مستشار دولي: مؤشرات لاحتياطيات هيدروجين طبيعي في سلطنة عمان.. و4 مميزات للمنافسة عالميًا (حوار)
أجرى الحوار - عبدالرحمن صلاح

- عُمان من أكثر الدول الواعدة عالميًا في مجال الهيدروجين الطبيعي
- النطاق التنافسي المقبول عالميًا يتراوح بين 1.5 إلى دولارين أميركيين لكل كيلوغرام هيدروجين
- النموذج العماني يمكن أن يتحول إلى دليل عالمي لكيفية تنفيذ لوجستيات هيدروجين متقدمة
- نقل الهيدروجين عبر خطوط أنابيب عابرة للحدود يُعدّ خيارًا منطقيًا وفعالًا في المدى المتوسط
- عدّة دول عربية تُظهر تقدمًا ملحوظًا في مشروعات الهيدروجين، لكن الجاهزية لا تُقاس بعدد المشروعات فقط
يمتلك قطاع الهيدروجين في سلطنة عمان فرصًا واعدة للمنافسة على اقتناص حصة مقدَّرة من السوق العالمية خلال السنوات المقبلة، بفضل مجموعة من السياسات والمحفّزات التي توفرها الدولة.
وفي هذا السياق، تحدَّث الخبير في قطاع الهيدروجين، مستشار وممثل سلطنة عمان السابق في وكالة الطاقة الدولية الدكتور عبدالله العبري، عن أهم المقومات التي تتمتع بها السلطنة، وكيف تحجز مقعدًا في قائمة أبرز الدول المرشحة لإنتاج الهيدروجين وتصديره.
وفي حواره مع منصة الطاقة المتخصصة (الصادرة من واشنطن)، أشار "العبري" إلى مؤشرات على وجود كميات تجارية من الهيدروجين الطبيعي في سلطنة عمان.
والهيدروجين الطبيعي (أو الهيدروجين الجيولوجي) هو الغاز الموجود بصورة حرة في طبقات الأرض الجوفية، وعادةً ما يُستخرج عبر عمليات الحفر، مثل التكسير الهيدروليكي وحقن مزيج من المياه والرمال والمواد الكيميائية، في ضغط مرتفع، بهدف إطلاق الغاز من الصخور.
وفي حواره مع "الطاقة" يشرح الدكتور عبدالله العبري أسباب الضبابية الحالية في سوق الهيدرجين العالمية، التي أسفرت عن عزوف عدد من الشركات العالمية عن اتخاذ قرارات استثمارية لمشروعات هيدروجين كان يُنظر إليها بأنها واعدة.
وإلى نص الحوار:
تخطط سلطنة عمان إلى إنتاج 1.25 مليون طن سنويًا من الهيدروجين بحلول عام 2030.. هل ترون أنه يمكن الوصول لهذا الهدف في ضوء عدم اتخاذ قرارات استثمارية حتى الآن؟
نعم، بشرط أن تنتهج عمان مسارًا بديلًا بما يتناسب مع مستجدات القطاع، فالسلطنة ليست دولة ناشئة في قطاع الهيدروجين، بل لديها بنية صناعية قائمة، وخبرة عميقة في إنتاج الهيدروجين من الغاز الطبيعي.
ما يميز عُمان اليوم هو أنها تُعدّ من أكثر الدول الواعدة عالميًا في مجال الهيدروجين الطبيعي، فالتكوينات الجيولوجية الفريدة في السلطنة، خاصة في الشمال والجنوب الشرقي، تُظهر مؤشرات على إمكان وجود كميات مجدية من الهيدروجين الطبيعي.
وإذا ما تأكّدت هذه الكميات، فستكون عُمان من أوائل الدول التي تستفيد من هذا المورد بصفته أحد مصادر الطاقة الأولية المتجددة، والأهم أن عُمان تمتلك إطارًا تشريعيًا وتنظيميًا ناضجًا وتنافسيًا، مما يتيح تسريع الاستثمار والتطوير بشكل أكثر مرونة مقارنةً بأسواق أخرى.
