تكلفة الهيدروجين الأخضر تُهدد خطط التحول بأكبر اقتصاد أوروبي (تقرير)
أسماء السعداوي

وقعت الصناعات الثقيلة بين مطرقة ارتفاع تكلفة الهيدروجين الأخضر وسندان السياسات الحكومية الهادفة إلى خفض الانبعاثات الكربونية، لكنها في الوقت ذاته خفضت حجم الدعم المقدّم.
وما بين لوائح صارمة تُقيّد الإنتاج وترفع التكاليف وضعف الطلب، تعاني ألمانيا لتحقيق التحوّل إلى الهيدروجين الأخضر بوصفه وقودًا قابلًا للتطبيق في الاستعمالات التجارية والصناعية.
وداخل القطاع الصناعي للدولة صاحبة أكبر اقتصاد أوروبي، توالت الأنباء مؤخرًا حول تراجع شركات أو تأجيل خطط الاعتماد على الهيدروجين المُنتج بوساطة مصادر الطاقة المتجددة، وهو ما أثار حالة من الإحباط وسط إشارات حكومية متضاربة.
وفي ضوء ذلك، حذَّر رئيس تنفيذي لشركة صلب شهيرة من أنه إذا لم تنخفض تكلفة الهيدروجين الأخضر ستلجأ الشركة إلى الوقود الأحفوري لتشغيل أحد مصانعها في مدينة دويسبورغ، بحسب التفاصيل لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
أزمة الهيدروجين الأخضر في ألمانيا
تُعوّل ألمانيا على الهيدروجين الأخضر لإزالة الكربون من الصناعة، ولذلك وضعت أهدافًا جريئة للإنتاج والتصدير ودعمتها بإعانات وقروض بقيمة عشرات الملايين من اليوروهات.
لكن تباطؤ النمو الاقتصادي بالتوازي مع المنافسة التجارية مع الصين، وضعَ أكبر اقتصاد أوروبي إلى جانب دول العالم التي تشهد تباطؤًا في تبنّي وقود الهيدروجين الأخضر.
وفي يونيو/حزيران (2025)، خفضت الحكومة الألمانية الجديدة تمويلات مخصصة لتطوير اقتصاد الهيدروجين إلى 1.28 مليار يورو من 3.75 مليار يورو (1.5- 4.4 مليار دولار) التي خصصتها الحكومة السابقة.
(اليورو = 1.17 دولارًا أميركيًا).

يُشار هنا إلى أن ألمانيا هي أكثر الدول إطلاقًا لانبعاثات غازات الدفيئة بين دول الاتحاد الأوروبي، ولذلك تستهدف خفض الانبعاثات بنسبة 90% بحلول عام 2040، قبل تحقيق الحياد الكربوني بعد 5 سنوات من ذلك العام.
وعلى صعيد إنتاج الهيدروجين الأخضر، وضعت هدف زيادة قدرات التحليل الكهربائي إلى 10 غيغاواط بحلول عام 2030، لكن القدرة المركبة حتى تاريخه تقف عند 100 ميغاواط فقط.
وبالإضافة للإنتاج المحلي، دخلت ألمانيا في شراكات دولية لاستيراد الهيدروجين، كما بدأت في عام 2025 الجاري بناء شبكة لنقل الهيدروجين بإجمالي استثمارات يقترب من 20 مليار يورو بطول 9 آلاف كيلومتر، ومن المتوقع اكتمالها بحلول عام 2032.
أزمة المصانع وتكلفة الهيدروجين الأخضر
اشتكى رؤساء تنفيذيون من ارتفاع تكلفة الهيدروجين الأخضر في ألمانيا بالمقارنة بأنواع الوقود الأخرى، وخاصة الهيدروجين الرمادي، بما يهدد مستهدفات تحول الطاقة.
وتبلغ تكلفة كيلو الهيدروجين الأخضر نحو 6 يوروهات (7 دولارات)، وهي ضعف تكلفة الهيدروجين الرمادي المُنتج من الغاز الطبيعي تقريبًا.
ويوضح الإنفوغرافيك أدناه -الّذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- أنواع الهيدروجين وفق طريقة الإنتاج:
كما من المتوقع أن ترتفع تكلفة الهيدروجين الأخضر إلى 10 يوروهات بحلول عام 2030 (ربع أضعاف سعر الغاز الطبيعي حاليًا) بسبب زيادة تكاليف الاستثمار والامتثال للقواعد المنظمة.
