، يُمكن التخفيف منها بشكل أفضل من خلال تأثير المنظمة المُستقر، كما أنها تُمثل إضافة حقيقية للاقتصاد العالمي.
ويرى هيكن أنه من أكبر المفارقات كيف تُصوّر بعض وسائل الإعلام أوبك بشكل سلبي، مُعتبرةً إياها "تحالف" غير فعّال، وهي ادعاءات كاذبة في نهاية المطاف.
فقد أثبت هذا الاتفاق النفطي قدرته على توفير بعض الاستقرار، خاصةً في ظل وجود طاقة فائضة يُمكن توظيفها لتعويض أزمة العرض، أو عندما تطلع معظم العالم خلال جائحة كورونا إلى مبادرة تقودها أوبك لرفع الأسعار من أدنى مستوياتها التي بلغت أقل من 20 دولارًا للبرميل بعد انهيار الطلب، بحسب تصريحات هيكن إلى منصة الطاقة المتخصصة.
كما أشارت الخبيرة الإستراتيجية في قطاع النفط والغاز كريستين غيريرو، إلى أن دور أوبك يتمثل في منع انهيارات أسعار النفط المطولة التي تُشلّ أصول النفط والغاز عالميًا؛ ما يجعلها غير مجدية اقتصاديًا للصيانة السليمة، ومن ثم تُصبح عبئًا بيئيًا على الحكومات في أماكن وجودها.
خسارة حصة سوقية ولكن!
اتخذت منظمة أوبك عدة إجراءات في مواجهة التقلبات الاقتصادية والجيوسياسية المختلفة على مر السنين، من خلال خفض إنتاج الدول الأعضاء؛ ما أدى إلى خسارتها حصة كبيرة من سوق النفط العالمية.
ولو لم تتحرك أوبك رغم خسارتها حصة كبيرة من السوق، لكانت عدة سيناريوهات صعبة قد ظهرت، بحسب ما أكّده كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة أومود شوكري.
وقال شوكري، في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة: "دون إدارة أوبك المنسقة للإنتاج، لربما واجهت السوق تقلبات حادة في الأسعار، بما في ذلك انهيارات حادة في الأسعار نتيجة فائض المعروض من المنتجين من خارج أوبك، مثل صناعة النفط الصخري الأميركي".
وأضاف: "من خلال تدخلها، سعت أوبك إلى تحقيق توازن مستدام في الأسعار، والحفاظ على حصتها السوقية، ودعم الاستقرار العالمي على الرغم من الضغوط التنافسية وتغير ديناميكيات العرض".
وأشار شوكري إلى أنه كان من المرجح أن يؤدي ذلك إلى انخفاض إيرادات جميع المصدرين؛ ما قد يتسبب في أزمات مالية وعدم استقرار اجتماعي في الاقتصادات المعتمدة على النفط.
علاوةً على ذلك، كان من الممكن أن يتسبب فقدان الحصص السوقية دون ضوابط في إضعاف نفوذ أوبك؛ ما يسمح للمنتجين ذوي التكلفة العالية خارج المنظمة بالتوسع دون ضوابط، ما يزيد من تشويه السوق.
كما كان من الممكن أن يؤدي غياب تنظيم أوبك للإمدادات إلى تفاقم حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي بسبب أسعار النفط غير المتوقعة؛ ما يُعقّد الاستثمار والتخطيط الاقتصادي طويل الأجل؛ ولربما واجهت الدول المستهلكة أيضًا تقلبات أسعار مُزعزعة، ما يزيد من مخاطر التضخم أو الركود، بحسب شوكري.
ومن جانبها، ترى الخبيرة الإستراتيجية في قطاع النفط والغاز كريستين غيريرو، أن تحركات أوبك في عامي 2020 و2021 كانت صائبة.
وتابعت: "لو كانت أكثر جرأة في استعادة الطاقة الفائضة خلال المدة 2022-2024، لكان من المرجح جدًا ألا ينمو إنتاج الولايات المتحدة بأكثر من 10% عن مستواه قبل جائحة كورونا".
وشدد محلل أسواق النفط بالشرق الأوسط في منصة آرغوس ميديا المتخصصة في الطاقة نادر إیتیّم، على أن تدخُّل منظمة أوبك أو تحالف أوبك+، في المجمل، كان لصالح استقرار أسواق النفط، حتى لو أدى، في نظر البعض، إلى ارتفاع أسعار النفط أكثر مما كانوا يتمنون.
وتُمثل التقلبات مشكلةً كبيرةً عندما يتعلق الأمر بإدارة السوق وإدارة العقود الآجلة؛ وبحسب إيتيّم، فقد نجحت المنظمة والتحالف إلى حد كبير في الحد من هذا الاضطراب على مر السنين.
دور أوبك في تحول الطاقة
تسعى منظمة أوبك إلى التكيف مع التحول العالمي نحو الطاقة المستدامة، مع الحفاظ على إنتاجها النفطي التقليدي؛ ما يمثل تحديًا مزدوجًا، بحسب ما صرح به كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة أومود شوكري.
وأشار شوكري إلى أن أعضاء أوبك+ يستثمرون بشكل متزايد في مشروعات الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مع استكشاف تقنيات مثل احتجاز الكربون وتخزينه للحد من الأثر البيئي.
وتؤكد الدول الأعضاء تحقيق التوازن بين الاستقرار الاقتصادي وأهداف المناخ، من خلال دعم التحول التدريجي في مجال الطاقة، بما يعكس واقع البنية التحتية واحتياجات السوق.
وبينما تُقر أوبك بالطلب المتزايد على مصادر الطاقة المتجددة، فإنها تُؤكد أن النفط سيظل حيويًا في قطاعات مثل النقل والصناعات الثقيلة والاقتصادات النامية؛ نظرًا إلى كثافة الطاقة فيها والبنية التحتية القائمة، وفق ما قاله شوكري في تصريحاته إلى منصة الطاقة.
كما تستكشف المجموعة شراكات لتعزيز قدرات الطاقة المتجددة، لكنها تُصر على اتباع نهج عملي يتجنب الاضطرابات المفاجئة في إمدادات الطاقة والنمو الاقتصادي.
وقال شوكري: "بهذه الطريقة، تسعى أوبك إلى أداء دور بنّاء في التحول العالمي في مجال الطاقة، مع حماية مصالحها الاقتصادية والإسهام في جهود التخفيف من آثار تغير المناخ".
وهو الأمر ذاته الذي أكده محلل أسواق النفط بالشرق الأوسط في منصة آرغوس ميديا المتخصصة في الطاقة نادر إیتیّم؛ إذ أوضح أن أوبك ودولها الأعضاء ستؤدي دورًا مهمًا في التحول إلى أشكال طاقة أنظف؛ لأن هذا التحول لن يحدث بين عشية وضحاها.
وتابع: "بينما يتخذ العالم خطوات لبناء قدرات الطاقة المتجددة والنظيفة، سيظل النفط والغاز التقليديان هما المصدر الأساسي للعالم للوصول إلى تلك النقطة".
ولكن حتى بعد ارتفاع قدرات الطاقة المتجددة والبديلة، يُقال إنه مع الارتفاع المستمر للطلب على الطاقة، سيستمر الطلب على النفط بالارتفاع أيضًا على الأقل خلال العقد المقبل أو نحو ذلك.
وقال إيتيّم: "حتى لو بلغ الطلب ذروته في مرحلة ما، فسيظل قويًا.. ستكون أوبك وأعضاؤها حاضرة لتوفير تلك الطاقة عند الحاجة".
وترى الخبيرة الإستراتيجية في قطاع النفط والغاز كريستين غيريرو، أن دور أوبك يتمثل في مواصلة توعية العالم بحقائق الطاقة.
وأضافت أن المنظمة تُظهر بشكل عملي التوازنات بين مصادر الطاقة المختلفة، بالإضافة إلى الأسباب التي تجعل أي مصدر طاقة لا يُمثل "حلًا واحدًا يناسب الجميع" لسكان العالم.
موضوعات متعلقة..
- هيثم الغيص في ذكرى تأسيس أوبك: سنظل ركيزة صناعة النفط.. وباقون لعقود
- أوبك بين مدينتين.. لماذا غادرت جنيف لتستقر في قلب فيينا؟
- في الذكرى 60 لنقل مقرها.. أمين عام أوبك: فيينا رمز تاريخي للمنظمة
اقرأ أيضًا..
- طيران أرامكو السعودية.. أسطول ضخم لخدمة أكبر حقول النفط في العالم
- الغاز المسال القطري.. إمكانات ضخمة تؤثر في السوق العالمية (تقرير)
- قطاع الغاز في مصر يترقّب اكتشافات ضخمة قريبًا.. 3 تريليونات قدم مكعبة