في الوقت ذاته، فإن بناء طلب محلي مستقر على الهيدروجين الأخضر، عبر التطبيقات الصناعية والمواني والمركبات الثقيلة، سيكون الركيزة الأساسية لتقليل المخاطر وتفعيل سلاسل التوريد.
عند دمج المسارين -الهيدروجين الطبيعي والهيدروجين الأخضر المحلي- تصبح رؤية 2030 قابلة للتحقيق بشكل واقعي ومبني على ممكنات حقيقية.
على مدار الأشهر الأخيرة، تراجعت الكثير من الشركات العالمية عن خططها للاستثمار في الهيدروجين، لِعَدِّهِ قطاعًا مُكلفًا وناشئًا.. ما رأيكم في ذلك؟ وهل يكون أحد أسباب تأخُّر خطط عُمان؟
تباطؤ الاستثمارات عالميًا هو نتيجة فجوة بين سرعة تقدُّم التكنولوجيا وبطء نضج السياسات، فالهيدروجين ما يزال حبيسًا بين الطموحات السياسية والمنطق التجاري، وهذا التباين يخلق بيئة من عدم اليقين للمستثمرين، خاصة في الأسواق التي لم تحدّد بعد كيف ستدعم الطلب، أو كيف ستنظّم البنية التحتية، أو كيف ستعالج قضية التكاليف.
هذا لا يعني أن الفرصة تتلاشى، بل إن الدول التي تستطيع تصميم نموذج واضح ومرن هي التي ستكسب الأفضلية في الموجة التالية من الاستثمار.
عُمان تستفيد من هذا التباطؤ العالمي بعدم الاندفاع وراء مشروعات غير ناضجة، بل بتكوين منصة جاهزة للتنفيذ بمجرد توفر إشارات السوق الصحيحة.
إن الدولة تمتلك إطارًا مؤسسيًا موحدًا من خلال شركة هايدروم (Hydrom) وأراضٍ مخصصة، وبنية تحتية صناعية ولوجستية قائمة، مما يجعلها في موقع ممتاز عندما تستقر السياسات العالمية.
ووفقًا لوكالة الطاقة الدولية، تضاعفت القدرة الإنتاجية للمحللات الكهربائية عالميًا لتصل إلى 25 غيغاواط في عام 2023، ما يشير إلى أن القطاع لا يتراجع فعليًا، بل يستعد للانطلاقة التالية، وعُمان من الأماكن القليلة التي تستثمر في هذا الاستعداد المنظّم.
كم تبلغ تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر حاليًا في سلطنة عمان؟
تتراوح التقديرات بين 2 و3 دولارات أميركية لكل كيلوغرام بحلول عام 2029/ 2030، اعتمادًا على حجم المشروع وتكامل البنية التحتية.
هذه التقديرات مدعومة بمصادر الطاقة المتجددة المتميزة في عُمان:
- إشعاع شمسي يتجاوز 2400 كيلوواط/ساعة/م² في معظم المناطق.
- رياح مستقرة في محافظة ظفار.
- جهود حديثة باستكشاف الطاقة الحرارية الجوفية في مناطق كهوف الحجر الجيري والجبال الصلبة.
هذه المصادر المتنوعة لا تقلل التكاليف فقط، بل تسمح بتشغيل وحدات التحليل الكهربائي على مدار الساعة، مما يزيد من كفاءتها بشكل ملحوظ مقارنةً بدول تعتمد على مصدر واحد فقط.
حسب تقديراتكم، ما هي أنسب تكلفة للاستثمار في الهيدروجين، خاصة في الدول العربية؟
النطاق التنافسي المقبول عالميًا يتراوح بين 1.5 ودولارين أميركيين لكل كيلوغرام من الهيدروجين، لكن التركيز على السعر وحده يخفي نقاطًا جوهرية.
فالتكلفة الحقيقية تتكوّن من مزيج من: سعر الإنتاج، وتكلفة التمويل، والتكاليف اللوجستية، والتكاليف غير المباشرة، إضافةً إلى المخاطر التنظيمية، لذا فإن "التكلفة الأفضل" هي تلك التي تأتي مع أقلّ قدر من التعقيد وأعلى قدر من اليقين.
إن الدول التي توفر طاقة متجددة منخفضة الكلفة (مثل عمان، السعودية، مصر، والإمارات) لديها الأساس، ولكن ما يميّز سلطنة عمان تحديدًا هو أنها تقدّم بالإضافة إلى ذلك:
- مواقع جاهزة قريبة من مواني التصدير.
- تراخيص موحدة وسريعة عبر مؤسسات مخصصة.
- نموذج حوكمة يسمح بالمشاركة في البنية التحتية وتقليل التكاليف غير المباشرة.
- مرونة في نماذج الشراكة وتوزيع المخاطر بين الدولة والمستثمرين.
لذلك فإن عُمان لا توفّر سعرًا مناسبًا للهيدروجين فحسب، بل أيضًا تكلفة استثمارية كلية أكثر تنافسية وأمانًا.
سلطنة عمان هي ثاني أكثر الدول في عدد المشروعات المعلنة للهيدروجين بنهاية الربع الأول 2025.. ما هي عوامل الجذب التي تمتلكها السلطنة؟
لأنها ببساطة تقدّم أكثر من مجرد موارد طبيعية، عمان تقدّم "منصة تشغيل متكاملة"، قائمة على:
• قيادة وطنية واعية:
من خلال إستراتيجية واضحة للهيدروجين، وتخصيص كتل أراضٍ، وتأسيس جهة مركزية (Hydrom) لتنظيم القطاع.
• مرونة المستثمر:
من حيث السماح بتعدُّد الخيارات التكنولوجية، والاستفادة من البنية التحتية المشتركة.
• تكامل عالمي:
من خلال المشاركة النشطة في صياغة شهادات المنشأ، وتطوير ممرات تجارة مستقبلية مثل الربط مع أوروبا.
إن سلطنة عمان لا تبيع الهيدروجين، بل تقدّم ثقة ونظام تشغيل مرنًا ومتكاملًا.
في 15 أبريل/نيسان 2025، وقّعت السلطنة اتفاقية لتطوير ممر الهيدروجين المسال، وهو أول ممر تجاري لتصدير الهيدروجين المسال في العالم، ليربط بين سلطنة عمان وهولندا وألمانيا.. ما هي فرص نجاح هذا المشروع؟
ممرّ الهيدروجين الذي يربط سلطنة عمان بأوروبا يُعدّ أول محاولة فعلية لإنشاء سلسلة توريد متكاملة بين منتج في الجنوب ومستهلك في الشمال.. فرص نجاحه مرتفعة، لأنه يعتمد على مجموعة من العوامل التي تعمل عُمان على تعزيزها:
القدرة على التسييل والتصدير:
عُمان تمتلك خبرة طويلة في تصدير الغاز الطبيعي المسال، ويمكن توظيف هذه الخبرات لتطوير البنية التحتية للهيدروجين السائل.
بنية تحتية بحرية جاهزة:
موانٍ مثل صحار والدقم قابلة للتوسعة لتتناسب مع متطلبات شحن الهيدروجين.
شراكات إستراتيجية قوية:
الاتفاقيات مع هولندا وألمانيا لا تقتصر على النوايا، بل تشمل التعاون في التوحيد الفني والمعايير وشهادات المنشأ.
تكامل تنظيمي دولي:
عمان تشارك فعليًا في الجهود الدولية لخلق نظام تجارة للهيدروجين قابل للتحقق والموثوقية، وهو ما يمثّل عنصر الثقة الأهم في التجارة.
أضف إلى ذلك أن هذا الممر لا يتطلب جغرافيا ملائمة فقط، بل أيضًا إرادة سياسية ومؤسسية للتنفيذ المشترك، وعمان تمتلك كلتيهما، مما يجعل المشروع أقرب إلى النجاح منه إلى المجازفة.
ما هي أنسب طرق نقل الهيدروجين وأرخصها بالنسبة لسلطنة عمان؟
عُمان لا تتعامل مع نقل الهيدروجين بصفته خيارًا ثابتًا، بل نظام متعدد الوسائط مصمم حسب السوق المستهدفة والاستعمال النهائي، وتشمل الوسائل قيد الدراسة أو التنفيذ:
الناقلات العضوية السائلة (LOHCs): تقنية تتيح نقل الهيدروجين ضمن سوائل مستقرة وآمنة عبر مسافات طويلة، وتناسب الأسواق التي لا تمتلك بنية تحتية متقدمة للهيدروجين النقي.
- الهيدروجين المحوَّل إلى وقود صناعي مثل الميثانول أو الكيروسين الصناعي، لاستعماله في الشحن البحري والطيران.
- الهيدروجين المضغوط أو المسال للنقل المحلي أو الإقليمي، خاصة للمواني والصناعات القريبة.
- الربط بالبنية التحتية الحالية للغاز الطبيعي، عبر عمليات الدمج أو النقل في خطوط مخصصة.
- المركبات المخصصة للتوصيل إلى المستعمِل النهائي في حالات الاستعمال الصناعي المتناثر.
إن ما يميّز سلطنة عمان هو أنها تمتلك البنية الأساسية (موانٍ، طرق، خطوط أنابيب) القابلة للتكيّف مع هذه الخيارات، وتعمل حاليًا على تقييم جدوى كل مسار، بناءً على التحليلات التجارية، واللوجستية، والتنظيمية.
النموذج العماني يمكن أن يتحول إلى دليل عالمي لكيفية تنفيذ لوجستيات هيدروجين متقدمة بأسلوب مرن ومصمم حسب الحاجة.
هل ترون أن نقل الهيدروجين عبر خطوط الأنابيب سيكون ملائمًا للسلطنة؟
نعم، بل تُعدّ خطوط أنابيب الهيدروجين ركيزة إستراتيجية ضرورية لتمكين منظومة الهيدروجين داخل سلطنة عُمان.
في المرحلة الأولى، ستؤدي هذه الخطوط دورًا محوريًا في ربط مواقع الإنتاج بالمراكز الصناعية والاستهلاكية المحلية، لا سيما في مناطق مثل صحار والدقم، حيث تتوافر البنية التحتية والمرافق الصناعية الكبرى.
هذا الربط يمكن أن يشكّل الأساس لتطوير "مراكز طلب محلية للهيدروجين" تدعم الصناعات الثقيلة، مثل التكرير، البتروكيماويات، وإنتاج الأمونيا الخضراء.
أمّا على المستوى الإقليمي، فإن نقل الهيدروجين إلى دول الجوار عبر خطوط أنابيب عابرة للحدود يُعدّ خيارًا منطقيًا وفعّالًا في المدى المتوسط، خاصة مع تنامي الحاجة الإقليمية إلى حلول طاقة منخفضة الكربون، والاتجاه نحو الربط الطاقي الخليجي.
هذا السيناريو يتطلب تنسيقًا تنظيميًا بين الدول، لكن عُمان تمتلك البنية المؤسسية والانفتاح السياسي اللازم لتحقيق ذلك.
وعلى صعيد التجارة الدولية بعيدة المدى، فإنني أعتقد أن النقل البحري سيظل هو الأساس لتصدير الهيدروجين إلى الأسواق البعيدة مثل أوروبا وشرق آسيا.
وهنا تتميز عمان بقدرات مثبتة في هذا المجال؛ فهي تمتلك بنية تحتية متقدمة لتصدير الغاز الطبيعي المسال، إلى جانب مشروعات قائمة وقيد التطوير لإنتاج وتصدير مشتقات الهيدروجين مثل الأمونيا والميثانول، اللتين تُستعملان حاليًا وسيلتين رئيستين لنقل الهيدروجين بشكل مستقر وآمن عبر البحر.
هذه الخبرات تُشكّل رصيدًا إستراتيجيًا يمكن تكييفه بسرعة لدعم سلسلة القيمة للهيدروجين النظيف.