وفي ضوء الوضع الحالي، حذَّر الرئيس التنفيذي لشركة الصلب الألمانية "تيسين كروب" (Thyssenkrupp) ميغيل أنغيل لوبيز بوريغو من لجوء شركته إلى الوقود الأحفوري لتشغيل مصنع صلب في دويسبورغ، كان من المقرر تشغيله بالهيدروجين الأخضر ما لم تنخفض التكلفة.
وبسبب ارتفاع تكلفة الهيدروجين الأخضر، قال لوبيز، إنه يفضّل بدءًا من عام 2028 البدء بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون باستعمال غاز الميثان الذي رغم كونه يُطلق انبعاثات كربونية أقل من الفحم، فإنه قادر على حبس حرارة تزيد 80 ضعفًا عن الكربون خلال عقدين.
يُشار إلى أفران الصهر العاملة بحرق الفحم مسؤولة عن 7% تقريبًا من إجمالي الانبعاثات في ألمانيا.
ينضم إلى لوبيز أكبر منتج للصلب في أوروبا شركة "أرسيلور ميتال" (ArcelorMittal) التي تخلّت في يونيو/حزيران الماضي (2025) عن خطط لتحويل اثنين من مصانعها في ألمانيا للعمل بالهيدروجين الأخضر.
كما أعلنت شركة صناعة المركبات الثقيلة دايملر الألمانية (Daimler) تأجيل خطط إنتاج شاحنات تعمل بالهيدروجين، بسبب بطء عمليات بناء محطات التزود بالوقود.
ولتقليل تكلفة الهيدروجين الأخضر بمقدار يوروهَين للكيلوغرام، اقترحت رئيسة عمليات الهيدروجين في شركة "آر دبليو إي" الألمانية (RWE) التخلص من قيود صارمة وضعَها الاتحاد الأوروبي، تتطلب استعمال كهرباء طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية من مزرعة بُنيت خلال آخر 3 سنوات، وفي الدولة نفسها الموجود بها جهاز التحليل الكهربائي.
إشارات متضاربة
على العكس من الحكومة الألمانية السابقة التي وضعت الهيدروجين الأخضر في القلب من خطط إزالة الكربون من الصناعة، تبعث الحكومة الجديدة بإشارات متضاربة إلى المطورين.
وفي الوقت الذي وعدت فيه بتسريع وتيرة نشر الهيدروجين، خفّضت الحكومة الإعانات التي كانت تستهدف تشجيع الشركات على استعماله.
وبدلًا من خفض تكلفة الهيدروجين الأخضر، وعدت الحكومة الجديدة بدعم استعمال الهيدروجين الرمادي والأزرق المنتجَين من الوقود الأحفوري الملوث.
وعن ذلك، تقول مديرة جمعية "إف إن بي غاز" (FNB Gas) الممثلة لشركات بناء شبكة نقل الغاز في ألمانيا، باربارا فيشر: "نرى إشارات على أن الهيدروجين ربما لا يكون على رأس أولويات هذه الحكومة".
بدوره، أرجع المتحدث باسم وزارة الطاقة خفض مخصصات دعم الهيدروجين بميزانية هذا العام إلى الرغبة في الالتزام بتقديم مبلغ يمكن الموافقة عليه من الناحية الواقعية، مؤكدًا أنها تريد ضمان تسريع وتصميم آليات تطوير اقتصاد الهيدروجين على نحو عملي أكثر.
موضوعات متعلقة..
- أميركا تخطط لاستغلال أنابيب الغاز في تقليل تكلفة الهيدروجين الأخضر
- تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر في أفريقيا.. موريتانيا والجزائر الأقل
- تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر ليست عائقًا أمام انتشاره (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- 4 دول عربية تكسر الرقم القياسي لاستهلاك الكهرباء في صيف 2025
- خطوط أنابيب مع 4 دول وصفقات لتخزين النفط.. ماذا فعل العراق في 24 ساعة؟
- حصص إنتاج النفط لـ8 دول في أوبك+.. وسابقة للسعودية منذ 2023
- الغاز الصخري في 3 دول عربية.. احتياطيات ضخمة على رادار الشركات الأميركية
المصدر: