استعمال الهيدروجين الأخضر في الصناعات الثقيلة.. خبيرة تكشف عن أبرز المزايا
داليا الهمشري

يبرز استعمال الهيدروجين الأخضر في صناعة الصلب بمثابة أحد الحلول الواعدة لإعادة تشكيل القطاعات الصناعية الثقيلة، في ظل التحولات العالمية نحو خفض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني.
وتُعد الصناعات الثقيلة من أكبر المساهمين في الانبعاثات الكربونية عالميًا؛ وهو ما يجعل البحث عن بدائل نظيفة ضرورة مُلحّة لمواكبة متطلبات الاستدامة.
وفي هذا السياق، سلّطت ندوة افتراضية -تابعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- الضوء على الفرص والتحديات المرتبطة بتطبيق الهيدروجين الأخضر في صناعة الصلب والصناعات المعدنية الأخرى.
وجاءت هذه الندوة بعنوان "إنتاج الهيدروجين الأخضر وتطبيقاته" في إطار المبادرة العربية للتعليم البيئي "تمكين بيئي مستدام"، برعاية وزارة البيئة المصرية وشركائها من مختلف الدول العربية، لمناقشة أحدث المستجدات في قضايا الاستدامة.
الهيدروجين الأخضر بديلًا لفحم الكوك
تناولت الاستشارية في علوم المواد وتطبيقاتها الدكتورة هبة الرحمن أحمد، خلال الندوة، مستقبل الهيدروجين في صناعة الصلب والصناعات المعدنية الأخرى، مسلطةً الضوء على المزايا البيئية والاقتصادية، والتحديات التي تعترض طريق التحول نحو هذا الوقود النظيف.
وأوضحت الدكتورة هبة الرحمن أن صناعة الصلب، كونها أكبر القطاعات المُسببة للانبعاثات الكربونية، تعتمد بشكل أساسي على الفحم في عمليات الصهر والتشكيل؛ ما يؤدي إلى إطلاق كميات ضخمة من ثاني أكسيد الكربون.
وتشير التقديرات إلى أن المعادن الـ4 الرئيسة (الصلب، الألومنيوم، النحاس، الزنك) تشكل وحدها 10% من إجمالي الانبعاثات العالمية.

وبيّنت أن إدخال الهيدروجين في هذه الصناعة يمثّل خطوة أساسية في التحول إلى منظومة طاقة أكثر نظافة؛ إذ يمكن استعماله بديلًا لفحم الكوك في إنتاج الصلب، سواء من خلال تشغيل الأفران العالية أو عبر وحدات الاختزال المباشر (DRI) التي تعتمد على الهيدروجين بدلًا من الغاز الطبيعي، وهو ما يُسهِم في خفض الانبعاثات بصورة جذرية.
التطبيقات الأخرى
استعرضت الدكتور هبة الرحمن تطبيقات الهيدروجين الأخضر في مجالات أخرى؛ منها قطاع النقل، مشيرة إلى التجارب التي أُجريت على الشاحنات الكبيرة العاملة بالهيدروجين، مع جهود لتطوير طائرات وسفن تعمل بالهيدروجين.
وأبرزت دور الهيدروجين في الصناعات الكيميائية في عمليات إنتاج الأمونيا والميثانول، وهما أساس صناعة الأسمدة والمواد البلاستيكية.
كما سلّطت الضوء على استعمال الهيدروجين في تخزين الطاقة المتجددة من خلال تحويل الفائض من الكهرباء المتجددة إلى هيدروجين يمكن تخزينه والاستفادة منه لاحقًا لتعزيز استقرار الشبكات الكهربائية.
وحول المزايا البيئة لاستعمال الهيدروجين الأخضر، أشارت الدكتورة هبة الرحمن إلى أنه يمتاز بانعدام الانبعاثات الكربونية خلال الإنتاج عبر التحليل الكهربائي للماء، كما يعمل على تحسين جودة الهواء؛ إذ لا ينتج عنه سوى بخار الماء.
وأضافت أن استعمال الهيدروجين في الصناعات الكثيفة الانبعاثات -مثل الصلب والأسمنت- يقلل البصمة الكربونية، كما أبرزت دوره في حل مشكلة عدم موثوقية مصادر الطاقة المتجددة.
التحديات الراهنة
طرحت الندوة مقارنة شاملة بين الإنتاج التقليدي للصناعات الثقيلة القائم على الغاز أو الفحم والإنتاج بالهيدروجين، حيث تبيّن أن التكلفة الأولية للهيدروجين ما زالت مرتفعة، سواء من حيث الوقود أو البنية التحتية، غير أن الانبعاثات شبه معدومة، كما أن قبوله في الأسواق الأوروبية أعلى بكثير مقارنة بالطرق التقليدية.
ورغم هذه المزايا؛ فقد لفتت الدكتورة هبة الرحمن إلى أن الطريق أمام الهيدروجين الأخضر ما زال مليئًا بالتحديات؛ أبرزها ارتفاع التكلفة الرأسمالية والتشغيلية، والحاجة إلى تطوير التقنية لتكييف الأفران العالية مع الهيدروجين، وضعف البنية التحتية العالمية لتوزيع الهيدروجين، والحاجة إلى تعاون دولي لتقاسم التكاليف وتطوير الحلول.
كما أشارت الندوة إلى أن الاستفادة من الهيدروجين لا تقتصر على الصلب، بل تمتد إلى صناعة الزنك؛ حيث نجح استعمال الهيدروجين والأمونيا في خفض انبعاثات الصهر التي تمثل 80% من انبعاثاته.
وتجري -حاليًا- تجارب في ألمانيا واليابان لاستبدال الغاز بالهيدروجين في أفران صناعة النحاس، بالإضافة إلى مشروعات تجريبية في أستراليا واليابان لاستعمال الهيدروجين في التكرير وزيادة إنتاج الألومنيوم.
مقارنة تكلفة الإنتاج
أوضحت الدكتورة هبة الرحمن أن تكلفة إنتاج طن الصلب التقليدي تتراوح بين 500 و600 دولار، في حين يزيد الصلب الأخضر بنحو 150 دولارًا للطن، ورغم هذه الزيادة؛ فإن الانبعاثات تنخفض بنسبة تصل إلى 85%، وهو ما يحقق ميزة تنافسية في الأسواق التي تفرض ضرائب كربونية مثل الاتحاد الأوروبي.

واستعرضت الدكتورة هبة الرحمن التجارب الدولية الرائدة، مثل مشروع HYBRIT السويدي لإنتاج الصلب الأخضر، وتجارب شركات أسترالية ويابانية وألمانية، إلى جانب دعوات لتطوير مصانع اختزال مباشر تعمل بالهيدروجين في الشرق الأوسط، خاصة في مصر والسعودية.
واختتمت الدكتورة هبة الرحمن حديثها بالتأكيد على أن الهيدروجين يشكل فرصة حقيقية لإحداث ثورة في صناعة الصلب والصناعات المعدنية الأخرى، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية واستثمارات ضخمة وتعاون دولي لتجاوز التحديات التقنية والاقتصادية، لفتح الطريق نحو مستقبل صناعي يتماشى مع أهداف الحياد الكربوني.
موضوعات متعلقة..
- قطاع الهيدروجين الأخضر في مصر يترقب انتعاشة بشراكة جديدة
- لخفض تكلفة إنتاج الهيدروجين والأمونيا.. تقنية تقلص استهلاك الكهرباء 30%
- خريطة الهيدروجين الأخضر في شمال أفريقيا.. 6 دول تتصدرها مصر
اقرأ أيضًا..
- منتدى بغداد الدولي للطاقة.. تأكيد أهمية النفط والغاز ورسالة عاجلة لأوبك
- الغاز الصخري في 3 دول عربية.. احتياطيات ضخمة على رادار الشركات الأميركية
- أقل الدول العربية اعتمادًا على الطاقة المتجددة.. قائمة تضم 5 بلدان
- أنس الحجي: صناعة النفط واجهت حربًا من الجميع.. وهذه أسباب تراجع الاستثمارات