باختصار، رؤية عمان في نقل الهيدروجين ليست أحادية الاتجاه، بل تقوم على نموذج نقل متعدد الوسائط يشمل:
- خطوط أنابيب محلية وإقليمية لدعم الطلب القريب.
- نقل بحري باستعمال البنية الحالية لتصدير مشتقات الهيدروجين.
- مرونة في اختيار الوسيلة الأنسب حسب السوق والاستعمال النهائي.
هذا النهج المتكامل يُعزز مكانة عمان مركزًا إقليميًا موثوقًا به لإنتاج وتوزيع الهيدروجين النظيف، ويمنحها مرونة إستراتيجية لمواءمة تطورات السوق المحلية والدولية على حدّ سواء.
ما هي أبرز الدول العربية التي ترون أنها تملك البنية التحتية المناسبة لإنتاج الهيدروجين وتصديره؟
تُظهر عدّة دول عربية تقدمًا ملحوظًا في مشروعات الهيدروجين، لكن الجاهزية لا تُقاس فقط بعدد المشروعات أو وفرة الموارد الطبيعية، بل تشمل أيضًا عناصر حاسمة، مثل: النضج المؤسسي، وتكامل البنية التحتية الصناعية، ووضوح السياسات التنظيمية، وموقع الدولة في سلاسل التوريد الإقليمية والعالمية.
ووفقًا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية (IEA)، فإن السعات المستهدفة للتحليل الكهربائي في الدول العربية بحلول عام 2030 توضح طموحًا لافتًا لدى عدد من الدول:
الدولة | عدد المشروعات | سعة التحليل الكهربائي المستهدفة (ميغاواط) |
سلطنة عمان | 14 مشروعًا | 23.047 |
المغرب | 14 مشروعًا | 22.955 |
مصر | 22 مشروعًا | 11.796 |
السعودية | 4 مشروعات | 2.201 |
الإمارات | 13 مشروعًا | 1.606 |
ورغم أن المغرب ومصر تمتلكان سعات ضخمة مستهدفة، فإنني أعتقد أن سلطنة عُمان والإمارات تُعدّان الأكثر جاهزية وفعالية على مستوى التحول الفعلي، بفضل النماذج التنظيمية والحوكمة القابلة للتنفيذ والربط السريع بين الإنتاج والتطبيق.
في عام 2023، أجريتم دراسة تحليلية حول احتمال إيجاد طلب محلي للهيدروجين بدلًا من الغاز الطبيعي.. ألا ترون أن التكلفة المرتفعة للهيدروجين مقارنة بالنفط والغاز تمنع تحقيق ذلك؟
السؤال حول الهيدروجين بديلًا للغاز الطبيعي لا يجب أن يُفهم بأنه استبدال مباشر، بل بأنه تحوّل في فلسفة إدارة الطاقة والصناعة.
فالهيدروجين لا يهدف إلى إزاحة الغاز من كل تطبيق، بل إلى تحرير الغاز الطبيعي من الاستعمالات التي يمكن أن يتحمّلها الهيدروجين، لإعادة توجيهه نحو مجالات أكثر ربحًا أو للتصدير.
في عام 2023، أجريتُ دراسة تحليلية لتحديد إمكان بناء سوق طلب محلية للهيدروجين، خصوصًا في القطاعات التي يصعب فيها الاعتماد على الكهرباء وحدها، مثل:
- المصافي ومعالجة النفط: حيث يمكن للهيدروجين تقليل البصمة الكربونية وتعزيز الامتثال البيئي.
- الصناعات البتروكيميائية: التي تستعمل الهيدروجين مادة وسيطة، وليس وقودًا فقط.
- الشحن البحري في المواني: حيث يمكن استعمال الهيدروجين أو مشتقاته وقودًا منخفض الكربون.
- إنتاج الأسمدة (الأمونيا الخضراء): التي تحتاج إلى الهيدروجين مدخلًا رئيسًا، ما يجعل التحول إلى الأخضر منطقيًا تجاريًا.
صحيح أن تكلفة الهيدروجين الأخضر اليوم أعلى من الغاز، لكن هذه الفجوة في طريقها إلى الانكماش بفضل تطور تكنولوجيا التحليل الكهربائي، وتوطين المعدّات، وارتفاع أسعار الكربون عالميًا.
الأهم من ذلك، أن بعض التطبيقات لا تبحث عن الأرخص، بل عن الامتثال البيئي، والاستقرار على المدى البعيد، والقدرة على التصدير للأسواق الخضراء.
بعبارة أخرى، الهيدروجين في عمان لن يحلّ محلّ الغاز بالكامل، لكنه سيمكّن السلطنة من إعادة توزيع مواردها بطريقة ذكية، تحسّن العائد الاقتصادي وتُعدّ البلاد لاقتصاد منخفض الكربون.
وهذه الرؤية تجعل من الهيدروجين المحلي رافعة إستراتيجية داخلية، لا مجرد سلعة تصديرية.
قبل أيام، وقّعت إحدى الشركات اتفاقية لتصنيع معدّات الهيدروجين في السلطنة.. ما رأيكم في هذه الخطوة، وما هي أنسب المناطق لإقامة مصانع من هذا النوع؟
تصنيع معدّات الهيدروجين في عمان ليس مجرد خيار صناعي، بل رؤية إستراتيجية لخلق سلاسل قيمة محلية، وتحقيق استقلال صناعي، وتقليل التكاليف التشغيلية للمشروعات.
وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 20-25% من تكلفة مشروعات الهيدروجين في المنطقة يُستهلك في "التكاليف غير المباشرة"، بما يشمل اللوجستيات، والاستيراد، والتخصيص، والتركيب.. تصنيع المعدّات محليًا يُعالج هذا التحدي مباشرة.
أكثر من ذلك، فإن تطوير قاعدة تصنيع محلية في عمان يخلق:
- اقتصادات الحجم للمشروعات المتعددة في الموقع الجغرافي نفسه.
- مرونة في التسليم وخفض المخاطر اللوجستية.
- تعزيز الأمن الصناعي وتقليل الاعتماد على سلاسل الإمداد العالمية.
- فرصًا للتنمية البشرية والتقنية، من خلال التدريب والتشغيل في تقنيات الهيدروجين المتقدمة.
بل إن هذه الخطوة تفتح الباب أمام عُمان لتصبح مركزًا لتصدير حلول الهيدروجين المصممة خصوصًا للبيئات الصحراوية والمناخات القاسية، سواء للأسواق الخليجية أو الإفريقية أو جنوب آسيا.
إنها ليست فقط إستراتيجية صناعية، بل ميزة تنافسية قابلة للتصدير في حدّ ذاتها.
هل بإمكان السلطنة أن تكون مصدرًا عالميًا لمعدّات الهيدروجين، وتنافس الصين؟
عُمان لا تسعى لمنافسة الصين من حيث الحجم، بل تركّز على تقديم حلول نوعية وملائمة للسياق الإقليمي.
ومن خلال التركيز على حلول مخصصة للبيئات الصحراوية، والتكامل مع الأسواق المجاورة، وبناء شراكات تصنيع ذكية، يمكن لعُمان أن تصبح مزودًا متخصصًا لمنطقة الخليج والقرن الأفريقي وجنوب آسيا
موضوعات متعلقة..
- فرص مشروعات الهيدروجين في سلطنة عمان ضمن قائمة أفضل 6 دول عربية (تقرير)
- الهيدروجين الطبيعي في سلطنة عمان يشهد توقيع صفقة
اقرأ أيضًا..
- توقعات الطلب على النفط في 2026.. وكالة الطاقة الدولية تخالف الاتجاه
- هل يواجه عصر السيارات الكهربائية أفولًا مبكرًا؟.. الوعود الكبرى تتهاوى (تحقيق)
- الهيدروجين الأخضر في أفريقيا.. موريتانيا تطمح للريادة بين دول القارة